الإرهاب يقلّ في باكستان لكنّ جذور التطرف راسخة

الإرهاب يقلّ في باكستان لكنّ جذور التطرف راسخة


20/01/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

وفق "بوّابة الإرهاب في جنوب آسيا"؛ شهدت باكستان 319 حادثاً مرتبطاً بالإرهاب، عام 2020، و169 حالة وفاة لمدنيّين، ويمثّل هذا انخفاضاً، من مستوى مرتفع بلغ حوالي 4.000 حادث من هذا القبيل، عام 2013، مع أكثر من 2.700 حالة وفاةٍ مدنيّة.

يرجع هذا الهبوط إلى حدّ كبير إلى العمليّات الحركيّة للجيش الباكستانيّ ضدّ حركة طالبان باكستان، المسؤولة عن غالبيّة الوفيّات بين المدنيّين وقوّات الأمن، منذ عام 2007، وهو العام الّذي تشكّلت فيه رسميّاً، بوصفها منظّمةً جامعةً لعديدٍ من الجماعات المسلّحة.

وعلى مرّ الأعوام؛ استهدفت غارات أمريكيّة بطائراتٍ بدون طيارٍ وقتلت قادةً متعاقبين من حركة طالبان باكستان، بما في ذلك بيت الله محسود (2009)، وحكيم الله محسود (2013)، وملّا فضل الله (2018).

حركة طالبان باكستان

وبدأت، عام 2014، بعد هجوم طالبان باكستان على مطار كراتشي، في حزيران (يونيو)، عمليّة عسكريّة، ازدادت حدّتها بعد هجومٍ طال مدرسة بيشاور العسكريّة العامّة، في كانون الأوّل (ديسمبر) من ذلك العام، الّذي أسفر عن مقتل أكثر من 130 تلميذاً. ومنذ عام 2017، بعد تطويقها مسار طالبان باكستان إلى حدٍّ كبير (بسبب الوصول المحدود للمعلومات إلى المنطقة، ثمّة أسئلة حول عدد الإرهابيّين الذين قُتلوا، مقابل الّذين تمّ تهجيرهم عبر الحدود الباكستانيّة الأفغانيّة)، دخلت العمليّة العسكريّة مرحلةً جديدةً من "القضاء على" الجماعات المسلّحة، تسمّى العمليّة "رد الفسّاد".

حركة طالبان باكستان

وفي حين تُعدّ هذه الصّورة البارزة، من حيث عدد الهجمات والإصابات، صورةً إيجابيّةً بشكلٍ واضح، فإنّ حركة طالبان باكستان تُعيد تجميع صفوفها منذ الصّيف الماضي؛ فقد بايعت فصائل منشقّة مختلفة الجماعةَ، في تمّوز (يوليو) الماضي، وثمّة تقارير عن عودتها في ستّ مناطق، على الأقلّ، في خيبر بختونخوا "عن طريق ترهيب السّكان المحلّيّين والقيام باغتيالات استهدافيّة وهجمات على قوّات الأمن".

وبحسب ما ورد؛ قتلت حركة طالبان باكستان ما لا يقلّ عن 40 من قوّات الأمن، بين آذار (مارس) وأيلول (سبتمبر) 2020، وألقت مصادر باكستانيّة رسميّة بالّلائمة على الهند، باعتبارها "وراء" الانبعاثة.

مع إدارة بايدن، من الجدير الاعتراف بفعالية "مجموعة العمل الماليّ" والنّفوذ المحدود للولايات المتّحدة، لإحداث تغييرٍ حقيقيٍّ في المسائل الأمنيّة في باكستان

من ناحيةٍ أخرى؛ زعمت (من دون دليلٍ منهجيّ) حركة الباشتون تحفوز، وهي حركة احتجاج إثنيّة تدّعي حصول انتهاكات لحقوق الإنسان ضدّ المدنيّين، على يد الجيش الباكستانيّ، أثناء عمليّاته ضدّ طالبان، أنّه "يجري السّماح لطالبان بالعودة" إلى المناطق القبليّة في "صفقةٍ سرّيّةٍ مع الجيش".

وبطبيعة الحال؛ تُحافِظ حركة طالبان باكستان على علاقاتٍ مع كلٍّ من حركة طالبان أفغانستان وتنظيم القاعدة، وتَكهّن البعض بأنّ عودة حركة طالبان باكستان قد تكون مرتبطةً بعمليّة السّلام الأفغانيّة، وتسييج باكستان للحدود مع أفغانستان، وكلا الأمرين يُهدّدان ملاذ الجماعة في أفغانستان (وذكر تقرير للأممّ المتّحدة، يعود إلى تمّوز (يوليو) 2020؛ أنّه ثمّة 6.000 مقاتل باكستانيّ في أفغانستان، معظمهم تابع لحركة طالبان باكستان)، وكانت هناك، أيضاً، بعض التّكهنات بأنّ عمليّة السّلام الأفغانيّة قد تشمل، في مرحلةٍ ما، صفقةً أفغانيّةً باكستانيّةً منفصلة؛ حيث ترفض أفغانستان إتاحة ملاذٍ آمنٍ لطالبان باكستان مقابل احتمال رفض باكستان إتاحة ملاذٍ آمنٍ لجماعة حقّاني (بالرّغم من أنّه من غير الواضح ما إذا كان ذلك ممكناً أو مقبولاً لباكستان)، وقد أثارت باكستان بالفعل أسئلةً حول إتاحة أفغانستان ملاذاً آمناً لحركة طالبان باكستان.

قتلت حركة طالبان باكستان ما لا يقلّ عن 40 عنصراً من قوّات الأمن

كان تنظيم داعش في خُراسان، الذي يعمل في أفغانستان، ويُعدّ خصم طالبان أفغانستان، مسؤولاً عن الهجمات الأخيرة في بلوشستان، بما في ذلك 11 من عُمّال مناجم الفحم من الشّيعة الهزّارة، في كانون الثّاني (يناير)، ممّا يعقّد المشهد الطّائفيّ العنيف بالفعل في باكستان.

هل تدعم الهند داعش؟

وأثناء مناقشته لهذا الهجوم، ألقى رئيس الوزراء الباكستانيّ، عمران خان، بالّلائمة مجدّداً على الهند لـ "دعمها داعش" من أجل "نشر الاضطّرابات" في باكستان (ولطالما ادّعت باكستان أنّ الهند تستخدم الأراضي الأفغانيّة، التي يقوم عليها تنظيم داعش، لزعزعة استقرار باكستان).

اقرأ أيضاً: لواء "زينبيون" قنبلة إيرانية موقوتة في قلب باكستان

وما يزال للجماعات المسلّحة المناهضة للهند موطئ قدمٍ في باكستان، لكنّ باكستان بدأت في اتّخاذ إجراءاتٍ ضدّ جماعة عسكر طيبة في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أعقاب المراقبة المعزّزة من جانب "مجموعة العمل الماليّ"، عام 2018، بشأن تمويل الإرهاب؛ إنّ الهدف الرّئيس لحكومة خان هو إزالة باكستان من هذه "القائمة الرّماديّة"، لأنّها تضرّ بصورة البلد وتتسبّب في ضررٍ ماليٍّ لها، وعلى وجه الخصوص، حكمت باكستان على حافظ سعيد، زعيم عسكر طيبة، بالسّجن 11 عاماً بتهمة تمويل الإرهاب، كما حُكِم على زعيمٍ آخر من عسكر طيبة، وهو زكيّ الرّحمن لاخفي، بالسّجن لمدّة خمسة أعوام، بتهمة تمويل الإرهاب.

اقرأ أيضاً: أبرز 4 أبعاد لتنامي العلاقات بين تركيا وباكستان... تعرّف إليها

وعبّرت الولايات المتّحدة عن تقديرها لهذه الخطوات، لكنّها حاججت بأنّ باكستان في حاجةٍ إلى محاسبة قادة عسكر طيبة، فيما يتعلّق بما هو أكبر من تمويل الإرهاب، واتّخذت باكستان إجراءات أقلّ ضدّ جماعة جيش محمّد الإرهابيّة المسؤولة عن هجوم بولواما، في شباط (فبراير) 2019؛ فما يزال زعيمها، مسعود أزهر، حرّاً طليقاً، والجدير بالذّكر؛ أنّ الجماعات المسلّحة التي تتّخذ من باكستان مقرّاً لها لم تكن مسؤولةً عن أيّ عنف في كشمير، منذ هجوم بولواما، في مقابلة أجريت في وقتٍ لاحقٍ، عام 2019، طلب خان من الباكستانيّين عدم الانخراط في أيّ عنف أو "جهاد" في الهند؛ لأنّه سيتمّ الإلقاء بالّلائمة على باكستان، وذلك سيضرّها، ويبدو أنّ هذه الإشارة قد نجحت.

رئيس الوزراء الباكستانيّ، عمران خان

يُعدّ الإلقاء بالّلائمة على الهند فيما يتعلّق بالإرهاب في باكستان شيئاً تفعله البلاد منذ فترةٍ طويلة، بالرّغم من أنّه ليس دائماً بطريقةٍ مباشرةٍ، كما في عام 2020، إضافة إلى ربط هجوم داعش الأخير بالهند، ربطت باكستان، أيضاً، هجوم جيش تحرير البلوش، في حزيران (يونيو) 2020، على بورصة كراتشي بجارتها الشرقيّة (ولطالما حاججت باكستان بأنّ الهند تدعم تمرّد البلوش).

وفي تشرين الثّاني (نوفمبر)؛ أصدر وزير الخارجيّة الباكستانيّ، في مؤتمرٍ صحفيّ مؤثّر، تفاصيل عن "الملف" الذي جمعته باكستان عن ربط الهند بتمويل الإرهابيّين وتدريبهم وتسليحهم (بما في ذلك حركة طالبان باكستان) ضدّ باكستان، وقد تمّ نشر الملخّص فقط، وليس الملفّ الكامل، الذي تمّت مناقشته في ذلك الاجتماع.

الارتفاع المقلق في التعصّب

وقد وجد الأمر جمهوراً متقبّلاً بين السّكان الباكستانيّين، القلقين بالفعل من حكومة ناريندرا مودي، لأفعالها في كشمير والارتفاع المقلق في التعصّب نحو المسلمين في الهند.

وتقول الحكومة الباكستانيّة؛ إنّها تشاركت الملف مع الأمم المتّحدة وحكومات مختلفة، لكنّ هذه الأطراف لم تقرّ بذلك علناً.

لطالما كانت إستراتيجيّة باكستان تجاه الجماعات المتشدّدة ذات شقّين: اتّخاذ إجراءات علنيّة (وناجحة) ضدّ الجماعات التي تستهدف الدّولة الباكستانيّة والمواطنين (حركة طالبان باكستان)، دون اتّخاذ إجراءات ضدّ الجماعات التي تعدّها "أصولاً إستراتيجيّة"، بما في ذلك حركة طالبان أفغانستان، التي سعت للحصول على ملاذٍ آمنٍ على أراضيها والمسلّحين المناهضين للهند، الذين دعمتهم وكالات استخباراتها سرّاً.

اقرأ أيضاً: غزو تركي ناعم لباكستان

وكان وراء هذه المقاربة جهد للتحوّط من الرّهانات: فيما يتعلّق بنفوذ طالبان المحتمل في أفغانستان بعد الانسحاب الدّوليّ، وفيما يتعلّق بالجماعات المسلّحة العاملة بالوكالة، والتي قد تمنح باكستان التّكافؤ في صراعٍ عسكريٍّ تقليديٍّ غير متوازنٍ مع الهند، بيد أنّه ثمّة علامات على أنّ بعضاً من هذا يتغيّر. على سبيل المثال؛ طوّرت باكستان علاقةً جيّدةً مع كابول، خاصّةً في الأشهر الأخيرة، لكنّها تعرف، أيضاً، أنّ نفوذها على طالبان يبقيها على صلةٍ بعمليّة السّلام الأفغانيّة، وقد دفع إدراج "مجموعة العمل الماليّ" باكستان على قوائمها إلى اتّخاذ الأخيرة إجراءات، هي الأكثر صرامةً حتّى الآن، ضدّ الجماعات المسلّحة، خاصّةً عسكر طيبة، كما أنّ حرص باكستان على التّخلّص من صورتها المرتبطة بالإرهاب يساعد في ذلك، ومع ذلك؛ فإنّ الاستدامة طويلة الأجل للإجراءات التي اتّخذتها باكستان استجابةً لضغوط "مجموعة العمل الماليّ" ما تزال غير واضحة؛ هل سيتمّ التخلّي عنها عند رفع البلاد من القائمة الرّماديّة للمجموعة؟ وماذا يحدث بعد اكتمال الانسحاب الدّولي من أفغانستان؟

قدرة الدّولة أم عدم رغبتها؟

لا تكمن القضيّة المركزيّة في مسألة قدرة الدّولة، لكن في عدم رغبة الدّولة الباكستانيّة في التّعاطي مع كافّة الجماعات الجهاديّة من المسافة نفسها، وعدم رغبتها في إدراك الرّوابط الأيديولوجيّة الّتي تصلهم جميعاً، والإقرار بكيفيّة إيجاد تلك الأيديولوجيّات دعماً لها في قوانين باكستان ومناهجها التعليميّة وسياستها وطبيعة تعريف باكستان لنفسها، كما أوضحتُ في كتابي.

اقرأ أيضاً: "الشهيد بن لادن" لم تكن زلّة لسان من رئيس الوزراء الباكستاني

تخصّ هذه القضيّة الجيش الباكستانيّ، وأيضاً طيف أحزابه السياسيّة الرّئيسة، كما تمّ إثباته على مدى الأعوام الـ 12 الماضية؛ حيث أمسك كلّ حزبٍ من الثّلاثة الرّئيسة بالسّلطة على التّوالي،، ويُعدّ هذا النّقص في الاعتراف بكيفيّة ارتباط الإرهاب بالتّطرّف، وجذور التّطرّف، جوهر المشكلة: يمكن للجماعات المسلّحة دائماً أن تجد مجنَّدين من جماعاتٍ أخرى، أو من عامّة السّكان. تشترك الجماعات الأصوليّة اليمينيّة غير المسلّحة، لا سيما حركة "لبّيك باكستان"، في هذه الأيديولوجيّات وتمجّد العنف (احتفت لبّيك باكستان، في نهاية المطاف، بقتل سلمان تيسير لجرأته على اقتراح إصلاحٍ في قوانين التّجديف الباكستانيّة)، وتتمتّع بدعمٍ وتعاطفٍ متزايد.

 الهجوم الذي طال مدرسة بيشاور، عام 2014

لفترةٍ وجيزةٍ، بعد الهجوم الذي طال مدرسة بيشاور، عام 2014، كان ثمّة بعض الوضوح في الاعتراف بالطّبيعة المحلّيّة لطالبان باكستان، ووضعت البلاد خطّة عملٍ وطنيّةٍ للتّصدي للتّطرّف والإرهاب، وفي حين أنّها كانت خطّة غير مكتملة ولم تعترف قطّ بالجذور العميقة للتّطرّف، فقد مثّلت البداية، لكن تمّ الإلقاء بها جانباً وعادت الدّولة الباكستانيّة مجدّداً للإلقاء بالّلائمة على الهند، فيما يخصّ الإرهاب داخل البلاد، في غضون ذلك؛ ما تزال الجذور الكامنة للتّطرّف، مناهج الدّولة والطّريقة التي تعمل بها سياستها وقوانينها، (التي دفعت كافّة مواطنيها للانخراط في دعاية الجماعات المتطرّفة والتّعاطف معها) قائمة. تستحقّ مزاعم باكستان بشأن الهند الاستماع إليها والتّحقيق فيها؛ حيث إنّ تجاهل المجتمع الدّولي لها يؤدّي فقط إلى تفاقم شعور باكستان بأنّها ضحيّة، لكنّ هذا لا يعفي الدّولة من سياساتها الخاصّة، التي عزّزت التّطرّف وسمحت للجماعات الإرهابيّة بالانتشار على أراضيها.

اقرأ أيضاً: هل قتلت المخابرات الباكستانية أو الأفغانية عبد الله عزام؟

ومع تولّي إدارة بايدن مهامها، من الجدير الاعتراف بفعالية "مجموعة العمل الماليّ" والنّفوذ المحدود للولايات المتّحدة، لإحداث تغييرٍ حقيقيٍّ في المسائل الأمنيّة في باكستان، على الأقلّ في البداية.

وفي نهاية المطاف؛ يجب أن تكون باكستان هي الدّولة التي تربط النّقاط الّتي تصِل بين كافّة الجماعات الإرهابيّة على أراضيها وأيديولوجيّاتها وتقرّ بكيفيّة إسهامها في التطرّف داخل حدودها، وتقرّر معالجة جذور هذا التّطرّف.

وأودّ أن أحاجج بأنّ أفضل طريقة لتشجيعها على القيام بذلك هي أن تطوّر أمريكا علاقة مع الدّولة منفصلة عن أفغانستان ومنفصلة عن الهند: التّعامل مع باكستان بشروطها الخاصّة، وفي غضون ذلك؛ يتمّ احتواء المخاوف الأمنيّة في باكستان إلى حدٍّ ما، وذلك عن طريق إدرجها على قوائم "مجموعة العمل الماليّ"، وعن طريق إجراءات الدّولة الباكستانيّة ضدّ طالبان باكستان، بما هي آليات رئيسة للسّيطرة، ولا تحتاج إدارة بايدن إلى جعل المخاوف الأمنيّة مركز سياستها نحو باكستان.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

مديحة أفضل، بروكنغز، 15 كانون الثّاني (يناير) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية