حرب الخرطوم لم تبدأ في 15 نيسان.. وهذا دور الإخوان

حرب الخرطوم لم تبدأ في 15 نيسان.. وهذا دور الإخوان

حرب الخرطوم لم تبدأ في 15 نيسان.. وهذا دور الإخوان


05/07/2023


مُبكراً ومع الإطاحة بـ "رأس النظام السابق" عمر البشير، بتعبير الفريق أول عوض بن عوف، الذي حكم ليوم واحد 11 نيسان (أبريل) 2019 كرئيس للمجلس العسكري الانتقالي؛ قبل أن يلحق بسلفه، بدأ الإعداد لحرب الخرطوم الراهنة في حال لم ينجح العسكريون التابعون للنظام السابق في خداع الثوار على النسق الذي بدأه عوض بن عوف بمقولته المشهورة: "لقد اقتلعنا ذلك النظام"، فيما هو ركنه الركين، ووزير دفاعه وعضو لجنته الأمنية التي تمثل الحلقة الضيقة المقربة من البشير، والتي تضم صفوة الضباط الإخوان في الجيش.

 ذهب عوض بن عوف، ولم تنطلِ الخدعة على الثوار، فدفعت المؤسسة العسكرية (الجيش) بضابط إسلامي مقرب من البشير، عينه مفتشاً عاماً للجيش السوداني، لكن لم يكن عبد الفتّاح البرهان معروفاً بين السياسيين والثوار، إذ أنفق جلّ خدمته العسكرية في إدارة  الحرب التي كانت تدور في إقليم دافور منذ عام 2003، وقد قدمته القوى السياسية، وعلى رأسها حزب المؤتمر السوداني بوساطة رئيسه السابق إبراهيم الشيخ، للمعتصمين أمام مقر القيادة العامة للجيش على أنّه ضابط مهني منحاز للثورة.

ظلّ النظام السابق موجوداً ضمن السلطة الانتقالية ممثلاً في المكوّن العسكري بمجلس السيادة، والذي حاول مراراً الإطاحة بالفترة الانتقالية وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وقد دفع الشعب السوداني في سبيل ذلك فاتورة دموية باهظة الكلفة

 

اختار البرهان قائد قوات الدعم محمد حمدان دقلو المعروف بـ (حميدتي) نائباً له، وجاء به إلى الواجهة، وكوّنا مجلساً عسكرياً انتقالياً ضم عتاة الضباط الإسلاميين، ومنهم الفريق طيار صلاح الدين عبد الخالق الذي شارك مع البرهان وحميدتي بشكل مباشر في الحروب العنصرية التي شنها نظام البشير ضد المواطنين المنحدرين من أصول غير عربية في إقليم دافور (غرب)، وأودت بحياة ما يقدر بنصف مليون في دارفور (غرب) وجبال النوبة (جنوب) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، فاكتملت الخديعة الكبرى.

ثمن فادح

ظلّ النظام السابق موجوداً ضمن السلطة الانتقالية ممثلاً في المكوّن العسكري بمجلس السيادة، والذي حاول مراراً الإطاحة بالفترة الانتقالية وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وقد دفع الشعب السوداني في سبيل ذلك فاتورة دموية باهظة الكلفة؛ تمثلت في ما عرفت بمجزرة فض اعتصام القيادة العامّة 3 حزيران (يونيو) 2019، والذي صادف يوم 29 من شهر رمضان المبارك، حين دهمت القوات المسلحة بدعم مقدّر من قوات الدعم السريع ساحة الاعتصام مدججة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة والغاز المسيّل للدموع، ممّا تسبّبَ في مقتل أكثر من (100) متظاهر وإصابة المئات، بحسب تقارير متطابقة، وتم إغراق نحو (40) جثة في النيل، في محاولة لإخفاء الجريمة؛ حينها أعلن رئيس  المجلس العسكري الانتقالي في بيان بثه التلفزيون الحكومي وقف المفاوضات التي كان يديرها مع التيار المدني المتحالف ضمن قوى إعلان الحرية والتغيير، وإلغاء ما اتُّفِق عليه سابقاً، وإجراء انتخابات في غضون (9) أشهر، وكانت هذه أولى المحاولات الانقلابية لإعادة النظام السابق، لكن تم إفشالها حين خرج الملايين من السودانيين في جميع المدن والقرى إلى الشوارع والساحات، وأعلنوا اضراباً عاماً، فاضطرّ المجلس العسكري الانتقالي ومن خلفه فلول النظام السابق للعودة إلى المسار المدني الديمقراطي، ومن ثم التوقيع على الوثيقة الدستورية وإعلان حكومة انتقالية مدنية ومجلس سيادي يضم عسكريين ومدنيين.  

دور الإخوان

ومع إعلان عبد الله حمدوك أول حكومة مدنية انتقالية في أيلول (سبتمبر) 2019، عاد المكوّن العسكري الذي يمثله جنرالات مقرّبون من نظام البشير، ويرأسه عبد الفتاح البرهان الذي كان رئيساً لحزب المؤتمر الوطني (إخوان) في محلية نيرتِتّي بدارفور (غرب)، وفقاً لوزير الدولة بوزارة الإعلام السابق، والقيادي الإخواني البارز أمين حسن عمر في تصريحات صحفية سابقة، عاد إلى التخطيط لتقويض الانتقال المدني الديمقراطي، من خلال اتفاقية جوبا للسلام، حيث أعطت الحركات المسلحة الموقعة عليها حق المشاركة في الحكومة الانتقالية من خلال حصص مُحددة ووزراء سياسيين، فاضطر رئيس الوزراء إلى تشكيل حكومة جديدة مكونة من سياسيين عوضاً عن حكومة التكنوقراط الأولى، وتحولت العاصمة الخرطوم إلى ثكنة عسكرية كبيرة بوجود جيوش الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام تشرين الأول (أكتوبر) 2020، بجانب الجيش النظامي وقوات الدعم السريع.

انقلاب تشرين الأول 2021، هو التاريخ الحقيقي لاندلاع الحرب، وإن أجل الطرفان عملية الضغط على الزناد وإطلاق الرصاصة الأولى إلى 15 نيسان، ليبتدرا حرباً عبثية قد تفضي إلى تفتيت ما تبقى من السودان إلى (4) دول أو أكثر

 

حينها وجدت الأحزاب السياسية المدنية نفسها في مأزق سياسي وأخلاقي كبير، فإمّا أن تمضي قُدماً في المشاركة بالحكومة الجديدة؛ وهي تعلم أنّ المسلحين لن يتركوا الأمور تمضي إلى خواتيمها إلى أن يُطاح بهم عبر صناديق الانتخابات، وإمّا أن تنسحب إلى الشارع من أجل مقارعتهم؛ فتتسبب في سفك المزيد من الدماء، فقررت الاستمرار، لكنّ تحالف قادة الجيش والدعم السريع والحركات المسلحة وفلول الإخوان قرروا الانقلاب على الوضع القائم عندما اقترب موعد تسلّم المكوّن المدني رئاسة مجلس السيادة من المكوّن العسكري، ممّا يعني عودة الجيش والدعم السريع إلى ثكناتهما، وضرورة تحول الحركات المسلحة إلى أحزب سياسية ودمج قواتها في الجيش من خلال ما يعرف بعملية الدمج والتسريح، فكان انقلاب تشرين الأول (أكتوبر) 2021، الذي قام به الجيش بدعم سياسي من الحركات المسلحة وجماعة الإخوان، وشاركت فيه قوات الدعم السريع على مضض؛ حيث لم يكن يروق لقائدها عودة الإخوان إلى السلطة من خلال مشاركتهم في الانقلاب.

تفتيت السودان

كان هذا الانقلاب القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد فشل في تكوين حكومة حتى بعد إعادة فلول النظام السابق إلى الواجهة في الخدمة المدنية والعسكرية، فبدأ قائد الدعم السريع في تقديم نقد ذاتي واعترافات متكررة بفشل ما سمّاه بتصحيح المسار، قبل أن يعتذر للشعب السوداني لاحقاً عن الخطوة؛ الأمر الذي أثار غضب رفاقه في المكون العسكري، وكذلك فلول الإخوان وقادة الحركات المسلحة، فشرعوا في التمهيد لوضعه أمام (3) خيارات؛ تسليم قواته للجيش، أو العودة إلى (بيت الطاعة)، أو الحرب، فاكتملت بذلك الظروف الموضوعية لإشعال الحرب التي كانت تتشكل منذ سقوط البشير؛ إلى أن تبلورت بانقلاب تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وهو التاريخ الحقيقي لاندلاعها، وإن أجل الطرفان عملية الضغط على الزناد وإطلاق الرصاصة الأولى إلى 15 نيسان (أبريل)، ليبتدرا حرباً عبثية قد تفضي إلى تفتيت ما تبقى من السودان إلى (4) دول أو أكثر في غالب الأمر، وفقاً لمراقبين ومحللين.

مواضيع ذات صلة:

المواجهة المسلحة في السودان: الفضاء السيبراني ميدان لحرب أخرى

موقع الإخوان المسلمين في خارطة النزاع بين الفرقاء السودانيين

الإخوان يشعلون الحرب في السودان... ما أهدافهم؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية