العراق: هل يُحيي "داعش" الخطاب الراديكالي للفصائل الشيعية؟

العراق: هل يُحيي "داعش" الخطاب الراديكالي للفصائل الشيعية؟


30/01/2022

تشهد المدن العراقية الشمالية والغربية، حالةَ إنذارٍ عسكري شديدة؛ خشية عملياتٍ جديدة لعناصر تنظيم داعش الإرهابي، قد تعيدُ البلاد إلى ما قبل الانتصارات على التنظيم، في كانون الثاني (ديسمبر) 2017، ويرافق الاستعدادات العسكرية تجاذباتٍ سياسية إزاء تكرار سيناريو سقوط الموصل، في حزيران (يونيو) 2014، والتقليل من مهنية الجيش العراقي، لصالح الحشد الشعبي، الذي مني جناحهُ السياسي بخسارةٍ مدوية في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

اقرأ أيضاً: السعودية تدعم محاولات العراق للإفلات من قبضة إيران.. ما الجديد؟

وفي ظلّ المناخ السياسي المحتقن أضحت التحركات الأخيرة لداعش، والتي أدت إلى مقتل 11 عنصراً أمنياً، بهجوم مباغت بمحافظة ديالى، الأسبوع الماضي، آخر الأوراق التي تحاول استثمارها الكتل المتصارعة على تشكيل الحكومة المقبلة، في المواجهة الجارية بينها؛  إذ وجّه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر (الفائز الأول في الانتخابات)، انتقاداً لخصومهِ في تحالف الفصائل المسلحة "الإطار التنسيقي"، متهماً إياها بـ "تضخيم الأمر، وإشاعة الرعب والخوف والطائفية"، بين العراقيين، في حين زارَ القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، مناطق عراقية محاذية لسوريا، في مسعىً حكومي لطمأنة الرأي العام، والتأكيد على التصدي لأيّة محاولة داعشية محتملة.  

الكاظمي مراقباً لأحداث الحسكة     
وقبيل ساعات من إعلان قوات سوريا الديمقراطية حسم المعركة لصالحها، واستسلام  عناصر تنظيم داعش في سجن الصناعة بمدينة الحسكة السورية، تفقّد القائد العام للقوات المسلحة العراقية، مصطفى الكاظمي، قطعاتهِ العسكرية على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا. 

الكاظمي يجتمع بالقيادات الأمنية لدى زيارتهِ مناطق حدودية عراقية مع سوريا

وقال الكاظمي لدى زيارتهِ محافظة نينوى الحدودية، والتي احتلّها داعش عام 2014؛ إنّ "الوضع الأمني مستقر وممسوك بقوة، وما يقال هنا أو هناك هو مجرد تهويل إعلامي، ومن هنا أدعو الإخوة السياسيين إلى الإسراع في تشكيل الحكومة، بما يلبّي حاجة المواطنين في كلّ بقاع الوطن وأراضيه، من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه".

اقرأ أيضاً: من المسرح إلى الرياضة... هكذا يحاول الحشد الشعبي العراقي تجميل صورته

وتابع: "نحنُ هنا اليوم لنؤكّد أنّ الحكومة لا تفرّق بين منطقة وأخرى، وأنّ حقوق المواطن العراقي مقدّسة، وأمنه مقدّس، ولا جدال فيه"، لافتاً إلى أنّ "المناطق الحدودية، للأسف، من المناطق المنسية، وهو أمرٌ نرفضه، فمن يسكنون فيها عراقيون ويجب تقديم الخدمات لهم وحمايتهم".

في ظلّ اختناقهِ السياسي ومحاصرتهِ من قبل زعيم الأغلبية الشيعية مقتدى الصدر، حاولَ "الإطار التنسيقي" أن يتنفس عبر الرئة الأمنية، وأن يؤكّد أهمية الحشد الشعبي في مواجهة تحركات داعش

وبالتزامن مع تصريحات الكاظمي، ذكرَ التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة تنظيم داعش، أنّ هجوم الحسكة لن يشكّل تهديداً كبيراً للعراق، لكنهُ حذّرَ من احتمالية تخطيط التنظيم لأيّة هجماتٍ أخرى على معتقلاتٍ في العراق وسوريا.
وكانت الولايات المتحدة قد أرسلت طائرات مروحية هجومية، ونفّذت ضربات جوية على السجن لمساعدة القوات السورية الكردية في بسطِ السيطرة على المجمع، واستناداً لمسؤولين أمريكيين، من الذين أيدوا هذه الضربات، فإنّ عدداً من السجناء قُتلوا خلالها.

اقرأ أيضاً: ماذا يعني تزامن هجمات داعش في العراق وسوريا؟
ويقول الجنرال جون برينان، قائد التحالف الدولي؛ إنّ "التحالف اتخذ إجراءات حذرة لضمان المعاملة الإنسانية للسجناء، لكن عندما حملَ السجناء من عناصر داعش السلاح، أصبحوا بذلك يشكّلون تهديداً كبيراً، ثم دخلوا في الاشتباك وتمّ قتلهم من قبل قوات سوريا الديمقراطية وضربات التحالف الجوية".
وأشار إلى أنّ "هجوم الحسكة لن يشكّل تهديداً كبيراً على العراق أو المنطقة"، مؤكداً استمرار التحالف "بتقييم قدرات التنظيم فيما إذا كان باستطاعته التخطيط لأيّة هجمات مماثلة أخرى على معتقلات في العراق وسوريا".

استثمار سياسي للخروقات الأمنية
وبدا الحراك الداعشي الأخير، الذي أدّى إلى ضرب وحدة عسكرية عراقية بناحية العظيم في محافظة ديالى، وقتلِ 11 عنصراً أمنياً،  متنفَساً لعودةِ الخطاب الراديكالي لقوى الفصائل الشيعية، التي دائماً ما تستثمر التوترات الأمنية لصالحها، من خلال اللعب على الوتر الطائفي، أو تصدير الاتهامات للآخر الدولي المناكف للحليفةِ إيران. 

القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي في مناطق التماس الحدودي بين العراق وسوريا

وفي ظلّ اختناقهِ السياسي ومحاصرتهِ من قبل زعيم الأغلبية الشيعية مقتدى الصدر، حاولَ "الإطار التنسيقي" أن يتنفس عبر الرئة الأمنية، وأن يؤكّد أهمية الحشد الشعبي في مواجهة تحركات داعش.

اقرأ أيضاً: بانوراما عراقية: هكذا مرّ 2021 على بلاد الرافدين

 عضو "الإطار التنسيقي"، جبار المعموري، صرّح بأنّ "ما يحصل في العراق تصعيد أمني خطير، وهو متوقع في ظلّ الأجندة الدولية وعلى رأسها أمريكا، في خلق أجواء ساخنة في البلاد، لتحقيق مصالح متعددة على الإطار الداخلي والإقليمي والمنطقة بشكل عام".

الباحث في الشأن الأمني إبراهيم العبادي لـ"حفريات": هناك توظيف سياسي وإعلامي للإرهاب من جانب القوى السياسية العراقية المختلفة، كل بحسبِ الغاية والمشروع الذي يتحرّك من أجله
 

التصعيد الإعلامي لحلفاء طهران في بغداد جوبه بنقدٍ من قبل زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الذي غرّدَ عبر حسابهِ بتويتر قائلاً: "يشيع العدو الإرهابي أنّه قادم... المشكلة الأكبر هو ما يقوم بهِ البعض من تضخيم الأمر، ليشيع الخوف والرعب والطائفية في أواسط الشعب العراقي، فيكون بنظرهم حامي الأرض والعرض". 

التوظيف السياسي والإعلامي للإرهاب
غياب التماسك السياسي والبحث عن أرباح جديدة في ظلّ الاختراقات الأمنية، هو ما يؤكدهُ الراهن المحلي في العراق؛ إذ تسعى عدة قوى إلى القفز فوق سلطة الدولة والتعاطي مع التحركات الإرهابية، وفق منطق لا ينسجم مع المؤسسة الرسمية، فيما يرى مختصون أنّ تحرّكات كهذه تتطلب جهوداً متوحدة بغية التصدي للمخاطر الجسيمة.

اقرأ أيضاً: العراق: بعد رفضه استقبال قاآني.. الصدر يضع قوى الإطار التنسيقي في المنطقة الحرجة
ويقول الباحث في الشأن الأمني، إبراهيم العبادي؛ إنّ "الحشد الشعبي العراقي كان مثار اختلاف شيعي؛ لأنّ بعض القوى استقوت بهِ واتخذتهُ غطاءً لتمرير مشروعها السياسي، والتغلغل داخل الدولة والحصول على الغطاء السياسي والقانوني"، مضيفاً: "عندما ترفض قوى مسلحة عراقية تسليم سلاحها الخارج عن سلطة الدولة، تقول إنّها تدخّر هذا السلاح لمقاومة الإرهاب، ولدحر الوجود الأمريكي، الذي تتهمهُ بأنّهُ يتخادم مع هذا الإرهاب". 

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ينتقد خصومهُ السياسيين لتهويل تحركات داعش في البلاد
ويؤكد لـ "حفريات": "الآن صارَ الإرهاب يستخدم وظيفياً لإشاعةِ الخوف والقلق، ولاستخدام ورقة الإرهاب في المناكفة والمنافسة السياسية"، مبيناً أنّهُ من "الواضح انّ هذا المنطق يزعج مقتدى الصدر الذي يرى في هذا الخطاب مراهنةً على سلاح عدوّ شرس للعراقيين عامة، وللشيعة خاصة، لتحقيق مكاسب سياسية ولمنع مشروع حكومة الاغلبية الوطنية التي يدعو لها الصدر من التحقق".

اقرأ أيضاً: هل غيّرت إيران استراتيجيتها في العراق؟
وأردف: "نعم، هناك توظيف سياسي وإعلامي للإرهاب من جانب القوى السياسية العراقية المختلفة، كلٌّ بحسبِ الغاية والمشروع الذي يتحرّك من أجله، وهذا هو مكمن الخطورة في الموضوع، فيما يستدعي الخطر الارهابي وحدة موقف سياسي وإعلامي ومؤسساتي للتصدي لمخاطرهِ الجسيمة".

رعاية تركية ورضا سوري
وعلى الصعيد الخارجي للعراق، يعزو مراقبون تنامي الفعاليات العسكرية لعناصر تنظيم داعش في الأراضي السورية إلى الدعم الخفي الذي يحظى بهِ عناصر التنظيم، ويُتهم النظامان السوري والتركي بهذا الدعم، لاستخدام كليهما الخطر الداعشي ورقةً سياسيةً لأهداف خاصة. 

اقرأ أيضاً: الحلبوسي رئيساً للبرلمان العراقي وسط فوضى وعنف ودراما

ويقول الصحفي والمراقب السياسي سامان نوح إنّ "فصائل المعارضة السورية لا تخفي دعمها لداعش ضدّ الإدارة الذاتية، ومن جهةٍ ثانية فإنّ النظام السوري سعيد بهذه الهجمات، ويتباكى على أوضاع المدنيين المتأثرين بالقتال، لأنّهُ كان يأمل فشل قوات سوريا الديمقراطية في إنهاءِ الهجوم، وانهيار الأوضاع الأمنية لتبرّر دخولها للمنطقة". 
ويضيف: "تسريبات معلومات من الحسكة تؤكد أنّ خطة الهجوم الداعشي الأخيرة، كانت من قبل المجاميع الموالية لأنقرة، التي قدمت الدعم اللوجستي لعناصر التنظيم أيضاً". 

ويضيف لـ "حفريات": "الجانب العراقي يشهد حالياً توتراً كبيراً، وترقباً على أشدّهِ، لا سيما في المناطق الحدودية من شمال سنجار، ونزولاً للبادية"، مبيناً أنّ "الهجمات الجوية التركية التي تستهدف حزب العمال الكردستاني التركي المعارض تعطي قوةً وفاعلية لتنظيم داعش في تلك المناطق المتوترة". 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية