تهديدات الصدر في أربعينية الحسين: الدولة الرخوة في مواجهة الميليشيات

تهديدات الصدر في أربعينية الحسين: الدولة الرخوة في مواجهة الميليشيات


13/10/2020

لا تعد الاحتجاجات التي شهدتها مدينة كربلاء، جنوب بغداد، قبل أيام قليلة، أثناء إحياء ذكرى أربعينية الحسين، أمراً جديداً أو طارئاً، فثمة سوابق عديدة لها في ظل التعبئة الشعبية، والوضع الاحتجاجي القائم ضد الفساد وتوغل النفوذ الإيراني، منذ تشرين الأول (أكتوبر) العام ٢٠١٩، والذي صادف مرور ذكرى عامه الأول مع تلك المناسبة الدينية.

اقرأ أيضاً: بسبب الفساد والهدر وسوء الإدارة: العراقيون بلا رواتب

ولا تكاد تمر مناسبة سياسية أو دينية إلا وتتحول إلى فرصة للتعبير عن غضب وتذمر قطاعات واسعة من العراقيين ضد التدخلات الخارجية، وتأثيراتها السلبية على أوضاعهم السياسية والاقتصادية والأمنية؛ إذ قام ناشطون في الحراك، نهاية العام الماضي، بحرق القنصليتين الإيرانيتين، في محافظتي كربلاء والنجف.

هتاف العراقيين ضد إيران

وبينما تحولت الساحات والميادين، في كربلاء، إلى موطئ قدم ثابت وصلب، تتجمع في أتونه هتافات العراقيين، وقد زلزلت الأرض تحت أقدام وكلاء إيران المحليين، وميليشياتهم، فإنّ القيادات الأمنية والدينية، المدعومة من طهران، حرضت ضد المتظاهين والمحتجين، ما تسبب في الاعتداء عليهم، وسقوط عشرات المصابين، فضلاً عن محاولات اختطافهم، خاصة، وأنّ تلك المناسبات خضعت، لفترات طويلة، لهيمنة وإدارة التنظيمات الولائية.

وطالب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، القوات الأمنية بحماية المواقع الدينية، وذلك ضد من وصفهم بـ"المندسين الذين يتغلغلون بين المحتجين لإثارة الفوضى والفتنة". وغرد الصدر عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "إنّ المخربين يخططون لفتنة بدعم خارجي مشبوه".

اقرأ أيضاً: طريقة عمله وهيكليته ومخططاته.. ما لا تعرفه عن حزب الله العراقي

وعليه، لم تمض سوى أيام قليلة على هذا التهديد الصادر من زعيم التيار الصدري، والذي نجم عنه ردود فعل بين الناشطين في الحراك، من جهة، ومناصري المرجع الديني الشيعي، من جهة أخرى، حتى ظهر مقطع فيديو يوثق محاولة اختطاف الناشط العراقي، زيدون أبو فراك، والأخير، كتب في تغريدة عبر حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "عشت عمري تعبان.. عشت عمري لا أم لا أب لا أخ. درست وتعبت، وحصلت شهادة والآن أبيع مياه بالشارع، ومقتدى (يقصد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر) يريد يقتلني لأنّي أردت عيشة بها خير".

النفوذ الإيراني لم يحدث بقوة السلاح فقط، إنّما من خلال التهيئة الاجتماعية والأيدولوجية، التي ساهمت فيها الأوضاع الرخوة بتلك الدول، ما سمح بتمدد الأدوات الإيرانية

كما رفع المحتجون الذين تعرضوا للقمع من قبل المجموعات الأمنية، التابعة لميليشيات الحشد الشعبي، صور الناشطين الذين قتلوا في حراك تشرين، وذلك في مقابل صور القيادات الأمنية والسياسية الإيرانية، التي ظهرت خلال الزيارة الأربعينية وفي مواكب العزاء؛ حيث تم توزيعها على الوفود، وكان من بينها، صور لقائد فيلق "القدس" الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس "هيئة الحشد"، أبو مهدي المهندس، اللذين قتلا في غارة أميركية، مطلع العام الجاري.

زعيم التيار الصدري يهدد

هناك أكثر من نموذج لكربلاء في المنطقة، والذي يعكس نفوذاً وحضوراً لإيران على أكثر مستوى، الأمر الذي لا يحدث بصورة مباغتة، إنّما يجري الإعداد له على مراحل عديدة، حسبما يشير الناشط العراقي، أحمد التميمي (اسم مستعار)، مضيفاً لـ"حفريات": "في النبطية بلبنان، كما في السيدة زينب بسوريا، والنجف وكربلاء بالعراق، لم يحدث هذا التواجد والنفوذ الإيراني بقوة السلاح فقط، إنّما من خلال التهيئة الاجتماعية والأيدولوجية، التي ساهمت فيها الأوضاع الرخوة بتلك الدول، ما سمح بتمدد الأدوات الإيرانية، من خلال قنوات تعليمية وثقافية متعددة، والمساعدات الاقتصادية والاجتماعية، وكذا أشكال الترفيه التي لها طابع عقائدي للأطفال، والأخيرة استطاعت جذب واستقطاب طوائف دينية مختلفة".

لذا، يبدو طبيعياً أن يحتج الناشطون على ظهور صور القادة الإيرانيين، مثل قاسم سليماني، كما يشير الناشط العراقي، لكن من المؤكد أيضاً أنّ هناك مساحات مستقرة وآمنة لنشاط تلك المجموعات المسلحة، تحتاج إلى التصفية والعلاج، بواسطة إرادة سياسية ودعم إقليمي يواجه النفوذ الإيراني؛ فقد نظمت الميليشيات الإيرانية، في العراق، موكباً دينياً باسم "فصائل المقاومة الإسلامية"، لجهة استعراض القوة وتوظيف الحدث الديني لصالحها، وشارك في تنظيمه وحضوره، الأمين العام لميليشيا "كتائب سيد الشهداء"، أبو آلاء الولائي، والمتحدث باسم تحالف ما يعرف بـ"الفتح"، وهو الذراع السياسي للحشد الشعبي، أحمد الأسدي.

اقرأ أيضاً: الحكومة العراقية بين مطرقة ميليشيات إيران وسندان الضغوط الأمريكية

لكن الناشط العراقي، يلفت إلى أنّ هذه المشاركة الاستعراضية و"الاستفزازية"، حسب توصيفه، والتي ظهرت فيها صور وأعلام صفراء تخص فصائل وميليشيات عراقية مسلحة، تابعة لطهران، إلى جانب حضور القيادات المنتسبة لها، لم تكن لتحدث، لولا وجود ميراث قوى وقديم، اجتماعي وسياسي وثقافي، مما يجعل التخلص منه لاستعادة الاستقلال الوطني يحتاج إلى "كفاح دموي وصدامي".

الكاظمي في وضع حرج

وبحسب وكالة "رويترز" فقد "اشتبك المحتجون مع قوات الأمن، خارج مرقد الإمام الحسين أثناء إحياء ذكرى رفاقهم الذين قتلوا خلال شهور من الاحتجاجات المناوئة للحكومة، العام الماضي، والتي مات خلالها أكثر من 500 عراقي معظمهم برصاص قوات الأمن والجماعات المسلحة. بيد أنّ بعض المحتجين الذين نظموا مسيرة إلى المرقد غضبوا عندما لم يتم السماح لهم بالوصول إليه. وعندئذ ضربت قوات الأمن المحتجين بالهراوات، ما تسبب في مواجهات عنيفة".

اقرأ أيضاً: لماذا ترتفع حالات الانتحار بين الشباب العراقي؟

وأوضحت مقاطع فيديو، سجلها عدد من الناشطين، في كربلاء، خلال الأسبوع الماضي، وجود حشود هائلة من العناصر الأمنية، اعتدت بالضرب على متظاهرين كانوا يرفعون صور ضحايا حراك تشرين، وذلك بالقرب من مرقد الحسين؛ إذ كشفت المقاطع المصورة استخدام الهراوات، من قبل عناصر تبدو تابعة لميلشيات "الحشد الشعبي"، بحسب مراسل موقع "الحرة" في العراق.

الكاتب طارق حجي لـ"حفريات": على الدولة أن تمكن المجتمع العراقي، بجميع طوائفه وقومياته، من الخروج من أتون عقدين من التخريب والتدمير والانتحار المجتمعي، ومواجهة إيران

ومن جانبه، طالب رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، بضرورة الدفاع عن استقلال العراق، ومنع تدخل أي طرف خارجي في شؤونه، بينما نبه إلى حساسية المرحلة التي تحتاج إلى "توحد الجميع للوصول إلى انتخابات مبكرة حرة ونزيهة على أساس قانون عادل". كما لفت إلى أنّ الحكومة "ورثت أزمات على مستوى البنية الاقتصادية، ومن ذلك تحويل العراق إلى رهينة لأسعار النفط"، مضيفاً أنّ "التحدي الذي فرضه وباء كورونا، شكل صدمة للانتباه لضرورة تحصين مجتمعنا أمام أزمات مستجدة".

وتعليقاً على الاشتباكات التي جرت، شدد الكاظمي، في بيان رسمي، على ضرورة "الاستمرار في الالتزام بالسلمية في التعبير عن الرأي". كما قال: "نؤكد على الوفاء لشعبنا ولخريطة الطريق التي فرضتها دماء شبابه الطليعي وتضحياتهم".

وفي تقديره، يرى الكاتب والمفكر المصري، طارق حجي، أنّ العناصر الميليشياوية التي تفرض سيطرتها وهيمنتها، السياسية والأمنية والأيدولوجية، على العراق، بينما تقوم بجرائم الخطف والقتل والاعتداء ضد أبنائه، "سيرورة حتمية لما مر به العراق، منذ عقود، من الفوضى والتشرذم والدم والإرهاب، ما أدى لإضعاف وتفكيك الدولة، وهدم مؤسساتها الوطنية"، مضيفاً لـ"حفريات": لابد أن تكون الملاحقة السياسية والأمنية للوضع المعقد في العراق، بعيدة تماماً عن البعدين الديني والطائفي. وحتى لو كانت أغلب الجرائم تقترف من طرف ميليشيات، ذات لون طائفي؛ فمن الضروري ألا تبدو تلك الملاحقة وكأنّها ضد طائفة معينة".

اقرأ أيضاً: كيف استقبل العراقيون لقاء مبعوثة أممية مع قائد في الحشد الشعبي؟

وطالب الدولة العراقية "أن تمكن المجتمع العراقي، بجميع طوائفه وقومياته، من الخروج من أتون عقدين من التخريب والتدمير والانتحار المجتمعي. ولهذه المهمة عدة جوانب؛ تبدأ بتوفر الإرادة السياسية لتنفيذ هذه المهمة، ثم وجود دعم للمجتمع العراقي، سياسياً واقتصادياً وإقليمياً، وذلك لمواجهة الموقف الإيراني الذي سيكون له أكثر من رد فعل على محاولات حلحلته أو هزيمته".

ويميل حجي للاعتقاد أنّ هناك اليوم "إرادة سياسية لإنجاز هذه المهمة، وهو أمر لم يكن متوفراً من قبل، وأميل أيضاً لإمكانية أن يؤيد الرأي العام هذه الخطوة، فإنّ أيّ تفاؤل بقبول إيران لذلك سيكون وهماً صرفاً، وهو ما سيوجد تحدياً كبيراً جداً للحكومة العراقية، لاسيما فى ظل وجود ظاهرة مؤسفة هى ولاء بعض السياسيين العراقيين للولي الفقيه، المتربع على قمة السلطة السياسية فى إيران".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية