بغداد تعمق الفجوة بين أربيل والسليمانية... لماذا وصف مسعود بارزاني إقليم كردستان بـ "خط الموت"؟

بغداد تعمق الفجوة بين أربيل والسليمانية... لماذا وصف مسعود بارزاني إقليم كردستان بـ "خط الموت"؟

بغداد تعمق الفجوة بين أربيل والسليمانية... لماذا وصف مسعود بارزاني إقليم كردستان بـ "خط الموت"؟


14/06/2023

زاد تصويت البرلمان العراقي على مشروع قانون الموازنة العامة من الفجوة السياسية داخل إقليم كردستان العراق، فقد مكّن القانون الجديد السلطة الاتحادية في بغداد من التحكم بموارد الإقليم وتحييد الحكومة هناك، وذلك في حال إخفاقها بتمرير المستحقات المالية لباقي المحافظات المنضوية في الإقليم. سلوك إداري جديد يحمل انحيازاً سياسياً جديداً لـ (الاتحاد الوطني الكردستاني) على حساب سلطة (الحزب الديمقراطي الكردستاني) الذي يقود الحكومة الكردية في أربيل.

وتعود خلفيات هذا الإجراء الإداري في الموازنة الجديدة إلى انشطار مواقف الكرد تجاه بغداد، ومحاولة تكتل (الإطار التنسيقي) الشيعي استثمار تلك الخلافات لصالح تدعيم مواقف الحكومة الاتحادية برئاسة محمد شياع السوداني. ولأكثر من مرة يصطدم (الديمقراطي الكردستاني) بزعامة مسعود بارزاني مع قوى (الإطار)، بينما تمكن الأخير من كسب خصم بارزاني في الإقليم الكردي لصالح رؤى الائتلاف السياسي الحاكم في العاصمة.

وبُعيد تمرير البرلمان العراقي للموازنة المالية، حذّر الزعيم الكردي مسعود بارزاني ممّا سمّاه بـ "المحاولات المتهورة" لتقويض سلطة إقليم كردستان، مذكراً خصمه في مدينة السليمانية (الاتحاد الوطني) بسلسلة مواقفه "السلبية" تجاه شعب الإقليم، محذراً أنّ "كردستان ليست خطاً أحمر، بل خط الموت".

وأقرّ مجلس النواب العراقي، بداية الأسبوع الجاري، في جلسته الأخيرة التي استمرت إلى الرابعة فجراً، مشروع قانون الموازنة الاتحادية للأعوام الـ (3) (2023-2024-2025)، وسط مشادات واختلافات بشأن عدد من المواد، انتهت بالتصويت على جميع المواد، بعد أن أزيل بعضها وأضيفت مواد جديدة عليها.

جلسة مجلس النواب العراقي للتصويت على قانون الموازنة العامة

واستغرق التصويت على مواد الموازنة (4) جلسات برلمانية متتالية، بسبب الخلافات التي بين القوى السياسية المتحالفة ضمن ائتلاف "إدارة الدولة"، وركّزت الخلافات حول الفقرات المتعلقة بإقليم كردستان وايراداته النفطية، وتوزيع رواتب الموظفين في الإقليم، إضافة إلى خلافات حول زيادة مخصصات "الحشد الشعبي"، وإجراء مناقلة أموال بعض الوزارات إلى الحكومات المحلية بالمحافظات.

وتبلغ قيمة موازنة العام الحالي (197) تريليوناً و(828) مليار دينار عراقي، (نحو 152.2) مليار دولار، بعجز إجمالي بلغ (63) تريليون دينار، (48.3) مليار دولار)، بينما لم يتم نشر بنود موازنتي عامي 2023 و2024.

وكان مجلس الوزراء العراقي قد أقر في 13 آذار (مارس) الماضي أضخم موازنة مالية في تاريخ البلاد، مستغلاً ارتفاع أسعار النفط عالمياً، والذي يشكّل أكثر من 95% من عائدات البلاد المالية، وسط اعتراضات خبراء مال وقانون حيال بنود الموازنة.

أس الخلاف الأخير

وقد دبّ الخلاف الأخير بين الحزب (الديمقراطي الكردستاني) وشريكه في السلطة  (الاتحاد الوطني الكردستاني) بعد رفض الأخير تحكم الأول بموارد الإقليم وتوزيعها وفق رؤى الحكومة التي يقودها مسرور بارزاني نجل رئيس الحزب.  ويتهم (الاتحاد الوطني)، الذي يسيطر على مدينة السليمانية ثاني أكبر مدن الإقليم، إدارة حكم الإقليم في أربيل بالتمييز في إدارة توزيع الموارد على محافظات كردستان.

وحاول الحزب الحاكم في السليمانية أن يستثمر الخلاف الذي نشب بين القوى الحاكمة في بغداد وأربيل، والوقوف إلى جانب السلطة المركزية في صراعها السياسي مع (الديمقراطي الكردستاني) الذي رفض شراكة الحكومة الاتحادية في إدارة أموال النفط المصدر من إقليم كردستان.

تمكن (الإطار التنسيقي) من تعديل المادة (14) من قانون الموازنة لصالح (الاتحاد الوطني الكردستاني)، وهي بمثابة ضربة إدارية لحكومة أربيل وتحييد نفوذها عن بعض المحافظات

وتمكن تكتل (الإطار التنسيقي) من تعديل المادة (14) من قانون الموازنة لصالح (الاتحاد الوطني الكردستاني)، وهي بمثابة ضربة إدارية لحكومة أربيل وتحييد نفوذها على كافة المحافظات الخاضعة لسيطرتها المالية، وتحديداً محافظة السليمانية.

وتنص المادة (14) من قانون الموازنة على: "إلزام حكومة إقليم كردستان بإعطاء الأولوية إلى صرف رواتب الموظفين، والمتقاعدين، مع الالتزام بإعطاء الاستحقاقات المالية لمحافظات الإقليم، وبخلافه سيكون على رئيس الوزراء الاتحادي اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه الفقرة المتعلقة بالتمويل".

ويأتي هذا الإجراء في حال "اعترضت محافظة ما على عدم استلام الرواتب والمستحقات المالية"، ممّا يعني أنّ بغداد تقوم بتحييد دور أربيل وتقوم بتمويل المحافظات الكردية بشكل مباشر، ممّا يطيح بسلطة الحكومة الكردية على المحافظات المعترضة.

تحذيرات مسعود بارزاني

من جهته هاجم زعيم (الحزب الديمقراطي الكردستاني) مسعود بارزاني إقرار البرلمان العراقي للموازنة الاتحادية بصيغتها الحالية، واصفاً ما جرى بـ "المحاولات المتهورة" لتقويض كيان إقليم كردستان. وحذّر بارزاني من التجاوز على حقوق الكرد، معتبراً أن "الإقليم ليس خطاً أحمر، إنّما خط الموت". 

غازي كاكائي: الحكومة الكردية تتعامل بازدواجية مع مدن إقليم كردستان ونطالب القوى السياسية في بغداد بالوقوف معنا

وقال بارزاني، في رسالة وجهها للرأي العام بعد إقرار الموازنة: "مؤسف جداً ما حدث في الأيام القليلة الماضية في مجلس النواب العراقي من محاولات غير مسؤولة وغير دستورية تهدف لتعميق المشاكل وانتهاك الحقوق المشروعة للشعب الكردستاني".

وأوضح أنّ "الجميع يدرك أنّ هناك حوارات أدّت إلى اتفاقات بناءة بين الأطراف المكونة لتحالف إدارة الدولة لإزالة العوائق وحلّ الإشكاليات، فالحكومة الاتحادية العراقية وحكومة الإقليم توصلتا إلى اتفاق جيد وإيجابي لحلّ المعضلات، من أجل توطيد دعائم الاستقرار في البلد وخدمة الناس، إلا أنّ ما فعلته بعض الأحزاب السياسية، وللأسف، من جحود وإنكار وبطريقة غير مسؤولة، يهدف إلى تقويض كيان إقليم كردستان، إلا أنّ محاولاتهم باءت بالفشل وأُهملت".

مسعود بارزاني يهاجم إقرار البرلمان العراقي للموازنة الاتحادية بصيغتها الحالية: "إقليم كردستان ليس خطاً أحمر، وإنّما خط الموت"

وشدد على أنّ "ما حدث في الأيام القليلة الماضية في مجلس النواب العراقي قد أزال القناع وكشف عن الوجه الحقيقي للأطراف الشوفينية ومساوماتها، ومن لا يحترمون عهودهم وتواقيعهم، إنّهم لا يحترمون الدستور"، مؤكداً: "الآن بعد أن تمّت الموافقة على مشروع قانون الموازنة في مجلس النواب العراقي، آمل أن يتم تنفيذ بنودها بحسن نية."

وتابع: إنّنا "نؤكد أنّ إقليم كردستان هو ملك للشعب الكردستاني، ونتاج دماء وتضحيات ونضال الشعب الكردستاني، ونعارض وبشدة أيّ محاولة متهورة تسعى للتجاوز وتقويض كيان الإقليم، وبالنسبة إلينا، فإنّ الإقليم ليس خطاً أحمر فحسب، بل هو خط الموت أيضاً، فإمّا كردستان، وإمّا الفناء".

الاتحاد الوطني: حكومة أربيل ازدواجية

بالمقابل، دافع أعضاء في (الاتحاد الوطني الكردستاني) عن الاتهامات التي وجهت إلى حزبهم، معتبرين أنّ الحكومة التي يقودها (الديمقراطي الكردستاني) حكومة تتعامل بـ "ازدواجية مع أبناء شعب كردستان"، مطالبين القوى المركزية بالوقوف إلى جانب (الاتحاد الوطني) في المعركة التي يخوضها داخل الإقليم.

وقال عضو الاتحاد الوطني الكردستاني غازي كاكائي: إنّ حزبه "هو دائماً في جبهة المواطنين في إقليم كردستان، ولا يمكن له أن يساوم على حقوقهم، وسيبقى يدافع عن المادة التاسعة من قانون الموازنة الاتحادية". وتساءل: "لماذا الحزب الديمقراطي الكردستاني وحلفاؤه يتخوفون من هذه المادة؟".

وأضاف أنّ "هذه المادة تضمن حقوق الموظفين والمتقاعدين، ووجود حكومة عادلة رشيدة تتعامل مع جميع الأقضية والمحافظات بسواسية وعدالة، كما أنّ هذه المادة ستؤمن توزيع المشاريع والخدمات بشكلٍ متساوٍ"، مبيناً أنّ "تخوف حكومة الإقليم من هذه المادة الدستورية يؤكد أنّ نياتها غير سليمة".

قوى الإطار التنسيقي الشيعي الذي يقود الائتلاف السياسي البرلماني لحكومة السوداني

وعن سبب تفاقم الخلاف بين الحزبين الكرديين، وضّح أنّ "سبب الخلاف على المادة (14) أساسه هو خلاف داخلي في إقليم كردستان العراق، وقد حاول القيادي في الإطار التنسيقي هادي العامري تقريب وجهات النظر بين الأطراف الكرد، لكن على ماذا نتفق؟ نتفق على شيء هو من حق المواطن في الإقليم؟".

وطالب القيادي الكردي القوى السياسية في العاصمة بغداد أن "تقف مع مصالح شعب إقليم كردستان، ولا تقف إلى جانب الأحزاب التي تبحث عن مصالحها الحزبية"، مشيراً إلى أنّ "الحكومة الكردية تتعامل بازدواجية مع مدن وأقضية الإقليم، وتحديداً مع المناطق الخاضعة لإدارة الاتحاد الوطني الكردستاني".

مواضيع ذات صلة:

العراق: شجار ينهي جلسة برلمان كردستان... والمعارضة تصف ما جرى بالمسرحية... ماذا حصل؟

العراق يكسب قضية تحكيم دولي ضد تركيا.. ما علاقة كردستان؟

هل تنجح "الصفقات" في إنهاء الأزمات بين إقليم كردستان وبغداد؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية