بالأرقام والمؤشرات.. كيف سيكون عام 2021 على اللبنانيين؟

بالأرقام والمؤشرات.. كيف سيكون عام 2021 على اللبنانيين؟


22/12/2020

يقترب لبنان من الوصول إلى نهاية عام يُعتبر الأسوأ منذ الحرب الأهلية، إن لم يكن الأسوأ على الإطلاق.

ورغم صعوبة إعادة الأزمات الاقتصادية لمسارها الطبيعي، إلّا أنّ الطبقة السياسية ما تزال عاجزة عن تشكيل حكومة منذ 4 أشهر، تخلف حكومة حسّان دياب التي استقالت في آب (أغسطس) الماضي، عقب انفجار ضخم في مرفأ بيروت.

وعلى مشارف العام الجديد يأمل اللبنانيون أن ينتهي كابوس 2020، مستندين إلى ما ينشر من توقعات وتنبؤات العرّافين والمنجمين كعادة مكتسبة اجتماعياً وإعلامياً، إلّا أنّ العودة إلى المؤشرات والأرقام وتحليل اتجاهها لا يحمل بنتائجه ما يرجوه اللبنانيون، بل يظهر أنّ عام 2021 قد يحمل للّبنانيين ما هو أسوأ.

حسان دياب

ومن أبرز مؤشرات المرحلة المقبلة لعام 2021 الميزانية العمومية لمصرف لبنان، فقد انخفضت موجوداته بالعملات الأجنبية بقيمة 32% منذ منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 حتى نهاية العام الجاري، ومن المستحيل أن يتغير هذا الواقع في ظل الأزمات المتلاحقة التي يُعتبر حزب الله اللبناني جزءاً منها بهيمنته على قطاع الصيرفة والمصارف.

المؤشرات والأرقام وتحليل اتجاهها تؤكد أنّ عام 2021 لا يحمل ما يرجوه اللبنانيون، بل يظهر ما هو أسوأ

ويعود سبب هذا الانخفاض، بحسب تقرير تناولته وكالة الأنباء الوطنية اللبنانية، إلى تمويل المصرف المركزي استيراد المحروقات والطحين والأدوية ودعم سلّة غذائية وضخ الدولار في سوق الصرف.

وتشير أرقام المعهد اللبناني لدراسات السوق (خاص) إلى أنّ خسائر المصرف المركزي بلغت 40 مليار دولار، 20 منها بين عامي 2018 و2020، وتستمر الخسائر في ظل انتهاج النظام نفسه في عمليات الدعم، وفي ظل وقف تدفق المساعدات لأسباب سياسية.

اقرأ أيضاً: ما قصة اختفاء الصحافي اللبناني ربيع طليس؟ وما علاقة حزب الله؟

ووفق بيانات صندوق النقد الدولي، فإنّ الناتج المحلي الذي كان وصل إلى 53 مليار دولار في 2019، من المتوقع أن ينخفض بشكل غير مسبوق إلى 18 مليار دولار مع نهاية 2020، مؤكداً أنّ الانخفاض سيستمر.

أمّا الدين العام في البلاد، فقد بلغ حتى نهاية  أيلول (سبتمبر) 2020 نحو 95 مليار دولار، بحسب الأرقام الدولية للمعلومات (شركة خاصة)، وفق ما أوردت وكالة الأناضول.

 خسائر المصرف المركزي بلغت 40 مليار دولار

وبحسب إدارة الإحصاء المركزي في رئاسة مجلس الوزراء، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك هذا العام بنسبة 136.80% خلال تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، على أساس سنوي.

ويعطي هذا المؤشر لمحة عامة عن تطور أسعار السلع والخدمات التي تستهلكها الأسر، ويؤشر إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة والمحلية، بسبب هبوط العملة وتحويل فروقات أسعار الصرف للمستهلك النهائي.

انخفاض الناتج المحلي سيستمر عام 2021، من 53 مليار دولار في 2019 إلى 18 مليار دولار في 2020

وانعكست الأزمة الاقتصادية بأكملها على المواطن اللبناني، من غلاء إلى فقدان فرص العمل وارتفاع نسب البطالة.

فقطاع المطاعم والمقاهي الليلية بمفرده، شهد حتّى تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، إقفال 265 مؤسسة، بحسب "نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتسيري في لبنان".

وتوقعت الدولية للمعلومات أن يكون عدد العاطلين عن العمل في لبنان نهاية 2020 وبداية عام 2021 مليون شخص؛ أي بنسبة 65%.

بسبب كل ما شهده لبنان عام 2020، وما يزال، تحرّك المواطنون على مدار العام باحتجاجات مطلبية.

اقرأ أيضاً: "دولرة" لبنان.. لمصلحة من؟ ومتى يكف حزب الله يده عن الاقتصاد المحلي؟

السائقون العموميون، والأساتذة المتعاقدون، والاتحاد العمّالي العام، وغيرها من الجهات النقابية، تحرّكوا باعتصامات وإضرابات شملت معظم المناطق اللبنانية من الشمال إلى الجنوب.

وشارك بهذه الوقفات مجموعات متعدّدة من المواطنين استنكاراً للأوضاع المعيشية الصعبة، وهبوط الليرة أمام الدولار وما نتج عنها من أعباء كغلاء أسعار المواد الأساسية والأقساط.

دراسة تبيّن أنّ 16.17% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً، يعانون من اكتئاب، و40.95% من النساء يعانين من اضطراب نفسي

وبما يتعلق بأوضاع لبنان في عام 2021 توقع الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين أن "ترتفع نسب المهاجرين من لبنان في عام 2021 إلى أرقام قياسية غير مسبوقة، لكونها تُعدّ اليوم رغبة عارمة لدى العدد الأكبر من اللبنانيين، لا سيّما الفئات الشابة، لكنّ ظروف إقفال المطار وإغلاق دول العالم عام 2020 حدّت من هذه الرغبة، بالإضافة إلى حجز المصارف على أموال اللبنانيين، والتي كان من الممكن أن تستثمر في الهجرة أيضاً، في حين أنّ كافة العوامل المؤدية إلى الهجرة من أزمة اقتصادية واجتماعية وأمنية ما تزال واقعاً يتجه نحو الأسوأ في العام المقبل، بحسب الوضع الحالي، وفق ما أورده موقع الحرّة.

تحرّك المواطنون على مدار العام باحتجاجات مطلبية

واستند شمس الدين في توقعاته إلى أنه "في عام 2018 كان عدد المهاجرين 33 ألفاً، وتضاعف العدد عام 2019 ليصبح 66 ألفاً، في حين لم يتم التأكد من الرقم النهائي للمهاجرين عام 2020 لكنه يقارب الـ 25 ألفاً بحسب التقديرات، وهذا الانخفاض سببه إغلاق الدول الأوروبية، والركود الاقتصادي العالمي، وعدم توفر الوظائف في الخارج. ولكن بعد انتهاء جائحة كورونا والعودة التامة إلى العمل، سنشهد ارتفاعاً كبيراً لهذه الأرقام في عام 2021".

اقرأ أيضاً: طلبة الجامعات يجددون الاحتجاجات اللبنانية.. ما الجديد؟

بحسب "الدولية للمعلومات"، وبناءً على التقارير الصادرة عن قوى الأمن الداخلي، سجلت المؤشرات الأمنيّة من حوادث سرقة السيارات والسرقة وجرائم القتل ارتفاعاً كبيراً خلال عام 2020 مقارنة بعام 2019، سرقة السيارات ارتفعت بنسبة 120%، وبلغت نسبة ارتفاع حوادث السرقة 93.8%، وسجلت جرائم القتل أيضاً ارتفاعاً كبيراً بلغت نسبته 100%.

عدد العاطلين عن العمل في لبنان نهاية 2020 وبداية 2021 بلغ نحو مليون شخص أي بنسبة 65%

وحول هذه الأرقام يقول شمس الدين: إنّ "55% من اللبنانيين باتوا فقراء، 25% تحت خط الفقر، يعني دخلهم لا يكفي لتوفير الغذاء الصحي والسليم، وهذه النسب متجهة صعوداً في عام 2021، هؤلاء قد يقدمون على أي شيء ليحصلوا على قوتهم اليومي ومعيشتهم، إضافة إلى نسبة البطالة المرتفعة وإغلاق المؤسسات، كلّ هذه العوامل، يضاف إليها عنصر التسيب الأمني، ستؤدي حتماً إلى مزيد من الارتفاع في العنف ومعدلات الجرائم والسرقة في عام 2021".

اقرأ أيضاً: لبنان: لماذا أشعل اتهام دياب أزمة بين السنة ورئاسة الجمهورية؟

 وقال شمس الدين: "مقبلون في لبنان على عام أكثر سوداوية من ذلك الذي مرّ بحسب ما تشير الأرقام والإحصاءات، وهذه حتمية لا يغيرها إلّا معجزات تبدل الواقع الحالي والمتوقع للعام المقبل على لبنان، خاصة أنه حتى المعالجات المتوقعة من أي حكومة مقبلة لن تأتي بنتائج سريعة وفورية تبدل الحال القائم قبل عام 2022".

اقرأ أيضاً: المجلس الشيعي الأعلى في لبنان.. كشف المستور

من جهته، يرى رئيس شعبة العلاقات العامة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي العقيد جوزيف مسلّم أنّ "الأمن في لبنان ما يزال ممسوكاً، بسبب المجهود الكبير الذي تبذله الأجهزة الأمنية في لبنان رغم الظروف الدقيقة التي يعيشها. لكنه يؤكد وجود ارتباط بين الواقع الاقتصادي والمعيشي وبين ارتفاع نسب الارتكابات من جرائم وسرقات، دون أن يهدد ذلك الأمن العام للبلاد".

تضاعفت أرقام النتائج المتعلقة بالعنف الأسري والعنف ضد النساء 3 مرات في لبنان عمّا كانت عليه في الأعوام السابقة

 يتوقّع مسلم، في حديثه مع موقع "الحرّة"، بناءً على الأرقام والمؤشرات للواقع الاقتصادي والاجتماعي، أن تزداد المعدلات عام 2021 ما لم يتبدل الواقع الحالي، لافتاً إلى أنّ النسبة الأكبر من الارتكابات تتم على يد أصحاب سوابق ومطلوبين، إضافة إلى مروّجي ومتعاطي المخدرات، ونسبتهم في لبنان إلى ارتفاع في سياق ارتفاع عالمي.

نحو 55% من اللبنانيين باتوا فقراء

وكانت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية قد أشارت إلى الارتفاع الملحوظ في عدد الاتصالات الواردة على الخط الساخن للتبليغ عن شكاوى العنف الأسري بين شباط (فبراير) الماضي إلى تشرين الأول (أكتوبر) بنسبة 51 %، كذلك رصدت منظمة "أبعاد" ارتفاعاً في أعداد النساء اللواتي طلبن الإيواء الآمن، بنسبة 20% مقارنة بالأشهر الماضية.

ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة والمحلية، بسبب هبوط العملة وتحويل فروقات أسعار الصرف للمستهلك

  وفقاً لمديرة منظمة "كفى" زويا روحانا، تضاعفت أرقام النتائج المتعلقة بالعنف الأسري والعنف ضد النساء 3 مرّات في لبنان عمّا كانت عليه في الأعوام السابقة، كذلك بالنسبة إلى التبليغ عن هذه الأحداث لدى القوى الأمنية التي فعّلت لهذا السبب خطاً هاتفياً ساخناً.

جائحة كورونا والحجر المنزلي كانا سبباً رئيسياً لهذا الارتفاع، كما هو الحال عالمياً، لكنّ الأزمة المعيشية والاقتصادية وما تخلفه من آثار نفسية تجعل الوضع في لبنان أكثر تعقيداً، وستؤدي أيضاً في العام المقبل إلى مضاعفة هذه الحالات بسبب الضغط المتواصل والانهيار غير المسبوق الذي يعيشه المجتمع اللبناني، وهو ما يحفّز الأفراد لا سيّما من لديه منهم الاستعداد للجوء إلى العنف.  

سجلت المؤشرات الأمنيّة من حوادث سرقة السيارات والسرقة وجرائم القتل ارتفاعاً كبيراً خلال عام 2020 مقارنة بعام 2019

وتتوقع روحانا أن تتجه الأزمة إلى التفاقم في العام المقبل، والخدمات الحكومية في إطار مساعدة النساء والحد من العنف الأسري باتت معدومة كلياً، ما يعني أننا سنشهد تدهوراً أكبر للخدمات الاجتماعية، ولا مؤشرات إيجابية على هذا الصعيد.

 وبما يتعلق بالصحة النفسية للّبنانيين، أكدت دراسة للجامعة الأمريكية اللبنانية أنّ 16.17% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً يعانون من اكتئاب شديد منذ واقعة انفجار المرفأ.

اقرأ أيضاً: غليان مكتوم في الجنوب اللبناني بأمر حزب الله.. ما القصة؟

وأضافت الدراسة أنّ 40.95% من النساء يعانين من اضطراب ما بعد الصدمة  ptsd، وهنّ الفئة الأكثر تأثراً بالانفجار نفسياً.

وفيما يتعلق بالطبقات الاجتماعية، أوضحت الدراسة أنّ 59.5% ممّن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة هم من الفئة الأكثر فقراً، ومنهم من تضرر بشكل مباشر من انفجار المرفأ.

نحو 40.95% من النساء يعانين من اضطراب ما بعد الصدمة

دراسة أخرى أجرتها الجامعة الأمريكية في بيروت عن الأثر النفسي الذي خلفه الحجر الصحي والتعليم عن بُعد على الطلاب، تبيّن أنّ 42.3% منهم يعانون من اكتئاب وأنسومنيا (الأرق)، فيما 75.3% يعانون من التوتر الحاد.

كما كانت تُشير كل المعطيات، فإنّ المؤتمر الدولي لدعم لبنان الذي عُقد بمساع فرنسية لن يغيّر من الواقع السياسي والاقتصادي الذي تعيشه البلاد، فالمراوحة هي عنوان المرحلة الحالية، ويبدو أنّ فنّ تمرير الوقت انتقل من اللبنانيين إلى الفرنسيين، ولم يعد محصوراً بحدودنا الداخلية، فالكلّ بانتظار تسلم جو بايدن لمقاليد الحكم في الولايات المتّحدة الأمريكية، وفق ما أورد موقع "ليبانون فيلز".

توقعات بارتفاع نسب المهاجرين من لبنان في عام 2021 إلى أرقام قياسية غير مسبوقة

وبحسب ما تشير مصادر سياسية بارزة، فإنّ المسؤولين اللبنانيين يعانون من "مرض" الإنكار للواقع، فما يقومون به اليوم من تمرير للوقت يوحي وكأنّ وصول بايدن إلى الحكم يعني الفرج بالنسبة إليهم، وكأنّ تشكيل الحكومة سيكون خلاص لبنان، ولكن الحقيقة ليست كذلك، بل يمكن القول إنّ تشكيل الحكومة هو الخطوة الأولى ضمن رحلة الخطوات الألف لتحسين الوضع، هذا  فيحال توافرت النوايا الصادقة، وهذا أكثر ما يُثير القلق.

اقرأ أيضاً: حزب الله 2020.. هيمنة على الخراب تفاقم أزمة لبنان

وتؤكد المصادر أنّه لا حلّ سحرياً لما يجري في لبنان، وأكثر ما يُمكن للفرنسيين والمجتمع الدولي تقديمه هو منع الانهيار، ولكن هناك إجراءات أصبحت أمراً واقعاً ولا يمكن الهروب منها، وأوّلها تخفيض الدعم من قبل المصرف المركزي، وثانيها ضياع جزء كبير من أموال المودعين، وثالثها ارتفاع معدلات الفقر والجوع، ورابعها صعوبات تأمين الكهرباء بشكل دائم.

اقرأ أيضاً: اللبنانيون ينعون المنقوشة على تويتر

بغضّ النظر عن تشكيل الحكومة، وبغضّ النظر عن الزيارة الرئاسية الفرنسية إلى لبنان قبل عيد الميلاد، وبغضّ النظر عن موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من المساعي الفرنسية في لبنان، والأفكار الألمانية، هناك حقيقة قالها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وهي أنّ المصرف المركزي غير قادر على الاستمرار في دعم السلع الأساسية أكثر من شهرين، وهذه الحقيقة ستجعل من العام 2021 كابوساً لمن لم يشعر بكابوس 2020 بعد، ومن تمكّن من تمرير العام بأقلّ الخسائر الممكنة.

وينتظر المسؤولون اليوم تشكيل الحكومة للبدء بالإصلاحات، ولكنهم لا يصارحون اللبنانيين بأنّ تشكيل الحكومة لن يفتح "حنفية" الأموال، في ظلّ ارتابط الواقع اللبناني بالخارج.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية