الحلبوسي رئيساً للبرلمان العراقي وسط فوضى وعنف ودراما

الحلبوسي رئيساً للبرلمان العراقي وسط فوضى وعنف ودراما


10/01/2022

في جلسةٍ ضجت بالفوضى والعنف السياسي، جدّدَ مجلسُ النواب العراقي، لرئيسهِ السابق محمد الحلبوسي ولايةً رئاسيةً ثانية، في أولى جلساتهِ التي شهدت فوضى داخلية و"جدلاً كبيراً" على المستوى الشعبي العام، لما رافقها من تصرفاتٍ "مريبة"، أُريد من خلالها عرقلة مسار الجلسة الأولى، واستثمار ما تبقى من الوقت الدستوري، لترتيب أوراق البيت السياسي الشيعي "المضطرب".

ويأتي فوز زعيم تحالف "تقدم" بمنصب رئيس البرلمان بعد تفاهماتٍ خاضها مع غريمه السياسي خميس الخنجر، زعيم تحالف "عزم"، مما أفضى إلى توحيد الموقف السياسي السني، وتفاهماتٍ جانبية مع التيار الصدري الذي فاز مرشحهُ بمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان، والحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي فاز مرشحهُ بمنصب النائب الثاني للرئيس.

المحلل السياسي حكمت الدليمي : ما فعلهُ المشهداني هي حركة مفتعلة، لعرقلة انتخاب الحلبوسي، وإعطاء المجال لتفاهماتٍ أكثر، من أجل أن يكون للإطار التنسيقي دور في حكومة توافقية
 

وشهدت الجلسة جدلاً واسعاً، بعدما نقل رئيس السن، مدير الجلسة محمود المشهداني (73 عاماً)، من المنصة البرلمانية إلى مستشفى "ابن سينا" في المنطقة الخضراء، بدعاوى تضاربت بين الوعكة الصحية، وتعرّضهِ للاعتداءِ من قبلِ نوابٍ صدريينَ هاجموهُ لدى تسلّمهِ أوراق اعتماد كتلة "الإطار التنسيقي" بوصفها الكتلة النيابية الأكبر، التي من حقها تشكيل الحكومة المرتقبة.

وضوح التحالفات السياسية

ويكشفُ تكوين أعضاء هيئة رئاسة مجلس النواب المنتخبة، عن التحالفات المبرمة بين الكتل، التي ينتمي إليها رئيس المجلس ونائبيه. إذ حصل زعيم تحالف "تقدم" محمد الحلبوسي على 200 صوت، مقابل 14 صوت للنائب محمد المشهداني، فيما نالَ مرشح الكتلة الصدرية حاكم الزاملي، منصب النائب الأول، ومرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني شاخوان عبدالله، منصب النائب الثاني لرئيس المجلس.

إقرأ أيضاً: من المسرح إلى الرياضة... هكذا يحاول الحشد الشعبي العراقي تجميل صورته

وتكشف هذه المعادلة، أنّ تحالفاً خفياً كان قد جرى بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وتحالف "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي الذي تفاهمَ مؤخراً مع غريمهِ السياسي داخل المكون السني زعيم تحالف "عزم" خميس الخنجر.

ويقول النائب السُني مشعان الجبوري، في تصريح متلفز، إنّهُ "استلمَ تعليمات من مسعود بارزاني، بشهر تشرين الأول الماضي، وقال : نريد نعمل على وحدة تحالفي عزم وتقدم".

عناصر أمن البرلمان يسعفون رئيس السن محمود المشهداني

وأكد أنّ " بارزاني لا يدخل بحكومة يشكلها الإطار التنسيقي"، لافتاً إلى أنّ بارزاني أخبرهُ بصريح العبارة: "آذونا ودمرونا، أطلقوا وعودهم وكذبوا علينا، ويضربوننا بصواريخ وبطائرات مسيرة، ولن أذهب معهم".

ما جرى بعد اليمين الدستورية 

وبعد تأجيلها لمرتين، عقد البرلمان الجديد جلستهُ الأولى، في مساء أمس الأحد، و أدى 325 نائباً من أصل 375، اليمين الدستورية للدورة البرلمانية الخامسة. وقد أدارَ الجلسة أكبر الأعضاء سناً، النائب محمود المشهداني، رئيس البرلمان الأسبق. وفور الانتهاء من أداء اليمين، أعلنَ رئيس السن فتحَ باب الترشيح لرئاسة البرلمان الجديد. كما استقبلَ طلباً قدمهُ عضو "الإطار التنسيقي" أحمد الأسدي، لاعتماد كتلة الإطار، الكتلة النيابية الأكبر التي ستشكل الحكومة. الأمر الذي أدى إلى احتجاج نواب الكتلة الصدرية (73 مقعداً) الفائزة الأولى في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

الكاتب ساطع راجي لـ"حفريات": المثير في هذه الفوضى، هو الغياب التام للمشاكل العراقية في طروحات الساسة، وكأن العمل السياسي هدفهُ حل مشكلة بعض الأشخاص بمنحهم مناصب رسمية عليا

وتلا الأسدي بياناً؛ أعلنَ فيهِ أن "الإطار التنسيقي"، تمكن من جمع 88 نائباً، مما يجعلهُ يتقدم على الكتلة الصدرية، وهو ما جعلَ المشهداني في مواجهة غضب الصدريين، الذين اعتلوا المنصة الرئاسية، ليخرج منها محمولاً على أكتاف أفراد القوة الأمنية. لكنّ الغريب؛ هو زيارة قادة "الإطار التنسيقي" لرئيس السن في مشفاه، وهو يظهر بصحةٍ جيدة، ويعلن ترشحهُ لمنصب رئيس البرلمان بعد استمرار الجلسة التي أدارها الاحتياط الثاني من نواب السن، بعد اعتذار الاحتياط الأول. 

شكوك في سلوكيات المشهداني

حضور زعماء "الإطار التنسيقي" كل من هادي العامري، ونوري المالكي، وقيس الخزعلي، إلى مشفى المشهداني، أثارَ الشكوك، حيال إمكانيةِ توافقٍ بينهما على تعطيلِ الجلسةِ من أجل استثمار الوقت الذي ضاقَ بالقوى الشيعية الخاسرة في الانتخابات.

كما راجَ على منصات التواصل الاجتماعي، لقاءً إعلامياً سابقاً للمشهداني، أكدَ فيهِ استخدامه بعض "الألاعيب" لدى إدارتهِ جلسةً مضطربةً، أيامَ ترؤسهِ مجلس النواب، بدورتهِ الأولى (2006- 2009).

إقرأ أيضاً: البرلمان العراقي يعقد جلسته الأولى... وتحرك عسكري في بغداد

وصرّح المشهداني، من مشفى "ابن سينا" بالمنطقة الخضراء، قائلاً: "تعرضتُ لاعتداءٍ وضغطٍ نفسيٍّ من بعضِ النواب؛ فغادرت قاعة مجلس النواب، بعد أن أعلنت طلب المداولة، لسؤالِ المستشار القانوني عن الطعنِ المقدم على ترشيح محمد الحلبوسي، وذهبت الى المستشفى القريب من قاعة المجلس، لإجراء فحوصات بعد شعوري بالجهدِ والتعبِ نتيجة الاعتداء".

المالكي والخزعلي لدى زيارة المشهداني في مشفاه

وأكد "لا زلت رئيساً للسن، و أتمتع بكامل صحتي، وسأعلنُ وقت استئناف الجلسة قريباً". وبعد مضيّ المجلس بانتخاب رئيسه، أعلنَ المشهداني ترشيحهُ مقابل ترشيح رئيس تحالف "تقدم" محمد الحلبوسي.

قوى الإطار : نحن الكتلة الأكبر

من جهتها، أصرّت قوى الاطار التنسيقي، على أنها الكتلة الأكثر عدداً في البرلمان،  وفيما انتقدت الهجوم على رئيس السن محمود المشهداني، حذرت من التفرد "اللامسؤول" في القرار السياسي.

وذكر بيان لقوى الإطار: "تابعنا خلال الأسابيع الماضية كل المحاولات المخلصة من أجل منع الوصول إلى الانسداد السياسي وتعميق الأزمة الاجتماعية والسياسية الناتجة عن التلاعب بنتائج الانتخابات، وبعد أن قدمنا كل التنازلات خدمةً للصالح العام وللسلم المجتمعي، وصولاً إلى تحديدِ عقدِ موعد الجلسة الأولى للبرلمان، من قبل رئيس الجمهورية"

أعضاء مجلس النواب العراقي الجديد بينهم من نواب التيار الصدري يرتدون الكفى كشعار للشهادة

وأضاف :"حاولنا جاهدين منع انزلاق الأمور إلى هذا التخندق الحاصل الذي شاهدناه، والذي ينذر بخطرٍ شديد، وقد أثارَ استنكارنا ما حصل اليوم من اعتداء على رئيس السن لمجلس النواب، وإثارة الفوضى في جلسة المجلس، مما دفع رئيس السن إلى طلب تعليق الجلسة للتدقيق القانوني بعدم تقديم لائحة طعن قانونية بضوابط الترشيح".

إقرأ أيضاً: بانوراما عراقية: هكذا مرّ 2021 على بلاد الرافدين

وأوضح أنّ "الهجوم عليهِ أفقدهُ القدرة على الصمود، ونقلَ إثر اصابتهِ إلى المستشفى، وللأسف الشديد، استمرت بعض الكتل بإجراءات الجلسة، دون ايّ سندٍ قانوني".

وأشار إلى "أننا في الوقت الذي نحمل فيه الجهات السياسية التي تقف خلف هذا التصعيد المسؤولية الكاملة لكل ما سيحدث من تداعيات على هذا التفرد واستخدام العنف والفوضى لفرض الارادات، وقد سجلنا الكتلة النيابية الاكثر عدداً وفقاً للإجراءات الدستورية، وسنتصدى لهذا التفرد اللا مسؤول في القرار السياسي ونمنع أخذ البلد إلى المجهول".

محاولة لفض سلطة الحلبوسي

ورأى مراقبون عراقيون، أن ما فعلهُ رئيس السن النيابي محمود المشهداني، في الجلسة الأولى، محاولة لعرقلة انتخاب محمد الحلبوسي بعد حصولهِ على الإجماع السني.

ويقول حكمت الدليمي لـ"حفريات"، إنّ "هناك أعضاء من المكون السني يتقدمهم النائب محمود المشهداني، يعتقدون بانفراد محمد الحلبوسي بقرار المكون"، مبيناً أنّ "هناك مع الحلبوسي من يعتقد بذلك، ولكنّهُ سلّم للأمر الواقع، بينما الآخرون رأوا إمكانية المناورة مع قوى الإطار التنسيقي".

وأضاف أنّ "ما كان يريدهُ المشهداني، هو ليس الشراكة مع الإطار التنسيقي أو غيرهم، بقدر ما هي محاولة لفض السلطة من الحلبوسي"، عاداً ما فعلهُ رئيس السن "هي حركة مفتعلة، لعرقلة انتخاب الزعيم السني الشاب، وإعطاء المجال لتفاهماتٍ أكثر، من أجل أن يكون للإطار التنسيقي دور أكبر في حكومة توافقية". 

إقرأ أيضاً: مقتدى الصدر في ضيافة خصومهِ في البيت الشيعي


ولدى سؤالهِ عن التحالف السني الصدري، أجابَ "يبدو أن هناك تحالفاً صريحاً بين السياسيين السنة والتيار الصدري، وهذا التحالف ليس وفق الرؤى والبرامج المشتركة، إنما يأتي بناءً على الأغلبية النيابية للصدريين"، لافتاً إلى أنّ "الأغلبية لو كانت مع قوى الإطار، لذهبوا معهم، فهم حريصون على المكاسب والوجود في السلطة، وإذا ما تغيرت هذه الأمور ستتغير هذه التحالفات بالتأكيد".

استياء شعبي مما حصل

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، بالانتقادات الحادة تجاه سلوك النواب الذي وصف بـ"البلطجي"، وعدم احترام السلطة التشريعية، من قبل النخبة التي تمثل الشعب.

وأعربَ الكاتب والصحفي ساطع راجي، عن احباطهِ من المستقبل السياسي، وقالَ لـ"حفريات"، إنهُ "بحسب مجريات الجلسة الأولى للبرلمان، يبدو أنّ لا شيء يمكن توقعهُ في السياسة العراقية، نحنُ أمام غياب كامل للعقل والأعراف والأخلاق السياسية، وبالتالي كل تحليل أو توقع يطرح هذه الأيام، يعتمد أما على الانحيازات والدعاية لطرفٍ سياسي، او نتاج لمخيلة".

وأوضح: " لا توجدُ أسّسٍ وقاعدة معلومات، يمكنُ الاعتماد عليهما، لإطلاق تحليلٍ ما"، مشيراً إلى أنّ "المثير في هذه الفوضى، هو الغياب التام للمشاكل العراقية في طروحات الساسة حتى الذين يرفعون شعارات شعبية، وكأن العمل السياسي هدفهُ حل مشكلة بعض الأشخاص بمنحهم مناصب رسمية عليا".

وعلّقَ بشأنِ ارتداء الصدريينَ للكفنِ الأبيض، تيمناً بكفنِ زعيمهم الذي يتوقع الشهادة بحسبِ ما يدعي، قائلاً: "هذا الفاصل الاستعراضي الذي قدموه في الشارع والبرلمان، خلال الساعات الماضية، يقول إن الصدريين لن يسمحوا لخصومهم، أن يحكموا أو يشاركوا في الحكم مهما كان عددهم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية