تونس: قضية فلسطين بين التجارة والنفاق السياسي

تونس: قضية فلسطين بين التجارة والنفاق السياسي


29/05/2021

تعيش تونس، الرسميّة والشعبيّة، حراكاً متواصلاً لدعم القضيّة الفلسطينيّة ووقف العدوان الإسرائيليّ المتواصل على مدينة غزّة، وسط تساؤلات كثيرة يطرحها الشارع التونسيّ والقوى السياسيّة والديمقراطيّة، حول عدم مصادقة البرلمان التونسيّ على خطوة تجريم التّطبيع مع الكيان الصّهيوني، خاصّة من قبل كتل سياسيّة تقدّم نفسها على أنّها داعمة للقضيّة الفلسطينيّة، على غرار حركة النّهضة الإسلاميّة، رغم الموقف المعلن لعديد الأحزاب التقدميّة، وللرئيس قيس سعيّد، الذي يعدّ التطبيع خيانة عظمى.

وبسبب خشية ساسة تونس، وعلى رأسهم حركة النهضة الإسلامية، من غضب المؤسسات الدولية والدول العظمى، فهم لا ينخرطون في قوانين تجرم التطبيع بشكل واضح وصريح؛ لذلك ظلّ مشروع القانون نقطة ضغط فقط من أجل المزايدات وتسجيل النقاط بين الأحزاب التونسية، رغم الرفض الشعبيّ الذي يعدّ عدم التصويت على مشروع القانون لحظة فرز لمن يساومون على القضية الفلسطينية واعتادوا رفع الشعارات في المناسبات.

إقرأ أيضاً: باحث فلسطيني يناقش مستقبل القضية بعد حرب غزة الرابعة.. ماذا قال؟

وسط كلّ هذا الجدل السياسيّ ما يزال مشروع قانون تجريم التطبيع معلقاً إلى أجل غير مسمى في تونس، مع اتساع رقعة المطبعين بين الأنظمة العربية، بإعلان الولايات المتحدة الأمريكية أخيراً عن تطبيع المغرب مع إسرائيل، بعد فترة وجيزة من انخراط السودان في هذه العملية السياسية.

زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب

 غياب الإرادة السياسية

ويتفق أغلب الفاعلين في البلاد على أنّ لا شيء يبرر عدم إقرار قانون تجريم التطبيع غير غياب الإرادة السياسية، لا سيما في ظلّ الرفض الشعبي الواسع للاعتراف بالكيان المحتل، سوى تخاذل الأطراف السياسية التي تتمتع بالغالبية البرلمانية والتي تحاول اعتماد سياسة الهروب إلى الأمام، وتتجنّب غضب الردّ الدولي، الذي يشحن قوته وعتاده لإقناع باقي الدول العربية بالتطبيع.

بسبب خشية ساسة تونس، وعلى رأسهم "النهضة"، من غضب المؤسسات الدولية والدول العظمى، فهم لا ينخرطون في قوانين تجرم التطبيع بشكل واضح وصريح

 

مشروع القانون تقدمت به الجبهة الشعبية اليسارية مرة، عام 2015، لكنّه لم يدرج على جدول أعمال لجنة التشريع العام، وبقي مطموراً مثل مشروع القانون الذي تقدمت به حركة وفاء للمجلس التأسيسي، عام 2012، زمن حكم الترويكا، ويتضمّن مشروع قانون الجبهة الشعبية ستة فصول تجرم جميع المعاملات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، ويعاقب المطبعون بالسجن من سنتين لخمس سنوات وغرامة من عشرة آلاف دينار إلى مئة ألف دينار (من أربعة آلاف إلى أربعين ألف دولار).

ولم تسجل "لجنة القدس وفلسطين"، التي تم إحداثها من قبل البرلمان، في 16 أيار (مايو) 2018، والتي جاءت لإدانة ومتابعة الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد اعتداءات قوات الاحتلال الغاصب، أي معلومات ثابتة، أو أنشطة لهذه اللجنة، إلى حدّ كتابة هذه الأسطر.

دعم شعبي كبير من تونس للقضية الفلسطينية

كما تدعو عديد المنظمات والأحزاب السياسية، على غرار "التيار الديمقراطي" وحركة "أمل وعمل"، لتسريع النظر في مشروع تجريم التطبيع، وإحالته إلى البرلمان للتصويت عليه، في ظلّ سباق عربي نحو إسرائيل، ويقول  أمين عام حركة الشعب، زهير المغزاوي، في تصريح لـ "حفريات"؛ إنّ نواب الحركة متمسكون بضرورة سنّ قانون يجرّم التطبيع بشكل مستعجل، داعياً الكتل البرلمانية لتصعيد مواقفها الرافضة للتطبيع على أرض الواقع، وأوضح أنّ المسؤولية باتت ملقاة على عاتق البرلمان والكتل في سنّ القانون المطلوب.

إقرأ أيضاً: الاحتلال الإسرائيلي يمطر غزة بالغارات ويستعد لعملية واسعة في القطاع

ووصف أمين عام حركة الشعب، المعركة التي خاضتها القوى الوطنية والمقاومة منذ ثورة العام 2011، خلال فترة تأسيس الدستور حول انتزاع فصل يجرّم التطبيع مع الكيان بالشرسة، موضحاً أنّ عديد ألوان الطيف السياسي حاولت الضغط في الشارع، بكلّ الوسائل المتاحة، لسنّ فصل في الدستور يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني، لكن جرى إسقاطه من قبل الأغلبية البرلمانية انسجاماً مع أوامر اللوبي الصهيوني وبعض القوى الاستعمارية، وبالتالي حرمت حركة النهضة تونس من شرف سنّ هذا القانون.

تونسيون يطالبون البرلمان بتجريم التطبيع

وكان حمة الهمامي، الناطق باسم حزب العمال اليساري، قد أكد في تصريح اعلامي أمام قبة البرلمان، على ضرورة نصرة القضية الفلسطينية، معتبراً أنّ رفض التطبيع من أيّة جهة سياسية كانت هو خيانة وتواطؤ لا يخدم القضية الفلسطينية، واتهم الأطراف التي تعارض قانون التطبيع بخذلان الشعب  التونسي، الذي علّق آمالاً واسعة بعد ثورة 2011، على النخبة التي صعدت إلى الحكم من أجل مساندة أم القضايا.

البعيدة القريبة

فلسطين، البعيدة جغرافياً والقريبة شعبياً من تونس، التي ظلّ موقفها ثابتاً بدعم الشعب الفلسطيني، خصوصاً بعد تأكيد رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، في أول تعليق عقب تطبيع المغرب العلاقات مع إسرائيل، أنّ البلاد غير معنية بالتطبيع مع إسرائيل، وأنّ موقفها لا تؤثر فيه التغيرات الدولية، حيث توالت التصريحات المنددة بالغارات الإسرائيلية على غزة، فيما شجب وزير الخارجية التونسي الانتهاكات الصارخة بحق الفلسطينيين، ودعا مجلس الأمن إلى اتخاذ اجراءات صارمة ضدّ الكيان الصهيوني، غير أنّ الموقف التونسي ظلت تضعفه مواقف الأحزاب السياسية داخل قبة البرلمان، فضلاً عن زيارة بعض المثقفين لإسرائيل  وسط سجال واسع بين أدباء ومفكرين حول إشكالية التطبيع الثقافي؟

أحمد الكحلاوي رئيس هيئة مناهضة التعذيب

وفي هذا الخصوص أصدرت رابطة الكتاب التونسيين الأحرار (غير حكومية) بياناً عبّرت فيه عن صدمتها مما "أقدم عليه مدير مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة التونسية من تبجّح وتفاخر بمقالة بائسة نشرتها عنه صحيفة صهيونية رسمية، تعدّ من الأذرع الإعلامية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، واحتفت في أكثر من مناسبة بالتوسع الاستيطاني للاحتلال وانتصاراته الدموية المخزية على شعب أعزل".

الناشط السياسي زهير المغزاوي لـ"حفريات": قانون تجريم التطبيع جرى إسقاطه من قبل الأغلبية البرلمانية انسجاماً مع أوامر اللوبي الصهيوني وبعض القوى الاستعمارية

ويقول رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة ومناهضة التطبيع والصهيونية أحمد الكحلاوي، في تصريح لـ "حفريات"؛ إنّ عدم التزام بعض الأطراف بانتمائها القومي والإنساني، حال دون تمرير قانون تجريم التطبيع، وهو ما يؤكد أزمة ازدواجية الخطاب السياسي لهذه الأحزاب، وعلى رأس القائمة حركة النهضة، مضيفاً أنّ هرولة بعض العرب نحو تبييض التعامل مع إسرائيل تحت أغطية مختلفة، بمثابة طعنة سكين تُغرس في ظهر القضية الفلسطينية.

إقرأ أيضاً: هل تتدحرج موجة التصعيد إلى حرب إسرائيلية رابعة على غزة؟

وأشار رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة ومناهضة التطبيع والصهيونية، أنّ المجلس التأسيسي (البرلمان سابقاً) زمن حكومة الترويكا  وافق على طلب تقدمت به جمعيته وجمعيات أخرى لتضمين الدستور بنص قانوني يجرم التطبيع مع إسرائيل، "لكننا فوجئنا بإلغاء الفصل المذكور وجميع ما يشير إلى التطبيع من النسخة الجديدة من الدستور، وتم استبداله بجملة بسيطة في التوطئة تؤكد مساندة حركات التحرر في العالم، من بينها حركة تحرير فلسطين".

انتقادات تخفي خلافاً دبلوماسياً

ويواجه الموقف الدبلوماسي التونسي انتقادات حادة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، خاصة عقب إقالة السلطات التونسية قيس قبطني، سفير تونس في الأمم المتّحدة، بعد أن شغل هذا المنصب لمدة خمسة أشهر فقط.

 

ويعدّ هذا الإعفاء الثاني في غضون سبعة أشهر، حيث سبق أن أعفت تونس، في كانون الثاني (يناير)، سفيرها في الأمم المتحدة، المنصف البعتي، من مهامه، بعد خمسة أشهر أيضاً من تسلّمه رئاسة البعثة الدبلوماسية في نيويورك، وكان السبب وراء إقالة البعتي اتّهام الرئاسة التونسية له بأنّه دعم ضمن أحد الملفات الفلسطينيين على حساب علاقة بلده بالولايات المتّحدة، وخلافات بينه وبين رئيس الجمهورية في تقدير الموقف من "صفقة القرن".

وعلّق الكحلاوي بأنّ الإعفاءات الأخيرة هي خطأ دبلوماسي فادح، تتطلب مراجعات للسياسة الديبلوماسية ومزيداً من التريث في خصوص مواقف تونس في المحافل الدولية، معتبراً أنّ الموقف التونسي لا بدّ أن يكون مناصراً للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية عادلة، مهما كان حجم الضغوط التي تمارسها الأطراف الخارجية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية