تونس.. هل تحوّل الخلافات الداخلية "إخوة" حركة النّهضة إلى خصوم؟

تونس

تونس.. هل تحوّل الخلافات الداخلية "إخوة" حركة النّهضة إلى خصوم؟


15/08/2019

حالةٌ من التخبّط والارتباك، تعيش على وقعها حركة النهضة الإسلاميّة، والشريكة الأولى في حكم تونس، بعد أن خرجت خلافاتها الداخليّة للعلن، ووجّهت لها قياداتها التاريخية سهام الانتقادات، وذهبت أخرى إلى توجيه جملة من الاتّهامات إلى زعيمها راشد الغنّوشي، من بينها الانفراد بالقرار، فضلاً عن التلاعب، وعدم احترام إرادة الناخبين من قواعد الحركة.

الخلافات جاءت بعد سنوات من الانضباط السياسي الذي تميّزت به الحركة منذ عودة نشاطها السياسي

خلافاتٌ جاءت بعد سنوات من الانضباط السياسي، الذي تميّزت به الحركة منذ عودة نشاطها السياسي، بعد ثورة كانون الثاني (يناير) 2011؛ حيث كشفت حجم الانقسام والتصدّع الذي تعيشه، وعكست تزييفاً واضحاً لخيارات القواعد الديمقراطية، قبل أقلّ من شهرين على موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وهذه المرّة الأولى التي تخرج فيها خلافات النّهضة الإسلامية، إلى العلن؛ حيث استطاعت في كل المحطّات السياسية السابقة، إخفاء الانتقادات، وتجاوز أزماتها الداخلية، وأرجع محلّلون للشأن التونسي ذلك، إلى ارتفاع سقف طموحات الغنّوشي، وإصراره على فرض توجهاته، وقراراته، على حساب اختيارات القواعد والقيادات، وهو ما قد يؤدي إلى هزيمة مدويّة للحركة في الاستحقاقين الانتخابيين المقرر إجراؤهما في أيلول (سبتمبر)، وتشرين الأوّل (أكتوبر) المقبلين.

 

نيران صديقةٌ
هذا واتّهم القيادي في الحركة عبداللطيف المكي، زعيم النهضة، راشد الغنوشي، بضرب المسألتين الديمقراطية والأخلاقية في الحركة؛ "لأنّه خرج عن تقاليدها"، لافتاً في حديث له لإذاعة ديوان FM بداية الشهر الجاري، إلى أنّ "النهضة ستضع تصرفات راشد الغنوشي بين قوسين".

اقرأ أيضاً: سطوة الغنوشي تُفاقم الخلافات داخل حركة النهضة
كما تعالت الأصوات الرافضة لترشيح نائب الغنوشي عبد الفتاح مورو للرئاسية، من داخل النهضة، ويأتي المستشار السياسي للغنوشي المستقيل لطفي زيتون على رأس الرافضين لهذا القرار، بعد أن وصفه بـ"الاختيار الخاطئ".
وكتب زير الخارجية التونسي السابق والقيادي في حركة النهضة، رفيق عبد السلام، تغريدةً على صفحته الرسمية بموقع تويتر: ''رغم احترامي وتقديري للشيخ عبد الفتاح مورو فإنّ اختيار مرشّحٍ من داخل النهضة خيارٌ خاطئٌ، ولا يستجيب لمقتضيات المرحلة، الوحدة على الخطـأ هي وحدة مغشوشة ومزيفة''.

الحبيب خذر: وجود الخلافات كان طبيعياً نظراً للتنافس بين كلّ القيادات لتمثيل الحركة بالقوائم الانتخابية

وقال زيتون، في تصريحٍ صحفي سابق، إنّ ما شهدته تونس يوم "الخميس الأسود" (يوم بثّ إشاعة وفاة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي)، هي أبرز الأسباب التّي دفعته لتقديم استقالته كمستشار لرئيس حركة النّهضة راشد الغنوشي، وحمّل النّهضة مسؤولية عدم التمكّن من إرساء محكمة دستورية، خاصّةً أمام عجز نوّاب البرلمان على إرسائها، وتحديداً لأنّ النّهضة تتمتّع بنصيب الأسد من عدد النوّاب في البرلمان.
وحول هذه الخلافات، قال النائب عن "النهضة" الحبيب خذر، إنّ الحركة دأبت على تباين وجهات النّظر في كلّ المواضيع، وإنّه في كلّ مرّةٍ يقع الاحتكام إلى القوانين الداخلية، لافتاً إلى أنّ ما حدث مؤخّراً مرتبطٌ بأهميّة المرحلة التي تمرّ بها كلّ الأحزاب، مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.
وفسّر هذه الخلافات، في تصريحه لـ"حفريات"، بوجود "نوعٍ من التنافس بين كلّ القيادات، من أجل تمثيل الحركة في القائمات الانتخابية، وأنّ كلّاً يرى نفسه جديراً بذلك،  غير أنّه تمّ تجاوز هذه الخلافات، وانكبّ الجميع على إنجاح الحركة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية".
عبد الفتاح مورو

شورى النّهضة بين سلطة الأمير وواجب الطاعة
وكان المكي قد غادر مجلس شورى الحركة المخصّص لاختيار مرشحٍ للانتخابات الرئاسية من داخل الحركة، أو مرشحٍ من خارجها تمنحه دعمها، برفقة رئيس كتلة الحركة نور الدين البحيري، على خلفية خلافاتٍ حادّةٍ، فيما بينهم، وفق ما نقلته وسائل إعلامٍ محليّة.

اقرأ أيضاً: وفاة السبسي تخلط أوراق النهضة قبل الانتخابات
كما انتقد أعضاء في النهضة ما اعتبروه، إزاحة جميع نساء الحركة، وتغييرهنّ بنساءٍ من خارجها، مع إطلاق صفة المستقلات عنهنّ، وحاولت من خلالهنّ الحركة، تغيير صورتها لدى الرأي العام التونسي، خاصّةً أنّ أغلب المترشّحات عنها غير محجّبات برغم مرجعية الحركة الإسلامية.

انتقد أعضاء في النهضة ما اعتبروه إزاحة جميع نساء الحركة وتغييرهنّ بأخريات من خارجها

وتداولت تقارير صحفية مؤخراً، معطياتٍ حول ارتباك النّهضة، التّي باتت تعيش حالةً من الصراع الداخلي بين قياداتها، بدأت منذ عمد الغنّوشي إلى تغيير أسماء المترشحين في القائمات الانتخابية، للاستحقاق التشريعي، بشكلٍ فردي، ودون الرجوع إلى هياكل الحركة، أو التشاور معهم، فيما فاقم اختيار نائبه عبد الفتاح مورو مرشّحاً للانتخابات الرئاسية، الخلافات، التي تحوّلت إلى تبادلٍ للاتّهامات لقيادة الحركة، بالاستئثار بالقرار.
تعليقاً على ذلك، قال الأستاذ في العلوم السياسية، الصادق مطيمط، أنّ حركات الإسلام السياسي تقوم في مجملها على مبدأين أساسيين، "يتمثّل الأوّل في واجب الطاعة، ويعني ذلك أنّه على كل من ينضم للتنظيم ملزمٌ بطاعة الأمير أو السلطة العليا؛ أي إنّه على قواعد حركة النهضة وقواعدها أن تنصاع لأوامر زعيمهم راشد الغنوشي".

اقرأ أيضاً: انشقاق جديد بالإخوان.. استقالة قيادي من "النهضة" بتونس
وأضاف، في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ المبدأ الثاني يتمثل في الشورى، "وهي قاعدة للتشاور والاستنارة لا غير؛ لأنّ الأمير يستطيع أن يقرّر ما يشاء ومتى شاء، وعلى أتباعه أن يطيعوا ذلك عملاً بمبدأ الطاعة".
وأشار مطيمط إلى أنّ الاستثناء بالنسبة لحركة النّهضة التونسية، أنّها الوحيدة حتّى الآن التي قبلت بمبدأ الديمقراطية، لافتاً إلى أنّ هذا المتغيّر أربك عملها، وتنظيمها؛ "لأنّها انقسمت إلى مجموعتين؛ واحدة مؤمنة بالديمقراطية، وهي التي تعارض، وتنتقد وتناقش، فيما تلتزم مجموعةٌ أخرى بواجب الطاعة".
وشدّد مطيمط على أنّ حركة النّهضة استطاعت التحكّم في الأزمة، وهو ما أنقذها حتّى الآن من الانشقاق، والانقسام، على غرار باقي الأحزاب في تونس.

قياديون في الحركة اتهموا الغنوشي بالسيطرة على القرار الحزبي

تشكيك في قرارات الغنّوشي

يذكر أنّ قياديين بحركة النهضة وجّهوا رسائل مهمّة للغنّوشي، تشترك أغلبها، باتهامه بالسيطرة على القرار الحزبي، وكانت أهمّها رسالةُ المكي التي حملت عنوان "اتقِ الله في حركة النهضة"، وانتقده فيها باختيار مرشّحين بطريقةٍ غير ديمقراطية، وعدم احترامه للقوائم التي اختارها كبار الناخبين في الحزب، للترشح للانتخابات البرلمانية، خلال اجتماعات ماراثونية.

اقرأ أيضاً: قرار للغنوشي يشعل الخلافات في حركة النهضة
هذه الممارسات التي خرجت للعلن، وشكّلت صدمةً لدى الرأي العام التونسي، باعتبار ما يميّز الحركة من انضباطٍ سياسي، ثارت على إثرها عدّة قيادات تاريخيّة، فيما انسحب بعضٌ آخرٌ من السباق الانتخابي كحركة احتجاجية عمّا يحدث، وانسلخ آخرون نهائياً من الحركة. 

خالد عبيد: ما يحدث داخل النّهضة يدل على أنّ سطوة الغنّوشي بدأت تتراجع وقد تقود لاستبعاده

ويرى المؤرّخ الجامعي المختص في التاريخ السياسي المعاصر، خالد عبيد، في تصريحه لـ "حفريات"، أنّ ما يحدث الآن داخل حركة النّهضة، يبيّن أنّ ما شاع سابقاً حول وجود خلافات داخل هياكلها، كان صحيحاً، برغم تكذيب الحركة لذلك، وشدّد على أنّ مستجدّات الأحداث السياسية تؤكّد أنّ الخلافات داخل النهضة أصبحت واقعاً، وحقيقةً، خرجت للعلن.
وأضاف عبيد أنّ ذلك "دليلٌ على أنّ سطوة الغنّوشي على الحركة بدأت تتراجع، وقد تكون نتائجها استبعاده من قيادة الحركة، إن لم يتجاوب مع مطالب قياداتها التاريخية، خاصّةً أنّه لا يحقّ له تجديد ترشّحه لرئاسة الحركة خلال المؤتمر القادم المقرر إجراؤه في 2020"، ذاهباً إلى أنّ "الخلافات الحاصلة داخل هياكل النّهضة، تؤكّد أيضاً أنّها لم تعد كما كانت، منظّمةً تقوم على التبعية والولاء، وأنّ التشكيك في قرارات الغنّوشي ومناقشتها، ومعارضتها، ينبئ بأنّ هناك شيئاً ما بصدد التخمّر، وسيتضّح لاحقاً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية