باشاك شهير: فريق أردوغان للسيطرة على كرة القدم التركية

باشاك شهير: فريق أردوغان للسيطرة على كرة القدم التركية


10/09/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

عندما يُتوّج أبطال الدّوري التركي الممتاز، السّوبر ليغ، كلّ عام، يعرف سكّان إسطنبول، بالتّأكيد، بشأن ذلك.

تدوي أبواق السيارات في كافّة أنحاء المدينة وتعجّ الشّوارع بالمناصرين المحتفلين، باللونين الأصفر والأزرق لنادي فنربخشة، أو الأحمر والذهبي لغالطة سراي، أو الأسود والأبيض لبشيكتاش.

الفريق تأسّس عام 1990، باعتباره فريق بلديّة لا شعبية له، ورُقي وغُيّر اسمه إلى "باشاك شهير إسطنبول"، عام 2014، وبدأ ببطء في زيادة الضّغط على "الثّلاثة الكبار"

وفي النّهاية، باستثناء فوز فريق بورصة سبور، عام 2010، فقد فاز "الثّلاثة الكبار'' في إسطنبول بكلّ بطولة تركيّة، منذ عام 1984.

هذا العام، على كلّ حال، أصبحت المدينة المترامية الأطراف، التي تمتدّ على مضيق البوسفور، على الحدود بين أوروبا وآسيا أكثر هدوءاً، لكن ليس بسبب "كوفيد-19" فحسب.

في الضّاحية الغربيّة، باشاك شهير، بعيداً عن متاهات البلدة القديمة، تسير الحافلة المفتوحة التي تحمل لاعبي فريق "باشاك شهير إسطنبول"، بسرعة هادئة على طول جَادّات عريضة بُنيت حديثاً، ويهتف للحافلة على فترات غير منتظمة مشجّعون يرتدون البرتقاليّ والأزرق، لقد خسروا للتّوّ بنتيجة (3-2) خارج أرضهم، أمام فريق قاسم باشا في اليوم الأخير، في 26 تمّوز (يوليو)، لكنّ هذا لا يهمّ؛ فقد حملوا لقب "السّوبر ليغ" قبل أسبوع، للمرة الأولى في التّاريخ القصير للنّادي.

 قميص يحمل اسم أردوغان

ترقّب كثيرون هذه اللحظة، وكان الفريق قد تأسّس، عام 1990، باعتباره فريق بلديّة لا شعبية له، ورُقي وغُيّر اسمه إلى "باشاك شهير إسطنبول"، عام 2014، وبدأ ببطء في زيادة الضّغط على "الثّلاثة الكبار"، وأخيراً، تحت قيادة المدرّب، أوكان بوروك، أصبح الفريق الّذي يجمع عدداً من أفضل المواهب التركية، مثل لاعب الوسط، عرفان كان كاهفيشي، ولاعبين مخضرمين محترفين، مثل ديمبا با وجايل كليشي، سادس فائز من خارج "الثّلاثة الكبار" في دوري السّوبر، منذ عام 1959.

فريق أردوغان؟

من أوائل من نقلوا تهانيهم على الفوز؛ الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، الذي ترتبط صورته ارتباطاً وثيقاً بفريق باشاك شهير؛ فهناك صورة له معلّقة في ردهة ساحة التّدريب، ويلعب الفريق باللونين البرتقالي والأزرق لحزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه أردوغان، ورئيس النادي، غوكسل غوموسداغ، وهو مسؤول سابق في حزب العدالة والتنمية، مرتبط بأردوغان عن طريق الزّواج.

وعندما افتُتح ستاد فاتح تيريم الجديد، عام 2014، لعب أردوغان نفسه في مباراة استعراضيّة، وبعد تسجيل، أو السّماح له بتسجيل، ثلاثة أهداف، لم يُتح قميص الرئيس، الذي حمل الرّقم (12) لأيّ من لاعبي النّادي بعد ذلك، وعندما وصلت جولة الحافلة المكشوفة إلى الاستاد للاحتفال الرّسمي باللقب، رُفعت نسخة طبق الأصل وكبيرة الحجم من قميص أردوغان من سقف الحافلة.

اقرأ أيضاً: أردوغان وكرة القدم.. كيف يستغل المستبدون الرياضة؟

أيضاً، الجهات الراعية الرئيسة للنادي لها علاقات وثيقة بالحكومة، ميديبول، على سبيل المثال، وهي شبكة من العيادات والمستشفيات الصحية، أسّسها وزير الصحة وحليف أردوغان، فخر الدّين كوجا، ومطار إسطنبول الجديد، على الطريق السريعة من الاستاد، يُعدّ مشروعاً رئيساً ضمن توسعات البناء والائتمان تحت حكم أردوغان.

ويعدّ كلّ هذا جزءاً ممّا يسمّيه الكاتب والمؤلف الكروي جيمس مونتاج "شبكة محسوبيّة" مصمّمة للتّرويج لنخبة دينية جديدة ثرية، تمثّل قيم حزب العدالة والتنمية الأردوغاني، وتعارض الوضع العلماني التقليدي في تركيا، وليس من قبيل المصادفة أنّ منطقة باشاك شهير هي أيضاً واحدة من بؤر دعم حزب العدالة والتّنمية، هذا في الوقت الذي حصد فيه النادي اللقب التحقيري "نادي أردوغان لكرة القدم" في بعض الأوساط.

في كتابه "1312: بين الألتراس"، كتب مونتاج: "ثمّة عدد أقلّ من الأماكن الّتي يمكن أن تلخّص أعوام حكم أردوغان العشرين في السّلطة بشكل أفضل من باشاك شهير"، واصفاً "بناء العقارات المحموم وأسبقيّة كرة القدم والتّدين الإسلاميّ المتعمّق".

ثقافة جديدة لكرة قدم

إنّ أردوغان على دراية جيّدة بهوس تركيا بكرة القدم، لكنّ النّفوذ السياسي للرياضة الوطنيّة في تركيا، أصبح أكثر وضوحاً بالنسبة إليه، خلال احتجاجات غيزي بارك، عام 2013، فبعد أن تصاعدت معارضة نشطاء البيئة لخطط بناء مركز تسوّق آخر في حديقة عامّة إلى احتجاجات ضخمة مناهضة للحكومة، وضع المناصرون المتشدّدون لفرق غالطة سراي وفنربخشة وبشكتاش جانباً خصوماتهم للمساعدة في الدّفاع عن المتظاهرين ضدّ السّلطات.

اقرأ أيضاً: بسبب "غصن الزيتون".. إجراءات القمع التركية تطال نجوم كرة القدم

وفي الموسم التّالي؛ قُدّم نظام آلي بخصوص هويّات المعجبين، ممّا أجبر الأخيرين على شراء تذاكر إلكترونية باستخدام ما يسمّى بطاقة ائتمان "باسولغ" المرتبطة ببنك أكتيف، والذي له أيضاً روابط مع حزب العدالة والتّنمية، ممّا أدّى إلى انتقادات ومقاطعة من جانب المعجبين، كما حُظرت الهتافات والعروض السياسية في الملاعب التركية، وأعلن وزير الداخلية، معمر غولر؛ أنّ "الشّعارات السياسية والأيديولوجية لا تتوافق وروح الرياضة".

1453: "الأقل أكثر قيمة"

ومع ذلك، لا يبدو أنّ هذه اللوائح تنطبق على أبرز المجموعات المعجبة بفريق باشاك شهير، والمعروفة باسم "1453"، عام الفتح العثماني للقسطنطينية، والتاريخ الذي ما يزال يحمل نغمات قوموية في تركيا،

وردّاً على سؤال حول ما إذا كان هناك معنى سياسيّ وراء الاسم، يصرّ المتحدّث بوراك على أنّ "المجموعة ليست لها هوية سياسية أو دينية أو عرقية محددة؛ فهذا هو خطّنا الأحمر، وعندما نلتقي في المدرّجات، لا يوجد موضوع آخر باستثناء فريقنا".

بالنّظر إلى أنّ النادي تأسس فقط في شكله الحالي، قبل ستّة أعوام، فقد دعم أعضاء مجموعة 1453 عموماً أندية إسطنبول الأخرى سابقاً، لكنّهم يصرّون على أنّهم كانوا دائماً يكنّون حبّاً لضاحية باشاك شهير، وهي جزء من المدينة يسمّونه الوطن.

ويوضّح بوراك: "إنّه أكثر بكثير من مجرّد فريق بالنّسبة إلينا، وعندما حصل الحيّ الذي نشأنا فيه على فريقه الخاصّ، كان من الطبيعي أن ندعمه، وهذا ما نقوم به".

يشعر بوراك أنّ التّركيز على روابط النّادي بأردوغان غير عادل، و يهدف إلى التّغمية على نجاحنا"، ويفضّل تسليط الضّوء على العمل الاحترافيّ المنجز على الجانب الرياضي، كما يقول إنّ المجموعة تتمتع بالحصرية التي تأتي مع دعم ناد صغير نسبيّاً، عوضاً عن الضّياع في الجماهير المجهولة من مؤيّدي غالطة سراي وفنربخشة وبشكتاش؛ حيث إنّ أكبر المجموعات التشجيعية أقرب إلى منظمات غير حكومية منها إلى مجرّد أندية معجبين.

نداء إيقاظ للثلاثة الكبار

لكنّ العاطفة والشّغف اللذين يُولّدهما "الثّلاثة الكبار" يمكن أن يُعيقا بقدر ما يُثيرا الإعجاب، ومع قيام رؤساء الأندية بحملات مستمرّة لإعادة الانتخاب، يُصبح التّخطيط على المدى الطّويل قليلاً، وتُفضّل التّحويلات الأجنبية باهظة الثّمن على التّنمية المستدامة.

يقول فاتح دميريلي، رئيس تحرير مجلة "سقراط" الألمانيّة-التّركيّة: رغم  الديون، ما يزال المعجبون على وسائل التواصل الاجتماعي يطالبون بالنجوم.. والنوادي تتأثّر بشدّة لدرجة أنّها تخضع للضغوط

ونتيجة لذلك؛ تغرق الفرق الثلاثة في ديون مجتمعة بقيمة 1.5 مليار يورو (1.8 مليار دولار)، وجميعها خرقت لوائح "اللعب المالي النظيف" في الأعوام الأخيرة.

لقد غادر الألمانيّان؛ ماكس كروس (فنربخشة)، ولوريس كاريوس (بشيكتاش)، أنديتهما مؤخّراً؛ بسبب عدم دفع الأجور، بينما من المقرّر أن ينضمّ قائد بيشكتاش بوراك يلماز إلى فريق ليل الفرنسي، بعد أن "كان بالكاد يتقاضى رواتبه في غضون عام".

يقول فاتح دميريلي، رئيس تحرير مجلة "سقراط" الألمانيّة-التّركيّة: "رغم  الديون، ما يزال المعجبون على وسائل التواصل الاجتماعي يطالبون بالنجوم"، ويضيف: "وسائل التواصل الاجتماعي قوية للغاية في تركيا، والنوادي تتأثّر بشدّة لدرجة أنّها تخضع للضغوط".

هذا وانتهى "الثلاثة الكبار" إلى المراكز: الثّالث (بشيكتاش)، والسّادس (غالطة سراي)، والسّابع (فنربخشة)، بشكل محرج هذا الموسم، مع تسلّل غالطة سراي فقط إلى الدّوري الأوروبي؛ بسبب الحظر المفروض على طرابزون سبور.

يقول ديميريلي: "يجب أن يتوقف هذا عند نقطة ما، لكنّني لا أستطيع رؤيتها"، ويتابع: "يجب أن يكون هناك تغيير في المواقف من جانب الجماهير ووسائل الإعلام أيضاً، فالأندية في حاجة إلى البدء في إدارة أموالها بشكل صحيح وتطوير لاعبيها، عوضاً عن مجرّد شراء النّجوم الأجانب، وإن كانوا  ليسوا أذكياء بما يكفي".

بمتوسّط ​​حضور أقلّ من 3,000 شخص؛ فإنّ باشاك شهير لا يقع تحت أيّ ضغط من قاعدة المعجبين الوليدة، ولديه حرية العمل بكفاءة ومهنية، ويقول ديميريلي: "التّخطيط والتّنظيم للفريق... كلّ شيء أخطأ فيه الآخرون، قام به باشاك شهير بشكل صحيح في الأعوام القليلة الماضية".

وأضاف: "نجاحهم ليس مفاجأة؛ بل كان مسألة وقت، سيستمر باشاك شهير في التّطوّر، وسيكون من بين المرشّحين المفضّلين مرّة أخرى في الموسم المقبل، ويمكنه السّيطرة على كرة القدم التركية في الأعوام القليلة المقبلة".

وهذا لا يقتصر على تركيا، فباشاك شهير، أيضاً، يلفت الأنظار في الخارج: بعد القضاء على بوروسيا مونشنغلادباخ في دور المجموعات بدوري أوروبا، تغلّب بشكل كبير على سبورتينغ لشبونة، في الدور الـ 32 الماضي، وتقدّم بنتيجة 1-0 في مباراة الإياب الأخيرة الـ 16 أمام كوبنهاغن، والآن في انتظار ربع نهائيّ محتمل ضدّ مانشستر يونايتد في كولونيا.

وأعلن رئيس النّادي، غوموسداغ، قائلاً: "لقد كُتبت قصّة نجاح ثوريّة في كرة القدم التّركيّة، سنستمر في طريقنا بالمعتقد والمشاعر نفسها".

وبعيد فوزهم التّاريخيّ في السّوبر ليغ، قاد ذلك المسار إلى أسفل الجادات البكر في باشاك شهير، وبلغ ذروته في استقبال احتفالي من جانب أردوغان في القصر الرئاسي في أنقرة.

لكن عند العودة إلى وسط إسطنبول، لن تعرف مطلقاً أن بطلاً تركياً جديداً قد تُوّج.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

مات فورد، "دويتشه فيله"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية