"التّعصب الكروي" والإسلام السّياسي

"التّعصب الكروي" والإسلام السّياسي


07/09/2022

عمرو فاروق

لم يتمكن أعداء الدولة المصرية على مدار التاريخ المعاصر من تحقيق مخططهم بتدمير وحدتها وشق صفوفها وجبهتها الداخلية، من خلال صناعة "الفتنة الطائفية" بين مسلميها ومسيحييها، أو بتمرير مشاريع التقسيم التوسعية الاستعمارية الحديثة.

تقليب الطبقات والفئات الشعبوية والنخبوية، هدف أساسي للمتربصين بالدولة المصرية، لتحقيق سيناريوات الخراب الداخلي والفوضى الخلاقة التي تنذر بنهاية مستقبلها وتاريخها ودورها السياسي والاجتماعي والثقافي عربياً وإقليمياً.

ربما باتت لعبة كرة القدم الأداة الأسهل والأكثر فاعلية في صناعة حالة الاستقطاب والتفرقة الداخلية، في ظل انتقالها من ساحة "التعصب الكروي" إلى "دائرة الكراهية" المطلقة بين الجماهير الشعبية المشجعة للأندية الرياضية المصرية.

واقعياً، لم تعد القصة "بطولة دوري" أو "بطولة كأس"، لكنها تحولت إلى فتيل تتنازع الأطراف المتناحرة على إشعاله من دون النظر إلى تبعاته وعواقبه، لا سيما أن ثمة أطرافاً أخرى خارجية التقطت خيوط الأزمة وبدت تحركها تبعاً لمصالحها، إن لم تكن قد حرّضت عليها من البداية.

انتماء مشجعي الكرة المصرية وولاؤهم، باتا يضاهيان انتماءهم وولاءهم للدولة المصرية ذاتها، في ظل حالة العداء والكراهية المتناهية بين جماهير الأندية الشعبية، مثل النادي الأهلي، ونادي الزمالك، والنادي المصري البورسعيدي، ونادي الإسماعيلي، وخلطهم المتعمد بين كرة القدم كلعبة ترفيهية وتوظيفها للتعبير عن التقاليد والأعراف الاجتماعية، أو كونها وسيلة للانتقام النفسي من المنافس والخصم.

فرضية تمويل الإرهاب والانتماء للجماعات الأصولية، تحوّلت مظلة اتهام وتراشق بين مشجعي الأندية المصرية، في ظل الترويج لسيطرة رجال الأعمال المحسوبين على جماعة "الإخوان المسلمين" على مقاليد النادي الأهلي، وكذلك تغلغل المنهجية السلفية على المنتمين إلى نادي الزمالك، وسعيهم أيضاً إلى الهيمنة على الأندية الساحلية (سموحة - الاتحاد - المصري - الإسماعيلي).

ظلت الأندية الرياضية المصرية في مخيلة تيارات الإسلام السياسي لسنوات طويلة، لما لها من جماهيرية كبيرة يمكن استمالتها فكرياً وتجنيدها تنظيمياً، ومن ثم كان النشاط الرياضي ركيزة في استقطاب قواعدها التنظيمية والتأثير فيها.

أهمية النشاط الرياضي في حقل تيارات الإسلام الحركي، دفعت إحدى الدول العربية إلى تأسيس أكاديمية رياضية كبرى ملحقة بنادي الزمالك، تستهدف في المقام الأول تدشين أجيال رياضية تحمل الأيديولوجية السلفية، إلا أن المشروع باء بالفشل لأسباب أمنية في مرحلة ما قبل عام 2010.

في المقابل، عملت جماعة "الإخوان المسلمين" منذ منتصف السبعينات من القرن الماضي، على اختراق الأندية والهيئات الرياضية، واستهداف الدوائر المعاونة للأجهزة الفنية، والأطقم الطبية، وكذلك محاولة السيطرة على قطاعات الناشئين للوصول إلى أكبر فئة من المراهقين والشباب، مع إمكان التحكم في الدفع بالعناصر المختارة إلى الملاعب.

الهيكل التنظيمي لجماعة "الإخوان" – وفقاً لعناصر سابقة - ضم ثلاث لجان للعمل على اختراق الأندية الرياضية واستمالة رموز العمل الرياضي، أولاها لجنة "النشاط الرياضي"، التي كرّست جهدها في حيز الأندية الرياضية ومراكز الشباب ومجالس إدارتها، فضلاً عن تركيزها على قطاع الناشئين، وتأسيس عدد كبير من الأكاديميات الرياضية وتمويلها بهدف الوصول إلى الفئة العمرية المستهدفة من خلال تلك التجمعات.

ثانيها "لجنة الكشّافة" التي تأسست منذ ثلاثينات القرن الماضي، واستهدفت قطاع الكشّافة في مختلف المدارس والجامعات ومراكز الشباب، ووظفتها لخدمة مشروع الجماعة.

وثالثها لجنة "الصفوة"، التي ركزت نشاطها بين العائلات الكبرى والأوساط الراقية وصفوة المجتمع، فضلاً عن دعمها في الوصول إلى مجالس إدارة الأندية الشهيرة، أملاً في السيطرة عليها تماماً.

لجنة "النشاط الرياضي" داخل التنظيم الإخواني، شكلت لجنة خاصة تولت متابعة كل نادٍ رياضي متابعة مستقلة، ودفعت القواعد التنظيمية إلى الاشترك في عضوية الأندية المصرية، متكفلة بالنفقات المالية، لصناعة لوبي مؤثر يحمل التوجهات الإخوانية، ويدين لها بالولاء والتبعية داخل هذه الكيانات الحيوية، ما جعلها تتدخل تاريخياً في تشكيل القوائم الانتخابية، وكذلك الإشراف على روابط الألتراس والتحكم فيها من بعد.

أوراق مكتب الإرشاد المضبوطة ضمت مشروعاً لتأسيس نادٍ اجتماعي، وفريق رياضي يحمل مسمى" الإخوان المسلمين"، لتمثيل الجماعة رسمياً في الدورات الرياضية المصرية والأفريقية، إلى جانب سعيها إلى الدفع بشخصيات إخوانية في انتخابات مجالس إدارات الأندية.

المرحلة الأبرز في مشروع الهيمنة على الأندية الرياضية والاجتماعية من قبل جماعة "الإخوان"، أدارها أسامة ياسين إبان توليه منصب وزير الشباب والرياضة في عهد محمد مرسي، في إطار استراتيجية "التمكين"، التي قادتها الجماعة للتغلغل المطلق في أروقة الدولة المصرية.

هناك قائمة طويلة من اللاعبين المصريين المنتمين تنظيمياً إلى جماعة "الإخوان"، والذين أداروا وأشرفوا على النشاط الإخواني في مختلف الأندية والهيئات الرياضية المصرية، عدد منهم أعلن عن توجهاته الفكرية خلال مرحلة صعود الجماعة للحكم، وبعضهم لا يزال مختبئاً خلف الأضواء.

في منتصف عام 2012، أجرت قيادات مكتب الإرشاد اتصالات سرية مع رموز العمل الرياضي، في إطار حالة من الاستحواذ المطلق على مفاصل الحياة السياسية والمدنية والرياضية، والدفع بقائمة من عناصرها أو القريبين من توجهات الإسلام السياسي، لخوض انتخابات اتحاد الكرة المصري، والترتيب لإسقاط قائمة الكابتن هاني أبو ريدة. 

حرصت المكاتب التنظيمية داخل جماعة "الإخوان" على مشاركة أفرادها في قطاعات الأشبال والثانوي، في اختبارات الأندية الرياضية والالتحاق بأنشطتها، إلى جانب تحفيزهم على الاشتراك في روابط الألتراس، وفقاً لتصريحات بهاء أبو رحاب مسؤول اللجنة الرياضية في حزب "الحرية والعدالة"، بأن "الإخوان" اخترقوا المنظومة الرياضية، وروابطها الجماهيرية.

محاولات التأثير الفكري والتوجه الأيديولوجي بين طواقم العمل الرياضي، اتخذت حيزاً كبيراً خلال مرحلة الرئيس حسني مبارك، إذ تم تجنيد عدد ليس بالقليل من اللاعبين المصريين، والأطقم الفنية المساعدة، من خلال عقد الدورات الدينية داخل مسجد أسد بن الفرات، ومسجد دعوة الحق في الدقي، ومسجد المغفرة في العجوزة، تحت إشراف الشيخ صفوت حجازي وحازم صلاح أبو إسماعيل.

جماعة "الإخوان"، تاريخياً، شكلت عدداً من الفرق الرياضية منذ ثلاثينات القرن الماضي وأربعيناته، بتعليمات من مؤسس التنظيم حسن البنا، كما دشنت مسابقة رياضية تحت مسمى "كأس المرشد"، وضمت مشاركة القواعد التنظيمية داخل  المكوّن الإخواني.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية