الإسلاموية ومساراتها المستقبلية.. هل انتهت فكرة الإسلام السياسي في المنطقة العربية؟

الإسلاموية ومساراتها المستقبلية.. هل انتهت فكرة الإسلام السياسي في المنطقة العربية؟


11/04/2022

سلّطت دراسة حديثة صادرة عن مركز تريندز للاستشارات والبحوث، الضوء على تطورات الحركة الإسلاموية ومساراتها المستقبلية، وتأثر حركة الإسلام السياسي في المنطقة العربية بتلك المآلات.

وبحسب الدراسة التي أعدها الدكتور وائل صالح، الباحث الرئيسي، ورئيس وحدة الاتجاهات المعرفية في العالم بالمركز، يقول قسمٌ وازنٌ من الأدبيّات المتداولة في الدوائر البحثيّة والأكاديميّة العربية منها والغربيّة، وتحت تأثير كل من علم الاجتماع وعلم الأنثروبولوجيا، أنّ الإسلاموية ليست رؤية واحدة للعالم وأنّ من يقول بعكس ذلك يختزل واقع الإسلاميين في نصوصهم التأسيسيّة بمعزل عن خطاباتهم المعاصرة وسلوكهم المتباين على أرض الواقع الذي يعكس رؤى مختلفة ومتباينة.

اقرأ أيضاً: مجلات الجماعات الإسلامية عبر 9 عقود.. كيف ارتبطت بالدعاية السياسية لحركات الإسلام السياسي؟

ومن وجهة نظر الباحث، "تعد هذه الفكرة من أهم النقاط أو الزوايا العمياء في مجال دراسات الإسلاموية التي تحتاج إلى تفكيك ونقد علمي؛ فالباحث الفرنسي فرانسوا بورجا، الذي يعد واحداً من أبرز رواد هذا الاتجاه، يرى أنّ اختزال واقع الإسلامويّة في نصوصها المؤسّسة أو شعاراتها المُعلَنة التي تتشاركها هو خطأ منهجيّ، وأنّ تحليل مضمون تلك النصوص والشعارات يبقى مجرد تصور لمُراقب من بعيد، ومن خارج واقع الظاهرة، وليس وصفاً واقعيّاً للجذور العميقة لظاهرة الإسلامويّة". 

نزع قيم الوطنية

وأوردت الدراسة أنه "في عام 2019، صدر كتاب "تراث الاستعلاء بين الفلكلور والمجال الديني" للدكتور سعيد المصري، عن دار بتانة للنشر، والذي فاز بجائزة الشيخ زايد فرع بناء الدولة عام 2021. يؤكد الكاتب في تلك الدراسة المهمة وجود مجموعة من المبادئ العامة (نواة ثابتة ومشتركة) حول صورة المجتمع الإسلامي المنشود، والتي يمكن أن تشكل قواسم مشتركة بين جميع تيارات الإسلام السياسي وتنظيماته، ولكنها تفترق فقط في مناهج وسبل ودروب الوصول إلى ذلك المجتمع الموعود".

وتابع: "من أهم سمات ذلك المجتمع المنشود من قبل الإسلامويين بحسب هذا الكتاب أنه غير محدد بحدود قومية أو جغرافية أو عرقية، مجتمع ونظام سياسي يطبقان ما يتصور أنها أحكام الشريعة على كل مناحي الحياة".

وائل صالح: فشل الإسلاموية محتوم؛ نتيجة لفشل الفكرة والأيدلويوجية، أو بسبب ضعف الفكرة وأفولها مع مرور الوقت

ويضيف الكتاب أنه "إذا تأملنا هذه المسارات الثلاثة في توافقاتها واختلافاتها سنلاحظ أنّ أطراف تلك الحركة الإسلاموية تتحرك على مسار متصل يبدأ من أقصى درجات السلمية في الدعوة والنصح مروراً بالصلاح عبر الاندماج الاجتماعي وصولاً إلى أقصى درجات العنف والصدام والثورية في هدم النظم الاجتماعية القائمة. وأنّ ما يخلق التباين في مسارات العمل ليس فقط التباين في القناعات والقدرات والإمكانيات المتوفرة لدى كل طرف بل أيضاً مدى قدرة الأبنية الاجتماعية والثقافية والسياسية على الوقوف في وجه تلك الحركة الإسلاموية".

التدين المقدس.. وتبرير التطرف

وبحسب الدراسة، يقول المفكر المصري صلاح سالم في كتابه "ملفات فكرية في الدين والحداثة والعلمانية" أنه لا يميز بين تيار معتدل وآخر متشدد وآخر جهادي على غرار ما جرى عليه العرف في تناول الجماعات الإسلاموية "ليس تجاهلاً لوجود هذا التباين واقعياً إذا ما ألقينا على الظاهرة نظرة إستاتيكية أفقية ومسطحة، حيث نطالع بالطبع فروقاً واضحة بين أنماط مختلفة للتصور والسلوك ولكن إذا ما أمعنا البصر، وألقينا نظرة ديناميكية، رأسية وتاريخية، أدركنا كيف أنّ تلك الفروق مرحلية فقط، وأنّ تلك الأنماط ليست سوى الظاهرة نفسها، ولكن في مراحل مختلفة من تحولها؛ فالظاهرة برمّتها تنهض على أنّ نمط تدينهم (الإسلامويين) المقدس في تصورهم يمكن له أن يشرف على كل تفاصيل حركة الدُنَيَوِي مع احتفاظه بقدسيته، غير أنّ صيرورة التاريخ لم تقل غير عكس ذلك فما أن يهبط المقدس على سطح الدنيوي وتبدأ تروس الواقع في إدارة عجلة الزمن إلا وتتولد الاحتكاكات التي غالباً ما تكون سلسلة ناعمة في البدء، هينة محتملة في المنتصف، وعاصفة رعدية في المنتهى، حيث تقع الصدامات وتتوالى الانفجارات..".

 صلاح سالم: التيار الإسلاموي بكل أشكاله وطوائفه، إذ تهيمن عليه أوهام الخلافة، إنما يستعلي على الوطن فلا يعطيه تقديراً ولا يمنحه احتراماً

ويضيف سالم أنّ هذا التيار الإسلاموي بكل أشكاله وطوائفه "إذ تهيمن عليه أوهام الخلافة، إنما يستعلي على الوطن فلا يعطيه تقديراً ولا يمنحه احتراماً، إنه لا ينظر إليه باعتباره حاضنة أصيلة لنا جميعاً، بل باعتباره اختراعاً حديثاً، محض بدعة، ومن ثم ضلالة لا تمت إلى الله بصلة".

تدين السياسة وتقسيم المجتمع

وفي سياق الدراسة يؤكد مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمد فايز فرحات، أنّ تصورات، الإخوان المسلمين وجميع التيارات الإسلاموية الأخرى، للدولة والمجتمع تتجلى في مفهومين أساسيين هما: "الأول، هو تديين السياسة، والثاني هو تقسيم المجتمع على أساس أيديولوجي- تنظيمي: الجماعة، ذات النقاء الديني، في مواجهة مجتمع غير إخواني". 

وتابعت الدراسة: "لقد نجحت الجماعة – بدعم كثيرين من خارجها – في إخفاء هذه الطبيعة العنصرية طوال العقود الممتدة من عام 1928 حتى عام 2013، غير أن تجربة تولّيهم السلطة كانت كاشفة عن عمق هذه العنصرية الدينية والتنظيمية". 

فشل محتوم

وخلص الباحث إلى أنّ "الإسلاموية  ليست فقط  رؤية واحدة  رغم مساراتها المتعددة،  ولكنها أيضاً تتشارك في سمات أساسية للتطرف الديني مع الحركات الأصولية من الأديان الأخرى"، كما توضح ميشلين ميلو؛ "فعلى الرغم من التنوع الكبير لأشكال التعبير والجذور الاجتماعية والثقافية بينها، إلا أنه يمكن إجمال هذه السمات فيما يلي: الخطاب العدواني بشكل عام الذي يرتكز بالأساس على نظريات المؤامرات تجاه الحداثة، والعودة إلى الدين في جميع جوانب الحياة باعتباره الطريقة الوحيدة الصالحة للتغلب على العلل المصاحبة للحداثة، والتمترس على مسألة الهوية، والقدرة على التجييش الشعبوي لإقامة نظام سياسي واجتماعي بديل وفرضه".

 تشير الدراسة إلى أنّ الإسلاموية  ليست فقط  رؤية واحدة  رغم مساراتها المتعددة،  ولكنها أيضاً تتشارك في سمات أساسية للتطرف الديني مع الحركات الأصولية من الأديان الأخرى

وفي هذا السياق، نوّه الباحث وائل صالح في الدراسة، إلى أنّ فشل الإسلاموية محتوم؛ فإما أن يكون فشل التنظيم جاء نتيجة لفشل الفكرة والأيديولوجية، أو أنّ فشل التنظيم – إن كان سابقاً على فشل الفكرة والأيديولوجية – سيؤدي بمرور الوقت إلى ضعف الفكرة وأفولها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية