لماذا صنع الإخوان المسلمون من (علي عزت بيجوفيتش) رمزاً دينياً؟

لماذا صنع الإخوان المسلمون من (علي عزت بيجوفيتش) رمزاً دينياً؟

لماذا صنع الإخوان المسلمون من (علي عزت بيجوفيتش) رمزاً دينياً؟


18/02/2024

حين زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القاهرة عقب أحداث الربيع العربي، نصح المصريين بالعمل على بناء دولة علمانية، مؤكداً أنّ الدولة العلمانية لا تعني دولة اللّادين. مثّلت تلك التصريحات النقيض من الصور الذهنية التي صنعها الإخوان المسلمون في مصر عن أردوغان، والتي صُوّرت فيها النجاحات التي حققها خلال العقد الأول من رئاسته الحكومة على أنّها نجاح للإخوان المسلمين ونهجهم.

موقف آخر شبيه بذلك، هو الصورة الذهنية التي صنعها الإخوان المسلمون والتيارات السياسية الإسلامية بشكل عام للزعيم الوطني البوسني، الرئيس الراحل علي عزت بيجوفيتش، فقد جعلوا منه فيلسوفاً إسلامياً ومجاهداً، وجعلوا من قضية البوسنة والهرسك قضية إسلامية. فهل كان بيجوفيتش مثل هذه الصورة؟

حرب عرقية

رغم أنّ التمايز الأساسي بين الجهات المتحاربة في الحرب البوسنية (1992-1995) كان على أساس عرقي ـ ديني، إلا أنّها لم تكن بأيّ حال حرباً دينية؛ إذ أنّ الولايات المتحدة والغرب وقف إلى جانب البوشناق، وهم (مسلمو البوسنة والهرسك)، والكروات (مسيحيون كاثوليك)، ضد الصرب وهم (مسيحيون أرثوذكس). كما أنّ الحرب البوسنية هي حلقة من الحلقات الأخيرة في عهد دولة يوغوسلافيا التي تكونت من الدول التالية المستقلة: صربيا والجبل الأسود وسلوفينيا وكرواتيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو. 

خلال الحرب في البوسنة برز الزعيم البوسني علي عزت بيجوفيتش، الذي تولى رئاسة البوسنة بعد الاستقلال، والذي تحول لاحقاً إلى أسطورة في العالم الإسلامي، ووصفته قناة (الجزيرة) بـ "المجاهد المجتهد".

الإسلام هوية للشعب البوسني

يقول الباحث في قضايا الحركات الإسلامية هاني عمارة: إنّ قضية البوسنة صُوّرت على أنّها قضية دينية إسلامية، لكنّها في الغرب كانت قضية ديمقراطية، بينما كان الهدف الغربي هو تحطيم دولة يوغوسلافيا، رغم أنّها لا ينطبق عليها مسمّى الشيوعية كما كان الاتحاد السوفييتي، وكانت علاقاتها جيدة بالولايات المتحدة والغرب، وفتحت البلاد للأجانب، وكانت دولة صناعية واقتصادية كبيرة اقتصادياً، لكنّ الغرب خطط لتدميرها.

الجدير بالذكر أنّ قضية البوسنة والهرسك اشتعلت بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وبعد الحرب الروسية الأفغانية، التي شهدت توظيف الولايات المتحدة، بالتعاون مع دول إسلامية على رأسها باكستان، للدين الإسلامي في الحرب ضد الاتحاد السوفييتي. خلال تلك الفترة دُعمت الجماعات السلفية الجهادية التي قاتلت بجانب التشكيلات المسلحة الأفغانية، كما شهدت تلك الفترة تأسيس تنظيم (القاعدة) في باكستان.

 

تنبع أهمية مؤلفات بيجوفيتش من كونها تعبيراً عن الهوية البوسنية التي تعرّضت لتأثيرات كبيرة أثناء التوجهات الشيوعية لدولة يوغوسلافيا.

 

في ظل تلك الأجواء تحولت قضية البوسنة والهرسك إلى قضية إسلامية، والتحقت أعداد محدودة من المحسوبين على تنظيم (القاعدة) و(حزب الله) اللبناني للقتال إلى جانب القوات البوسنية، التي كانت تقاتل قوات العرق الصربي، بينما تحالفت معظم الوقت مع قوات العرقية الكرواتية. وفي العام 1999 شنّ حلف الناتو هجمات جوية واسعة النطاق ضد دولة صربيا والجبل الأسود -التي انقسمت عام 2006 بين صربيا والجبل الأسود- وذلك بسبب الأزمة في كوسوفو، ممّا يثبت ثانيةً أنّ الموقف الغربي من تفكيك يوغوسلافيا، التي كانت عضواً مؤسساً في حركة دول عدم الانحياز، إلى جانب مصر والهند ودول أخرى، لم ينبع بأيّ حال من منطلقات دينية، دون استبعاد توظيف الدين خلال تلك الفترة.

توظيف الإسلام

يرى هاني عمارة أنّ الإخوان المسلمين ساعدوا الدول الغربية في الحرب ضد الشيوعية، وكانوا يسعون لتحويل القضية البوسنية إلى قضية المسلمين ضد المسيحية، لكنّها كانت حرباً عرقية في الأساس، في منطقة البلقان التي يختلط فيها العرق بالدين، ولهذا فالإسلام عند البوشناق هو قومية في المقام الأول.

أمّا عن سبب التركيز على بيجوفيتش، فقد قال: إنّ أسلمة القضية البوسنية كانت تتطلب زعيماً إسلامياً من تلك المنطقة، فكان ذلك هو بيجوفيتش، على الرغم من أنّه يُصنف كيساري ولا يُعتبر مفكراً أو رمزاً إسلامياً بأيّ حال، وهو مثل روجيه جارودي. ولفت إلى أنّ الإخوان المسلمين الذين يبجلون مؤلفات بيجوفيتش هم في الحقيقة لم يأخذوا منها سوى العناوين.

بيجوفيتش: يوجد ملحدون على أخلاق، ولكن لا يوجد إلحاد أخلاقي

في كتابه "الإسلام بين الشرق والغرب" يظهر بيجوفيتش كرجل أوروبي يتبنّى رؤية إسلامية تجديدية في إطارها العام، دون احتكاك بالقضايا الإسلامية التي تشكل جزءاً كبيراً من أزمة الفكر في الدول العربية والإسلامية. كتب: إنّ "أيّ تلاعب بالناس، حتى ولو كان في مصلحتهم، هو أمر لا إنساني، أن تفكّر بالنيابة عنهم، وأن تحررهم من مسؤولياتهم والتزاماتهم، هو أيضاً لا إنساني". وفي موضع آخر كتب: "فإذا وجدنا خصوماً للثورة في نطاق الدين، فهم خصوم ينتمون إلى الدين الرسمي فقط، أي إلى الكنيسة ونظامها الإداري الهرمي، أو الدين المؤسسي الزائف. وعلى العكس، فإنّ الثورة الزائفة، أي الثورة التي تحولت إلى مؤسسة وإلى بيروقراطية، تجد دائماً حليفها في الدين الذي تحول هو أيضاً إلى مؤسسة وإلى بيروقراطية. فما أن تبدأ الثورة تكذب وتخدع نفسها حتى تمضي مع الدين المزيف يداً بيد".

 

الباحث هاني عمارة لـ (حفريات): الإخوان المسلمون ساعدوا الدول الغربية في الحرب ضد الشيوعية، وكانوا يسعون لتحويل القضية البوسنية إلى قضية المسلمين ضد المسيحية، لكنّها كانت حرباً عرقية.

 

وكتب: "يوجد ملحدون على أخلاق، ولكن لا يوجد إلحاد أخلاقي. والسبب هو أنّ أخلاقيات اللّا ديني ترجع في مصدرها إلى الدين. دين ظهر في الماضي ثم اختفى في عالم النسيان، ولكنّه ترك بصماته قوية على الأشياء المحيطة، تؤثر وتشع من خلال الأسرة والأدب والأفلام والطرُز المعمارية".

إنّ ما كتبه بيجوفيتش لا يُعتبر بحال "فلسفة"، ولكنّه إنتاج فكري لشخصية بارزة، عاصرت فترات مهمة في تاريخ البشرية واشتبكت معها. وتنبع أهمية مؤلفات بيجوفيتش من كونها تعبيراً عن الهوية البوسنية، التي تعرضت لتأثيرات كبيرة أثناء التوجهات الشيوعية لدولة يوغوسلافيا، ومن قبل تأثرت منطقة البلقان بشكل عام بقرون من الحروب بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية، والتي اكتسبت لوقت طويل صفة الحرب الدينية، قبل أنّ يُتخطى عامل الدين فيها، ويصطف الغرب إلى جانب الدولة العثمانية ضد روسيا القيصرية.

الإخوان والبوسنة

أمّا الدولة ذات التأثير الكبير في أحداث البوسنة، فقد كانت تركيا، التي حكمت لقرون منطقة البلقان ومناطق في وسط أوروبا، بما فيها دولة المجر اليوم، ولهذا سعت إلى تفكيك دولة يوغوسلافيا، للنفاد إلى الأقليات المسلمة في البوسنة وكوسوفو، بهدف استعادة أمجاد دولتهم، كما حاولوا في المنطقة العربية بعد الربيع العربي.

يقول الباحث عمارة: إنّ "تركيا كانت عرّاب حرب إسقاط يوغوسلافيا، وهي من قادت العالم الإسلامي بذريعة إسلامية، كما فعلت باكستان في أفغانستان أثناء التواجد السوفييتي فيها". وتابع أنّ الشعب البوسني لا يدين بالإسلام بالطريقة نفسها السائدة في الدول العربية والإسلامية؛ إذ تحولت الطقوس الدينية إلى عادات اجتماعية لديهم.

هاني عمارة: تركيا كانت عرّاب حرب إسقاط يوغوسلافيا

وحول تواجد جماعة الإخوان المسلمين في البوسنة والهرسك، جاء في التقرير الصادر عن مشروع مشترك بين مركز جلوبسيك (GLOBSEC) ومشروع مكافحة التطرف (CEP)، من إعداد أندريا مارينكوفيتش، ومارتينا فالوشياكوفا، وفيكتور ساكس، أنّ جماعة الإخوان المسلمين في البوسنة، على الرغم من نفوذها في المناصب العليا، موضع خلاف عميق وموضوع جدل عام محتدم؛ لأنّ الكثير من السكان، على الأقل في المدن، علمانيون سياسياً حتى لو كانوا متدينين شخصياً. 

وتربط البوسنة ومصر علاقات وطيدة؛ فقد شارك الجيش المصري بقوات حفظ السلام في البوسنة والهرسك إبّان الحرب اليوغوسلافية التي اندلعت عام 1991، وشاركت قوات الجيش وعناصر الشرطة المصرية في تنفيذ مهام حفظ السلام ثم إنفاذ السلام وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي لعام 1992. وبين القاهرة وسراييفو علاقات تاريخية ممتدة في الجوانب الثقافية والدينية والسياسية. ولهذا فمن الصعب أن يجد "الإخوان" المساحة نفسها للانطلاق نحو مهاجمة مصر كما كان الحال في تركيا من قبل. من جانب آخر، فالبوسنة والهرسك ليست دولة قومية واحدة تدين بالإسلام على غرار تركيا في مسألة الدين وهيمنة القومية التركية، لكنّها دولة مكوّنة من (3) عرقيات كبرى؛ البوشناق والصرب والكروات، وتبلغ نسبة الإسلام فيها 50.7%.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية