البراقع الزرقاء تقوّض أحلام النساء في أفغانستان

البراقع الزرقاء تقوّض أحلام النساء في أفغانستان


18/08/2021

يرصد محللون ثلاثة أحداث كبرى ستنجم عن سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، وشروعها في إعلان الدولة الإسلامية، الأول انتعاش الإرهاب، والثاني انتعاش تجارة المخدرات، والثالث زيادة قوة الأيديولوجيا المتطرفة.

وأكثر الفئات تضرراً من هذه الأحداث والمتغيرات هن النساء اللواتي ذقن الأمرّين في عهد الحكم الطالباني الأول.

وتتذكر زارمينا كاكار الناشطة في مجال حقوق المرأة والبالغة 26 عاماً المقيمة في كابول، ما وقع في عهد طالبان، حين رافقتها والدتها لشراء البوظة فتعرضت للجلد على يد أحد عناصر طالبان، لأنها كشفت عن وجهها "للحظات". وتتوقع كاكار في تصريح لوكالة أسوشيتد برس أن "نعود إلى نفس الأيام المظلمة".

الناشطة الأفغانية الحائزة على جائزة "نوبل"، ملالا يوسفزاي، كتبت في تغريدة: "نحن نشاهد بصدمة تامة سيطرة طالبان على أفغانستان. أنا قلقة للغاية بشأن النساء والأقليات والمدافعين عن حقوق الإنسان".

الطفولة مهددة في ظل حكم طالبان

وكادت ملالا تلقى الموت داخل حافلة مدرسية، بعد تعرضها لهجوم مسلح نفذته حركة طالبان في باكستان لانتقادها هيمنة الحركة على منطقتها وادي سوات شمالي غرب باكستان من 2007 إلى 2009 ولأنها ودافعت عن حق البنات في التعليم.

مستقبل قاتم

وخلال السنوات العشرين الأخيرة، انتعش المجتمع المدني في أفغانستان بشكل كبير، وتولت النساء مناصب عامة في كابول والمدن الصغيرة، وانتشرت الهواتف المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت موجود في كل مكان تقريباً، وفق تقرير لموقع "الحرة".

وأثارت عودة طالبان للسلطة، قلق ناشطات أفغانيات، مثل فوزية كوفي، الناشطة في مجال حقوق المرأة والنائبة السابقة وعضو الوفد الأفغاني المفاوض مع طالبان قبل انسحاب الجيش الأمريكي، التي قالت لـ"أن بي سي" إنّ مستقبل المرأة في أفغانستان يبدو "قاتماً".

خلال سيطرة حركة طالبان على الحكم في الفترة ما بين 1996 و2001 لم يكن يُسمح للنساء بالعمل، وكانت طالبان تطبق عقوبات مثل الرجم والجلد والشنق

وتضيف كوفي أنّ "النساء في أفغانستان هن الأكثر عرضة للخطر"، موضحة أنّ "المجرمين" الذين حررتهم الحركة من السجون لتعزيز صفوفها "يشكلون الآن أيضاً تهديداً، إلى جانب الرافضين لتمكين المرأة في العشرين سنة الماضية".

وأكد مسؤول حكومي إقليمي أنّ النساء في المدن التي وقعت تحت سيطرة الحركة "مثل السجينات في منازلهن ولا يمكنهن الخروج".

طالبان ترغم النساء على ارتداء برقع يغطي الجسد من الرأس حتى أخمص القدمين

وأعربت نساء في رسالة شاركها مكتب روغول خيرزاد، نائب ولاية نمروز، عن مخاوفهن من مستقبل "بلا حق في التعليم، ولا حق في التدريس، ولا حق في العمل". وجاء في الرسالة، وفق "الحرة": "لقد أظهرت حركة طالبان، خلال النظام السابق، أنها لن تسمح للمرأة أبداً بالدراسة والعمل".

ودعت الرسالة "المجتمع الدولي" إلى التدخل: "أرجوكم أوقفوا طالبان. احترموا النساء والفتيات".

الزواج من مسلحي طالبان

وحملت الرسالة مخاوف من احتمال إجبار النساء والفتيات على الزواج من مسلحي طالبان، كما كان يجري في السابق، عندما حكمت طالبان المتشددة البلاد من 1996 إلى 2001، حيث تم فرض الشريعة الإسلامية. وبات العمل غير مسموح للمرأة، كما منعت الفتيات من الالتحاق بالمدارس، وكان على النساء تغطية وجوههن في الأماكن العامة، ودائماً ما يصطحبهن رجل من أقربائهن إذا ما أردن الخروج من المنزل.

هناك عمل واحد يزدهر في أفغانستان؛ حيث يُعاد فتح محلات بيع البرقع، وأصبحت الملابس الزرقاء السميكة التي تغطي جسد المرأة من الرأس إلى أخمص القدمين اللباسَ الحتمي للنساء

أما النساء اللواتي خالفن تلك القواعد المتشددة، فقد تعرضن في بعض الأحيان للإذلال والضرب العلني على أيدي الشرطة الدينية. وأقدمت الحركة على تنفيذ عمليات إعدام علنية، وتم معاقبة اللصوص بقطع الأيدي ورجم النساء اللواتي اتهمن بارتكاب الزنا.

الآن تسيطر حركة طالبان على أراضي أفغانستان ودخلت العاصمة كابول، بل والقصر الرئاسي، وتوشك على إعلان الولاية الإسلامية. الحياة تتغير بشكل مضطرب، وأحلام الكثير من الأفغان تتبخر لاسيما النساء.

"قد لا نلتقي مرة أخرى"

تقول الصحفية روث بولارد، المتخصصة في تغطية الصراعات بالشرق الأوسط، في تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" للأنباء إنه مع دخول طالبان كابول، الأحد، جمع المحاضرون في الجامعات طالباتهم في طقوس أشبه بالوداع النهائي. وقال المحاضرون للشابات المصدومات "قد لا نلتقي مرة أخرى".

وتضيف بولارد أنها تحدثت عبر الهاتف مع عائشة خورام، إحدى الطالبات اللواتي تبدد حلمها بالدراسة الأكاديمية، ومثلها الآلاف.

هل يشكل البرقع الأزرق مصير النساء في أفغانستان؟

الملابس الزرقاء السميكة التي تغطي جسد المرأة من الرأس إلى أخمص القدمين هي الملبس الحتمي غالي الثمن.

وكانت عائشة، الطالبة البالغة من العمر 22 عاماً، تدرس في الفصل الدراسي الأخير من تخصصها في العلاقات الدولية بجامعة كابول. وبقي شهران فقط يفصلانها عن تخرجها المفترض، لكن بعد الأحداث الأخيرة شعرت بالإحباط حيث تقول "الآن يبدو أنني لن أتخرّج أبداً".

حقوق الفتيات الأفغانيات

سرين سلطاني مديرة مدرسة ثانوية للبنات في كابول، حاربت على مدى سنوات من أجل حقوق الفتيات الأفغانيات، أما الآن فهي تعيش "في خوف دائم على سلامة طلابها"، وفق تصريحاتها لموقع شبكة "أ بي سي" الأمريكية.

وتقول "أنا حزينة جدّاً. عندما أرى كل هؤلاء الفتيات أشعر بالضيق الشديد. لم نتمكن من ضمان خروج النساء من هذا الوضع البائس".

وفي هيرات، ثالثة كبرى مدن البلاد، وسقطت في أيدي طالبان الخميس الماضي، طُلب من الفتيات اللواتي كن في جامعاتهن العودة إلى منازلهن، بحسب خورام التي علقت قائلة "نظام التعليم ينهار".

وتقول بولارد "مع ذلك هناك عمل واحد يزدهر؛ ففي الولايات الأفغانية يُعاد فتح محلات بيع البرقع، وأصبحت الملابس الزرقاء السميكة التي تغطي جسد المرأة من الرأس إلى أخمص القدمين (الرمز القمعي لحكم طالبان السابق) هي الملبس الحتمي غالي الثمن، ولكن ليس للجميع".

وتقول خورام، التي كانت ممثلة للشباب الأفغاني لدى الأمم المتحدة في عام 2019، "أرى الكثير من النساء اللواتي لم يعاصرن فترة طالبان السابقة يقلن: لن نلتزم بهذا اللباس القمعي".

طالبان أرغمت الفتيات في جامعاتهن على العودة إلى منازلهن

وتضيف "لا أعرف ماذا سيحدث للجيل الشاب من النساء الأفغانيات. لقد كنّ رائعات جداً، والآن يجلسن جميعاً في المنازل ويتساءلن عما سيحدث. لقد شكل هذا الجيل أفغانستان الحديثة".

ويذكر الأفغان أنه خلال سيطرة حركة طالبان على الحكم في الفترة ما بين 1996 و2001 لم يكن يُسمح للنساء بالعمل، وكانت طالبان تطبق عقوبات مثل الرجم والجلد والشنق.

هل تصون طالبان حقوق المرأة؟

لكنّ الحركة قدمت، الأحد، في خطابها وجهاً أكثر اعتدالاً، إذ تعهدت باحترام حقوق المرأة وحماية الأجانب والأفغان على السواء، كما تعهدت باحترام حقوق المرأة والأقليات وحرية التعبير "في إطار الشريعة الإسلامية"، كما قال المتحدث باسمها محمد نعيم في تصريحات صحفية.

ورغم أنّ التقارير لم تورد حتى الساعة ممارسة الحركة لمثل تلك الفظائع في المناطق التي خضعت مؤخراً لسيطرتها، فقد تم مؤخراً الإبلاغ عن معاملة طالبان للنساء والفتيات بشكل يوحي بأنها عازمة على العودة إلى تلك الممارسات، بحسب فرانس24.

واعتبرت نائبة رئيس الجامعة الأمريكية في أفغانستان فيكتوريا فونتان، في تصريح للوكالة الفرنسية، بأنّ وضع النساء والفتيات الأفغانيات قاتم للغاية، خصوصاً منهن الطالبات. وقالت فونتان إنّ "بعض طالباتها مختبئات في مدينتي قندهار وهرات" اللتين وقعتا تحت سيطرة طالبان.

فونتان أكدت أنّ "الحياة صعبة للغاية بالنسبة لهن"، متسائلة "هل سيتمكنّ من استكمال دراستهن عبر الإنترنت أم لا؟"، مشيرة إلى أنّ "الاتصالات السلكية واللاسلكية ستكون أداة إستراتيجية ورئيسية بالنسبة لطالبان. وبما أنّ شريان الحياة الوحيد المتبقي (للطلاب) هو شبكة الإنترنت، فهم قلقون للغاية من البقاء في منازلهم وعدم التمكن من مزاولة الدراسة".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية