جهادي سابق لـ (حفريات): الإسلام السياسي سقط بسقوط الإخوان في مصر، لكن الجماعة تجيد لعب دور الضحية

جهادي سابق لـ (حفريات): الإسلام السياسي سقط بسقوط الإخوان في مصر، لكن الجماعة تجيد لعب دور الضحية

جهادي سابق لـ (حفريات): الإسلام السياسي سقط بسقوط الإخوان في مصر، لكن الجماعة تجيد لعب دور الضحية


25/04/2024


حوار: حسن خليل

 

بعد الزلزال الذي أحدثته الثورة الإيرانية، قرر إسماعيل حسني السفر إلى أفغانستان في العام 1979، وكان قبل ذلك قد تطوع في المقاومة الفلسطينية (منظمة فتح) في العام 1978. كان حسني مقرباً من معظم القيادات الأفغانية؛ خاصّة عبد الرسول سياف، وجلال الدين حقاني زعيم شبكة حقاني التي أدرجتها الولايات المتحدة على قوائم الإرهاب، ورصدت (30) مليون دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على زعمائها.

ويرى حسني، وهو الآن باحث مصري متخصص في الإسلام السياسي، أنّ محاولة تحويل الجهاد من عمل عسكري إلى عمل ثوري تقدمي منيت بالفشل الذريع؛ نظراً للرجعية الشديدة التي كانت تتميز بها الذهنية الأفغانية في المناطق التي سيطر عليها المجاهدون؛ نتيجة للسيطرة الكاملة لرجال الدين (المولوية) على تلك المناطق، ممّا دفعه إلى الانسحاب من المشروع الجهادي بعد (4) أعوام.

إسماعيل حسني صدر له كتاب بعنوان: "علمانية الإسلام والتطرف الديني"، ونشرت له عدة مقالات في العديد من الصحف والمجلات والمواقع العربية.

(حفريات) التقت حسني، وأجرت معه هذا الحوار.

 

  • خضت تجربة عميقة في أفغانستان، والتحقت بصفوف المجاهدين في ذروة المد الجهادي، فكيف ترى وتحلل الشخصية الجهادية؛ من حيث المكون العقائدى والنفسي؟

 

ـ الشخصية الجهادية شخصية منعزلة ومحبطة، تعاني من عدم القدرة على التكيف مع عالمها المعاصر؛ نتيجة للوعي الزائف الذي زرعته الإيديولوجيا الإسلامية في عقول الشباب، حول إمكانية استعادة الماضي الجميل بقضّه وقضيضه، فينعزل الجهادي عن عالمه، ويرتكس بوجدانه في عالم افتراضي ليس له وجود حقيقي. أمّا عقائدياً، فهو أقرب إلى الخوارج الذين تعاملوا مع الواقع بمقياس الأبيض والأسود، الذي ليس له وجود في الحقيقة، ويخالف طبيعة الإسلام السمحة التي تقبل التعدد والاختلاف، لهذا يميل الجهادي دائماً إلى تبنّي أكثر الأقوال تطرفاً؛ في محاولة لتبرير نظرته المتطرفة للعالم.

إسماعيل حسني صدر له كتاب بعنوان: "علمانية الإسلام والتطرف الديني"

 

  • ماذا عن الشخصية الجهادية؛ هل الجهادي شخص عنيف بطبعه؟ أم ثوري يؤمن بحتمية التغيير من منظور إيماني؟

 

ـ لا يمكن وصف الجهادي الإسلامي بالثوري؛ لمجرد أنّه يريد التغيير، فالثورة هي قفزة نحو المستقبل، بينما الجهادي يكنّ عداءً مطلقاً لأبجديات هذا المستقبل؛ برفضه القاطع لجميع قيم الحداثة؛ من حرية وتعددية وحقوق إنسان؛ فالتغيير الذي ينشده الجهادي هو تغيير ماضوي يعود بعقارب الساعة إلى الوراء، وهو ما لا يمكن أن يتم بالتطور الطبيعي للمجتمعات، بل لا بدّ من فرضه على الناس بالحديد والنار؛ لهذا فالعنف مكوّن أساسي في عقيدة الجهاديين.

 

  • على هامش المشهد الجهادي المفعم بالعنف، ربما كانت هناك مشاهد إنسانية؛ فما أبرز تلك اللحظات التي عاصرتها في أرض الأفغان؟

 

ـ المجتمع الأفغاني؛ خاصّة في المناطق الريفية التي كانت محل إقامتنا، مجتمع بسيط للغاية، ولم يكن الناس في العام 1979 قد اعتادوا بعد على مشاهدة العرب والتعامل معهم، فكانوا يستقبلوننا كأحفاد للرسول في لهفة وحفاوة كانت تؤثر فينا كثيراً. إلّا أنّ أكثر ما عانيت نفسياً من رؤيته أو معايشته؛ هو أسلوب الاغتيال المعنوي بالتكفير والتخوين والنبذ في التعامل مع المعارضة، أو مع أعضاء الفصائل المنافسة، والذي كان يصل بالطبع إلى حدّ التصفية الجسدية في أحيان كثيرة.

 

  • مِنَ الشخصية الجهادية، إلى الكاتب والمفكر الليبرالي؛ كيف جاء هذا التحول الفكري الحاد؟ وما أهمّ منطلقاته؟

 

ـ لا بدّ أن أعترف بأنّ درجة كبيرة من الاختلاف الفكري كانت موجود منذ البداية، بحكم تكويني الفكري كليبرالي، إلّا أنّني صدمت حين رأيت عقلية القرون الوسطى تسيطر على الموقف، وترفض الحوار، وتنبذ أيّ محاولة لإيجاد نقاط التقاء بين الماضي والحاضر، كما هالتني حالة الانسحاق التي يعيش فيها الشباب الجهاديون، حيث يتبارون في إلغاء شخصياتهم وتمايزاتهم الفكرية، والذوبان في آتون العقل الجمعي السائد، حتى كان خيرهم هو من يتبنّى أكثر المقولات تطرفاً وأبعدها عن العقل والإنسانية. حقيقة لم أجد في المناطق التي يسيطر عليها المجاهدون إنساناً يستطيع الحوار بحرية، ووفق القناعات الشخصية، حتى لا يواجه سيف التكفير والتخوين والنبذ.

 

  • حاكى تنظيم داعش الممارسات الإرهابية نفسها للقاعدة وطالبان، فهل داعش مجرد استنساخ للقاعدة أم أنّ هناك اختلافاً بين الفريقين؟

 

ـ تنظيم داعش هو تطور طبيعي للفكر السلفي الجهادي، ولا أرى أيّ اختلافات فكرية جوهرية بينه وبين القاعدة أو بقية الفصائل.

تنظيم داعش هو تطور طبيعي للفكر السلفي الجهادي

 

  • كيف يمكن أن يحدث التغير الفكري نحو إدارة التنوع، وكيف يأتي هذا التغيير من القواعد الجماهيرية المغيبة في طروحات إيمانية ماضوية؟

ـ لا يمكن أن يحدث التغيير المنشود، طالما استمر التحالف غير المقدّس بين بعض الأنظمة والمؤسسات الدينية الأصولية، وفصم عُرى هذا التحالف لم يتحقق عبر التاريخ بالتراضي وبالحسنى، والأمل في التغيير مرهون بقدرة فصائل التيار المدني على الاتفاق على أجندة للعمل المدني؛ تشمل الأهداف المرحلية والاستراتيجية، ووسائل العمل اللازمة لتحقيقها، وهذا بدوره يواجه تحديات قوية على رأسها المصالح الشخصية والانتهازية والاختراقات والمضايقات.

 

  • هل دفع تنظيم  داعش بمزيد من الحياة في جسد الإسلام السياسي بعد سقوط الإخوان في مصر؟ أم أنّ ظهور داعش عجّل بنهاية تيار الإسلام السياسي، وعلى رأسه الإخوان تاريخياً؟

 

ـ تيار الإسلام السياسي سقط بسقوط الإخوان المسلمين في مصر، ولكنّ الإيديولوجيات، وخاصة الإيديولوجية الدينية، لا تسقط بالضربة القاضية، فهي تجيد لعب دور الضحية أمام أتباعها، ولديها من المفردات ما يضاعف قدرتها على المناورة لفترة أطول من أيّ إيديولوجية أخرى، فالهزيمة ليست إفلاساً، وإنّما ابتلاء، وهي أيضاً دليل على المؤامرة الكونية ضد الإسلام... إلخ. لكنّ المشكلة الحقيقية هنا تكمن في يد العون التي عادة ما تقدّمها بعض الأنظمة الحاكمة لفصائل هذا التيار لتستعيد قوتها؛ حتى يمكن استخدامها في تغييب وترويض الجماهير.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية