الإعاقة الحركية لا تمنع ممارسة الكاراتيه في غزة

فلسطين

الإعاقة الحركية لا تمنع ممارسة الكاراتيه في غزة


04/09/2018

17 لاعباً ولاعبة في قطاع غزة، من ذوي الإعاقة الحركية، غيّروا المعادلة وجعلوا من الإعاقة طاقة تقودهم لتحقيق أهدافهم، ليكونوا أعضاء أول فريق كاراتيه لتلك الفئة، في قطاع غزة.

تنوعت إصابات لاعبي ولاعبات فريق الكاراتيه لذوي الاحتياجات الخاصة ما بين بتر بفعل الحروب الإسرائيلية وبين إعاقة بالوراثة

بهمة عالية وروح رياضية، اجتاح اللاعبون الذين تتراوح أعمارهم ما بين (25 إلى 40 عاماً) ساحة التدريب برفقة كراسيهم المتحركة، مرتدين "البزات الرياضية الموحدة"، ليشعلوا المكان حماسة، حيث تحدثت أجسادهم عن حجم الوجع الذي ألمّ بهم، بعد أن أصبحت الإعاقة علامة فارقة في حياتهم؛ لكنهم رفضوا أن يخيم عليهم اليأس، وأثبتوا أنّ إعاقتهم لن تثنيهم عن تحقيق أهدافهم.

تنوعت إصابات لاعبي ولاعبات فريق الكاراتيه لذوي الاحتياجات الخاصة، ما بين بتر بفعل الحروب الإسرائيلية الثلاثة، التي تعاقبت على قطاع غزة، وآخرين لازمتهم الإعاقة منذ ولادتهم نتيجة العامل الوراثي، ومنهم من تعرضوا لحوادث عرضية سببت لهم إعاقة دائمة مدى الحياة. هؤلاء، على اختلاف ظروفهم، قرروا الاندماج مع أفراد المجتمع من خلال ممارسة رياضة الكاراتيه.

بهمة عالية، نزلوا ساحة التدريب برفقة كراسيهم المتحركة

لاعبة ماهرة

عبير الهروكلي (25 عاماً)، لم تتمكن من ممارسة هواية الكاراتيه التي كان يمارسها أشقاؤها منذ الصغر؛ "فالإعاقة" التي لازمتها منذ الولادة كانت تقف حاجزاً أمام تحقيق طموحها؛ ولكنها كسرت هذا الحاجز، وتحدت الصعوبات كافة، بانضمامها لفريق الكاراتيه الخاص بذوي "الإعاقة الحركية"، وأصبحت لاعبة ماهرة تؤدي التمارين بكل إتقان أسوة بالأصحّاء.

اقرأ أيضاً: صرخة مثقفي غزة ضد طائرات ترعبها القصائد

ولم يكن طريق عبير في ممارسة هوايتها المفضلة وردياً؛ فبعد تخطيها حاجز الإعاقة وقدرتها على اللعب برفقة كرسيها المتحرك، لاحقتها نظرة المجتمع النمطية التي ترفض ممارسة الفتيات لتلك الرياضة كونها خاصة بالذكور، ولا يحق للنساء ممارستها كما يزعمون؛ ولكنها ضربت بعرض الحائط كلام الناس، وكان تشجيع الأهل الدافع الأكبر لاستمرارها وتحقيق أهدافها، على حد تعبيرها.

وخلال فترة راحة اللاعبين، بعد الانتهاء من التمرين الأول، أجرت "حفريات" حواراً سريعاً مع اللاعبة نرمين، التي مسحت عرقها المتصبب عن جبينها، وقالت: "منذ الصغر كنت لا أستطيع فعل الكثير من الأشياء بسبب الإعاقة؛ ولكني تسلحت بالقوة البدنية والعقلية، وأردت خوض غمار الكاراتيه على الكرسي المتحرك، لأثبت للجميع أنّ الطموح لا تحده الظروف، وأنّ ممارسة هذه الرياضة القتالية ليست حكراً على فئة دون الأخرى".

عبير الهروكلي، أصبحت لاعبة ماهرة تؤدي التمارين بكل إتقان

فرصة كبيرة

وتشير نرمين إلى أنها كانت متحمسة بشكل كبير لممارسة رياضة الكاراتيه، التي تحلم بها منذ الصغر، فهي أعطتها فرصة كبيرة للدفاع عن نفسها، وعززت ثقتها بنفسها، وجعلتها لا تحتاج لمساعدة الآخرين، معربة عن طموحها بالحصول على الحزام الأسود، وحصد لقب بطلة فلسطين في هذه الرياضة.

حياة جديدة

اللاعب محمد طوطح (30 عاماً) الذي فقد قدمه خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، لم يستسلم لإصابته، واتخذ رياضة الكاراتيه حياة جديدة له، يتغلب بها على صعوبات الحياة.

يقول طوطح لـ "حفريات": "كنت أشاهد الشباب يمارسون رياضة الكاراتيه، فقررت ممارسة تلك الرياضة والخوض فيها، وعندما بدأت ممارستها وجدتها سهلة، في البداية كنت أشعر بالخوف والرهبة، ولكن اليوم تخطيت هذه المرحلة وتمكنت منها وأصبحت أمارسها بكل ثقة".

محمد طوطح، فقد قدمه خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014

ويكشف أنّ انضمامه لهذا الفريق كان من أجل العودة إلى عالم الرياضة من جديد: "كنت لاعب كرة سلة محترفاً، وحصلت على عدة بطولات؛ ولكن بعد بتر قدمي حرمت من ممارسة هذه الرياضة، فقررت عدم الاستسلام للظروف، واعتمدت على قوتي البدنية والعقلية، وعدت عبر بوابة الكاراتيه".

ويستدرك قائلاً "أثبت أنا وزملائي، من خلال انضمامنا لفريق الكاراتيه، أننا لا نريد نظرة شفقة، وأنّ لدينا عزيمة وقوة وقدرة وإرادة، ونستطيع تقديم الكثير للمجتمع رغم الظروف التي نمر بها".

اقرأ أيضاً: 17 لاعباً من غزة يغيّرون قواعد كرة القدم

ينادي المدرب حسن الراعي مؤسس ومدرب فريق "ذوي الإعاقة" للكاراتيه، على اللاعبين واللاعبات بلغة، لا يفهمها سوى من يمارس تلك الرياضة، فيعودون أدراجهم باستخدام كراسيهم المتحركة، استعداداً لاستئناف التمارين، حيث تستغرق عملية تدريبهم ساعتين متتاليتين، بمعدل ثلاثة أيام في الأسبوع الواحد.

الدفاع عن النفس

يقول  الراعي لـ " حفريات" إنّ انضمام ذوي الإعاقة الحركية لهذه اللعبة، "كان رغبة منهم بأن يكونوا كالأشخاص الأسوياء، ورفضهم لإعاقتهم وخشيتهم من ضياع حقوقهم، كما أنّ السبب الذي جعلهم يتعلمون لعبة الكاراتيه القتالية هو الدفاع عن النفس، وزيادة الثقة بأنفسهم فأصبحوا يثقون بقدراتهم الجسدية والعقلية، وتفوقوا على أقرانهم في فترة زمنية قصيرة".

عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في قطاع غزة البالغين أكثر من 18 عاماً يصل لنحو 27 ألفاً

ولم يكتسب اللاعبون واللاعبات، هذه الثقة العالية وحب الرياضة بسهولة، كما يشير الراعي، بل جاءت بالتدرج، "ففي الأسبوع الأول من التحاقهم بالفريق أصيبوا بالإحباط لعدم انسجامهم، وسيطرة الإعاقة عليهم؛ ولكن بهمتهم العالية وإصرارهم على تحقيق طموحهم اجتازوا المراحل الصعبة، وأصبحوا على دراية كاملة بقوانين تلك اللعبة، وكأنهم يمارسونها منذ زمن طويل".

رياضة الكاراتيه، كما يؤكد الراعي، تحتاج إلى شجاعة وبنية جسدية قوية، بالإضافة إلى "إتقان الحركات بشكل جيد بدون أي أخطاء، حتى لا تسبب أي ضرر للاعبين"، لذلك نعمل على تدريب فريق "ذوي الإعاقة"، "وفق برنامج معد مسبقاً يعتمد على الحركات والألفاظ التي تناسب إعاقاتهم الحركية، وكيفية تطبيقها وهم يعتلون الكراسي المتحركة".

رغم النجاح الكبير إلا أنّ هناك صعوبات تتمثل في قلة الإمكانيات وانعدام الداعمين

تفاؤل يثير الدهشة

ويبدو المدرب الراعي متفائلًا، بما يقدمه اللاعبون من مرونة واستيعاب للحركات والألفاظ، واصفاً ذلك بالمثير للدهشة، مؤكداً أنّ ذوي الاحتياجات الخاصة "لهم الحق في ممارسة الرياضة أسوة بالأصحاء".

اقرأ أيضاً: في غزة: مساجد بملايين الدولارات وفقراء بلا مأوى

ويبين أنّ الهدف الأساسي من تكوين فريق الكاراتيه الخاص "بذوي الاعاقة الحركية"، هو إيصال رسالة للعالم الخارجي والاحتلال الإسرائيلي، مفادها أنّ "الظروف القاسية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة، من قتل ودمار وحصار، لن تثنيهم عن التميّز والنجاح، وأنّ طموحهم يجعلهم يحققون الفوز في المجالات كافة المتاحة أمامهم".

وعلى الرغم من  حداثة الفريق الذي لم يمضِ على تأسيسه سوى أقل من شهر؛ إلا أنّ اللاعبين اجتازوا بتلك الفترة الوجيزة، مراحل مهمة يعجز عنها الأصحاء.

مشاركة خارجية

وذكر الراعي أنهم تلقوا دعوة لمشاركة الفريق في مسابقة للكاراتيه" لذوي الاحتياجات الخاصة"، التي ستقام نهاية كانون الأول (ديسمبر) المقبل في العاصمة المصرية القاهرة، وينوي الفريق المشاركة بإرسال أربعة من اللاعبين (لاعبتان ولاعبان) لتمثيل فلسطين.

صعوبات

ورغم النجاح الكبير الذي حققه الفريق إلا أنهم يواجهون صعوبات تتمثل في قلة الإمكانيات، وعدم وجود داعمين لهم لتمويل شراء الأجهزة الخاصة بهم، وكذلك الزي الرياضي، وعدم توفر البساط الأخضر الذي يحتاجه أعضاء الفريق ليتنقلوا داخل الملعب بدون صعوبة.

وأفادت إحصائية أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أنّ عدد ذوي الاحتياجات الخاصة في قطاع غزة، البالغين أكثر من 18عاماً، يصل لنحو 27 ألفاً، منهم 17 ألفاً يعانون من إعاقة حركية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية