بالخرائط: أسباب وتبعات القرار المصري بترسيم الحدود البحرية مع ليبيا

بالخرائط: أسباب وتبعات القرار المصري بترسيم الحدود البحرية مع ليبيا

بالخرائط: أسباب وتبعات القرار المصري بترسيم الحدود البحرية مع ليبيا


26/12/2022

أثار القرار الجمهوري المصري بتحديد الحدود البحرية الغربية مع ليبيا غضباً لدى الأخيرة، سواء بين المؤيدين لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا لعام 2019 والمعارضين لها. ودون إدراك استند الفريق الثاني القريب من مصر في احتجاجه على اتفاقية 2019 التي رفضها بشكل قاطع.

وبينما أكملت مصر ترسيم جميع حدودها البحرية في البحر المتوسط، مع دول؛ إسرائيل وقبرص واليونان، وحددت حدودها مع ليبيا، استناداً إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لم تُقدم ليبيا على ترسيم أي من حدودها مع جيرانها؛ اليونان وإيطاليا وتونس ومالطا، في حين رسمت حكومة الوفاق الوطني في عام 2019 مع تركيا بالمخالفة للقانون والأعراف الدولية.

ومعلوم أنّ الترسيم الباطل بين حكومة الوفاق السابقة وتركيا جاء في إطار صفقة تضمنت تدخلاً عسكرياً تركياً للمساعدة في صدّ هجوم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على طرابلس.

قرار مصري

أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي قراراً جمهوريا بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لجمهورية مصر العربية في البحر المتوسط في 11 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، ونشرته الجريدة الرسمية. نصّت المادة الأولى من القرار على أن تبدأ حدود البحر الإقليمي لجمهورية مصر العربية من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية النقطة رقم (1) ولمسافة (12) ميلاً بحرياً وصولاً إلى النقطة رقم (8)، ومن ثم ينطلق خطّ الحدود البحرية الغربية من النقطة رقم (8) في اتجاه الشمال موازياً لخط الزوال (25) شرق وصولًا إلى النقطة رقم (9).

ونصت المادة الثانية من القرار رقم "595" لعام 2022 على أن تعلن قوائم الإحداثيات الواردة بالمادة الأولى من هذا القرار وفقاً للقواعد المعمول بها في هذا الصدد، ويخطر بها الأمين العام للأمم المتحدة.

خريطة غير رسمية تُظهر الحدود البحرية من وجهات نظر جميع الدول

وفيما يخصّ ليبيا؛ رفضت حكومة الوحدة المنتهية ولايتها، برئاسة عبد الحميد الدبيبة القرار المصري، وعدّته "انتهاكاً للمياه الإقليمية والجرف القاري لدولة ليبيا". وعلى نفس الموقف دعت الحكومة المُكلفة من البرلمان برئاسة فتحي باشاغا كلاً من مصر واليونان وتركيا إلى "عدم اتخاذ أي خطوات أحادية فيما يخص تحديد وترسيم الحدود البحرية"، ودعت إلى التفاوض الثنائي بين هذه الدول.

كان اللافت هو موقف لجنتي الشؤون الخارجية والدفاع بمجلس النواب، حيث رفضا إعلان مصر تحديد الحدود البحرية مع ليبيا باعتباره "ترسيماً من جانب واحد ينتهك المصالح الليبية في البحر الأبيض المتوسط"، وطالبتا مصر بضرورة "التراجع الفوري عنه"، بحسب بيان رسمي عن المجلس.

اتفاقية 2019 بين تركيا وحكومة الوفاق انتهكت حقوق مصر البحرية؛ لأنّها مدت خطوط الأساس بشكل مائل ناحية مصر حتى تتصل مع الجرف القاري التركي

ويعتبر القرار الجمهوري تأكيداً لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان في آب (أغسطس) 2020، والتي رفضتها تركيا. وعلى أساس هذه الاتفاقية جاء قرار تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر.

فضلاً عن ذلك، فمن بدأ الترسيم المنفرد المخالف للقانون الدولي هما تركيا وحكومة الوفاق السابقة، وتابع على المنوال نفسه عبد الحميد الدبيبة الذي وقع اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية مع تركيا في تشرين الأول (أكتوبر) 2022، استناداً إلى اتفاقية العام 2019 التي خالفت القانون الدولي للبحار.

هل انتهكت مصر حقوق ليبيا؟

يستند العقلاء في ليبيا إلى حجة "التحديد المنفرد" من جانب مصر للقول بوجود انتهاك لحقّ بلادهم، غير أنّ هناك فارقاً بين "التحديد" و"الترسيم"؛ ففي الترسيم يجب أنّ تتفق الدولتان من أجل التوصل لاتفاقية ترسيم ملزمة، أما في حالة التحديد فالأمر حتى مع إبلاغ الأمم المتحدة به لا يزيد عن توضيح موقف الدولة بشأن حقوقها.

يقول نائب رئيس جامعة فاروس، أستاذ هندسة البترول والطاقة، رمضان أبو العلا، بأنّ اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تعتمد في ترسيم الحدود البحرية بين الدول على خطوط الأساس لكل دولة، ثم خط المنتصف الفاصل بين حدود الدول.

د. رمضان أبو العلا: مصر لها كلّ الحقّ في تحديد حدودها

وأكد لـ"حفريات"، بأنّ مصر لها كلّ الحقّ في تحديد حدودها البحرية الغربية، لأنّ أساس قانون الأمم المتحدة أنّ الحدود البحرية هي امتداد لحدود الدولة البرية بشكل مستقيم. وتابع بأنّ لمصر (11) خطاً طولياً من الغرب إلى الشرق، وأول خطّ طول بالنسبة للغرب هو امتداد الحدود البرية.

ونوه بأنّ الخط الغربي الأول حين يُمدد باستقامة سيحدث تداخل (overlap) مع الحدود البحرية الافتراضية بين تركيا وليبيا بحسب اتفاقية 2019. واقترح أبو العلا تنظيم اجتماع رباعي يضم مصر واليونان وتركيا وليبيا لحلّ هذا الأمر على أساس اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. ولفت أستاذ هندسة البترول والطاقة إلى أنّ ثلاث دول لم توقع على الاتفاقية وهم؛ إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة، إلا أنّ إسرائيل استندت إلى الاتفاقية عندما رسّمت حدودها مع قبرص ولبنان وغيرهم.

د. رمضان أبو العلا لـ"حفريات": لا توجد خطوط أساس مستقيمة بين ليبيا وتركيا ولهذا صمموها لتميل ما أدى إلى التداخل مع الحدود المصرية

واستعانت "حفريات" بمطلع على هندسة المساحة البحرية، وأكد على أنّ اتفاقية العام 2019 بين تركيا وحكومة الوفاق هي من انتهكت حقوق مصر البحرية؛ لأنّها مدت خط أساس مفترضاً من نقطة التقاء الحدود البرية المصرية الليبية، لكن بميل يزيد عدة درجات ناحية الشرق أو ناحية عقارب الساعة، حتى تتصل مع الجرف القاري التركي الذي لا يواجه ليبيا بأي حال.

من جانبه، أوضح أبو العلا بأنّه لا توجد خطوط أساس مستقيمة بين ليبيا وتركيا، ولهذا صمموها لتميل ما أدى إلى التداخل مع الحدود المصرية.

الأزمة الليبية

وتظهر الخريطة رقم (1) التي عُدلت وحصلت عليها "حفريات" انتهاك اتفاقية تركيا - حكومة الوفاق للحقوق المصرية؛ حيث يظهر التداخل في المثلث المحدد بالخطوط الحمراء بين النقاط الافتراضية رقم (1، 2، 3) وهو الناتج عن ميلان خطوط الأساس بين تركيا وليبيا نتيجة عدم وجود خطوط أساس وفق القوانين والأعراف الدولية بين الدولتين.

كما تنتقص اتفاقية تركيا - حكومة الوفاق من حقوق مصر فإنها تتعدى كلياً على الحقوق البحرية لليونان من قبل تركيا وليبيا على السواء، فضلاً أنّها تمنح مصر مساحة بحرية على حساب اليونان، وهو أمر لم تُعره مصر اعتباراً كونها اتفاقية باطلة في الأساس، فضلاً عن التزام مصر الراسخ بالقوانين الدولية.

خريطة (1) غير رسمية تُظهر محاولات تركيا التعدي على حقوق مصر

لهذا كان ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان ضربةً قاصمةً لاتفاقية تركيا - حكومة الوفاق؛ لأنّ امتداد خط الطول الغربي لمصر يقطع جزيرة كريت نصفين، ما يعني أنّه لا يمس الجرف القاري لتركيا بأي حال، وفي الوقت نفسه نفي لأي أحقية تركية في ترسيم حدود مع ليبيا.

كانت وسائل الإعلام التركية والأخرى الداعمة لها روجت عشرات الخرائط التي تُظهر حدودها مع ليبيا، وضمنتها تحديد لحدود مصر مع ليبيا أيضاً بالمخالفة للقوانين الدولية، كما يظهر في الخريطة رقم (2). وبالنظر إلى الترسيم التركي لحدود مصر وليبيا ضمن اتفاقيتها مع حكومة الوفاق ستبدو مصر مُتعدية على ليبيا، لكن ذلك غير صحيح.

وفيما يتعلق بانفراد مصر بقرار تحديد حدودها البحرية الغربية، فعلاوةً على عدم إلزامية مناقشة ذلك مع الجانب الليبي، فإنّ القاهرة لا تعترف بحكومة عبد الحميد الدبيبة بعد انتهاء ولايتها القانونية، فضلاً عن أنّ الأخيرة عادت مصر وانتهكت حقوقها بتأييدها لاتفاقية تركيا - حكومة الوفاق لعام 2019، وأمعنت في العداء بتوقيع اتفاقية التنقيب عن النفط والغاز مع أنقرة.

وبمراجعة جميع اتفاقيات الترسيم التي شهدتها منطقة شرق المتوسط، يظهر أنّها جميعاً تستند إلى تفاوض قائم على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ومن ذلك اتفاقية الترسيم بين اليونان وإيطاليا، وحتى إسرائيل التي لم توقع على الاتفاقية التزمت بها كأساس للتفاوض مع لبنان وغيرها.

وتنصّ المادة رقم (3) من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار على أنّ "لكل دولة الحق في أنّ تحدد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلاً بحرياً مقيسة من خطوط الأساس المقررة وفقاً لهذه الاتفاقية".

وتعرف الاتفاقية أيضاً باسم اتفاقية قانون البحار أو معاهدة قانون البحار، وهي اتفاقية دولية نتجت عن مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لقانون البحار (UNCLOS III) التي وقعت بين 1973 و1982. وحددت الاتفاقية حقوق ومسؤوليات الدول فيما يتعلق باستخدامها لمحيطات العالم، ووضع مبادئ توجيهية للأعمال التجارية والبيئة وإدارة الموارد الطبيعية البحرية. وحلت الاتفاقية التي أبرمت في 1982 محل المعاهدة الرباعية لسنة 1958 بشأن أعالي البحار، ودخلت حيز التنفيذ سنة 1994.

مواضيع ذات صلة:

أنقرة تدخل على خط التصعيد بين مصر وليبيا بشأن ترسيم الحدود البحرية.. هل غيرت موقفها؟

تعزيز التعاون الأمني بين مصر وليبيا على الحدود... ما علاقة تركيا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية