"الدولة الإسلامية".. لماذا هي مستحيلة؟

كتاب الدولة المستحيلة

"الدولة الإسلامية".. لماذا هي مستحيلة؟


13/06/2023

صدرت الترجمة العربية لكتاب وائل حلاق "الدولة المستحيلة، الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي" عن المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات (الدوحة) عام 2014، ترجمة عمرو عثمان.

أطروحة الكتاب ببساطة أنّ مفهوم "الدولة الإسلامية" مستحيل التحقق، وينطوي على تناقض داخلي، وذلك بحسب أيّ تعريف سائد لما تمثله الدولة الحديثة.

تقوم الدولة الحديثة، كما يلاحظ وائل حلاق، على (5) مبادئ:

1- الدولة نتاج تاريخي محدد، ويستحيل وجودها إلا كحادثة تاريخية.

2- السيادة إيديولوجية أساسية تشكل الدولة وتتغلغل في نسيجها الاجتماعي. ولتحقيق السيادة يجب قيام الأمّة حولها. وهي بذلك كما يقول كارل شميت تشكل شرعة لاهوتية عليا، أو هي المشرع القادر على كل شيء.

3- الدولة كيان قانوني تؤسسها الإرادة السياسية، وتتجلى من خلال القانون، وتحتكر العنف لإنفاذ القانون.

غلاف الكتاب

4- تمتلك الدولة نظاماً إدارياً وقانونياً، ويفترض هذا النظام امتلاكه سلطة ملزمة على المواطنين وكل ما يقع ضمن إقليم سيادتها.

5- الهيمنة الثقافية أو التسييس الثقافي. تدعم الدولة سيادتها وبنتيها القانونية بمجال ثقافي وطني مركزي، يضفي عليها الشرعية، ويجعل تطبيق القانون والالتزام به ثقافة طوعية، كما تنشئ قيم واتجاهات الولاء الوطني والتضحية لأجل الوطن.

نموذج الحكم الإسلامي

يقترح وائل حلاق مصطلح الحكم الإسلامي بدلاً من الدولة الإسلامية، وحدد شروط ومواصفات هذا النموذج أو النظام بما يلي:

1- تأسيس سيادة إلهية تترجم فيها قوانين الله الأخلاقية الكونية، باعتبارها نظاماً من المبادئ الأخلاقية إلى قواعد قانونية عملية.

2- فصل صارم للسلطات، تكون فيه السلطة التشريعية باعتبارها مكتشفة القواعد القانونية العملية المذكورة مستقلة بالكامل، وتمثل صورة حقيقية مصدر كل القوانين في البلد.

3- السلطتان التشريعية والقضائية منسوجتان بنسيج أخلاقي لحمته وسداه خليط متكامل من الحقيقة والقيمة، ومن "ما هو كائن"، و"ما ينبغي أن يكون".

4- سلطة تنفيذية يقتصر عملها على وضع الإرادة السيادية موضع التنفيذ، ويسمح لها بإصدار لوائح إدارية مؤقتة وضيقة النطاق تتسق مع تلك الإدارة.

5- وضع تكون فيه القواعد القانونية العملية القائمة على الأخلاق في خدمة المجتمع، وتدعم المجتمع كمجتمع، وتخدم مصالحه ككيان مؤسس أخلاقياً (يشمل هذا جرعة شافية من المساواتية ونظام عدالة اجتماعية قائم على القرآن).

6- مؤسسات تعليمية على كل المستويات، يصممها ويديرها مجتمع مدني مستقل استقلالاً كاملاً، وتشكله جدلية الشروط الـ (5) السابقة.

7- نظام تعليمي ابتدائي وعالٍ يطرح أسئلة عن معنى الحياة الفاضلة، ويجيب عنها، ولا يتناول العلوم والإنسانيات إلا بقدر ما تتطلب الحياة الفاضلة الأخلاقية (لا يجري التعامل مع العقل على أنّه أداة).

8- تحول مفهوم المواطن بنجاح إلى مفهوم المجتمع الأخلاقي النموذجي الذي يرتبط كل فرد فيه بالآخرين بعلاقة أخلاقية متبادلة (هنا يختفي مفهوم السياسي بمعنى تضحية المواطن).

9- ممارسة أفراد الأمّة المسلمة فنّ الاهتمام بالنفس، ناظرين إلى أنفسهم، جماعات وفرادى، على أنّهم امتداد للكون الأخلاقي.

التباين بين نظام الحكم الإسلامي ونظام الدولة الحديثة

1- تمتلك الدولة ككيان متمركز حول الإنسان رؤيتها المستقرة ضمن حدودها بوصفها إرادة سيادية، وهذا يعني أنّ نظرتها إلى العالم من صنعها، وأنّها ملتزمة بمعاييرها الخاصة مهما تكن تلك المعايير قابلة للتغيير. وباعتبار الدولة أبرز تجليات الوضعية، فإنّها تعكس مفاهيمها وأبنيتها وممارساتها الخاصة.

وائل حلاق، أستاذ الإنسانيات والدراسات الإسلامية حالياً في جامعة كولومبيا بنيويورك

ولكنّ الحكم الإسلامي لا يقبل بالوضعية، ويرى الأخلاق متعالية على النطاق الوضعي المتمركز حول الإنسان.

2- لا يسمح الحكم الإسلامي بسيادة أو إرادة سيادية غير سيادة الله، فإذا كان للأخلاق أن توجه الأفعال الإنسانية، وإذا ما كانت مستقلة، فيجب أن تؤسس على مبادئ الحق والعدل العالمية الأبدية، ويجب أن ترسم خطاً فاصلاً بين ما يمكن وما لا يمكن فعله.

3- إذا كان الله هو وحده صاحب السيادة، أي المصدر الأسمى للسلطة الأخلاقية، فإنّ أيّ نظام يضبط السلوك الإنساني يجب أن يهتم بالمعايير العامة والقواعد والأحكام المستمدة من المبادئ الأخلاقية العليا  التي تمليها. وفي المقابل، فإنّ الدولة الحديثة كإرادة سيادية تهب بطبيعتها السلطة التنفيذية سلطات ضخمة تنتقص من السلطة التشريعية والسلطة القضائية، وهذا يتناقض مع نظام الحكم الإسلامي.

4- تنتج الدولة الحديثة رعايا يختلفون اختلافاً عميقاً سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً ومعرفياً ونفسياً عمّا ينتجه الحكم الإسلامي.

5-  تظل الدولة الحديثة في صراعها وتعاونها مع العولمة منخرطة في عالم الوقائع المادية، فهي تؤازر وتعتمد على وجود إنسان اقتصادي هدفه الحصري والأساسي الربح المادي، وهذا يتناقض مع إنسان الإسلام الاقتصادي المكون أخلاقياً، والخاضع لقاعدة أخلاقية أعلى. وهذه قيمة جوهرية في بنية الإسلام والحكم الإسلامي.

هل يمكن للمسلمين أن يؤثروا إيجابياً لأجل نظام سياسي عادل؟

يقول المؤلف: يمكن للمسلمين أن يقدّموا أشكالاً جديدة للحكم بالعمل على إنشاء نطاق مركزي اجتماعي أخلاقي وروحي يرشد النظام السياسي القائم في العالم اليوم. وبناء علاقة متوازنة مع بيئتنا الطبيعية، لا تكون فيه الذاتية الإنسانية معيار كل شيء؛ ممّا ينشئ أفقاً لمجتمعات بشرية تعيش معاً في سلام، فالعالم كله اليوم في مواجهة أزمة تهدد بقاءه المادي والروحي.

مواضيع ذات صلة:

"الإرهاب: مقدمة نقدّية".. كيف نفهم الظاهرة بعيداً عن السائد؟

هيكل الإخوان التنظيمي... مصدر قوة الجماعة وضعفها

"الفلسفة في زمن الإرهاب": هل من وصفة لمواجهة أخطار الإرهاب المدمّرة؟

الصفحة الرئيسية