الإرهاب و"النهضة": طريق ترسمه الذئاب المنفردة

الإرهاب و"النهضة": طريق ترسمه الذئاب المنفردة


23/05/2021

منذ أيار (مايو) 2011، تصاعدت وتيرة الأعمال الإرهابية في تونس، وراح ضحيتها عشرات الأمنيين والعسكريين والمدنيين والسياح الأجانب، حيث تواجه تونس جماعات متشددة تتحصن بالمرتفعات الغربية للبلاد، من بينها "جند الخلافة"، الذي يدين بالولاء لتنظيم داعش وعقبة بن نافع، الذي يتبع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلام.

 وفي آخر عملية مشتركة بين قوات الأمن التونسي والوحدات العسكرية تمّ القضاء على خمسة عناصر إرهابية، مساء الأحد 16 أيار (مايو) 2021، بأحد المرتفعات الجبلية بمحافظة القصرين (غرب البلاد) وهو ما أثار المخاوف في البلد من تزايد حدة هذه الهجمات وسط تعطّل لغة الحوار بين الرئاسات الثلاثة.

وتذهب أغلب التحاليل في تونس إلى أنّ انعدام الاستقرار السياسي في البلاد أثر سلباً على مكافحة الإرهاب، الذي تنامى بعد ثورة 2011، حيث ما تزال حالة الطوارئ سارية في تونس منذ 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، حين قُتل 12 عنصراً من الأمن الرئاسي، وأصيب عشرون آخرون في هجوم انتحاري استهدف حافلتهم بوسط العاصمة، تبنّاه تنظيم "الدولة الإسلامية".

ما يحدث في تونس هو تداعيات توظيف الدين في السياسة والتسامح مع الجماعات المتشددة، فضلاً عن التساهل الكبير والتسيّب الذي أبدته "النهضة" مع الجماعات المتطرفة

وهذه ليست العملية الأولى التي تحصل في البلاد فقد تبنّى تنظيم داعش اختطاف راعياً شاباً في جبال تونس قريباً من الحدود مع الجزائر، وقطعوا رأسه، الأحد 20 كانون الأول (ديسمبر) 2020، وفي آذار(مارس) 2019، قتل تونسي كانت سلطات بلاده قد عثرت قبل شهر على جثته، فيما قطعت مجموعة متطرّفة رأس مبروك السلطاني (17 عاماً)، عام 2015، في عملية هزّت الرأي العام، وبعد سنتين عُثر على جثة شقيقه الأكبر أثناء عملية تمشيط من قبل قوات الأمن والجيش إثر إعلان تعرضه للخطف على يد مجموعة إرهابية.

ارتدادات الإرهاب الجيوستراتيجية

ورغم تواتر هذه العمليات الإرهابية في تونس، غير أنّها لم تنجح في ضرب تونس سوى مرات قليلة فقط، وهو ما يشير إلى اكتساب الأمن التونسي قدرةً على مكافحة الإرهاب والتطرف، وسط تحفيز من قادة البلد على مواصلة المعركة، حيث سبق أن تعهّد الرئيس التونسي، قيس سعيّد، بالردّ بالقوة وبالروح القتالية العالية نفسها، والتصدي لكلّ من يريد ضرب الدولة التونسية في الداخل والخارج.

محمد ذويب

في هذا الشأن، يقول محمد ذويب، كاتب وباحث دكتوراه في التاريخ والعلوم السياسية، وصاحب كتاب "ملحمة بن قردان أسرار وخفايا معركة مارس 2016"، وهو أول كتاب يوثّق لتصدّي الأهالي والجيش التونسي لمحاولة سيطرة التنظيم الإرهابي على مدينة بن قردان، في الجنوب التونسي، إنّ وتيرة الاعتداءات التي تشنّها الذئاب المنفردة في نسق متصاعد ما هي إلا تكتيك من التنظيم للتأكيد على أنّه لم ينته وما يزال على قيد الحياة.

اقرأ أيضاً: الإسلامية والليبرالية.. هل تمثلان نتاج الصراع على أسس النهضة؟

و أشار ذويب إلى أنّ الإرهابيين باتوا يتكيّفون بشكل سريع ويستغلّون أوجه الضعف التي تسبّبت بها جائحة كورونا، لتنفيذ مخططاتهم العدوانية، وتجذب تكتيكاتهم على شكل مجموعات جديدة من مختلف الأيديولوجيات، مؤكداً أنّ عملية بن قردان، في آذار (مارس) 2016، والهزيمة الكبيرة التي تلقتها كتيبة البتار كانت لها ارتدادات جيوإستراتيجية كبيرة في تونس، وفي المنطقة بصفةٍ عامةٍ، حيث نجح أهالي بن قردان، بالاشتراك مع الأمن والجيش الوطنيين، في تكبيد هذا الفرع من داعش هزيمةً كبيرة ساهمت في إضعافه، عبر تكبيده خسائر مادية وبشرية ومعنوية كبيرة، ساهمت في تلاشيه وانفضاض العناصر من حوله وعزله.

خطاب النهضة أرضية خصبة للإرهاب

وشهدت تونس، بعد ثورة 2011، هجمات للمتطرفين، قُتل خلالها عشرات من عناصر الأمن والجيش والمدنيين والسياح، فيما تُتهم حركة النهضة، كونها الحاضنة السياسية لتنامي الإرهاب، مستغلة سيطرتها على الحكومة والبرلمان في حماية هؤلاء الأفراد في البلد، الذي يشهد صراعاً وأزمة سياسية واقتصادية خانقة.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة استيلاء حركة النهضة الإخوانية على لقاح كورونا؟

الكاتب والمحلل التونسي، عبد الجبار المدوري، يرى في حواره مع "حفريات"؛ أنّ العملية الاستباقية الأخيرة التي قامت بها قوات مكافحة الإرهاب في جبال القصرين، والتي أدّت إلى تصفية 5 إرهابيين في حصيلة مرشحة للارتفاع، بحسب تصريحات الجهات المختصة، هي دليل آخر على أنّ القوات الأمنية التونسية ما تزال تمسك بزمام المبادرة في الحرب على الإرهاب، خاصة أنّ هذه العملية جاءت بعد إيقاف خلية إرهابية في مدينة الكاف تتكوّن من 14 عنصراً، كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية بمناسبة عيد الفطر.

عبد الجبار المدوري

وأضاف أنّ تنامي الإرهاب بعد الثورة جاء بسبب صعود قوى سياسية متطرّفة للحكم في إشارة لحركة النهضة، بعد سنة 2011، مضيفاً أنّ التساهل الكبير والتسيب الذي أبدته الحركة مع الجماعات المتطرفة، كانت نتائجه تدفق الإرهابيين إلى بؤر القتال بسوريا وليبيا.

ويشير المدوري إلى أنّ التحدي الأساسي يكمن في ضمان مساءلة هذه الأطراف السياسية، ومدى ضلوعها ومساهمتها في حماية الجرائم، التي ترتكبها هذه الجماعات التكفيرية بقتل العسكريين والمدنيين الأبرياء، مؤكّداً أنّ الإرهاب والفساد يتمتعان بغطاء سياسي وحماية من حركة النهضة لتستفيد منه، وتستعملهما في معاركها السياسية.

د. محمد ذويب لـ"حفريات": الإرهابيون باتوا يتكيّفون بشكل سريع ويستغلّون أوجه الضعف التي تسبّبت بها جائحة كورونا، لتنفيذ مخططاتهم العدوانية، وتجذب تكتيكاتهم مختلف الأيديولوجيات

المدوري شدّد أيضاً على أنّ نجاح القوات الأمنية في التصدي للإرهاب لا يجب أن يحجب أنّ الإرهاب ما يزال يشكل خطراً على الوضع، وأنّ تونس ما تزال تعدّ منطقة عمليات بالنسبة إلى الجماعات الإرهابية التي ليست مقتصرة على الجانب التونسي فحسب، إنّما هي أيضاً من جنسيات مغاربية وأفريقية، وهو ما أشار إليه بيان وزارة الداخلية الأخير الذي أكّد أنّ ثلاثة من الذين تمت تصفيتهم مؤخراً قد يكونون من جنسيات غير تونسية.

وشدّد عبد الجبار على أنّ الخطر الأكبر الذي يهدّد تونس هو تمركز عدد كبير من الإرهابيين والمرتزقة في ليبيا، والذين يقدَّر عددهم بقرابة العشرين ألفاً، بحسب تقارير الأمم المتحدة، هؤلاء الذين تم جلبهم من سوريا ومن جنوب الصحراء للانخراط في الحرب الدائرة في ليبيا، وأصبحوا الآن غير مرغوب فيهم بعد التوصل إلى مصالحة ليبية، ومن غير المستبعد أن يلجأ عدد من هؤلاء الإرهابيين والمرتزقة إلى التراب التونسي ليشكلوا خلايا نائمة وجاهزة للقيام بعمليات إرهابية في تونس.

اقرأ أيضاً: أزمة المحكمة الدستورية في تونس.. هكذا تخطط النهضة لعزل قيس سعيد

وأشارت دراسة أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في كانون الأول (ديسمبر) 2018، إلى أنّ المقاتلين التونسيين كانوا الفئة الأكبر للمقاتلين الأجانب المنخرطين في سوريا والعراق، كما أشار التقرير إلى تواجد المقاتلين التونسيين في ليبيا، ووصفه بالمقلق.

انعكاس الصراع السياسي على استقرار البلد

ومن المرجّح أن تمهد الأزمة السياسية في تونس والخلاف المستمر بين الرئاسات الثلاثة، لانزلاق البلاد  نحو الفوضى واستغلال الإرهاب هذه الفترة الصعبة لإضعاف الدولة، لصراع سببه تمسّك الغنوشي بالمشيشي، الذي يرى الرئيس قيس سعيّد؛ أنّه "اختاره وغدر به".

ويقول محمد ذويب، لـ "حفريات"؛ إنّ من شأن حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها تونس أن تمنح هذه الجماعات الإرهابية جرعة من الأمل، خصوصاً أنّها تستفيد من ضعف ووهن الدولة وغيابها في بعض المناطق، خاصة منها الحدودية المتاخمة للجزائر وليبيا، وفي المرتفعات الجبلية التي تستغلها الجماعات المسلحة للتخفي والتنقل والتخطيط بشكل خاص.

 ويرى أنّه من المهم اليوم تجاوز حالة الانقسام السياسي والسعي نحو حوار وطني يكون مختلفاً عن سابقيه، ويؤدي إلى وحدة وطنية تخدم تونس وشعبها وتعلي المصلحة العليا للوطن لا مصلحة الأحزاب والأفراد.

 ويرى باحث الدكتوراه في التاريخ والعلوم السياسية؛ أنّ ما يحدث في تونس هو تداعيات توظيف الدين في السياسة والتسامح مع الجماعات المتشددة، في أعقاب 2011، صنعه مروجو الخطابات الدينية، وساهمت الخلافات والأزمات السياسية في تغذيته بسبب عدم توازن خطابها السياسية وإيجاد حلول للشباب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية