العراق.. من الاحتجاجات إلى الانتخابات: "سنتين وبعدنا نريد وطن"

العراق.. من الاحتجاجات إلى الانتخابات: "سنتين وبعدنا نريد وطن"


03/10/2021

إياد العنبر

تنشغل الطبقة السياسية هذه الأيام بالترويج لحملاتها الانتخابية، ويبدو أن الوقت غير متاح لديها لسماع الأخبار؛ لأنهم لو كانوا متابعين لأخبار العالَم لشعروا بالخجل، إذا افترضنا أن هذا الشعور لا يزال يعمل لديهم، من الوعود والشعارات التي يطلقونها والأخبار التي ترد من دبي باحتضانها معرض إكسبو 2020 بمشاركة أكثر من 190 دولة. فحدث مثل هذا يحتاج وقفة وتساؤلاً عمّا قدموا للعراق وللعراقيين طوال فترة تصديهم للحكم.

ومن يشاهد اللقاءات التلفزيونية والخطابات في المهرجات الانتخابية لـ"زعمائنا" و"قادتنا" السياسيين، يتأكد بأنهم لم يستمعوا إلى الخبر الذي قضت فيه محكمة فرنسية بسجن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عاماً واحداً مع النفاذ في قضية التمويل غير الشرعي لحملته الانتخابية عام 2012. لأنَّ دعايتهم الانتخابية تعبّر عن استباحة للمال العام. 

وأيضاً لم يستفزهم خبر مغادرة أنجيلا ميركل المنصب الحكومي الأعلى في ألمانيا بعد 16 عاماً من وجودها في السلطة، والتي اختارت المغادرة الطوعية- وليس الغياب الطوعي كما فعل مَن أوغل في دماء شباب الاحتجاجات في العراق- ورغم الشعبية التي تتمتع بها، لكنّها أعلنت عن عدم رغبتها بولاية خامسة، وغادرت المنصب بعد أن قادت أربع حكومات وأدارت أزمات صعبة بحنكة سياسية أبهرت العالم.

صاحبة مقولة "يمكننا أن نفعل ذلك" والحاصلة على لقب أفضل شخصية في عام 2015 حسب مجلة التايم البريطانية بسبب قدرتها على الإدارة في المواقف الصعبة، بدءاً من تعاملها مع الأزمة المالية ومروراً بأزمة للاجئين. لكن كل هذا لم يغريها للتشبث بالسلطة أو التحدث بالمنّة والفضل على شعبها وحماية المذهب وحقّ المكوّن، والدفاع عن القومية كما يفعل "قادتنا" الأشاوس. لأنَّ من يتدرج بالمناصب السياسية ومن يأتي للعمل السياسي بعد جهد وعَناء بالتأكيد لن يكون تمسكه بالمنصب مثل سياسيي الصدفة في بلدنا الذي يخيّم على تفكيرهم هوس السلطة، فهم من دون السلطة لا قيمة لهم.

هذه الأحداث والأخبار تأتي في وقت يستذكر العراقيون مرور عامَين على احتجاجات تشرين 2019، وبانتظار انتخابات تشرين 2021. وما بين تشرين الاحتجاجات وتشرين الانتخابات لا تزال البلاد تدور في نفس الأزمات، لا بل تراكمت بفقدان الأمل بالتغيير بعد سيطرة الانتهازيين على مقاليد السلطة بعنوان احتجاجات تشرين، وتفانيهم على تلبية مصالح قوى السلطة وتجاهل مطالب الجمهور بمحاسبة  الفاسدين وقتلة المتظاهرين.

سنتان على الاحتجاجات ولم تتمكن منظومة السلطة ومن يتحكم فيها من فهم شعار (نريد وطن)، ولذلك كيف يمكن التعويل على انتخابات تتنافس فيها قوى سياسية أغلبها يتحمل مسؤولية ضياع الوطن! لم يفهم من هم في السلطة وفي سدة الحكم هذا الشعار، ولم يتركوا مفهوماً للتخوين والعمالة للأجنبي إلا وجعلوه قريناً بمن يرفع لافتة تطالب بوطن.

الاختلاف بشأن الوطن واضح بين من هم في السلطة وبين الجمهور، إذ منظومة السلطة لا تدرك مفهوم الوطن إلا باعتبارهم حكّاما وقادة وزعماء، وموارد الدولة حقوق يتوارثونها هم وأبناؤهم وأجيالهم اللاحقة، ومن يريد أن يخرجهم من الحكم فهو يعمل لتنفيذ أجندة خارجية، لأنهم يعتقدون أن الدول الأجنبية تتأمر على تجربتهم بالحكم وتريد إقصاءهم من السلطة! وهذا الوهم يسيطر على مخيلتهم لأنهم يعتقدون أنهم أصحاب تضحيات قدموها من أجل الوطن! 

أما المواطن فهو يبحث عن وطن تكون فيه الكلمة الفصل للقانون والمؤسسات ويحقق رغبته في حياة كريمة وآمنة ومستقرة، وليس وطن تسيطر عليه مافيات سياسية وتتحكم بموارده زعاماتها وعوائلهم وحاشيتهم. من خرج في احتجاجات تشرين لم يكن يحمل شعارات تعبّر عن معاناته من فقدان وطن مستلب من قبل الأوليغارشيات التي نهبت موارده وثرواته. 

تشرين الاحتجاجات لم تخرج للمطالبة باستقالة حكومة واستبدالها بحكومة أخرى فحسب، بل طالبت بمحاسبة  حكومة تورطت بقتل أكثر من 800 مواطن، لا أن يبقى رئيس هذه الحكومة يتمتع بالامتيازات والحصانات التي تعصمه من المحاكمة، ولا أن يتحوّل إلى سياسي خارج عن الخدمة يستقبل الضيوف ويتحدث عن "منجزاته" و"خططه" التي لم يمنح الفرصة لاستكمالها!

ولم تكن من مطالب تشرين أن تأتي حكومة مهمتها الأساس توزيع المناصب بين الأحزاب السياسية، وتمرير صفقات ومشاريع تخدم قوى السلطة في توسيع دائرة نفوذها وسطوتها على مؤسسات الدولة وزيادة أعداد زبائنها. بل طالبت الاحتجاجات بحكومة تحمي المتظاهرين وتضع حداً لعمليات القتل والاختطاف التي يتعرضون لها وملاحقة جماعات السلاح المنفلت، وليس زيادة في أعداد القتلى والمخطوفين على يد جماعات مجهولة على الجمهور ومعلومة عند الحكومة.

طالبت احتجاجات تشرين بتحقيق العدالة في توزيع عادل لواردات الدولة والاهتمام بمتطلبات الأجيال الصاعدة من حملة الشهادات والباحثين عن فرص عمل، ولم تطالب بأن تأتِ حكومةٌ يكون وظيفة وزراءها ارضاء المؤسسات الاقتصادية الدولية التي يرتبطون بها ويعملون على تنفيذ أجندتها حتّى وإن كانت نتائجها زيادة الفقراء فقراً وتوسيع موارد الفساد وهدر المال العام، وبدلاً من أن تكون خطط "الإصلاح الاقتصادي" مهمتها تصيح المسار ووضع حد للتدهور، باتت تعمل على زيادة نسبة الفقراء والمهمّشين والاخلال بمدخلات الطبقة الوسطى، من دون توفير بدائل تضمن حماية الطبقات المسحوقة

ولم تطالب احتجاجات تشرين بانتخابات مبكرة، حتى يبقى البرلمان مقصراً في دوره التشريعي والرقابي، وعاجزاً عن عقد جلسة واحدة بحضور جميع نوابه. وأن يتم ضمان بقاء الامتيازات والمغانم حتى آخر يوم من موعد الانتخابات التي كان يفترض أن تكون مبكرة لا قبل أشهر من موعدها الدستوري. 

احتجاجات تشرين لا يمكن اختزالها بالمطالب السياسية التي تحققت على مستوى استقالة الحكومة، وتغير القانون الانتخابي، والانتخابات المبكرة. وإنما هي بداية لعنوان يشكل اجماعاً وطنياً في ذاكرة العراقيين، عندما رفعت شعار (نريد وطن). وطنُ مَن يتولّى فيه القيادة يكون وفياً ومخلصاً وأمنياً لشعب العراق ولتاريخه وحضارته وليس لأجندة خارجية. وطنٌ يحاسب كل من تسوّل له نفسه بالتفكير بنهب ثرواته وتقدميها لخدمة الأجنبي، وطن يعيش فيه العراق حراً وكريماً من دون أن يَمن عليه من نصبوا أنفسهم قادة وزعماء كانوا ولا زالوا السبب في خرابه. 

عن "الحرة"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية