التّطبيع الإيراني - السّعودي تفاهم استراتيجي أم مراوغة سياسيّة؟

التّطبيع الإيراني - السّعودي تفاهم استراتيجي أم مراوغة سياسيّة؟

التّطبيع الإيراني - السّعودي تفاهم استراتيجي أم مراوغة سياسيّة؟


23/03/2023

عمرو فاروق

استأنفت المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، علاقتهما الدبلوماسية أخيراً، بوساطة صينية، بعد انقطاع دام منذ احتدام الصراع بينهما في الساحات المشتركة داخل منطقة الشرق الأوسط عام 2016، على أثر مهاجمة محتجّين إيرانيين مقار البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، بعد إعدام المملكة المعارض الشيعيّ السعودي نمر النمر.

إعلان الاتفاق الدبلوماسي بين طهران والرياض، سبقته محادثات في عامي 2021 و2022، استضافتها سلطنة عمان والعراق، وفقاً للبيان الثلاثي الذي أشار إلى استكمال بكين المحادثات بين الطرفين.

يحمل قرار التقارب الإيراني السعودي آمالاً في تحقيق نوع من التهدئة والاستقرار في الكثير من الملفات العالقة والملتهبة في عمق المنطقة العربية، والتي ما زالت مشتعلة منذ ثورات "الربيع العربي" تحديداً، في ظل توسع طهران في بناء أذرعها المسلحة والخشنة في تمديد سيادتها وهمينتها على الأنظمة والمجتمعات معاً.

ويحمل كذلك تخوفات من عدم وفائها بعهودها وتخليها تدريجياً عن التزامها شروط الاتفاق ومطالب الجانب السعودي، في تفكيك الميليشيات المسلحة ورفع الغطاء المالي والسياسي والاستراتيجي عنها، تمهيداً لإرساء التهدئة في مناطق الصراع، فضلاً عن تهديدها للمصالح العربية في الشرق والغرب الأفريقيين.

ربما يدفع تقارب الرياض وطهران، إلى خلخلة المشهد في الأزمة اليمنية في ظل خلق قواسم مشتركة بينهما، حتى وإن لم يتم طرح أو تقديم حلول جذرية من شأنها أن تنهي القضية برمتها، ومن المرجح كذلك أن يمتد مستوى التفاهم إلى الأوضاع في الداخل اللبناني والسوري والعراقي.

رغم الارتياح الدولي إلى التقارب الدبلوماسي، فإن قيام نظام الملالي على نزعة أيديولوجية عدائية في التعامل مع الآخر، واستهداف تمرير مذهبه الفكري والثوري إلى بقاع الدول العربية والإسلامية في إطار عقائدي، يجعله يراوغ موقتاً مع السعودية في إطار هدنة تمنحه إعادة التوازن في ظل ملاحقته بضربات شلت أركان نظامه السياسي التوسعي على المستويين الخارجي والداخلي.

فلا يمكن فصل التحركات الخارجية للسياسة الإيرانية عن أوضاعها الداخلية المعقدة، في ظل قمعها المستمر للاحتجاجات الشعبية الواسعة التي طالت مختلف مدنها عقب مقتل الشابة مهسا أميني، فضلاً عن تدهور شؤونها الاقتصادية في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة عملتها المحلية، ما خلّف نوعاً من الغضب العالمي ضد رموز النظام الصفوي، ووقوعه تحت وطأة العقوبات الأميركية والأوروبية، وملاحقة ضباطه من رجال الحرس الثوري.

العزلة الدولية المفروضة على النظام الإيراني، نتيجة تداعيات الملف النووي، واستخدام العنف ضد الاحتجاجات الداخلية، واتهامه بمساعدة روسيا بالطائرات المسيرة في حرب أوكرانيا، دفعته إلى محاولة صناعة نفوذ إقليمي، من خلال مساعيه في التقارب مع الرياض والقاهرة، خروجاً من النفق المظلم.

لا شك في أن تطبيع العلاقات بين طهران والرياض، يمثل تحولاً في المعادلة الأمنية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط، ولكن تبقى هذه الخطوة مرهونة بمدى التزام الجانب الإيراني باحترام سيادة الدول، وعدم تدخله في شؤونها الداخلية، ووقف دعمه المالي واللوجستي للميليشيات المسلحة الموالية لها مثل "حزب الله" اللبناني، وتنظيم "أنصار الله" في اليمن المعروف بـ"جماعة الحوثي"، وميليشيات"الحشد الشعبي" في العراق، التي اتسمت تحركاتها جميعاً بالصبغة الطائفية.

توقع تراجع النظام الملالي عن تعهداته السياسية، يعلله المعنيون بالشأن الإيراني، بأطماعه التوسعية التي ستجعله يمضي قدماً في استمرار دعم وصناعة الجماعات الشيعية، والميليشيات المسلحة الموالية، كونه يدرك أن قوته الإقليمية لا تعتمد على حضوره الثقافي أو الاقتصادي، بل على أذرعه الخشنة التي يوظفها في ترويض خصومه ومعارضيه.

اعتقاد طهران أنها الدولة الوحيدة المؤهلة للإشراف على التحول السياسي في منطقة الشرق الأوسط، يدفعها إلى التعامل باستعلاء، وبنبرة فوقية مع الأطراف الأخرى المناوئة لها، لا سيما في ظل إيمانها بأنها تمتلك نظاماً سياسياً يتمتع برؤية حضارية، ويستمد شرعيته من العهد الصفوي، عبر الإطار التاريخي والثقافي والديني.

فمنذ الإعلان عن تفاصيل التقارب والاتفاق الدبلوماسي بين البلدين، بادرت المنصات والمواقع التابعة للنظام الإيراني، إلى استخدام صيغ ومفردات كلامية توحي بخضوع الجانب السعودي للمطالب الإيرانية، وإبراز مدى احتياج المملكة لترضية واستجداء "دولة الفقيه"، سعياً إلى  التخلص من التهديدات التي تلاحق أمنها القومي في الجانب اليمني، فضلاً عن تضرر مصالحها في عمق دول الشرق الأوسط.

تحفظات النظام السعودي تجاه صوغ عملية التفاهم والتقارب الدبلوماسي مع النظام الملالي، ما زالت قائمة، وفقاً لما صرح به وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان إلى "الشرق الأوسط" اللندنية، من أن الاتفاق، وإن كان سيفضي إلى استئناف العلاقات السياسية، إلا أنه "لا يعني توصلنا إلى حل كل الخلافات العالقة بين بلدينا، بل هو دليل إلى رغبتنا المشتركة بحلها عبر التواصل والحوار بالطرق السلمية والأدوات الدبلوماسية".  

يمثل التقارب السعودي الإيراني، في حال نجاحه؛ تهديداً لمصالح تل أبيب التي حاولت تشكيل تحالف "شرق أوسطي"، تكون المملكة السعودية إحدى ركائزه؛ لمجابهة طهران، فضلاً عن وقوفها ضد عودة الاتفاق النووي، واتخاذها إجراءات حازمة لمنع الترسّخ العسكري الإيراني في سوريا والعراق.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية