اللغز الغامض: لماذا تدخل بوتين لإنقاذ أردوغان في الانقلاب "المزعوم"؟

اللغز الغامض: لماذا تدخل بوتين لإنقاذ أردوغان في الانقلاب "المزعوم"؟


كاتب ومترجم جزائري
25/08/2020

ترجمة: مدني قصري

"براغماتي" هي الكلمة التي تميز اليوم العلاقة الروسية التركية على أفضل وجه، في الشرق الأوسط؛ حيث الغليان سيد الموقف، يسعى بوتين وأردوغان إلى ترسيخ نفسيهما، كسيّدين جديدين للعبة، من خلال دبلوماسية واقعية وطموحة، وقومية عميقة، ومجردة من كلّ المشاعر، يقدّم الرجلان بيادقهما، لكنهما يعرفان كيف يتناقشان عندما يستدعي الموقف ذلك؛ هل هما نموذجان لجغرافيا سياسية كلاسيكية، أم "إمبراطوريتان" يجب احتواؤُهما من أجل استقرار "الشرق المعقد"؟

في هذا الحوار، الذي أجرته معه مجلة "revueconflits.com" يقدّم أنطوان دي لاكوست وجهة نظره حول العلاقة التي تفسر اليوم العديد من النزاعات والقضايا في بلاد شروق الشمس.

كونفلي: تاريخياً، روسيا وتركيا إمبراطوريتان شرعتا في غزو أوراسيا، للاستيلاء على تراث بيزنطة، لكنّ الإمبراطوريتين اختفتا نتيجة الحرب العالمية الأولى، واليوم نلاحظ أنّهما تتعاونان في مجالات عديدة، سواء كانت إستراتيجية أو عسكرية أو اقتصادية؛ ما هي اهتماماتهما في التقارب بين بعضهما؟

أنطوان دي لاكوست: إنّهما يقتربان من بعضهما، وهذا لا يرقى إليه الشكّ؛ تاريخياً كان الروس يحلمون بإعادة احتلال القسطنطينية، وإعادة آيا صوفيا إلى روعتها المسيحية السابقة، لكنّ الإنجليز والفرنسيين عارضوها وأوقفوا روسيا في طموحاتها الجيوسياسية، لا سيما خلال حرب القرم.

بالنسبة للرئيس الروسي بوتين فإنّ تحوّلُ آيا صوفيا إلى مسجد ليس سبباً وجيهاً لمعارضة أردوغان، إنّه يترك لبطريرك موسكو القيام بالعمل الديني، ويحتفظ هو بالسياسة والإستراتيجيا

منذ سقوط الجدار تغيّر كلّ شيء؛ لقد انهارت روسيا وأعادت بناء نفسها بصبر، ومن ناحية أخرى، انضمت العديد من الدول المجاورة لروسيا إلى الناتو، لكن ظلّت أولوية بوتين هي تنظيم الشؤون الداخلية، مع تراجع طموحات روسيا نحو الشرق الأوسط، منحته الحرب في سوريا فرصة جديدة للاهتمام بهذه المنطقة، التي هي أيضاً بوابة على البحر الأبيض المتوسط​​، وهو بحر أساسي بالنسبة إلى بوتين. لم يكن لدى روسيا سوى ميناء طرطوس على البحر الأبيض المتوسط؛ لذلك لم يكن هناك شكّ في سقوط سوريا في أيدي الإسلاميين، وخلف الإسلاميين تركيا؛ لذلك تدخلت روسيا، عام 2015، لإنقاذ النظام السوري، وأثار ذلك مواجهة مع أنقرة أسفرت عن تدمير قاذفة روسية على يد مقاتلة تركية، ثم مذبحة برية؛ حيث قُتل أحد الطيارين على يد مقاتلين تركمان إسلاميين تابعين لتركيا؛ لذلك فإنّ العلاقة معقدة للغاية، بعد ذلك، أجبرت النجاحات العسكرية الروسية أنقرة على ممارسة مزيد من ضبط النفس.

"براغماتي" هي الكلمة التي تميز اليوم العلاقة الروسية التركية على أفضل وجه

 قدّم فلاديمير بوتين مساعدة كبيرة لإنقاذ أردوغان خلال انقلاب، عام 2016، فيما كان بوسعه عدم التدخّل. 

في أثناء الانقلاب الفاشل من قبل جزء من الجيش ضدّ أردوغان، عام 2016، يبدو أنّ بوتين قد لعب دوراً في تحذير الأتراك من ذلك الانقلاب، قد يبدو هذا مفارقاً، لأنّه ربما كانت هذه فرصة لتخلص بوتين من أردوغان، وما يزال سبب تدخّل بوتين لغزاً غامضاً، لكن يمكن القول إنّ مواقف أردوغان كانت ستقطع صلته تدريجياً عن الغرب، وأنّه كان لديه ورقة للعب مع أردوغان أفضل من انقلاب الجيش العلماني الذي كان سيُقرّبه بلا هوادة من الولايات المتحدة، وقد دفعه ذلك إلى الاقتراب من أنقرة، في الوقت الذي كان الأمريكيون يضايقون تركيا بسبب عدم احترامها لحقوق الإنسان؛ لذلك عزل الأتراك أنفسهم عن الغرب، وكان قمع الانقلاب عنيفاً للغاية؛ لذلك تقارب بوتين وأردوغان، لكن مع وجود حجر عثرة رئيس، هو سوريا. 

في الواقع؛ تسلّط الحرب في سوريا الضوء على العلاقة البراغماتية بين روسيا وتركيا، لكن يبدو مع ذلك أنّها تميل نحو تنافس جديد.

هناك لعبة القطّ والفأر في هذا البلد، بشكل عام، نشعر بأنّ أردوغان يتراجع، والجيش الروسي، بعد أن أنقذ بشار الأسد، يضع نفسه تدريجياً في وضع يسمح له باستعادة المنطقة بأكملها، يحتلّ الأمريكيون شرق سوريا عبر الأكراد وغطائهم الجوي، كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي محتلة جزئياً من قبل الجيش التركي وعدد من المرتزقة السوريين، وفي إدلب نوعان من الإسلاميين: هناك الخاضعون لتركيا، وجبهة النصرة التي أصبحت تسمَّى هيئة تحرير الشام.

اقرأ أيضاً: تركيا وأذربيجان تطلقان مناورات عسكرية مشتركة... ما علاقة روسيا؟

كانت هناك تسوية مؤقتة بين الروس والأتراك، تتمثل في القول: إنّ عمل الأتراك يتمثل في تحييد هيئة تحرير الشام، وفي هذه الأثناء تؤمّن الميليشيات الإسلامية الخاضعة لسيطرة الجيش التركي الحياة الطبيعية في هذه المحافظة، التي يجب أن تتوقف عن إرسال الصواريخ والطائرات بدون طيار على البلدات الواقعة على طول الحدود أو على طرطوس، لكنّ أردوغان عجز كلياً عن تحييد هيئة تحرير الشام، ومنذ ذلك الحين، فشل في السيطرة على الوضع، وسمح الروسُ، على مرحلتين متتاليتين، للسوريين بالتقدم، في صيف 2019 وخلال شتاء هذا العام.

ففي كلّ مرة؛ كانوا يتقدّمون بمسافة عدة كيلومترات، مع استعادة عدة بلدات، وقد حرّروا طريق دمشق - حلب السريع، بغطاء جوي روسي، وبدعم نشط للغاية من حزب الله، وقد وقعت مناوشات بين الجيش السوري والجيش التركي، بلغت ذروتها عند إلقاء قنبلة على مبنى كان يحتمي به عشرات الجنود الأتراك، وقتِل منهم ثلاثون دبلوماسياً، اتهم أردوغان الجيش السوري، لكن يبدو أنّ سلاح الجو الروسي كانت له علاقة بالحدث، وقد انتقم الأتراك من الجيش السوري، ولم يحرك الروس ساكناً، مما يدلّ على غموض العلاقة الروسية السورية، التي ليست إذاً علاقة دعم غير مشروط، وغموض العلاقة الروسية مع تركيا التي ليست معارَضة نهائية، من الواضح أنّ هدف روسيا هو استعادة كلّ محافظة إدلب.

ما يزال سبب تدخّل بوتين وتحذير أردوغان من الانقلاب لغزاً غامضاً

 من ناحية أخرى؛ منع الروس الأتراك من الذهاب بعيداً إلى الشمال، بعد أن غادر الأمريكيون، كان الروس هم من احتووا الأتراك بعدم السماح لهم بالتقدم على جزء معيّن من الأراضي، ومن الواضح أنّ الروس لديهم كلّ أوراق الضغط في سوريا، بوتين يحتوي أردوغان، وكل هذا يعوّضه تفاهمٌ ممتاز حول نقاط أخرى بين البلدين، لا سيما الغاز الروسي، عندما تمّ وضع الجزء الأخير من خطّ ترك ستريم Turkish Stream” (1)، والذي وصل بالقرب من إسطنبول، افتتحه أردوغان وبوتين في ضجة كبيرة، لكنّهما ليسا صديقين حقاً؛ إذ لا يوجد أصدقاء في التاريخ.

اقرأ أيضاً: كيف تباينت المواقف الأخيرة لفرنسا وروسيا داخل ليبيا؟

لقد فهما جيداً أنّه في الدبلوماسية، لا حساب للمشاعر، وأنّ المبادئ غير مهمة، من وجهة النظر هذه، فهما يفهمان بعضهما جيداً؛ لأنّ كليهما براغماتيّ، الموضوع الوحيد لأردوغان هو تركيا، وموضوع بوتين الوحيد هو روسيا، مأساة الدبلوماسية الفرنسية أن همّها ليس فرنسا فقط.

إذا كانت عناصر كثيرة تجمعهما معاً؛ نستطيع على أيّة حال ملاحظة نقاط اختلاف، كون أردوغان يدعم أذربيجان ضدّ أرمينيا، وكونه لا يعترف باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا، وكونه رحّب حتى بالشيشان المتمردين في التسعينيات، كلّ هذا يمكن أن يعزز معارضته لبوتين؛ كيف ترى مستقبل هذه العلاقة؟

ينظر أردوغان إلى القوقاز، لكن باهتمام أقل بكثير من اهتمامه بالبحر المتوسط، إنّه يعلم جيداً أنّ القوقاز سيكون سبباً في إثارة حرب، فإن بدأ يهتم كثيراً بالكازاخ والتركمان والأوزبك، فستتدخل روسيا؛ لأنّ هذا سيؤثر على "الأجنبي القريب"، ليس بالضرورة أن تتمتع روسيا بعلاقات جيدة مع كلّ هذه الدول القوقازية؛ حيث غالباً ما يكون سكانها من أصل تركماني، فلن تسمح لأردوغان بالاقتراب أكثر من اللازم، الأمر مختلف في أذربيجان؛ لأنّ الناس هناك شيعة.

في الدبلوماسية، لا حساب للمشاعر، وأنّ المبادئ غير مهمة، لذا فهما يفهمان بعضهما جيداً؛ لأنّ كليهما براغماتي، الموضوع الوحيد لأردوغان هو تركيا، وموضوع بوتين الوحيد هو روسيا

 أذربيجان في وضع غامض للغاية، بالتالي؛ فإنّ الأتراك ليسوا في وطنهم تماماً هناك؛ لأنّ الإيرانيين والروس تربطهم علاقات جيدة مع هذا البلد. المؤكد أنّ الأمر لا يمكن أن يذهب بعيداً جداً؛ لأنّ الروس لن يسمحوا لأرمينيا بغزو أذربيجان، رغم أنّ أردوغان يراقب هذا باهتمام، إلا أنّه يعلم بالتالي أنّه لن يكون قادراً على تطوير بيادقه في هذه المنطقة الإستراتيجية، خاصة أنّ البحر الأبيض المتوسط ​ما يزال يمثّل رهاناً أكثر أهمية.

فيما يتعلق بليبيا؛ نرى أنّهما يتعارضان في الشرق الأوسط أيضاً حول هذه النقطة، انتهكت تركيا بكلّ سهولة حظر الأسلحة، وانتهكت القانون البحري الدولي، باحتلالها للبحر الأبيض المتوسط ​​بشكل غير قانوني، ما هو موقف موسكو من هذا الصراع؟ وكيف سيتطور مع تقدّم تركيا في المنطقة؟

لا يريد الروس أن يغضبوا تركيا؛ لأنّ لديهم كثيراً من المصالح والقضايا المشتركة، ما حدث في ليبيا مثير للاهتمام، كانت هناك "حرب أهلية"، رغم وجود أكثر من 120 قبيلة؛ حيث يتصارع طرفان: السراج وحفتر.

 كان حفتر يعتزم إعادة توحيد ليبيا، بدعم رسمي من روسيا ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وفرنسا ضمنياً، كان المجتمع الدولي أكثر ميلاً لجانب السراج، بدت تركيا حذرة بعض الشيء في البداية، ثم عندما وقع السراج في المشكلات، وغزا رجال حفتر ضواحي طرابلس، تدخل الأتراك.

اقرأ أيضاً: هذا ما طلبته روسيا من أمريكا لحل الأزمة الليبية

بقدر ما كان أردوغان أقلّ مهارة بكثير من بوتين في سوريا، بقدر ما كان عمله في ليبيا جيّداً، كانت المساعدة المقدمة للسراج فعّالة للغاية، في الوقت نفسه، تجاهل الأتراك حقوق اليونان البحرية، ووقّعوا اتفاقية لإنشاء منطقة بحرية مشتركة بين تركيا وليبيا، وكأنّ الجزر اليونانية غرقت ولم تعد جزيرة كريت موجودة.

 إنّه عملٌ من أعمال القرصنة الدولية، لكن هذه ليست المرة الأولى التي ينتهك فيها الأتراك القانون الدولي، لأنّهم حفروا في البحر الأبيض المتوسط​​، في مياه ليست ملكهم، ومنعوا السفن، خاصة الإيطالية منها، من القيام بذلك، وبفضل الإفلات من العقاب الذي تمنحه إياها عضويتُها في الناتو، فإنّ هذا الاتفاق، الذي لا قيمة قانونية له، يسمح لتركيا بالتدخل ببعض الفعالية.

 أردوغان أقلّ مهارة بكثير من بوتين في سوريا 

ما هو دور روسيا في ليبيا؟ هل أرادت تقييد العمل التركي، أم أنها تفضّل عدم التدخل كثيراً في صراع جديد؟

أثناء التدخل التركي؛ كان من المهم معرفة ما سيفعله سلاح الجو الروسي، وما سيفعله رجال حفتر والمرتزقة الروس الذين توظفهم فاغنر، بادئ ذي بدء، رأينا أنّ هؤلاء المرتزقة لم يكونوا مقاتلين جيّدين، من ناحية أخرى؛ قام الروس بمناورة ارتداد محدّدة للغاية، لغاية قاعدة جوية في برقة، انسحب رجال فاغنر إلى هناك، وتوجد اليوم حدود بين طرابلس وبرقة تنتهي بشكل رئيس حيث تبدأ حقول النفط.

اقرأ أيضاً: أبرز 10 تأثيرات لقانون قيصر على النظام السوري وإيران وروسيا

كلّ الرهان هنا: يريد الأتراك الذهاب إلى أبعد من ذلك لاستعادة هذه الحقول واحتواء ما تبقى من قوات حفتر، فيما الروس يريدون منعهم من تحقيق ذلك؛ لذلك توقف الأتراك، لا يعني ذلك أنّ الأتراك يخشون التهديد المصري (مصر التي كانت أوّل دولة تعبّر عن اختلاقها)، بل لأنّ بوتين طلب من الأتراك التوقف.

 في الوقت الحالي؛ هناك مناقشات غير رسمية بين الروس والأتراك حول مصير ليبيا، لا نعرف ماذا سينتج عنها؛ هل ستؤدي إلى إنشاء منطقتين تتمتعان بالحكم الذاتي؟ هل سيستمرون في هذا الغموض الذي يناسب الجميع؟ لكن، في الواقع، هذا لا يناسب الأتراك، رغم اقتناعهم بأنّهم أعادوا احتلال طرابلس، وبالتالي أنقذوا السراج، ناهيك عن الاتفاق البحري.

يعتقد الروس أنّ حفتر قد فشل، وقد يتخلون عنه، بدافع البراغماتية، رغم أنّهم زوّدوه بالطائرات، ثم يعود الأمريكيون إلى الساحة مرة أخرى، وهم يعانون من رهاب روسيا المَرَضي، لأنّ أكثر ما يخشونه هو أن يقوم الروس ببناء قاعدة بحرية في برقة، فبحكم وفائهم لطبيعتهم المناهضة لروسيا، وعلى أساس أنّ روسيا هي التي تحتفظ بأوراسيا، فما يزالون يريدون احتواءها في القوقاز، ومنعها من الذهاب إلى الشرق الأوسط، أو البحر الأبيض المتوسط.

تسمح علاقات الطاقة لأردوغان وبوتين بالحفاظ على علاقات جيدة، ويُعدّ افتتاحُ خطّ أنابيب الغاز الطبيعي التركي مثالاً على كون أن تركيا أصبحت مركزاً للطاقة في الشرق الأوسط؛ هل ما نزال نتوقع مواجهة روسية تركية حول هذا الموضوع، ما دام الغاز بالنسبة إلى هذين البلدين مصدراً مهمّاً للنموّ والتأثير؟ 

هناك عقدتان: العقدة التركية وعقدة البلقان؛ لهذا كانت عملية تفكيك يوغوسلافيا عملية شارك فيها الأتراك والأمريكيون عن كثب لأسباب مماثلة، ترتبط ولادة كوسوفو بهذا ارتباطاً وثيقاً، ليس فقط لأسباب تتعلق بالطاقة، ولكن لأسباب إستراتيجية، كان من الضروري بالفعل إسقاط صربيا، حليف روسيا، والسيطرة على طرق الطاقة؛ هذه العقدة الثانية مرتبطة بالعقدة الأولى وهي تركيا، مصالح الأتراك والروس مشتركة في هذه العقدة الأولى؛ لذلك لن يصطدما أبداً.

اقرأ أيضاً: روسيا توقف أنشطة خلية تابعة لداعش تجمع التبرعات.. ما علاقة تركيا؟

تفتقر تركيا بشدة إلى المواد الخام، ومن هنا اهتمامها بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، بعيداً عن قضية الغاز هذه، يمكننا أن نلاحظ أن تركيا تلعب بذكاء على كلا الحبلين: فهي عضو في الناتو، لكنها تشتري من روسيا، مما يثير حنق الأمريكيين، ومن هنا جاء الموقف الإستراتيجي لتركيا، دون أن ننسى موقف روسيا الذي بدونه لا تستطيع أنقرة أن تنشر جغرافيا سياسية للطاقة.

لو لم تكن تركيا عضواً في الناتو، لكانت روسيا قد أقامت علاقات إستراتيجية أقوى مع تركيا منذ فترة طويلة

بما أنّ عضوية أردوغان مستمرة في الناتو هل تُجبره في النهاية على الابتعاد عن الشريك الروسي؟

لا، على الإطلاق، بل على العكس! فهذا يمنحه توازناً بين روسيا والولايات المتحدة، فلو لم تكن تركيا عضواً في الناتو، لكانت روسيا قد أقامت علاقات إستراتيجية أقوى مع تركيا منذ فترة طويلة، لكن الناتو يدفع روسيا لجذب تركيا إليها، ولهذا السبب لن يتخاصما كلياً أبداً، وهذا أيضاً هو سبب عدم ذهاب الروس إلى نهاية العملية في سوريا، إنّهم يسايرون الأتراك، مُدركين أنّ أنقرة، بصفتها عضواً في الناتو، يمكنها إرسال سفنها إلى البحر المتوسط ​​مع بعض الإفلات من العقاب، لقد فهمت تركيا جيداً أنّ الأمريكيين سوف يغضّون الطرف؛ لأنّ الأمر الرئيس بالنسبة إليهم هو منع الروس من الاستقرار في ليبيا، ستفضّل الولايات المتحدة دائماً العلاقة مع تركيا لمواجهة روسيا. 

فيما يتعلق بآيا صوفيا؛ يبدو أنّ قرار تحويلها مرة أخرى إلى مسجد يمثّل آخر عمل وفاة لإرث مصطفى كمال العلماني، ويسمح لأردوغان بتأكيد مزاعمه السياسية حقاً؛ هل سيكون هذا بمثابة فتور في علاقاتها مع روسيا الأرثوذكسية؟

لقد ثار الأرثوذكس ضدّ هذا العمل، لكنّ بوتين نفسه لم يقل الشيء الكثير؛ كان لا مفرّ له من ذلك، هناك أزمة اقتصادية قوية للغاية، وأردوغان، بعد أن خسر الانتخابات البلدية، يعتقد أنّ هذا هو السبيل لاستعادة بعض الشعبية؛ الانتخابات العامة، التي ستجرى عام 2023، تشكّل خطراً كبيراً عليه.

اقرأ أيضاً: سوريا صارت أهم لروسيا من إيران!

أعتقد أنّه سيفعل كلّ ما يتطلبه الأمر للفوز بها، لكنّه فعل الشيء الكثير أيضاً مع البلديات، وعلى الرغم من ذلك، فقد خسرها؛ آيا صوفيا جزء من هذه العملية، لأنّه حتى التركي المعتدل، الذي ليس إسلامياً، فهو مسلم جيد وقومي جداً، وهو فخور جداً بسقوط القسطنطينية، فلعقود عديدة من الزمان كان الأتراك يتمتعون بإعجاب كبير بكمال، لكنّ هذا قد انتهى اليوم.

كان أردوغان يعرف أنّ الغرب لن يرد، وفي كل الأحوال، فإنّ آيا صوفيا ما تزال على الأراضي التركية، فلا شيء يمكن القيام به حيال ذلك.

 بوتين براغماتي وليس أيديولوجياً، ما يهمه هو عظمة روسيا، تحوّلُ آيا صوفيا إلى مسجد ليس سبباً وجيهاً لمعارضة أردوغان، إنّه يترك لبطريرك موسكو القيام بالعمل الديني، ويحتفظ هو بالسياسة والإستراتيجيا.

كيف ترى المستقبل العام للعلاقات الروسية التركية؟

سيستمران بالبراغماتية وبعض الغموض، هناك كثير من المصالح المشتركة التي يجب أن تثير الغضب، خاصّة الملف السوري؛ حيث يمكن لبوتين أن يُجبر الأتراك على المغادرة، لكنّه لا يريد أن يفعل ذلك، لأنّه لا يريد مواجهة دموية مع تركيا، وهناك قضية الغاز، وهي مهمة جداً، وليبيا، حيث تتواجهان مع مواصلة الحوار حتى لا يغضب أيّ منها من الآخر.

وفي النهاية؛ فإنّ بوتين هو من يمسك بزمام الأمور.

هامش:

(1) ترك ستريم   -Turkish Stream(بالتركية  TürkAkım أو (Türk Akımı بالروسية Турецкий поток خط أنابيب الغاز الطبيعي الذي يمتد من الاتحاد الروسي إلى تركيا، وهو يمتد من محطة ضغط “Russkaya” بالقرب من أنابا في منطقة كراسنودار الروسية، ويعبر البحر الأسود وينتهي في كييكوي على ساحل تراقيا التركي؛ حيث يتصل بخطوط أنابيب أخرى، يعدّ مشروع ترك ستريم بديلاً لمشروع ساوث ستريم الذي تمّ إلغاؤه

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

revueconflits.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية