الاحتجاجات في السويداء: من "بدنا نعيش" إلى "إسقاط النظام"

الاحتجاجات في السويداء: من "بدنا نعيش" إلى "إسقاط النظام"


11/06/2020

عندما خرج شباب مدينة السويداء في سوريا، مطلع الأسبوع الجاري، بمظاهرة حاشدة، احتجاجاً على الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي تعاني منه المدينة والبلد ككل، لم تكن المطالب والشعارات التي رفعوها مشابهة لسابقاتها، التي خرجت في منتصف شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، ضمن حملة "بدنا نعيش"، والتي أطلقها شباب ونشطاء المجتمع المدني في السويداء، فهذه لم تكتفِ بانتقاد الوضع المعيشي والاقتصادي وانتقاد "الحكومة"، بل طالب المتظاهرون هذه المرة بـ "إسقاط النظام السوري" ورحيل بشار الأسد وروسيا وإيران، كما طالت الشعارات والهتافات رموزاً أخرى من النظام السوري، مثل مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان.

اقرأ أيضاً: كيف تطوّرت حالات اختطاف المدنيين في السويداء؟
استمرت المظاهرات لثلاثة أيام في السويداء، وبحسب موقع "السويداء 24"؛ الذي أفاد مراسله أمس، بأنّ: "عناصر من الأجهزة الأمنية اقتحموا مكتبة برج إنجي بمدينة السويداء، واعتقلوا المواطن رائد عبدي الخطيب، أحد الشباب المشاركين في احتجاجات السويداء، وذلك بعد مرور ساعة على انتهاء مظاهرات خرجت لليوم الثالث على التوالي".
"حفريات" تواصلت مع ثلاثة نشطاء من مدينة السويداء، منهم من شارك في المظاهرات، ومنهم من يؤيد المطالب والشعارات التي رُفعت في الشارع.

 

نصف عمر تحت الحرب
بدايةً سئلت الشابة لمياء (اسم مستعار) من مدينة السويداء عن رأيها في الحراك الذي يجري في المدينة اليوم، فقالت: "أيّ حراك أو مظاهرات على الأرض، في حال كانت سلمية، فهي جزء من مشاركتنا بالشأن العام، العدد الأكبر من المشاركين في الحراك الذي يجري في السويداء هم من الشباب الذي عاش نصف عمره تحت وطأة الحرب، وتعرض بشكل يومي لظروف صعبة جداً، وعدم استقرار.

ناشط لـ"حفريات": أيّة ثورة في العالم مطلبها كرامة الإنسان هي ثورة، سواء كانت ثورة عبيد أو ثورة أحرار

هؤلاء الشباب يتمتعون بقدر كافٍ من الشجاعة والوعي، وقد تعلموا من التجارب السابقة".
وأضافت: "لم يقدم الشارع اليوم مكاسب سياسية واقتصادية، فيكفيه أنّه يحاول خلق حالة تضامن بين السوريين والسوريات، ودفعهم لتجاوز خطوط الصراع الحاصل، والتطلع لخطاب وطني جامع، كما أنّه في بلد مثل سوريا فإنّ مجرد التفكير في النزول إلى الشارع، وقول كلمة "بدنا"، فهذا بمثابة الحلم؛ نحن اليوم أمام تجربة صعبة جداً".
وتتابع لمياء كلامها: "بعد كلّ هذا الدمار والعنف الذي جرى وما يزال يجري، الناس اليوم يقولون من جديد "الشعب يريد"، لذلك الناس الذين خرجوا للشوارع اليوم، يعرفون جيداً الضربية التي سيدفعونها، وباعتقادي أن ما يحصل هو بمثابة الخط الدفاعي الأخير".

 

ادعاءات النظام السوري
خروج الناس للتظاهر السلمي في السويداء، يقفل الباب، وفق لمياء، "على ادعاءات النظام السوري من خلال ثنائيتي؛ اتهام المعارضة أنّها متطرفة، وأنّه حامي الأقليات، لذلك هو اليوم في حاجة إلى حجج جديدة لقمع المظاهرات".

اقرأ أيضاً: 20 منظمة حقوقية تُدين ممارسات الفصائل الموالية لتركيا في سوريا.. بيان
أما الناشط وضاح، الذي كان مشاركاً بحركة "بدنا نعيش"، فيقول: "كان من الضروري أن يتحرك الناس منذ زمن وينزلوا إلى الشارع، ومنذ بدأنا بحركة "بدنا نعيش"، كثير من الناس لم تؤيدنا، رغم أنّ الوضع الاقتصادي والمعيشي كان سيئاً للغاية، لكن الآن بات الوضع أسوأ بكثير؛ فهناك عائلات تموت من الجوع بالفعل، لم يعد هذا التعبير مجازياً؛ بل بات مشهداً يحدث أمام أعيننا.
هناك عائلات لم تعد قادرة على شراء السكر والخبز والزيت.. إلخ، كلّ هذه الاحتياجات التي من "العيب" أن نتحدث أو نطالب بها بوصفنا مواطنين، في كلّ مرة نخرج ونطالب بـ "تحسين الوضع المعيشي"، فهذه الاحتياجات تُعدّ من أبسط حقوق أيّ مواطن، كي يعيش الحدّ الأدنى من الكرامة".

اقرأ أيضاً: حين عضّ الجوعُ السوريين في السويداء فهتفوا "بدنا نعيش"
وتابع: "لذلك قررنا أننا لم نعد نريد الاختباء وراء أنفسنا، ونطالب باجتياجات بسيطة؛ ففي قلوبنا الكثير من "القصص" أكبر وأضخم من الأشياء البسيطة التي كنا نطالب بها، وبالفعل خرجنا يوم الأحد، الموافق 7 حزيران (يونيو) من الشهر الجاري، وتجمعنا بساحة سلطان باشا الأطرش في محافظة السويداء". 
ويتابع وضاح: "في البداية كانت الشعارات مطلبية وشعبية وشرعية، بسيطة جداً، ومشابهة للشعارات التي طرحناها بحركة "بدنا نعيش"، لكن هذه المرة صعّدنا الهتافات والشعارات، طالبنا بإسقاط النظام؛ لأنّ المشكلة لم تعد اليوم مشكلة "حكومة" أو مشكلة تجار؛ لأنّ الفساد آتٍ من السقف، من "الرأس الكبير"، وهذا شيء واضح، ليس من اليوم، ولا الأمس، هذه حقيقة جميعنا نعرفها، مما يقارب الأربعين عاماً".

 

الأمر بالنسبة إلى الناس انتهى
ويرى وضاح أنّ الجميع باتوا اليوم يطالبون "بإسقاط النظام"، لأنّ الأمر بالنسبة إلى الناس جميعاً انتهى، إلى هنا وكفى، للحكومة وبشار الأسد؛ "لذلك صعّدنا مطالبنا، والناس تفاعلت بشكل غير متوقع صراحةً، كان تفاعل الناس جميلاً ورائعاً جداً؛ إذ كان الناس في المظاهرات يصرخون ويهتفون من وجع حقيقي".

مشارك في الاحتجاجات: الجميع باتوا اليوم يطالبون "بإسقاط النظام"، لأنّ الأمر بالنسبة إلى الناس جميعاً انتهى، إلى وهنا وكفى

وعن أعداد الناس الذين شاركوا في المظاهرات، أفاد "في اليوم الأول كان هنا ما يقارب الـ 500 متظاهر، إضافة إلى هتافات إسقاط النظام وإسقاط الحكومة؛ وجهنا هتافات وشعارات لأسماء معينة، والتي ترتكب فظاعات في البلد أيضاً، وكانت المظاهرة التي خرجت سلمية، لم نقبل بأيّ فعل تخريبي يحدث أو فعل غير سلمي، لأنّ ثورتنا بدأت سلمية وستبقى سلمية".
أما عن التفاعل ووجهات النظر التي جرت حول المظاهرة التي خرجت، فقال وضاح: "كانت الآراء متفاوتة، إذ لم تكن هناك آراء "ما بين بين"، أو آراء محايدة، فالآراء إما مؤيدة للمظاهرات، وبمقابلها هناك "الشبيحة"، الذين لا يهتمون بما يحدث بالبلد، إنما المهم عندهم شخص بشار الأسد، لا أعرف إن كانوا يفكرون بأنّ بشار الأسد بوصفه رئيس دولة ماذا يقدم أو يجب أن يقدم لشعبه، فأتوقّع أنّ هؤلاء، وهم فئة قليلة من المجتمع، نسبتهم لا تتجاوز الـ 10% أو أقل ربما من المجتمع، ما هو الشيء الذي قُدِّمَ لهم؟ هل يعقل أنّهم لا يشعروا بهذا الوجع الذي نشعر به".

اقرأ أيضاً: هل تحول الاحتجاجات في السويداء مجرى الأحداث في سوريا؟
وأضاف: "على سبيل المثال؛ الشاب هنا غير قادر على تأمين مستقبله، منذ زمن طويل لا يستطيع تأمين مستقبله في هذا البلد، والدولار اليوم وصل سعره لـ 3000 ليرة سورية، ولا يتوقف عن الارتفاع، قد يصل خلال أيام قليلة لـ 5000 ليرة سورية، إضافة لارتفاع سعر الذهب؛ أي إنّ الشاب اليوم، وكما نقولها باللهجة العامية "ما عم يقدر يحط بلوكة ع بلوكة".
أما عن وجهات النظر الأخرى، يقول وضاح: "كانت مؤيدة للمظاهرات 100%، هناك قلّة من الناس كانوا يقولون إنّه لا داعي لهتافات "إسقاط النظام"؛ لأنّ السبب هو "الحكومة"، هؤلاء وجهة نظرهم مقبولة، لأنّه من الممكن أنهم يشعرون بالخوف، إذ إننا نعيش في بلد فيها "إجرام"، ومن حقّهم أن يخافوا من الدولة".

 

مستشارة الرئيس بثينة شعبان
سألنا وضاح من هم الأشخاص المعنيون الذي أشار لهم خلال حديثه، فأجاب: "من أبرز هذه الأسماء؛ مستشارة الرئيس بثينة شعبان، لأنّها في الآونة الأخيرة باتت تتحدث بـ "وقاحة"، إذ تحكي للناس عن "الصمود"، وصور ابنها منتشرة على مواقع السوشيال ميديا، قيمة أقل سيارة يملكها قادرة على تأمين مستقبل خمسة شباب سوريين مع أبنائهم، فهو يملك أساطيل من السيارات، يدرس في روسيا بأفضل الجامعات، ويملك أجمل قصر، وتأتي هي وتتحدث عن "الصمود". الشعب السوري قد صمد تسعة أو عشرة أعوام، كما طالبنا برحيل روسيا وإيران".

اقرأ أيضاً: تموز الأسود يغمر السويداء بالليل والدم مرة أخرى
أما الشاب ضياء (اسم مستعار)؛ فبدأ حديثه لـ "حفريات" بالقول: "إذ تحدثنا انطلاقاً من المنطق والواقع، ما حدث ليس بالجديد، بل حدث في عام 2011. محافظة السويداء كانت موجودة في الحراك من بدايته، منذ أن قام أطفال درعا وكتبوا على حيطان المدارس ومواقف الباصات شعارات تدعو لإسقاط النظام، كان يحدث الشيء نفسه في السويداء، لكن في ذلك الوقت تمّ التعامل معها بطريقة مختلفة عما جرى في درعا.
تطور الحراك في البلد ككل، وتطور في السويداء بوصفها جزءاً من سوريا، في مكان ما تحوّل الحراك السوري إلى حراك مسلح، وهذا ما رفضه النشطاء في السويداء، ولم يقبلوا أن يكونوا ضمن حرب أهلية".
وأضاف: "إذا انتبهنا؛ هناك نسبة كبيرة من الشباب في محافظة السويداء يرفضون الالتحاق بالجيش، وأتخيل أنّ هذا أكبر سبب لما يحدث من مشكلات في السويداء، وهو أنّ شبابها يرفضون الالتحاق بالجيش، وقد يكون رفضهم هذا أحد أهم الأسباب التي أدّت إلى هجوم "داعش" على محافظة السويداء، عام 2018".

 

فقدان الأمل من كلّ شيء
ويتابع ضياء حديثه: "الشيء الذي اختلف اليوم؛ هو أنّ الناس فقدت الأمل من كلّ شيء، ولم يعد هناك شيء تخسره حقيقة على أكثر من صعيد؛ سواء النفسي أو من ناحية الشعور بالأمان، أو الصعيد المادي؛ لذلك النزول إلى الشارع اليوم، بهذه الطريقة، هو نتاج الشيء الطبيعي الذي كانت تعيشه الناس في الفترة الأخيرة.  وبالأخص أنّنا في السويداء قد مرَّ علينا عامان، وقمحنا يحترق، وغالباً هناك جهات تتبع للدولة، هي المتهمة بحرق القمح؛ لقد أُحرقت أكبر محمية طبيعية في السويداء، وهذا أدى إلى تفاقم الوضع، إضافة للوضع المعيشي، وانهيار الاقتصاد السوري، والعملة السورية بهذه الطريقة".

اقرأ أيضاً: قصة امرأة من السويداء وقفت في وجه داعش وهي مصابة!
ويرى ضياء؛ أنّ "المواطن السوري بمحافظة السويداء اليوم، غير قادر على شراء ربطة خبز، فهذا شيء كارثي، وهذا سبب طبيعي جداً لما نراه"، بحسب تعبيره.
يقول ضياء: "أتخيّل أنّ الحراك الذي يجري الآن في السويداء، هو جزء من الثورة السورية، التي طالبت بالكرامة والحرية. قد يكون بمكان ما، أو بفترة تاريخية معينة حراكاً خجولاً، لكنّه اليوم بمثابة إعادة إحياء لثورة شعب طالب بحريته وكرامته، وبأبنائه المعتقلين، وبرفع اليد الأمنية عن حياتنا العامة والاجتماعية، هي ثورة شعب وطنه يُسرق ويُنهب".

 

التصريحات الحكومية الفاشلة
وأردف: "من أهم الأسباب التي كانت تدفع الناس للنزول إلى الشارع، هي التصريحات الحكومية الفاشلة؛ فتجد وزيراً يصرّح بأنّ راتب الموظف السوري كافٍ له، ونائبة رئيس تصرّح بأنّ الاقتصاد السوري اليوم أفضل "بخمسين مرة" عن ذي قبل، أو أنّ سبب انهيار العملة هم المضاربون، وسبب الغلاء في السوق هم التجار".

اقرأ أيضاً: مذبحة داعش بالسويداء.. فتش عن التحالف مع الأسد
ويرى ضياء أنّ "هذه المبررات التي تمّ اختلاقها لتوقع العداوة بين الناس، ويقول: "نشطاء المجتمع المدني في السويداء كانوا يعملون على نشر الوعي بين الناس من خلال إيضاح الأسباب الحقيقية للأزمات التي تمرّ بها المدينة، وأنّ التجار ليسوا  سببها، بل الأزمة في المستوردين الأساسيين، الذين يحتكرون كلّ شيء في البلد؛ ففي السويداء مثلًا لا يوجد مستورد يستورد السكر ويسعّره بالطريقة التي تناسبه، في السويداء هناك مركز بيع لمستورد إما من اللاذقية أو دمشق أو من حمص، وكانت الدولة ووسائل إعلامها، وحتى على وسائل التواصل الاجتماعي، تحرّض الناس على التجار، وتقول إنّهم سبب هذا الغلاء، وهم من يضاربون بالسوق في المنتجات الأجنبية، لكنّ الناس بات لديهم الوعي الكافي اليوم بهذه التفاصيل".

 

 

كما يرى ضياء أنّ الشباب الذين نزلوا الشارع اليوم، وبنسبة 90% منهم، مستقبلهم ضائع، ولا يدرون إلى أين يذهبون، ولا يعرفون ما يخبئ لهم الغد، نسبة كبيرة منهم طلاب جامعات غير قادرين على الذهاب إلى جامعاتهم بسبب الظروف المادية الصعبة، تلتقي بهم في الطرقات والشوارع، وتكتشف أنّهم شباب على درجة عالية من الوعي والثقافة، لكنّ هذا البلد يحبطهم بطريقة "غير طبيعية"، بحسب تعبيره.

 

 

اقرأ أيضاً: ما دلالات الانسحاب "التكتيكي" للميليشيات الإيرانية من سوريا؟
ويتابع ضياء كلامه: "لذلك اتخذ هؤلاء الشباب قراراً بإعادة إحياء الثورة السورية، وتحديداً الجيل الذي أعمارهم أصغر سنّاً من غيرهم؛ أي الذين لم يواكبوا ما جرى في أعوام 2011 و2012 و2013، والذين كانوا يرون أنّ ما حدث في سوريا ليست ثورة، بل هو حرب أهلية، هم لم يروا بداية الثورة السلمية في سوريا".
ويختم ضياء كلامه: "هؤلاء الشباب اليوم أخذوا على عاتقهم إحياء الثورة السلمية التي سمعوا عنها لكنّهم لم يروها، أمّا عن خطاب التخوين للحراك الذي يحصل، أو من يقلل من شأنه، ويقول إنّه "ثورة جياع" وليس "ثورة كرامة"، ففي النتيجة أيّة ثورة في العالم طالما أنّ مطلبها كرامة الإنسان فهي ثورة، سواء كانت ثورة جياع أو ثورة عبيد أو ثورة أحرار".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية