الخريطة الإخوانية في السودان: الهروب إلى مشاريع إسلامية موازية

الخريطة الإخوانية في السودان: الهروب إلى مشاريع إسلامية موازية

الخريطة الإخوانية في السودان: الهروب إلى مشاريع إسلامية موازية


19/02/2024

نستكمل في هذا التقرير الواقع الإسلامي المعاصر في المنطقة بالتركيز على الحالة السودانية، دون التطرق لماضي التجربة، الذي يمتد إلى عقود، والذي كان من أهم وأخطر نتائجه على الإطلاق، انفصال جنوب السودان في العام 2011، ضمن تبعات فشل التحالف الإخواني ــ العسكري.

في هذا السياق، نتوقف عند أهم التيارات الإسلامية في مرحلة ما بعد عمر البشير، التي امتدت بين 1989 و2019.

اقرأ أيضاً: تعرف إلى الخريطة الإسلاموية في تونس

لا يمكن تصنيف الحالة الإسلامية في السودان أو حسبها على أحد الأطراف كونها معقدة ومتشابكة، فهناك أحزاب وحركات مارست السلطة فعلياً مع "حزب المؤتمر" كـ"الحركة الإسلامية السودانية"، وهناك من دعمه دون المشاركة، وهناك من انشق عنه كلية وأسس جبهات معارضة مثل "حركة الإصلاح"، و"حزب المؤتمر الشعبي" الذي أسسه الداعية والمنظر الإخواني الراحل حسن الترابي، وإن كانت جميع هذه الحركات، تترقب ما قد تؤول إليه الأحداث بعد تصاعد الأصوات المناوئة لهم خاصة من تجمع المهنيين الذي يتهمونه بمحاولة إقصائهم.

على صعيد آخر، يجب التذكير هنا بأنّ المؤسسات الموازية تُمثل جوهر قوة الإسلاميين في السودان، لذا تدعو قوى التغيير إلى حلّها باعتبارها تمثل دولة الإسلاميين الموازية التي نشأت برعاية حزب المؤتمر الحاكم مثل:

ــ الحركة الإسلامية السودانية التي تُعتبر الذراع الديني لحزب المؤتمر الوطني، وقد أُسند إلى الحركة تربية مجموعة من النخب للوصول إلى الحكم، ونجحت في هذه المهمة، إذ ينتمي لها البشير ورفاقه في انقلاب 1989، ورغم نجاح الحركة في تحقيق هدفها بتنشئة "العصبة المؤمنة" التي ستطبق نظام الحكم الإسلامي إلا أنها استمرت كمرجعية فكرية لحزب المؤتمر الوطني. وقبيل إعلان وزير الدفاع السوداني السابق ابن عوف عزل البشير، بادر الأمن السوداني بمداهمة مقر الحركة واعتقال عددٍ من عناصرها.

لا يمكن تصنيف الحالة الإسلامية في السودان أو نحسبها على أحد الأطراف كونها معقدة ومتشابكة

ــ قوات الدفاع الشعبي: أسس نظام الإنقاذ قوات الدفاع الشعبي بمنأى عن قيادة الجيش، وقد لعبت هذه القوات دوراً كبيراً في قمع الاحتجاجات في بداياتها، واصطدمت في أحيانٍ كثيرة بالقوات النظامية التي كان يحتمي بها المتظاهرون، كما استخدمت شعارات الجهاد لتعبئة وحشد الشباب لقتال الجنوبيين، وانتهى دورها في هذه الحرب.

ــ الاتحاد الوطني للشباب، حيث يرى قادة التغيير أنّه كان أهم المؤسسات التي تمد حزب المؤتمر الوطني بالكوادر الشبابية، ويُعد المعبر الرئيس للقيادات المستقبلية في مفاصل الدولة، وغلب على قيادات هذا الاتحاد ومنتسبيه الطابع الإسلامي المميز للحزب الحاكم، وقد حظي بدعم مباشر من البشير نفسه؛ ورغم أنّ حكم البشير اعتمد على دعم الحركات الإسلامية منذ تأسيس نظام الإنقاذ الذي هندسه حسن الترابي [الذي يُعتبر الأب الروحي لإخوان السودان]، إلا أنّ هذه التيارات تلونت كثيراً طوال فترة الثلاثين عاماً.

شكّل الترابي حينها "الجبهة الإسلامية القومية"، وهو التنظيم الذي جرى الخلط بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين رغم الانفصال بينهما، حيث حاول الترابي بناء الجبهة كتنظيم عصري، يدعم حق المرأة في التصويت والترشيح، ويهدف لأسلمة المجتمع وإقامة حكم الشريعة الإسلامية، وتمكنت الجبهة من تحقيق نفوذ كبير في أجهزة وهيئات ومؤسسات الدولة السياسية والأمنية والمالية، إلى غاية منعطف الانشقاق عن الحزب، وتأسيس "حزب المؤتمر الشعبي" كواجهة سياسية لمعارضة البشير.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ واقع العمل الإخواني في الجزائر في الأعوام الأخيرة؟

كما برز دعم الإسلاميين لتحرك الجيش ضد البشير وكأنّه محاولة منهم لإنقاذ النظام خاصة أنّ أغلب قيادات الجيش المسؤولة عن إدارة المرحلة الحالية نشأت في ظل تجربة حكومة الإنقاذ. ويتأكد ذلك بإقدام وسائل الإعلام المحسوبة على التيار الداعم لتجربة الإسلاميين في السودان مثل قناة "الجزيرة" القطرية بتحميل الأزمة السياسية برمتها للبشير وحده مما يعني سعيهم للحفاظ على الوجود السياسي للإسلاميين مقابل التضحية برأس النظام فقط.

 منظمة الدعوة الإسلامية تعتبر السند الأقوى لنظام البشير قبل عزله وتركة من إرث جبهة الإنقاذ الإسلامية

وأخذاً بعين الاعتبار الدعوات المدنية التي تطالب بحل هذه المؤسسات، إلى جانب مطالبتهم بحل قوات الدعم السريع، فإنّ المهمة الكبيرة أمام رئيس المجلس العسكري الانتقالي الحالي الفريق عبدالفتاح برهان، تكمن في تفكيك هذه المؤسسات خاصة أنها نشأت في ظل مرحلة التمكين التي تتبناها الحركات الإسلامية، رغم أنّ هذه العملية لن تكون هينة، أي اختفاء الإسلاميين في السودان من على الساحة السياسية لأنهم تمكنوا طوال الثلاثين عاماً الماضية من مفاصل الدولة وأجهزتها، وإن كان دورهم يشهد تراجعاً ملحوظاً في تشكيل المشهد السياسي الحالي.

تميز أداء المشروع الإخواني في السودان، بالدور الكبير الذي كانت تقوم به "منظمة الدعوة الإسلامية"، التي تعتبر أكبر أذرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، للتمدد والتغلغل في أفريقيا ونسيجها الاجتماعي من خلال عملها تحت ستار العمل الإنساني والخيري والدعوي، فيما كانت السند الأقوى لنظام البشير قبل عزله، وتعتبر أيضاً تركة من إرث جبهة الإنقاذ الإسلامية.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن الخريطة الإخوانية في المغرب؟

تأسست منظمة الدعوة الإسلامية العام 1980 كمنظمة عالمية إنسانية طوعية غير ربحية ومستقلة ومن أهدافها المعلنة نشر الإسلام وترسيخ قيم التسامح والتعايش إلى جانب دعم وإغاثة المحتاجين وتشجيع المبادرات المحلية في التنمية والبناء، لكن بات ينظر لها منذ عقود على أنها تتخذ من العمل الخيري والإنساني ستاراً للتغطية على نشاطها السياسي المتمثل في دعم مشروع التمكين للإخوان في أكثر من منطقة، حيث تقدم المنظمة خدمات طوعية من خلال مكاتبها المنتشرة في أكثر من 42 دولة إفريقية.

مواجهة مشروع التمكين الإخواني

في إطار التصدي لمشروع التمكين الإخواني في السودان، ومباشرة بعد إسقاط نظام عمر البشير، شرعت السلطات في اتخاذ مجموعة من القرارات، وفي مقدمتها إغلاق عدد من الجمعيات الإخوانية، منها نحو 131 جمعية، في جنوب دارفور وحدها، إثر تأكد السلطات من ضلوعها في ممارسة أعمال العنف، وتلقي أموال من الخارج.

بل أعلن عن تأسيس "لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال بالسودان" [هدفها تفكيك نظام الإخوان]، وبشكل عاجل من حكام الولايات ورؤساء لجان التفكيك، الإسراع نحو اتخاذ إجراءات قانونية، في مواجهة مرتكبي الأعمال التخريبية ومناشدة النيابة العامة التدخل بحزم، وتندرج هذه المبادرة ضمن قائمة أولويات "ثورة ديسمبر" التي اقتلعت نظام الرئيس السوداني عمر البشير، وباعتبار عمل اللجنة نوعاً من الالتزام الدستوري للسلطة الجديدة، فإنّها تظل حاضرة وفاعلة، حتى الوصول إلى نهاية تلك المهمة، رغم محاولات بعض قيادات وقواعد الجماعة، العمل على عرقلة عمل اللجنة.

 إخوان السودان وجدوا أنفسهم في وضع حرج بعد سقوط حكومة البشير وعدم قبولهم من قبل كثير من المتظاهرين

استهل مجلس السيادة الانتقالي أعماله إذن، بإصدار قرار بتشكيل هذه اللجنة، برئاسة الفريق ياسر العطا، ومنح القرار أعضاء اللجنة السلطات والصلاحيات المنصوص عليها، ضمن قانون تفكيك نظام الإخوان وإزالة التمكين، الذي أجازه الاجتماع المشترك الذي جمع أعضاء مجلسي السيادة والوزراء، مطلع كانون الأول (ديسمبر) 2019، ومن بين هذه الصلاحيات "الحق في الملاحقة القانونية، ومصادرة الممتلكات لصالح الحكومة، أو تحديد طريقة التصرف فيها لأيّ جهة حكومية".

اقرأ أيضاً: كيف يمكن التعامل مع الظاهرة الإخوانية في أفريقيا؟

ومن بين الجمعيات المدنية أو الدينية المحسوبة على المشروع الإخواني حسب قرارات اللجنة، والتي تمّ حلها، نذكر على الخصوص: "سند الخيرية"، "البر والتواصل"، "أنا السودان"، "مجذوب الخليفة الخيرية"، "تنميات الإنسانية"، "الغيث الخيرية"، "أم معبد"، "دربيكان"، "الاتحاد الوطني للشباب"، "اتحاد المرأة"، "اتحاد رابطة المرأة العاملة"، "اتحاد شباب بولاية الخرطوم"، "مؤسسة معارج للسلام والتنمية"، "الزبير الخيرية"، "مركز دراسات المرأة"، "منظمة مبادرون لدرء آثار الكوارث والحرب"، "تلاويت للتنمية"، "الاتحاد العام للطلاب السودانيين"، "جمعية غيث الطبية"، "جمعية بت البلد الخيرية"، "منظمة السالكين"، "مؤسسة صلاح ونسي"، "جمعية الإصلاح والمواساة"، "منظمة رعاية النزيل"، "رواد السلام للتنمية والتعمير"، "منظمة ذي النورين الخيرية"، "منظمة حسن أحمد البشير". وقد كانت مجمل هذه المنظمات واجهات لجماعة الإخوان للتغلغل في المجتمع السوداني، تحت غطاء الدعوة والعمل التطوعي والإنساني لنشر الفكر المتطرف.

من نتائج هذه المبادرة، نجاح السلطة في استرداد مليارات الدولارات من كيانات الإخوان المتعددة، ومن ضمنها أصول "منظمة الدعوة" سالفة الذكر، التي تم حظرها، وكذلك استردت اللجنة أموال الشعب السوداني من شركات ومنظمات وأفراد، يعملون كواجهات للجماعة، مع تتبع المسارات الجديدة لأموال التنظيم، وقطع الأذرع الاقتصادية للجماعة، كما أنهت اللجنة في أواخر العام 2020، عمل 209 مستشارين قانونيين بوزارة العدل، و30 سفيراً بسبب علاقاتهم التنظيمية بجماعة الإخوان، وفي كانون الثاني (يناير) 2021، أصدرت رئيسة القضاء السوداني، نعمات عبد الله محمد خير، قراراً بإعادة تشكيل اللجنة؛ وليس صدفة، إذن، أن تندد قطر وتركيا بشدة بقرار لجنة إزالة التمكين.

وكرد فعل على إعادة تشكيل اللجنة، تصاعدت التهديدات الإخوانية، وتواصلت أعمال العنف والتخريب، مع الضغط على مراكز صنع القرار، في ظل تواتر أنباء عن وجود خلافات حادة بين صلاح مناع، عضو اللجنة، ورئيس مجلس السيادة، ونائبه، والنائب العام.

الحركة الإسلامية أفرزت عدداً من الأحزاب التي ماتزال تحتفظ بشيء من تأثيرها على عامة الناس بالسودان

وجاء رد فلول الإخوان وعناصر حزب المؤتمر سريعاً، بانتهاج نوع من التحريض والتلويح باستخدام القوة، حيث طلب الإخوان من الشعب "الخروج وإسقاط حكومة العملاء.. وقيادة ثورة الشعب السوداني، ضد الظلم والوضع المعيشي المتردي"، وفي محاولة لخلق نوع من الانقسام بين مؤسسات الحكم، حاول الإخوان استقطاب المؤسسة العسكرية، بالمطالبة بـ"تفويض القوات المسلحة، لقيادة فترة انتقالية"، وأوعز التنظيم إلى عناصره التخريبية بإشاعة الفوضى في ولايات البلاد المختلفة، مع التهديد بأعمال عنف في العاصمة، حيث قال البيان صراحة: "موعدنا الأكبر في ولاية الخرطوم".

هناك ملاحظة لا بد منها بخصوص أداء وأهداف "لجنة إزالة التمكين"، مفادها أنها لا تزال تواجه مجموعة من الصعوبات الميدانية، أهمها التعامل مع عمل أذرع التنظيم في الخطوط المتوازية، منها التحالفات التي تتم مع القوى الإسلامية المتشددة، مثل "حزب التحرير"، من قبيل تنظيم مسيرات شعبية احتجاجية، صاحبتها أحداث عنف وتخريب، بتحريض من المراقب العام للإخوان، عوض الله حسن، وعلى الجهة الأخرى، يعمل الطرف الآخر المدعوم من التنظيم الدولي، بقيادة عادل على الله إبراهيم، على ضرب مفاصل الدولة، لعدم قدرته على تكوين كيان سياسي فاعل.

على صعيد آخر، ولأنّ المشروع الإخواني غالباً ما يبحث عن الحلول البديلة في مواجهة الأزمات التنظيمية التي يتعرض لها، كما هو الحال خلال مرحلة ما بعد الإعلان عن التطبيع المصري ــ التركي، حيث نعاين ارتفاع وتيرة التطبيع الإخواني ــ الإيراني، من نتائج إطلاق مشروع "لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال بالسودان"، أن تمّ رسمياً الإعلان عن نقل أنشطة وأعمال منظمة "الدعوة الإسلامية" القائمة في السودان، إلى النيجر، كأننا إزاء نقل أداء أحد فروع التنظيم الإخواني من مقر إلى آخر، في المنطقة الأفريقية.

مشاركة إخوان السودان في حكومات نظام البشير بعد الإطاحة بالترابي، لم تقف عائقاً وراء مشاركة المشروع الإخواني في الاحتجاجات القائمة منذ كانون الأول (ديسمبر) 2018، وبالرغم من ذلك، تراجعت شعبية المشروع، سياسياً، موازاة مع تراجعه ثقافياً وتنظيمياً.

هذا عن المشروع الإخواني السوداني الأم، أو المؤسس للنواة الإخوانية، ولكن في المقابل، سوف نعاين خلال السنوات الأخيرة، بروز بعض المجموعات الإسلامية الصغيرة التي انشقت عن حركات أخرى، أو شكلها مثقفون إسلاميون شباب، على رأسها حركة "الإصلاح الآن"، والتي يرأسها غازي صلاح الدين، القيادي السابق بحزب المؤتمر الوطني الحاكم، والذي يقود تحالف "الجبهة الوطنية للتغيير" إلى جانب حزب "الشرق للعدالة والتنمية" ذي الميول الإسلامية، إلى جانب الحزب الاتحادي الديمقراطي وأحزاب أخرى.

كما تمثل "المبادرة التنسيقية الوطنية للتغيير والبناء" تحالفاً للإسلاميين المعتدلين، ويرأسها السفير الشفيع أحمد محمد، وهو أمين عام سابق للحزب الحاكم، كما أسس المحبوب عبد السلام، وهو تلميذ مخلص لحسن الترابي انشق عن حزب المؤتمر الشعبي، حركة "الإسلاميون الديمقراطيون".

من بين التنظيمات الإسلامية حديثة التأسيس، نذكر حركة "تضامن من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية" التي أسسها الإسلامي المحبوب عبد السلام في 2019، وهي حركة تستخدم خطاباً ديمقراطياً، وتتواءم مع قوى الحرية والتغيير في نقدها الشق العسكري في مجلس السيادة الانتقالي، وليست مثل "حزب المؤتمر الوطني" الذي يُتهم بأنه مارس إقصاء على بقية الإسلاميين، كما تراهن الحركة على توحيد الإسلاميين المنتمين إلى المؤتمر الشعبي والوطني، ولكن من غير استخدام خطاب الإسلام السياسي.

ومن الحركات الإسلامية الموقعة على المبادرة كذلك، "مبادرة الإصلاح والنهضة" [سائحون] التي تضم عدداً من كوادر المقاتلين السابقين ضد "الحركة الشعبية لتحرير السودان" في الجنوب، وقد كونوا موقفاً نقدياً تجاه نظام البشير بعد الانفصال يرون فيه ضرورة تخلي الإسلاميين عن الدولة والاهتمام بالإصلاح الاجتماعي، ويرأس تلك المبادرة فتح العليم عبد الحي. وهناك أيضاً "مبادرة المستقبل الآن" التي يرأسها مصطفى إدريس، رئيس جامعة الخرطوم سابقاً، وأحد أعضاء الحركة الإسلامية السودانية سابقاً.

بسبب هذه الثنائية في أداء المشروع الإخواني، بين نواة لا زالت وفية للأدبيات الأولى، أي أدبيات الأسلمة [أسلمة المجتمع والنظام الدولة]، ونواة موازية، ابتعدت عن النواة الأم/ المؤسسة، ولكن أطلقت مشاريع إسلامية موازية، بمراجعات نسبية مقارنة مع أدبيات التأسيس، يجد إخوان السودان أنفسهم خلال السنوات الأخيرة [2019-2021] في وضع حرج بعد سقوط حكومة البشير وعدم قبولهم من قبل كثير من المتظاهرين، رغم تسجيلهم حضوراً في الاحتجاجات التي قادت لعزل البشير في نيسان (أبريل) 2019 [هذا مع النواة الأولى]، بينما نعاين أنّ الحركة الإسلامية نفسها، أفرزت عدداً من الأحزاب التي ما تزال تحتفظ بشيء من تأثيرها على عامة الناس في السودان [مع النواة الثانية].

سوف تقف هذه التطورات السلبية التي تواجه المشروع الإخواني، وراء مبادرة أعلِن عنها في مطلع العام الجاري، 2021، وهي المبادرة نفسها تقريباً التي نعاينها في دول أخرى في المنطقة (ليبيا وتونس على الخصوص)، عندما أعلنت "الحركة الإسلامية" المؤسسة (النواة الأولى) في السودان، يوم 25 كانون الثاني (يناير) 2021، أنّها ستعود إلى محاضنها في المجتمع، داعية كوادرها إلى "النهوض لنصرة الحق وقهر الباطل"، حسب مضامين رسالة صوتية بعث بها علي أحمد كرتي، الأمين العام المكلف للحركة، التي تعد المرجعية لحزب "المؤتمر الوطني" الحاكم في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، والتي تعرض الكثير من قادتها للاعتقال في الفترة الأخيرة.

ويضيف في هذا الشريط: "فلتتكاتف سواعدكم وتجعلوا أياديكم في خدمة المجتمع وصيانة كرامته وسد حاجته ونجدة ملهوفة مع المحافظة على إرثه الطيب"، وزاد: "ها هي تعود عبركم [الحركة الإسلامية] إلى محاضنها في المجتمع ومواقفها للمدافعة عن الحق وأهله وصمودها في وجه [من سماهم] أعداء الله والوطن والعملاء والمأجورين الذين يسوقون البلاد كل يوم من فشل إلى فشل، ولا يأبهون بعيش المواطن، بل يعبرون به من حالة الكفاف إلى حالة العوز والمهانة".

وهذه دعوة لكوادر الحركة إلى التخلي عن تصدر الواجهة السياسية، والعودة لتكثيف العمل الدعوي والخيري في المجتمع، وهي خيار تنظيمي في سياق مواجهة الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها، مثل الاعتقالات في صفوف قيادتها، وللحفاظ على حيوتها في بنية المجتمع السوداني.

وإجمالاً، إذا كانت الأحزاب الإخوانية في السودان قد توارت عن الأنظار؛ بسبب الانشقاقات داخلها أو بسبب تراجع دورها وقدرتها على التأثير في الواقع، أو بسبب الظروف الإقليمية التي لا تصب في مصلحتها، فإنها ما تزال موجودة داخله كجزء من قوى التغيير، فضلاً عن العلاقة التي يسودها الود مع نسبة من أعضاء المجلس العسكري ستفتح الباب أمام فرصة الاتفاق بين الطرفين للعودة والمشاركة في إدارة الفترة الانتقالية، ولو بشكل نسبي، أخذاً بعين الاعتبار التواضع التنظيمي سالف الذكر.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية