بين الجاهلية الثانية وأستاذية العالم.. تجليات العنف ضمن الممارسة السياسية للإخوان

بين الجاهلية الثانية وأستاذية العالم.. تجليات العنف ضمن الممارسة السياسية للإخوان

بين الجاهلية الثانية وأستاذية العالم.. تجليات العنف ضمن الممارسة السياسية للإخوان


02/05/2024

في ظل وجود جماعات تزعم أنّها وحدها المسلمة، والمالكة لحقّ إضفاء صفة المسلم أو خلعها كما تشاء، يأتي التساؤل حول المسلم الصحيح وكيفية تكوينه، فما الذي يجعل هذا الإنسان مسلماً، وما الذي يجعله غير ذلك؟ 

إنّ محاولة فرض رؤية بعينها؛ بوصفها العقيدة الصحيحة، والزعم بأنّ هذا دورهم الرئيسي حسب ما أمرهم الله، تطرح السؤال حول دور المسلم في المجتمع، وإذا كان من حقه محاسبة المجتمع أو فرض رؤيته عليه. 

من خلال الزعم بأنّ ثمّة مجموعة ما مسلمة ومجموعة أخرى ليست كذلك ينشأ الانفصال، وتتجلى حالات الإقصاء داخل المجتمع ذي البنية الثقافية والاقتصادية المتشابهة، ممّا يسفر عن تصدعات اجتماعية ذات نزوع طائفي، تكون قابلة لأن تتنامى إلى حد الصراعات الدامية. فما يحمله الزعم بامتلاك العقيدة الصحيحة وحق الدعوة إليها من عنف رمزي لا ينفي عنه التحول إلى العنف الظاهري والفعلي؛ فامتلاك حق الإرشاد والدعوة يتضمن قصور الآخر وعدم أهليته وحق الوصاية عليه، وهو تعدٍّ رمزي على حق الآخر في أن يكون كذلك.

تُعدّ جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها، ومسمّاها، ومنطلقاتها الفكرية، وآليات عملها؛ مثالاً حيّاً لمثل هذ الطرح، وحسب نشأتها بوصفها جماعة دينية تسعى للحفاظ على الدين وإصلاح المجتمع الفاسد، وذلك من خلال تكوين الفرد المسلم تكويناً يتفق مع رؤيتهم للإسلام، وكذلك تكوين الأسرة، ثم سياسة الدولة وبنيتها الاقتصادية والمعرفية والإدارية، ثم تنطلق لأستاذية العالم.

الجاهلية الثانية وغزو العالم

منذ ظهور الحركة الوهابية التي سعت نحو قيادة العالم الإسلامي، بل فتحه من جديد على حدّ زعم محمّد بن عبد الوهاب، الذي رأى أنّ الإسلام عاش حالة غربة منذ عصر الصحابة، وقد جاء هو لدعوة هذه المجتمعات للإسلام وفتحها من جديد، وخاض معارك أطلق عليها اسم الغزوات في حالة تماهٍ مع الدعوة النبوية، منذ ذلك الحين تبنّى العديد من الجماعات الإسلامية هذه الرؤية، خاصّة بعد سقوط السلطنة العثمانية التي كانت تقدم نفسها في صورة جوهر الهوية الإسلامية وحامية الدين.

وعلى غرار محمّد بن عبد الوهاب، جاءت دعوة حسن البنا التي ترى أنّ هذا العالم في حاجة إلى القيادة الإسلامية، في ظل سقوط السلطنة العثمانية؛ التي تجتهد جماعة الإخوان في المماهاة بينها وبين الخلافة الإسلامية، في ظل حالة من الانتقاء والتلاعب، تحاول التوحيد بينها وبين الخلافة الراشدة من خلال تاريخ متخيل؛ يحمل العديد من القفزات الزمنية والفكرية. وتعمل جماعة الإخوان على تقديم مشروعها بوصفه خطة إنقاذ للعالم، وهذا ما تطلق عليه أستاذية العالم.

على غرار محمّد بن عبد الوهاب، جاءت دعوة حسن البنا التي ترى أنّ هذا العالم في حاجة إلى القيادة الإسلامية، في ظل سقوط السلطنة العثمانية

ويتضمن مبدأ أستاذية العالم أحقية الجماعة في قيادة العالم وإرشاده، حيث إنّها تعرف الصالح للعالم أكثر ممّا هو يعرف، فالعالم انقاد إلى الحضارة الأوروبية الجامدة غير الروحية، في حين يحمل المقترح الإخواني الصلاح الروحي والمادي للعالم، وهذا ما يعطيها حق أستاذية العالم وقيادته. فحسب ظروفها التأسيسية جماعة الإخوان المسلمين تسعى نحو وجود نظام حكم إسلامي تحكم من خلاله العالم.

من مبدأ أستاذية العالم جاء المُنظّر الرئيس لجماعة الإخوان، سيد قطب، بالتنظير لجاهلية العالم الثانية، وهو طرح يُعدّ مرادفاً لحكم محمّد بن عبد الوهاب، فقطب يرى أنّ العالم يعيش حالة من الإفلاس القيمي الذي يضعه في جاهلية تامة، رغم التقدم الحضاري الذي يسميه بالتقدم المادي، وهذه الجاهلية تقوم على أساس السطو على سلطان الله في أرضه من قبل البشر، وعلى الحاكمية التي يراها أخص خصائص الألوهية، فكل مجتمع يحكمه بشر هو جاهلي في نظر سيد قطب، فهو يجعل البشر بعضهم لبعض أرباباً، ليس بالصورة البدائية المعروفة، ولكن في صورة ادعاء حق وضع الشرائع، والقوانين، والقيم والأنظمة، بعيداً عن المنهج الإلهي للحياة. 

وإذا كان محمّد بن عبد الوهاب قد أطلق على حروبه اسم الغزوات، فإنّ قطب جعل العالم دارين؛ دار حرب ودار سلام، وتُعدّ دار المنتمين للدعوة الإخوانية دار سلام، ودار غير المنتمين إليها دار حرب، إلى أن تنتمي إلى هذه الدعوة. وحسب الرؤية القطبية التي تعمل بها جماعة الإخوان وتتبناها، فإنّ هذه الحروب تقوم لفرض المنهج الإلهي للحياة، الذي يتمثل في النظام الحياتي الذي تطرحه بوصفه النظام الإسلامي، وترى أنّه يحرر الناس من عبادة البشر لعبادة الله عزّ وجلّ.

الممارسة السياسية بديل للعنف

وفقاً للمنطلقات الفكرية لجماعة الإخوان، التي ترى في نفسها تمايزاً وجودياً عن بقية العالم، فإنّها تتبنّى العنف تبنياً مباشراً، وإن كانت الدولة في حالة قوتها وسيطرتها لا تتمكن من ذلك، فإنّها تمارس العنف الرمزي من خلال اللوم والتعالي على المجتمع بممارسة العبادات، وأخذها على الآخرين تقاعسهم، وربما تكفيرهم. وشعار الجماعة الذي تعلنه: "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، وجعلها الجهاد سبيلاً والموت أمنية، يعني استعدادها التام للعنف، بل حسب ما يعلنه الشعار سبيلهم. 

وفي حال عدم استطاعتها ممارسة العنف في ظل قوة الدولة فإنّها تأخذ الممارسة السياسية للوصول إلى السلطة بديلاً له، وحين تتمكن من السلطة تسعى للسيطرة على أركان الدولة والحكم العشائري، حيث يحمل أعضاء جماعة الإخوان والمنتمين إليها امتيازات لا يحملها غيرهم، وهو منطق عنيف بالقوة، لأنّ الدولة حينها تكون تعمل بآليات الفصل لا المواطنة. 

وعلى الصعيد الواقعي سعى مكتب الإرشاد في مصر لتمكين جماعاته المسلحة، وتأمين تسلحهم من خلال وجوده في الحكم، وهذا ما أوضحته التجربة المصرية للعالم؛ فلم تتوانَ الجماعة في ممارسة العنف تجاه الشعب المصري حين كانت في منصة الحكم، وذلك من خلال الاعتداء المسلح على المتظاهرين أمام مكتب الإرشاد بالمقطم في حزيران (يونيو) 2013، ممّا أسفر عن مقتل (12) وإصابة (48). 

وأحداث بين السرايات في 2 تموز (يوليو) عام 2013 التي أطلق فيها أعضاء من جماعة الإخوان النار على سكان بين السرايات، ممّا أسفر عن (23) قتيلاً و(220) جريحاً، وأحداث سيدي جابر بالإسكندرية، واشتباكات مسجد القائد إبراهيم، وغيرها من عمليات العنف الموجهة ضد الشعب لمعارضته سياسات الحكم، وكانت الجماعة تقوم بكل هذه العمليات بتغطية من رئيس الدولة الإخواني الذي يستند إليهم للحفاظ على منصبه.

ويشير الانفجار الفوري للعنف إثر سقوط حكم مكتب الإرشاد من خلال الإطاحة بمحمّد مرسي، ووعد القيادي الإخواني محمّد البلتاجي بإيقاف العمليات الإرهابية في سيناء، في الثانية التي يتراجع فيها الجيش عن الانقلاب العسكري على حدّ قوله، يشير بشكل واضح إلى مسؤولية الإخوان عن هذه العمليات، رغم كل محاولات التحايل على الموقف والتبريرات الصبيانية إلا أنّه لا يحمل معنى غير ذلك. وبالرغم من رفعهم شعار ورايات السلمية كانت هناك ضربات مسلحة موجهة للجيش والشرطة المصرية في أحداث فضّ اعتصام رابعة، التي سعت من خلاله إلى إجبار الدولة المصرية على الرضوخ لأوامرها.

وفي واقع الأمر لم يكن العنف الإخواني وليد هذه اللحظة، بل للجماعة تاريخ طويل من ممارسة العنف والإرهاب الذي يجعل الممارسات السياسية تبدو عرضية وبديلاً عنه، فعوضاً عن بنيتها التنظيرية المتضمنة للعنف، يأتي تاريخها حافلاً بعمليات الاغتيال والقتل والتنظيمات المسلحة، فلم تكن يدها نظيفة من الدماء طوال تاريخها، فقد شاركت في عملية اغتيال الرئيس المصري الراحل محمّد أنور السادات ودافع محاموها عن القتلة، كما أنّ حركة (حسم) المتحالفة مع الإخوان المسلمين أعلنت مسؤوليتها عن قتل النائب العام المصري هشام بركات، وتفجير سفارة ميانمار بالقاهرة في 30 أيلول (سبتمبر)، وغيرها من العمليات الإرهابية التي أعلنت مسؤوليتها عنها. 

فمن خلال بنيتها التنظيرية ورؤيتها للعالم وممارستها الواقعية يتضح أنّ جماعة الإخوان المسلمين ذات بعد عنيف وواضح ضمن بنيتها، وأنّ الممارسة السياسية بمثابة أداة من أدوات التقية التي تعيشها هذه الجماعة وتعمل من خلالها على امتلاك موضع قوة، لتتمكن من خلاله فرض رؤيتها على العالم بأيّ وسيلة كانت. 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية