الخيال السياسي للإسلاميين.. ما قبل الدولة وما بعدها

الخيال السياسي للإسلاميين.. ما قبل الدولة وما بعدها

الخيال السياسي للإسلاميين.. ما قبل الدولة وما بعدها


29/02/2024

ربما يمكن الاشتباك من جديد مع هذا الكتاب الصادر في العام 2015 عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، في (144) صفحة، للكاتبة هبة رؤوف عزت. ويتضمن الكتاب تمهيداً ومقدمة و(4) فصول، بالإضافة إلى الخاتمة وقائمة بالمراجع.

تشير الكاتبة في تمهيد هذا الكتاب إلى أنّ الفكرة المركزية هي تماهي تصور الدولة عند التيار الإسلامي، بدرجة كبيرة، مع تصورات الدولة القومية الحديثة، على الرغم من كل الشعارات والعناوين التي يرفعها هذا التيار، وتؤكد المؤلفة أنّها توصلت إلى هذه النتيجة بعد بحث دام لأعوام حول مفهوم الدولة القومية، وأيضاً من خلال معرفتها القوية بأبعاد السلطة والحكم في النظام الإسلامي، ومن خلال الخبرة العملية والانخراط والاشتباك مع واقع الصحوة الإسلامية لجيل السبعينيات والثمانينيات من القرن الـ (20).

وربما تجاهلت الكاتبة في طرحها التيار الإسلامي بكامل أطيافه، ذلك أنّ جماعة الإخوان وافتقادها للخيال السياسي، والقدرة على تقديم نظرية في الحكم، دفعها إلى استدعاء مفهوم الدولة الوطنية الحديثة، لكنّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) طرح مفاهيم مغايرة للحكم، جاءت مزيجاً من العشوائية، والخلط بين الديني والسياسي، والإجرامي.

هبة رؤوف عزت

تقول المؤلفة في الجزء الأول من الكتاب: إنّه منذ العام 2004 هناك محاولة لإلباس الدولة بمقوماتها الـ (3) واجهة إسلامية، من دون إدراك لمنطقها الداخلي المختلف عن المنظومة العقدية والتشريعية الإسلامية، التي يبنى منطقها تاريخياً، وإقامة الفصل رأسياً على استقلال (القضاء، والعلماء، والأوقاف)، وأفقياً بين السلطات (المُلك، ومؤسسات العلم، ودائرة العدل).

وترى المؤلفة أنّ فكرة "أسلمة" الدولة القومية الحديثة تحتاج إلى مراجعة، وأنّ الواقع المعاصر يوضح الخسارة الكبيرة حين أهدرنا العلم لصالح الإيديولوجيات والتنظيمات. وتؤكد على أنّ ما تعلمته من أساتذتها، وتعلّمه لطلابها، هو "أنّ الواقعية بلا فكر يحفظ بوصلتها السياسية والإنسانية والأخلاقية تنقلب إلى انتهازية، وأحياناً إلى نازيّة ـ بألوان متنوعة".

لكنّ المؤلفة ربما تجاوزت فكرة أنّ الدولة مجرد كيان اعتباري، لا يمكنه التماهي وفكرة الأسلمة أو غيرها من الإيديولوجيات الدينية، والتي تكرس بدورها لفاشية من نوع آخر، كما أنّ تماهي الإخوان وفكرة الدولة الحديثة هو جزء من استراتيجية مؤقتة، وفق نهج التمكين، والزحف البطيء لالتهام الدولة، وتفكيك مؤسساتها.

في الجزء الثاني من الكتاب تطرح المؤلفة مجموعة من الأفكار، وهو عبارة عن تحرير لبعض النصوص التي كتبتها المؤلفة خلال (3) أعوام سابقة على نشر الكتاب، ونشرت في أماكن مختلفة؛ مثل "مجلة السياسة الدولية" التي أصدرها (مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية)، وهذه النصوص بشكل عام تفتح نافذة للاشتباك مع قضايا جدلية، وفتح مساحات جديدة للتفكير، وهي طروحات التوسع فيها يعيد الدولة ـ كمفهوم ـ إلى حجمها المتوازن على خارطة الاجتماع الإنساني، وكيفية إدارة القوة في حياة البشر.

من أهم القضايا المطروحة على أجندة التفكير، في هذا الجزء، هي ضرورة البحث في طبيعة التمدن الذي نريده، وفهم صيغ التدين في اللحظة التاريخية الراهنة؛ لأنهّا مفاتيح الإجابة عن سؤال المرحلة؛ وهو: ما طبيعة رؤيتنا للعالم، وماذا يقدّم الإسلام للبشرية اليوم؟

كما تسعى هذه الأفكار إلى التأمل في العلمانية وموقعها في هذا الجدل الدائر، إذ إنّها الهاجس الأكبر في فكر الإسلاميين، وتوضع في مقابل الحاكمية كمفهوم ومنطلق لإدارة شؤون الدولة ومؤسساتها والمجتمع. ولأنّ الجدل حول العلمانية والدين أكثر سخونة؛ لأنّه يتعلق بالدولة والسلطان، وليس بالإدارة السياسية، وهنا تتبع المؤلفة مجموعة من الأفكار الحاكمة للجدل الراهن في تصور الإسلاميين؛ أبرزها:  

ـ  العلمانية تعني إنكار الوحي، وتحكيم العقل المحض، والتخلي عن الحاكمية الإلهية.

ـ  العلمانية وفصل الإسلام عن السياسة جدل أنشأه الاستعمار؛ لإضعاف الأمّة منذ بداية القرن.

ـ  هدف العلمانية تكريس الفردية، وغايتها نسبية الأخلاق، وهو ما يتعارض مع القيم الإسلامية، ويؤدي إلى هدم العقيدة.

وبالطبع، فإنّ جدل هذه الأفكار، الذي ربما استنزف عدداً من الكتاب، لم ينتهِ بعد، لكنّه ربما توارى بعد سقوط الإسلاميين المتتابع في المنطقة، وفشل التيار في إدارة الدولة وشؤون الحكم، في كلّ التجارب التي خاضتها أذرعه السياسية في المنطقة.

وفي نهاية الكتاب تقول المؤلفة: إنّ الأمر ليس مقتصراً على تطوير الخيال السياسي وفهم منطق الدولة القائمة والدولة المنشودة، وما بينهما من فصل ووصل وانتقال، بل فهمنا للدين من ناحية، ولخرائط التدين من ناحية أخرى، وهذه هي المهمة التي ينبغي إنجازها. 

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية