الصراعات المجتمعية تتسبب في توسع إرهاب الساحل

الصراعات المجتمعية تتسبب في توسع إرهاب الساحل

الصراعات المجتمعية تتسبب في توسع إرهاب الساحل


28/12/2023

استطاع إرهابيو داعش والقاعدة من خلال إثارة صراع اجتماعي تأسيس حكمهم الخاص وتقديم أنفسهم على أنّهم الكيانات الوحيدة القادرة على توفير الأمن والسلام والغذاء، فأعلنوا إنشاء ألوية محلية للدفاع عن المواطنين، واستفادوا من الحرمان والفقر الذي يجده الكثير من الشباب في استقطابهم واستخدامهم في قطع الطرق، وجمع الفديات والضرائب وسرقة المواشي وممارسة الأعمال التجارية غير المشروعة، حتى أصبح (الجهاد) وسيلة سريعة ومضمونة للثراء السريع.

الإرهابيون يثيرون الصراعات الاجتماعية

تتركز أهم التنظيمات الإرهابية الإسلاموية في مالي، ومنها كتيبة ماسينا في موبتي وسيغو، وحول بلدية جيبو في شمال بوركينا فاسو، وكذلك جماعة نصرة الإسلام، التي تضم جماعات متنوعة بايعت القاعدة، وتتواجد في مسافة (800) كيلومتر على طول الحدود بين مالي وغرب النيجر، ونحو (600) كيلومتر على طول الحدود بين بوركينا فاسو والنيجر، وأمّا تنظيم (داعش)، فإنّه يتركز في المساحة نفسها، وفي منطقة العيون عاصمة منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، وقد صنعت هذه التنظيمات الصراعات المجتمعية واستغلتها، وهذا أدى إلى تضاعف أحداث العنف التي شاركت فيها هذه التنظيمات.

ومن بين (135) منطقة إدارية في مالي وبوركينا فاسو وغرب النيجر، عانت (84) منطقة، أي ما يقرب من الثلثين، من الهجمات، ووفقاً للتوقعات فقد يتضاعف العنف في عام 2024، بسبب نجاح هذه التنظيمات في اختراق النسيج الاجتماعي، والاستفادة من التوترات القائمة بين المجتمعات القروية، والإطاحة بالزعماء التقليديين، وتعطل البنية الاجتماعية بأكملها، ووقوع انقلابات وتوترات سياسية، واستمرار السيولة الحدودية.

تتركز أهم التنظيمات الإرهابية الإسلاموية في مالي

يقول أبو الوليد الصحراوي زعيم إمارة الصحراء الداعشي المقتول على يد القوات الفرنسية: إنّ وقت العمليات الكبرى قد انتهى، وإنّه يتعين علينا انتظار اندلاع صراعات مجتمعية بين قبائل الفولاني والدوغون وإضفاء مظهر ديني عليها.

وهكذا بإضفاء الشكل الديني على الصراعات العرقية والقبلية في منطقة الساحل، تصاعدت الصراعات بشكل لم يسبق له مثيل، حيث اختلط العنف والإرهاب الذي تمارسه القبائل والجماعات المجتمعية والعنف الذي تمارسه الجماعات الإسلاموية.

واكتسبت جماعة نصرة الإسلام، وزعيمها إياد غالي، نفوذاً من خلال التدخل في النزاعات على الأراضي والمراعي، ومن خلال الانحياز إلى المجتمعات الرعوية التي تسعى للدفاع عن أراضيها أو استعادتها، وكانت الجماعة تنزل بشكل منتظم في دوريات بالقرى من أجل حماية من استعانوا بها، أو من أجل شراء الإمدادات، وهذا أوجد لهم حاضنة كبيرة بين القرويين.

تفاعل الإرهاب بأسباب مجتمعية جديدة

أدت الهجمات التي قامت بها التنظيمات الإرهابية في دول الساحل إلى مزيد من التدخل الأجنبي، ولم تكن القوات الفرنسية فقط هي اللاعب الأجنبي الرئيسي، بل دخلت (فاغنر) على الخط، وهذا أعطى شرعية للتنظيمات تحت بند مكافحة الاحتلال الأجنبي.

 

استفادت التنظيمات الإرهابية من عسكرة المجتمع المالي، ونشوء مجموعات للدفاع عن النفس

يقول الباحث لويس مارتينيز: إنّه بعد عقد من الوجود الفرنسي في منطقة الساحل، من الواضح اليوم أنّ تدخل القوات الأجنبية، الفرنسية أو غيرها، لمحاربة الجماعات الجهادية لا يشكّل حلاً، على العكس من ذلك، فإنّ هذا الوجود يحفز الجهاديين ويشوه سمعة حكومات البلدان المعنية، المتهمة بالضعف وعدم الكفاءة، وتضطر إلى استدعاء الجيوش الأجنبية لحماية سكانها، كما أنّه منع سلطات هذه الدول من إيجاد الحلول التي تناسبها، من خلال منع المفاوضات بين الجهاديين والسلطات في مالي، على سبيل المثال، كما أنّ سلسلة الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو وغينيا تذكرنا بأنّه لا ينبغي لنا بعد الآن الاستهانة بشعور الإهانة الذي يشعر به الشعب الفرنسي، وجيوش هذه الدول الـ (3) لمدة (10) أعوام، وتؤكد المشاكل التي تواجهها فرنسا في منطقة الساحل أنّ الرد العسكري وحده غير كافٍ، وأنّ الأمن مستحيل في غياب التنمية.

وقد زادت الهجمات التي راح ضحيتها المئات من المدنيين، وانتشرت في المقابل ميليشيات الدفاع عن النفس "العرقية" (الفولاني، بامبارا، دوجون، موسي) مع مناطق عمل تقتصر في بعض الأحيان على القرى، ولهذا السبب كان يصعب تحديد الجماعات المسلحة العاملة في مالي وبوركينا فاسو وتحديد المسؤولين عن المجازر، وهذا الانتشار للميليشيات هو أيضاً ما تفضله الدول التي غالباً ما تقوم بتسليح ودعم بعضها، مثل الصيادين التقليديين، المعروفين باسم دوزو في اللغات المانديية وفي لغة الموري، وفق مركز الدراسات الأفريقية، في دراسته عن مسار العمليات الإرهابية بدول الساحل.

واستفادت التنظيمات الإرهابية من عسكرة المجتمع المالي، ونشوء مجموعات للدفاع عن النفس، ونشأة قوات صيادي الدوزو من مجتمع دوجون بوسط مالي، ومجموعة دان نا أمباساغو، الذين شكلوا قوات كانت تدافع عن القبائل، بل في تأمين الانتخابات، عندما استدعاهم الجيش المالي والقوات الفرنسية لمعرفتهم الجيدة بالتضاريس خلال المهام العملياتية، وهذا أضفى الشرعية على وجودهم كميليشيا مسلحة تدافع عن مصالحها، وحماية نفسها من القبائل التي ارتكبت في حقهم مجزرة عام 2017.

ووفق المركز الأفريقي للدراسات، يقال إنّ بعض أعضاء الحكومة والضباط في باماكو وواغادوغو، الذين يؤيدون إنشاء مجموعات شبه عسكرية، شجعوا تسليح الدوزو والكوجلويوغو لمواجهة تقدم الجهاديين في بلدانهم، وتمكنت الدوزو من الحصول على أسلحة من ساحل العاج وليبيا وبوركينا فاسو، وارتكبت مجزرة مضادة في الفولاني عام 2019 في غياب تام للدولة  التي عجزت عن حماية المزارعين والصيادين والرعاة، وقد تدخل الجهاديون وتقاطعت هجماتهم مع تصفية الحسابات الجارية بين أفراد المجتمع، وأدى ذلك إلى تعقيد التمييز بين المنظمات المتطرفة العنيفة والعصابات الإجرامية.

ويتعقّد وجود تنظيمات الإرهاب بسبب السيولة الحدودية، وسهولة التمويل القائمة على الفدية (البشر والحيوانات)، والاتجار (يمكن للمجموعات أحياناً المشاركة في تنظيم الاتجار، ولكن في أغلب الأحيان تكسب المال عن طريق تأمين القوافل، وفرض الضرائب على تداول هذه المنتجات).

وبسبب وجود أدوات التمويل الدائمة فإنّ التنظيمات الإرهابية في مالي تفاعلت اجتماعياً بين أفراد المجتمع الذين تقوم بتشغيلهم وتوظيفهم كمقاتلين أو معاونين لها، وهنا تكمن المشكلة في مهاجمين جدد يتوالدون ويفلتون من أيّ مراقبة تقليدية، ويقومون بعمليات إرهابية يستهدفون فيها المدنيين لترهيب المجتمعات المحلية من أجل السيطرة على عائدات الذهب وشبكات الاتجار، ممّا يعكس الطبيعة الإجرامية المتزايدة لنشاط الجماعات المسلحة في مالي بسبب الحصول على الأموال.

الخلاصة؛ أنّ حركات الإرهاب وعلى رأسها جماعة نصرة الإسلام في مالي تكتسب نفوذها بسبب الإجراءات الاجتماعية التي تقوم بها في المجتمعات المحلية، وأنّ استهداف الشبكات المتطرفة العنيفة لن يكون مفيداً سوى بتطبيق القانون وإجراءات اجتماعية مماثلة، لتقريب الرعاة والمزارعين والمواطنين وحمايتهم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية