القارة العجوز تدخل منعطفاً خطراً... هل تستفيد دول العالم الثالث من التحول الديموغرافي؟

القارة العجوز تدخل منعطفاً خطراً... هل تستفيد دول العالم الثالث من التحول الديموغرافي؟

القارة العجوز تدخل منعطفاً خطراً... هل تستفيد دول العالم الثالث من التحول الديموغرافي؟


17/07/2023

تواجه القارة الأوروبية أزمتي اقتصاد: الأولى تكمن في تحديات الحرب الأوكرانية، وما لحق ذلك من تضخم وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء ونقص تدفق الاستثمارات الخارجية، والأخرى أزمة الزيادة الحادة في تناقص القوى العاملة من الشباب، والذي يوازيه زيادة في نسبة الكبار وتداعيات ذلك على النمو الاقتصادي وتمويل الإنفاق لتلك البلدان.

ووفقاً لدراسة حديثة صدرت عن المصرف المركزي الأوروبي، ونشرت صحيفة (العرب جورنال) مقتطفات منها، فإنّ عدد السكان في القارة العجوز لم يرتفع، منذ 1960 عندما كانوا (354.5) مليون إنسان، سوى شيء يسير، وقد أصبح تعداد السكان في 2022 (446.8) مليوناً.  

عدد السكان في القارة العجوز لم يرتفع، منذ 1960 عندما كانوا (354.5) مليون إنسان، سوى شيء يسير، وقد وصل تعداد السكان في 2022 إلى (446.8) مليوناً

واستناداً إلى الدراسة، فإنّ دول القارة ستدخل المنعطف الخطير خلال العقد المقبل في ثلاثينيات القرن الحالي، وهي ما تُسمّى وفق الدراسة بحقبة التغيير الديموغرافي الكبير وتداعياته الاقتصادية، وما يؤكد توقعات تلك الدراسة أنّه بحسب تقارير رسمية، شهدت (8) دول أوروبية، سكانها أكثر من (10) ملايين نسمة، انخفاضاً في عدد السكان في العقد الماضي.

وأعداد السكان في إيطاليا والبرتغال وبولندا ورومانيا واليونان آخذة في التراجع، وتتوقع دراسة البنك المركزي الأوروبي أن ينكمش الاقتصاد بمنطقة اليورو، ويتراجع النمو الاقتصادي من الإيجاب إلى السلب، بحلول منتصف العقد المقبل. 

تواجه القارة الأوروبية تحديات الحرب الأوكرانية

وفي الإطار ذاته، توقعت إحصائيات (يورو ستات) أن يواصل عدد كبار السن الارتفاع بالقارة، ليصل إلى 54% من إجمالي العدد بحلول العام 2070، وتُعدّ اليد العاملة المكونة من الشباب والبالغين هي المحرّك الرئيس لأيّ قطاع حيوي عبر العالم، وحسب البنك المركزي الأوروبي،  من المتوقع أن تضغط أزمة الشيخوخة على الأموال المتاحة للاستثمار لدول منطقة اليورو، وستجبر الحكومات على زيادة معدل الادخارات الحكومية للدول، كما ستجبرها كذلك على التحضير لفترات تقاعد طويلة.

دول أوروبا ستدخل المنعطف الخطير خلال العقد المقبل، وهي ما تُسمّى بحقبة التغيير الديموغرافي الكبير وتداعياته الاقتصادية

وسيتراجع حجم رأس المال المستثمر بسبب انخفاض المعروض من العمالة والقوى القادرة على الادخار من الشباب والعاملين في سن الرشد، وارتفاع الطلب على الأصول الآمنة من قبل كبار السن الذين لا يرغبون في المخاطرة بأموالهم في مشاريع استثمارية تدرّ أرباحاً غير مضمونة وفق ما رأته الدراسة من تداعيات زيادة نسبة كبار السن في المجتمع الأوروبي، ممّا يؤدي لانخفاض المدخرات الإجمالية وإمدادات رأس المال مع التحول الديموغرافي في المستقبل الأوروبي.

ويعتقد محللون اقتصاديون، نقلت عنهم وكالة الأنباء الألمانية نهاية العام الماضي، أنّ من علامات ضعف الاقتصاد الأوروبي مؤخراً تراجع الثقة الاستثمارية العالمية بأدوات المال الأوروبية، وعلى رأسها السندات السيادية، ولذلك تدهور سعر صرف اليورو إلى قرابة دولار واحد خلال العام الماضي، وموازاة لذلك كان المستثمرون قبل اندلاع أزمة أوكرانيا في نهاية شباط (فبراير) 2022 ينظرون إلى عملة اليورو كعملة منافسة للدولار.

علامات ضعف الاقتصاد الأوروبي مؤخراً تراجع الثقة الاستثمارية العالمية بأدوات المال الأوروبية وعلى رأسها السندات السيادية

وحسب ما تراه دراسة البنك المركزي الأوروبي أنّ أوروبا ستواجه خلال العقود المقبلة قذيفة الشيخوخة المؤهلة للانفجار، أو التغيير الديموغرافي وتداعياته على النمو الاقتصادي ورفاهية المجتمعات وقدرة الحكومات على الإنفاق على الصحة والتعليم والإسكان والبنية التحتية، بسبب الضغوط المالية الخاصة برعاية المسنين وأصحاب المعاشات، وضمور القوة العاملة الشابة التي تدفع الضرائب التي تعتمد عليها الحكومات في تمويل الإنفاق.

وممّا يلاحظ أنّ الدول الأوروبية اتجهت لتغطية النقص في العمالة إلى فتح أبواب الهجرة، وإن كان بمعدلات أقلّ من الولايات المتحدة، ولكنّ الهجرة أدت إلى نشوء الأحزاب الشعبوية والتيارات اليمينية المتطرفة التي باتت تهدد المسار الديمقراطي والرأسمالي في القارة، والأخير تحدٍّ كبير للحكومات الأوروبية، لأنّه الحل الوحيد لمواجهة نقص العمالة وارتفاع نسبة الشيخوخة، ولعلّ أقرب مثال على ذلك ما شهدته فرنسا خلال الفترات الماضية وصعود اليمين المتطرف في البلاد.

وفي السياق، قالت صحيفة (نيويورك تايمز): إنّ العالم مقبل على تغيير ديموغرافي كبير جراء أزمة انخفاض أعداد السكان في العديد من الدول المتقدمة، وأشارت إلى أنّ هذا التحول ستكون له تداعيات اقتصادية.

الدول الأوروبية اتجهت لتغطية النقص في العمالة إلى فتح أبواب الهجرة، لكنّها أدت إلى نشوء الأحزاب الشعبوية والتيارات اليمينية المتطرفة

وأوضحت الصحيفة في تقرير نشرته أمس أنّ القوى المتقدمة والمهيمنة في العالم استفادت لعقود من الأعداد الكبيرة لفئة الشباب في سن العمل في دفع النمو الاقتصادي، لكنّ الوضع لن يستمر على هذا النحو بسبب انخفاض أعداد المواليد.

وذكرت الصحيفة أنّ اليابان شهدت أول تحول كبير بحلول عام 2013، إذ كان ربع السكان يبلغ (65) عاماً أو أكثر، ممّا يجعل اليابان أكثر دولة عجوز على الإطلاق.

وأشارت إلى أنّ دولاً كثيرة من العالم المتقدم ستتبع اليابان قريباً، لاحتوائها على عدد قياسي من كبار السن، أبرزها دول أوروبا وكوريا الجنوبية إلى جانب الصين والهند.

"نيويورك تايمز": بحلول عام 2050 سيشكل الأشخاص الذين يبلغون من العمر (65) عاماً أو أكثر ما يقرب من 40% من السكان في بعض أجزاء شرق آسيا وأوروبا

ووفقاً للصحيفة، يُعدّ هذا الأمر تغييراً جذرياً بالنسبة إلى أوروبا والولايات المتحدة والصين والاقتصادات الكبرى الأخرى، والتي كانت تتمتع بوجود أعداد كبيرة من الأشخاص في سن العمل.

وتحدثت (نيويورك تايمز) عن أنّ توقعات هذا التحول الديموغرافي موثوقة وصارخة، موضحة أنّه بحلول عام 2050 سيشكل الأشخاص الذين يبلغون من العمر (65) عاماً أو أكثر ما يقرب من 40% من السكان في بعض أجزاء شرق آسيا وأوروبا.

البنك المركزي الأوروبي

وتقلص عدد الشباب في سن العمل في الدول المتقدمة سيؤثر سلباً على أعداد هائلة من كبار السن والمتقاعدين الذين يعتمدون على الشباب العاملين لدعمهم.

ونتيجة لذلك، يتوقع خبراء، بحسب ما نقلت الصحيفة، أنّ الامتيازات التي يأخذها العديد من الدول الغنية كأمر مسلم به، مثل المعاشات التقاعدية، وسن التقاعد، وسياسات الهجرة الصارمة، ستحتاج إلى إصلاحات حتى تكون مستدامة، ويقول اقتصاديون: إنّ البلدان الأكثر ثراء اليوم ستشكل تقريباً حصة أصغر من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وفي الوقت نفسه، سيكون لدى العديد من البلدان منخفضة الدخل قوى عاملة ضخمة من الشباب، وتساءلت الصحيفة عمّا إذا كانت هذه الدول ستتمكن من الاستفادة من هذه الفرصة.

وأوضحت أنّ الفرصة هائلة للعديد من البلدان الفقيرة، إذ أنّه عندما تنخفض معدلات المواليد في الدول المتقدمة، يمكن للدول النامية أن تجني "عائداً من هذا التحول الديموغرافي"، من خلال سيطرة القوى العاملة من الشباب في الدول الفقيرة على النمو الاقتصادي في العالم.

الفرصة هائلة للعديد من البلدان الفقيرة، إذ إنّه عندما تنخفض معدلات المواليد في الدول المتقدمة، يمكن للدول النامية أن تجني "عائداً من هذا التحول الديموغرافي"

وزيادة فرص العمل للشباب في الدول الفقيرة سيعود بالنفع على أسرهم، مع تحسن فرص التعليم والاستثمار في أطفالهم، وسيميل مزيد من النساء إلى دخول سوق العمل، ممّا يضاعف من التعزيز الاقتصادي لهذه الدول النامية، بحسب الصحيفة.

وأوضحت الصحيفة أنّه قريباً ستكون القوى العاملة الأفضل توازناً في الغالب في جنوب وجنوب شرق آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، وفقاً لتوقعات الأمم المتحدة. ويقول الخبراء: إنّ هذا التحول الديموغرافي قد يعيد تشكيل النمو الاقتصادي وتوازنات القوى الجيوسياسية.

أمّا عربياً، فإنّ عدد سكان المنطقة سيبلغ (520) مليوناً خلال عام 2023، بزيادة إجمالية تقدر بنحو (84) مليون نسمة، وفقاً لتقديرات السكان الصادرة عن قسم السكان بالأمم المتحدة.

ونسبة السكان في الفئة العمرية المنتجة من (15 إلى 64) عاماً تمثل نحو 62.7% من إجمالي السكان في المنطقة العربية، مقابل أنّ فئة كبار السن (64 عاماً فأكثر) أقلّ من 5% من إجمالي السكان، ممّا يؤكد أنّ الدول العربية ستكون من المناطق التي ستحقق مكتسبات جراء التحول الديموغرافي على المستوى العالمي، خاصة في ظل ارتفاع عدد الشباب فيها، وانخفاض أعداد كبار السن، وفق دراسة للعالم العربي.

مواضيع ذات صلة:

استراتيجيات ومواثيق مكافحة الإرهاب ـ الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي

مكافحة الإرهاب داخل الاتحاد الأوروبي ـ تدابير جديدة

 

الصفحة الرئيسية