بين مطرقة "إيكواس" وسندان الانقلاب ... "النيجر... كل شيء يُنذر بالكارثة"

بين مطرقة "إيكواس" وسندان الانقلاب ... "النيجر... كل شيء يُنذر بالكارثة"

بين مطرقة "إيكواس" وسندان الانقلاب ... "النيجر... كل شيء يُنذر بالكارثة"


09/08/2023

بعد انتهاء المهلة التي منحتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) للمجلس الوطني لحماية الوطن المنقلب على رئيس النيجر المنتخب محمد بازوم، الأحد، أعلنت أنّها بصدد عقد قمة استثنائية جديدة الخميس المقبل لبحث الخطوات التالية في التعامل مع الانقلاب.

وكانت المجموعة التي تضم (15) دولة قد أمهلت الانقلابيين بالنيجر أسبوعاً، خلال قمتها السابقة التي التأمت في العاصمة النيجيرية أبوجا في 30 تموز (يوليو) الماضي، لإعادة الرئيس المعزول إلى سدّة الحكم، وفرضت عقوبات اقتصادية قاسية على الحكام الجُدد في (نيامي).

مهلة فاشلة 

ومع انتهاء مهلة (إيكواس) أعلن الانقلابيون بقيادة الجنرال عبد الرحمن تيشاني  إغلاق المجال الجوي للبلاد حتى إشعار آخر، متهمين من أطلقوا عليها قوى أجنبية  بالإعداد لهجوم على بلادهم، لإعادة الرئيس المخلوع محمد بازوم.

ووجه الناطق باسم الانقلابيين الجنرال أمادو عبد الرحمن نداءً للمواطنين بضرورة التأهب والاستعداد للدفاع عن سيادة النيجر، مُحذراً من مغبة ما وصفها بالمغامرة الخارجية التي يُعدّ لها للتدخل في بلاده.

رئيس النيجر المنتخب محمد بازوم

وفيما تشهد المجموعة انقسامات حادة بين أعضائها بخصوص شرعية التدخل في النيجر، أبدت نيجيريا والسنغال وساحل العاج وبنين استعدادها لإرسال قواتها، بينما اعترضت غينيا كوناكري ومالي وبوركينا فاسو على خيار استخدام القوة، ومن خارج المجموعة التزمت ليبيا وتشاد جانب الحياد، وبدا موقف الجزائر مُنسجماً مع المعترضين.

خشية الإرهاب

ويخشى مراقبون على نطاق واسع من أنّ أزمة النيجر ستدخل منطقة الساحل في أزمات اقتصادية وسياسية عميقة، وستمهد الأرض للجهاديين المتطرفين الناشطين في هذه المنطقة، خصوصاً في المثلث الحدودي، بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، للتمدد والانتشار على نطاق أوسع، لا سيّما أنّ الرئيس المُطاح به محمد بازوم كان قد أطلق مُبادرةً للحوار مع قادة الجهاديين تحت عنوان (اليد الممدودة) في محاولة لإحلال السلام، لكنّ الهجمات الإرهابية لم تتوقف، وخاصة على طول الحدود الثلاثية الممتدة لأكثر من (1400) كيلومتر.

ويعتقد راصدون لحركة انتشار الحركات الجهادية في منطقة الساحل أنّ النيجر ربما ستصبح الجغرافيا المفضلة لعناصر داعش والجماعات المتطرفة، بسبب السيولة الأمنية وعدم الاستقرار السياسي، والانقلابات العسكرية المتكررة، وضعف الجيوش.

يخشى مراقبون على نطاق واسع من أنّ أزمة النيجر ستدخل منطقة الساحل في أزمات اقتصادية وسياسية عميقة، وستمهد الأرض للجهاديين المتطرفين الناشطين في هذه المنطقة

لكنّ آراء متطابقة لباحثين وأكاديميين تقول إنّه لا توجد أرضية حقيقية صلبة لنمو الجماعات الإرهابية في الساحل، وإنّ مزيداً من الاستقرار السياسي وتحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين سيقضي تلقائياً على الظاهرة، حيث إنّ التحاق الشباب بالجماعات الإرهابية الناشطة في المنطقة لا يصدر في الغالب عن موقف إيديولوجي أو مبدئي، بل غالبيتهم مجرد موظفين يتلقون مبلغاً ماليّاً شهرياً نظير خدمتهم العسكرية ضمن الجماعة، لذلك فسرعان ما يغادرونها مع توفر فرص العمل وتحسن الأوضاع المعيشية.

وبحسب إحصاءات رسمية في النيجر، فإنّ 97% من مواطني النيجر يدينون بالولاء للطريقة التجانية الصوفية التي ينتشر مريدوها بكثافة في تشاد والنيجر ونيجيريا، وبشكل أقل في السنغال ومالي وغرب السودان.

وتحظى التجانية بدعم كبار المسؤولين في غالبية دول الساحل، كما أنّه من الصعوبة بمكان لمواطني هذه الدول من غير المنخرطين في الطريقة التجانية الوصول إلى الرئاسة أو الوظائف العليا في الجيش أو الأمن أو الشرطة أو الخدمة المدنية.

البعد الخارجي

وعودة إلى تداعيات أزمة النيجر، فقد حلت  نائبة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند ضيفة على العاصمة نيامي للسعي لبدء مفاوضات بين قادة الانقلاب والرئيس بازوم، والتقت طيفاً من القادة العسكريين، دون قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تيشاني، كما لم يُسمح لها بلقاء الرئيس المحتجز محمد بازوم.

نائبة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند

وكانت واشنطن قد علقت مساعدات تقدّر بمئات ملايين الدولارات للنيجر إثر الانقلاب الأخير، وقال ماثيو ميلر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية: إنّ إعادة  المساعدات رهينة بتنحي قادة المجلس العسكري عن السلطة وإعادة النظام الدستوري للبلاد، وهكذا فعلت بريطانيا بتعليقها مساعدات تنموية طويلة الأمد كانت تقدمها لنيامي إلى حين إعادة بازوم والعودة إلى المسار الدستوري.

إيكواس في خطر

بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، فقد جاء على لسان مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل أنّ الاتحاد يدعم الإجراءات التي اعتمدتها (إيكواس)، حيث يتضمن بروتوكولها نصاً يجيز التدخل في الدول الأعضاء حال حدوث تغيير غير دستوري لحكومة منتخبة، إلا أنّه في كثير من الأحوال تم تعطيل آلية التدخل، حيث شهدت جميع دول (إيكواس) البالغة (15) انقلابات عسكرية، فيما عدا السنغال والرأس الأخضر.

وكانت المجموعة قد تدخلت عسكرياً ودبلوماسياً في عدة مناسبات، ففي حرب سيراليون 1989 نجحت مساعيها الدبلوماسية في إخمادها والتوصل إلى تسوية سياسية أعادت الاستقرار إلى البلاد، لكنّها عادت إلى التدخل عسكرياً عندما اشتعلت الحرب مرة أخرى عام 1991، وعقدت صفقة سياسية بين الأطراف المتحاربة.

من الصعوبة بمكان لمواطني دول الساحل من غير المنخرطين في الطريقة التجانية الوصول إلى الرئاسة أو الوظائف العليا في الجيش أو الأمن أو الشرطة أو الخدمة المدنية

كما تدخلت عسكرياً في غينيا بيساو بشكل محدود عندما اندلع نزاع مسلح بين الفرقاء السياسيين، وانتهت إلى إبرام تسوية سياسية، وكذا الأمر في ساحل العاج حيث انخرطت المجموعة في النزاع دبلوماسياً ثم عسكرياً.

وكذلك تدخلت عسكرياً، ممثلة في الجيش السنغالي، في غامبيا، ووصلت العاصمة بانغول لإرغام الرئيس السابق يحيى جامع، الذي تشبث بالسلطة بعد أن خسر الانتخابات في مواجهة منافسه الرئيس الحالي المنتخب بارو، بالتخلي عنها، وقد حدث.

إلا أنّ (إيكواس) لم تكن في كل تلك الحالات منقسمة على نفسها، كما هو الحال في ما يتعلق بأزمة النيجر، إذ يخشى كثيرون تدخلاً عسكرياً مناوئاً من دولتين جارتين تدعمان المجلس الوطني لحماية الوطن في مواجهة أيّ تدخل خارجي، فقد اعتبرت مالي وبوركينا فاسو التدخل في النيجر اعتداء عليهما، وأعلنت الأخيرة أنّها ستتدخل عسكرياً لمواجهة أيّ اعتداء على (نيامي).

مواضيع ذات صلة:

انقلاب النيجر وتنامي الجماعات المتطرّفة في إفريقيا

كيف ينظر إخوان الجزائر إلى أزمة النيجر؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية