بعد سيطرتها على أفغانستان... هل تعيد طالبان سيرتها الأولى؟

بعد سيطرتها على أفغانستان... هل تعيد طالبان سيرتها الأولى؟


16/08/2021

دخل مقاتلو حركة طالبان مساء أمس إلى العاصمة كابول، وسط انهيار سريع ومفاجئ لقوات الأمن والجيش، واستولوا على القصر الرئاسي، وقد توالت ردود الفعل الدولية بين محذر من فوضى عارمة وعودة للإرهاب، وبين من دعا إلى انتقال سلس للسلطة.

 وأعلن الرئيس الأفغاني، أشرف غني، أنّه فرّ من بلاده لتفادي "إراقة الدماء"، مع إقراره بأنّ "طالبان انتصرت"، مبدياً ثقته في أنّ "عدداً كبيراً من المواطنين كانوا سيُقتلون وأنّ كابول كانت ستُدمّر، لو بقي في أفغانستان"، مضيفاً في رسالة عبر فيسبوك "انتصرت طالبان، وهي مسؤولة الآن عن شرف الحفاظ على بلادها"، وفق ما أوردته شبكة "بي بي سي".

 وتابع: "إنّهم يواجهون حالياً تحدّياً تاريخياً جديداً، إمّا أن يُحافظوا على اسم أفغانستان وشرفها، وإمّا أن يُعطوا الأولوية لأمكنة أخرى وشبكات أخرى".

 وأظهرت مشاهد متلفزة عشرات من مقاتلي حركة طالبان يسيطرون على القصر الرئاسي في كابول، ويحتفلون بانتصارهم على الحكومة الأفغانية.

 وأكد رئيس هيئة المصالحة الوطنية عبد الله عبد الله أنّ الرئيس أشرف غني غادر البلاد في الساعات الماضية التي سبقت دخول مقاتلي الحركة للعاصمة، وذكرت مصادر محلية أنّ غني غادر إلى طاجاكستان المجاورة، وقد خلت العاصمة من أي تواجد أمني أو عسكري لقوات الجيش والشرطة.

 وفي خضم هذه التطورات بات مطار كابول الدولي مركز الاهتمام، كونه المنفذ الجوي الوحيد للمغادرة بعد أن سيطرت طالبان تقريباً على كل المنافذ البرية، واستحال بذلك المغادرة براً على أي مسؤول محلي أو غربي، وأرسلت دول غربية بينها الولايات المتحدة قوات لتأمين سحب رعاياها وممثليها الدبلوماسيين، وتأمين مطار العاصمة الذي كان يفترض أن تتولى حمايته القوات التركية.

 وكانت واشنطن قد طلبت من الحركة التريث قبل اقتحام العاصمة حتى تجلي رعاياها وموظفيها، لكنّ طالبان أعلنت أنّ قوات الشرطة والجيش الأفغانية تخلت عن مواقعها ما قد يتسبب في فوضى أمنية وسرّعت على ضوء ذلك دخولها كابول.

 وذكرت مصادر أنّ المئات من الجنود الأفغان في عدة مناطق يجرون اتصالات مع قيادات محلية وقبلية للتوسط لدى طالبان للأمان، حسب "ميديل إيست أون لاين".

 وأعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، أمس أنّ الحلف يساهم في تأمين مطار كابول للسماح بإجلاء مواطنين غربيين في موازاة تقدم طالبان.

 

مقاتلو طالبان دخلوا إلى العاصمة كابول وسط انهيار سريع ومفاجئ لقوات الأمن والجيش، واستولوا على القصر الرئاسي

 

وكتب ستولتنبرغ في تغريدة "تحدثت إلى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ووزراء خارجية حلفائنا الكنديين والدنماركيين والهولنديين عن الوضع في أفغانستان، الحلف يساعد في إبقاء مطار كابول مفتوحاً لتسهيل وتنسيق عمليات الإجلاء".

 ودعا حلف شمال الأطلسي الذي يسحب قواته من أفغانستان أيضاً إلى "حل سياسي للنزاع الذي بات ملحاً أكثر من أي وقت مضى"، على ما قال ناطق باسمه.

 وأكد المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين لـ "بي بي سي" أمس أنّ المتمردين يريدون انتقالاً سلمياً للسلطة "في الأيام المقبلة"، وقال: "نريد حكومة إسلامية جامعة، ما يعني أنّ جميع الأفغان سيكونون ممثلين في هذه الحكومة".

 وقالت طالبان إنّ المسلحين دخلوا لمنع الفوضى والنهب، بعد أن غادرت قوات الأمن أجزاء من كابول.

 من جهته، أعلن المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان محمد نعيم أنّ الحرب قد انتهت في أفغانستان، وأنّ نوع الحكم وشكل النظام في البلاد سيتضح قريباً.

 وقال في تصريح لوكالة "رويترز": "نطمئن الجميع أننا سنوفر الأمان للمواطنين والبعثات الدبلوماسية، نحن مستعدون للحوار مع جميع الشخصيات الأفغانية، وسنكفل لهم الحماية الضرورية".

 وأضاف: "لن نسمح لأحد باستخدام أراضينا لاستهداف أي جهة، ولا نرغب في الإضرار بالآخرين، لا نرغب في التدخل في شؤون الآخرين، ولن نسمح بالتدخل في شؤوننا".

 وسيطرت طالبان على سجنين قريبين من العاصمة وحرّرت آلاف السجناء، وتخشى السلطات أن يخلّ المجرمون بالنظام العام.

 وقالت السفارة الأمريكية في العاصمة الأفغانية في تحذير أمني أمس: إنّ الوضع الأمني في كابول يتغير بسرعة، بما في ذلك عند المطار الذي ترد منه تقارير عن دوي أعيرة نارية، في وقت تقوم فيه القوات الأمريكية بإجلاء الأميركيين من هناك.

 

الرئيس الأفغاني أشرف غني يعترف بانتصار طالبان، ويؤكد أنّه فرّ من بلاده لتفادي "إراقة الدماء"

 

 وأضافت السفارة "هناك تقارير تفيد بأنّ المطار يتعرض لإطلاق نار، ولذلك نحن نأمر المواطنين الأمريكيين بالاختباء في أماكنهم".

 وفي وقت سابق أمس قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لقناة "إيه. بي. سي" التلفزيونية الإخبارية: إنّ العاملين في السفارة بكابول يغادرون المجمع الدبلوماسي ويتجهون إلى المطار بعد أن دخل مقاتلو طالبان العاصمة الأفغانية.

 ويجري نقل دبلوماسيي الولايات المتحدة بطائرات هليكوبتر إلى مطار المدينة، حيث توفر قوات أمريكية الأمن وسط نزوح الأمريكيين وحلفائهم المحليين وأجانب آخرين.

 وقالت مصادر إنّ معظم العاملين الأمريكيين سيتم إجلاؤهم من كابول غداً أو خلال اليومين المقبلين.

 وقال بلينكن: "نعمل على ضمان أمن وسلامة أفرادنا، ننقل الرجال والنساء العاملين في السفارة إلى مكان في المطار".

 وقالت أمس فرنسا وألمانيا وهولندا، وكلها دول في الحلف: إنها تنقل دبلوماسييها من سفاراتها.

وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد رفع إلى 5 آلاف عدد الجنود الأمريكيين في مطار كابول لضمان عملية الإجلاء التي تشمل 30 ألف شخص.

 وهدد بايدن حركة طالبان برد "سريع وقوي" في حال شنت هجوماً يعرض للخطر حياة مواطنين أمريكيين، ودافعت إدارته عن قرارها وضع حد لهذه الحرب المستمرة منذ 20 عاماً، وهي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة.

 وأعلنت الخارجية الفرنسية أمس، حسبما أوردت وكالة "فرانس برس"، أنها أرسلت تعزيزات عسكرية إلى الإمارات لتسهيل إجلاء الرعايا الفرنسيين من أفغانستان بعدما نقلت سفارتها إلى مطار كابول في ظل هجوم طالبان.

 وقالت في بيان: إنّ "وزارة الجيوش سترسل في الساعات المقبلة تعزيزات عسكرية ووسائل جوية إلى الإمارات العربية المتحدة لبدء أولى عمليات الإجلاء نحو أبوظبي"، مضيفة أنها قررت أيضاً "نقل السفارة إلى موقع مطار كابول للبدء خصوصاً بإجلاء جميع مواطنينا الذين ما يزالون في البلاد".

 وقالت باريس إنّ "السفارة ومركز الأزمات والمساندة" في وزارة الشؤون الأوروبية والخارجية "على اتصال بالفرنسيين الذين أبلغوا عن أنفسهم".

 وأعادت فرنسا التشديد على رغبتها في "الاستمرار بتوفير الحماية لشخصيات المجتمع المدني الأفغاني وللمدافعين عن حقوق الإنسان والفنانين والصحافيين الذين يتعرضون للتهديد بشكل خاص بسبب التزامهم".

 

أمريكا ودول أوروبية تواصل إجلاء رعاياها والمتعاونين معها من أفغانستان بمساعدة حلف الناتو في تأمين مطار كابول

 

وقال البيان "يجري حالياً القيام بكل شيء للحفاظ، قدر الإمكان، على القدرة على إصدار تأشيرات من مطار كابول".

وأعلنت السلطات الدنماركية والألمانية أمس أنّ كل رعاياهما نقلوا إلى مطار كابول، وأكدت كندا أنّ كل مواطنيها غادروا البلاد.

أمّا السويد، فستجلي موظفي سفارتها قريباً "بما يشمل الموظفين الأفغان المحليين" على ما أوضحت وزيرة الخارجية آن لينده.

في المقابل أكدت روسيا الأحد أنها لا تعتزم إخلاء سفارتها، مشيرة أيضاً إلى أنها تعمل من أجل عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن حول أفغانستان، أمّا النرويج التي تدير ملف أفغانستان في مجلس الأمن مع إستونيا، فقد دعت إلى "اجتماع عاجل في أقرب وقت ممكن".

 وطوال نهار أمس سادت حالة من الهلع في العاصمة، وقد أغلقت المحلات أبوابها وباتت زحمة السير خانقة، وشوهد شرطيون يستبدلون بزّاتهم بملابس مدنية.

 وشهدت غالبية المصارف ازدحاماً، وسط تهافت الناس على سحب أموالهم قبل فوات الأوان.

 وكانت الشوارع أيضاً مكتظة بالسيارات المحمّلة بالأغراض محاولة مغادرة المدينة أو اللجوء إلى حيّ يعتبره السكان أكثر أماناً.

 وعن الخطوات المقبلة، قالت 3 مصادر دبلوماسية أمس إنّ من المرجح اختيار علي أحمد جلالي، الأكاديمي المقيم في الولايات المتحدة ووزير الداخلية السابق، لرئاسة حكومة مؤقتة في أفغانستان، وأعلن قائد بالحركة اليوم أنه من السابق لأوانه التحدث عن كيفية تولي طالبان الحكم.

 

المتحدث باسم طالبان: نريد انتقالاً سلمياً للسلطة في الأيام المقبلة، دخلنا كابول لمنع الفوضى والنهب، بعد أن غادرت قوات الأمن أجزاء من كابول

 

وأبلغ القائد، الذي طلب عدم نشر اسمه، "رويترز" عبر الهاتف: "نريد مغادرة كل القوات الأجنبية قبل أن نشرع في إعادة هيكلة نظام الحكم".

 وقال عبد الستار ميرزاكوال القائم بأعمال وزير الداخلية في خطاب بثه التلفزيون: إنّ انتقالاً سلمياً للسلطة سيتم لكن لم يتم تأكيد أي تفاصيل بعد، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء. 

وقالت المصادر الدبلوماسية:  إنه لم يتضح بعد إن كانت طالبان قد وافقت بشكل نهائي على تعيين جلالي، لكنه يعتبر شخصية وسطية مقبولة للإشراف على تسليم السلطة.

 وتمكنت طالبان التي بدأت هجومها في أيار (مايو) الماضي مع بدء الانسحاب النهائي للقوات الأمريكية والأجنبية من السيطرة خلال 10 أيام فقط على غالبية البلاد.

 تركيا في مأزق

وكانت مهمة "حماية وتسيير شؤون مطار كابول" قد أوكلت إلى تركيا عقب اللقاء بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الأمريكي جو بايدن خلال قمة حلف الناتو في تموز (يوليو) الماضي.

 وبالرغم من الاعتراضات المحلية ومن أغلبية قادة الجيش، فإنّ الرئيس التركي أصر على القبول بالعرض الأمريكي، ليكون بمثابة صلة وصل مع إدارة بايدن، التي وجهت انتقادات لاذعة له ولحكومته، لسلوكياتهم في مجال الحريات وحقوق الإنسان والتدخل في شؤون الدول الأخرى.

 

إيسلين: الجيش التركي يواجه خطراً استثنائياً في أفغانستان، ومحقه هناك ستكون بمثابة ضربة قاصمة لصورة الجيش التركي وهيبته داخلياً وخارجياً

 

 وخلال الأسابيع التالية، بينما كانت الجهات التركية والأمريكية تخوض جولات من التفاوض الفني بشأن حماية المطار وإدارته من القوات التركية، كانت حركة طالبان تعلن رفضها لتلك المهمة، معلنة أنها ستعتبر القوات التركية في أيّ منطقة من أفغانستان بمثابة قوات احتلال، وقد كان لافتاً أنّ الوفود السياسية التي أرسلتها الحركة إلى مختلف الدول الإقليمية لم تقم بزيارة تركيا.

 وكانت القنوات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي التركية قد نقلت أول من أمس، تصريحات عن الجنرال التركي المتقاعد نجاة إيسلين، الذي يُعتبر واحداً من "الآباء الأوصياء" على الجيش التركي، قوله: "إنّ الجيش يواجه خطراً استثنائياً في أفغانستان، وإنّ محق القوات التركية هناك سيكون بمثابة ضربة قاصمة لصورة الجيش التركي وهيبته، داخلياً وخارجياً"، وفق صحيفة "زمان" التركية.

 الجنرال التركي المعروف بمعارضته لسياسات أردوغان، ذكر أنّ "الولايات المتحدة انسحبت دون اهتمام ومبالاة بمئات الآلاف من حلفائها من الجيش الأفغاني، وبذلك فإنها تضع الجيش التركي تحت رحمة مقاتلي حركة طالبان، الذين ليست لديهم أيّ خطوط حمراء".

 

سادت حالة من الهلع في العاصمة، وأغلقت المحلات وشهدت زحمة سير خانقة، وشوهد شرطيون يستبدلون بزّاتهم بملابس مدنية وشهدت غالبية المصارف ازدحاماً

 

وقد حكمت طالبان البلاد بين 1996 و2001 قبل أن يطردها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من السلطة، وفرضت الحركة الإسلامية رؤيتها المتطرفة للدين، فمنعت النساء من الخروج بدون محرم ومن العمل، ومنعت تعليم البنات، وكانت النساء اللواتي يتّهمن بالزنى يتعرضن للجلد والرجم.

 غير أنّ طالبان الحريصة اليوم على إظهار صورة أكثر اعتدالاً، تعهدت مراراً إذا عادت إلى السلطة باحترام حقوق الإنسان، خاصة حقوق المرأة، بما يتوافق مع "القيم الإسلامية".

 لكن في المناطق التي سيطروا عليها مؤخراً، اتهم عناصر طالبان بارتكاب العديد من الفظائع، من قتل مدنيين، وقطع رؤوس، وخطف مراهقات لتزويجهنّ بالقوة.

الصفحة الرئيسية