حافظ نعيم الرحمن.. الرجل الثاني اللاهث خلف ظل أمير الإخوان في باكستان

حافظ نعيم الرحمن.. الرجل الثاني اللاهث خلف ظل أمير الإخوان في باكستان

حافظ نعيم الرحمن.. الرجل الثاني اللاهث خلف ظل أمير الإخوان في باكستان


20/12/2023

جرت عدة تغييرات جوهرية في بنية الجماعة الإسلامية الباكستانية منذ العام 2014، سواء على صعيد الهيكل السياسي، أو البنى التحتية الحاملة له، حيث أحدث أمير الجماعة سراج الحق ثورة على التنظيم من الداخل، عبر عدة إجراءات نجح بها في إحداث قطيعة مع ماضي التنظيم الراديكالي، الذي كان بمثابة ذراع دعوية، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتمارس الحسبة على الطلاب والنساء، بشكل أقرب إلى الوصاية الاجتماعية.

نجح الأمير الجديد في إعادة هيكلة الجماعة، واستعادة قواعد التنظيم الجماهيرية، التي غادرته وكونت تنظيمات وأحزاب إسلامية هامشية، من خلال كاريزما خطابية ذات غطاء ديني حداثي، كما قام بإدماج النساء على مستوى المكتب التنفيذي، ودفع الدائرة النسائية لتقوم بدور فاعل على مستوى الحشد والتمويل والتجنيد، ونادى بالتعليم الإلزامي للمرأة، ومنحها أدواراً فاعلة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي.

وهج لا ينقطع

يبدو وهج سراج الحق شديد الحضور على مستوى الطبقة العاملة، وبين أوساط المهمشين والجماعات المحلية على الأطراف الجيوسياسية، كما تظهر صلابته وقدرته على تحدي مؤسسات الدولة، ومناوشة المؤسسة العسكرية، التي تعرف بالدولة العميقة، وكذا القدرة على تحدي النخبة الحاكمة، والأحزاب العلمانية التي حكمت نحو (7) عقود من الزمان، ولا يعرف سراج الحق حدوداً لتطلعاته، ففي تحديه لعمران خان، واتهاماته لشهباز شريف، استخدم سراج الحق لغة شعبوية، ووصف خصومه بالمافيا، ونجح في توظيف الفقر وتناقضات النخبة، واحتياجات الملايين، بشكل براغماتي.

 أمير الجماعة سراج الحق

وكانت أحداث غزة الأخيرة فرصة ذهبية لسراج الحق، الذي لمع نجمه بشكل غير مسبوق، بعد زيارته المفاجئة للدوحة، ولقائه بإسماعيل هنية، قبل أن يظهر فجأة في طهران، وصولاً إلى تركيا، محطته الأخيرة في جولته شرق الأوسطية، بعد أن أحدث جلبة هائلة في باكستان، وقاد الآلاف من الغاضبين نحو السفارة الأمريكية، قبل أن تمنعه قوات الأمن، لكنّه واصل الحراك، بشكل يمكن القول معه إنّنا أمام رجل لا ينام.

 

في 2 كانون الأول الجاري خرجت مسيرة من مكتب نقابة المحامين في كراتشي، وقاد المسيرة حافظ نعيم الرحمن، إلى جوار رئيس نقابة المحامين في كراتشي أمير سليم

 

هذا التألق اللافت على الساحة السياسية في باكستان، ربما أضر بآخرين من قيادات الجماعة الإسلامية، ودفع بهم نحو الظل، فسراج الحق يصر على قيادة جميع الفعاليات، ويدعو إلى اعتصام تلو الآخر، وتكاد تلمحه في جميع الولايات، يهتف في تظاهرة عمالية، ويقود مسيرة العاطلين عن العمل، أو يلقي خطاباً أمام مؤتمر المرأة، وقد أصبحت الجماعة الإسلامية، بعد قرابة (10) أعوام من إمارته، هي جماعة سراج الحق.

الرجل الثاني والبحث عن دور

يعتبر حافظ نعيم الرحمن بمثابة الرجل الثاني في الجماعة الإسلامية الباكستانية، ويشغل منصب أمير الجماعة في كراتشي، مركز الثقل الإخواني في باكستان، وهو مثقف موسوعي، حصل على درجة الماجستير في الهندسة المدنية، ثم درس التاريخ الإسلامي، وحصل فيه أيضاً على درجة الماجستير من جامعة كراتشي.

انخرط حافظ نعيم الرحمن ضمن أنشطة الجماعة الإسلامية منذ دراسته الجامعية، وتدرج في المناصب داخل التنظيم، حتى أصبح الأمين المساعد، فالأمين العام، ثمّ نائب أمير كراتشي، قبل أن يصبح أمير الجماعة في أبرز دوائرها الانتخابية في العام 2013، وقبل عام واحد من ولاية سراج الحق.

 

كانت كل الأنظار تتجه نحو حافظ نعيم الرحمن، قبل أن يقتنص سراج الحق منصب الأمير، إثر منافسة مكتومة بين الطرفين، ومع الحراك الهائل الذي مارسه سراج الحق، حاول نعيم الرحمن مجاراة الأمير الجديد، فقام بتنظيم اعتصامات وتظاهرات حاشدة في كراتشي، حول مختلف القضايا العامة، بما في ذلك الكهرباء والمياه، ونظم اعتصاماً تاريخياً في السند، اعتراضاً على تخفيف أحمال الغاز والكهرباء، وأجبر حكومة الولاية على التراجع، كما قام بنشاط إغاثي هائل، إبّان الفيضانات التي ضربت البلاد في آب (أغسطس) 2022.

ورغم كل جهوده، ظل سراج الحق وحده في دائرة الضوء، يجتذب أجهزة الإعلام، وأحلام المهمشين، بوعوده المخملية وزخم خطابه الديني الحامل لجملة من التصورات المشهدية لدولة الرفاه الإسلامية. لكنّ محاولات رجل الظل لم تنقطع، وكاد يقتنص منصب عمدة كراتشي في الانتخابات البلدية الأخيرة التي حققت فيها الجماعة تقدماً مباغتاً، لكنّ ترتيبات الأحزاب الكبيرة قتلت حلمه في اللحظات الأخيرة.

على خُطا الأمير

مع الوقت، أصبح نعيم الرحمن وكأنّه يتبع خُطا سراج الحق دون أن يدري، ومع تفاقم الخلافات بين الرجلين، وفق تقارير محلية، انتهز أمير الجماعة في كراتشي أحداث المحرقة الصهيونية في قطاع غزة، ليعلن عن وجوده هو الآخر، ففي 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي شنّ نعيم الرحمن هجوماً حاداً على نواز شريف وحزب الرابطة الإسلامية، قائلاً: "اسألوا نواز شريف الذي يعتبر نفسه ملكاً، هل أدان إسرائيل وأمريكا؟" وتجلّت بوضوح مفردات الخطاب السياسي لسراج الحق في أحاديث حافظ نعيم الرحمن، وبات رجل الظل بمثابة صدى صوت للرجل الأول داخل الجماعة.

يعتبر حافظ نعيم الرحمن بمثابة الرجل الثاني في الجماعة الإسلامية الباكستانية

ومع الطفرة السياسية التي تحققت إثر زيارة سراج الحق للشرق الأوسط، والمسيرة التي شارك فيها لنصرة فلسطين في إسطنبول، شارك نعيم الرحمن في مسيرة في كراتشي تحت رعاية منظمات المجتمع المدني في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي للتعبير عن التضامن مع حماس وشعب فلسطين، وعلى الرغم من أنّ المسيرة تتبع منظمات المجتمع المدني في كراتشي، إلّا أنّ نعيم الرحمن أصرّ على الظهور بشكل مثير للدهشة، حيث تقدم الصفوف بصحبة نائبه قاضي صدر الدين، قبل أن تتفاجأ به الجموع يهتف بشعارات حماسية، أقرب إلى أجواء التظاهرات الطلابية، كما حرص على الظهور أمام وسائل الإعلام بمداخلات لمختلف الصحف والمواقع التي قامت بتغطية مسيرة التضامن مع فلسطين.

وفي 2 كانون الأول (ديسمبر) الجاري خرجت مسيرة من مكتب نقابة المحامين في كراتشي، وقاد المسيرة حافظ نعيم الرحمن، إلى جوار رئيس نقابة المحامين في كراتشي أمير سليم، وحمل الرجل الثاني في الجماعة الإسلامية لافتة كتب عليها "تحية لمجاهدي حماس، أنا أقف مع الأقصى، أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة، أين الأمم المتحدة؟". 

تصريحات نعيم الرحمن أغضبت أمير الجماعة، الذي وجد فيها تجاوزاً من الرجل الثاني، ممّا جعله يتجاهل دعوته إلى المشاركة في القوافل الانتخابية التي تجوب كل ولايات باكستان بشكل مستمر

وكعادته، حرص نعيم الرحمن على الخروج بتصريحات لوكالات الأنباء، في أعقاب المسيرة، قائلاً في خطاب شعبوي، حاكى به مفردات سراج الحق بصياغة مختلفة: "إسرائيل دولة غير شرعية، ولن يتم الاعتراف بها تحت أيّ ظرف من الظروف، وفلسطين دولة واحدة فقط".

وفي أعقاب إعلان لجنة الانتخابات عن الجدول الانتخابي، باغت نعيم الرحمن، سراج الحق، بتصريحات مفاجئة، حيث رحب بلسان الجماعة الإسلامية، في كلمة ألقاها خلال مؤتمر صحفي، بقرار اللجنة الانتخابية، وطالب بضمانات للتأكد من شفافية الانتخابات، وإشراف السلطة القضائية بالكامل على العملية الانتخابية، مؤكداً أنّ الجماعة الإسلامية ستشارك في كل الولايات بقوائم كاملة.

تصريحات نعيم الرحمن أغضبت أمير الجماعة، الذي وجد فيها تجاوزاً من الرجل الثاني، ممّا جعله يتجاهل دعوته إلى المشاركة في القوافل الانتخابية التي تجوب كل ولايات باكستان بشكل مستمر، وما زال الرجل الأول يحظى بالشعبية والأضواء، بينما بات نعيم الرحمن الرجل الثاني اللاهث خلف ظل الأمير.

مواضيع ذات صلة:

زلة لسان في باكستان تكشف خيانة الإخوان في بنغلاديش

بعد أن هددت بتدمير سلام العالم.. خطاب الجماعة الإسلامية يشعل العنف الطائفي في باكستان

قانون التجديف في باكستان: هل هو لترويع الأقليات الدينية؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية