حرق القرآن.. أدوات تصعيد عراقية!

حرق القرآن.. أدوات تصعيد عراقية!

حرق القرآن.. أدوات تصعيد عراقية!


24/08/2023

محمد حسن الساعدي

ما أن يذهب الوضع السياسي والأمني في العراق نحو الاستقرار والهدوء حتى تظهر مرة أخرى شرارة التصعيد، بألوان مختلفة وأدوات ومفاعيل مختلفة، تظهر بصورة سريعة ومفاجئة، لتعبّر عن غاياتها وأهدافها في ضرب هذا الاستقرار. وعلى الرغم من كل الجهود التي تقوم بها حكومة محمد شياع السوداني، لإثبات قدرتها على النجاح، وعبور المرحلة وسط التصعيد السياسي، إلا أن هناك من يسعى إلى قلب الطاولة وضرب هذا الاستقرار، ليعيد إلى الأذهان صورة الأجواء التي سادت، في حكومتي عادل عبدالمهدي ومصطفى الكاظمي.

قد تبدوا الصورة قاتمة غامضة لا وضوح فيها، فمسألة حرق نسخة من القرآن الكريم، على يد عراقي مسيحي يسعى للحصول على الجنسية السويدية، والذي كان أحد العناصر الموجودة في العراق، وجزءا من القوى التي كانت تقاتل ضد داعش، تحت مسمى اللواء السرياني، وكان قريباً من قيادات سياسية، ليبعث بذلك رسالة مفادها، أن هناك من يحرك الخيوط الداخلية، وفق ما يريد ووقت ما يشاء. هذا ما انعكس في طريقة تعاطيه وتعامله، مع هذا الملف الحساس والمهم، والذي يلامس مشاعر ملياري مسلم في العالم.

هناك من يسعى إلى قلب الطاولة وضرب الاستقرار، ليعيد إلى الأذهان صورة الأجواء التي سادت، في حكومتي عادل عبدالمهدي ومصطفى الكاظمي

قطع العلاقات مع السويد وطرد سفيرتها كانا من القرارات القوية التي اتخذتها حكومة السوداني، واستدعاء القائم بأعمال الحكومة في ستوكهولم كان قراراً صائباً يعبّر عن موقف رسمي ضد هذا التجاوز على مقدسات المسلمين. بالمقابل يمثل الحدث اختباراً خطيرا لقدرة حكومة السوداني على الحد من تأثير مفاعيل السياسة الداخلية، والتي أخذت كثيراً بجوانب السياسة العراقية، تجاه مجمل القضايا الخارجية، على حسابها وأولوياتها المتمثلة بمتابعة العلاقة الإقليمية والدولية المتوازنة بين العراق والعالم.

مقتدى الصدر دخل على خط الأزمة، في محاولة للعودة إلى الحياة السياسية، فمنذ اعتزاله الذي فرضه على نفسه، كان ينتظر باحثاً عن فرصة، لإعادة شعبيته وجمهوره إلى الشارع، في استعراض للقوة ضد الائتلاف الحاكم، ليصبح حدث حرق نسخة القرآن الكريم هو الوسيلة. لذلك فإن ردود أفعال السياسيين ومنهم الصدر لها علاقة بالسياسة الداخلية، بقدر ما لها علاقة بدعم قدسية القرآن الكريم، وهذا دفع الحكومة العراقية للرد على اقتحام أتباع الصدر للسفارة السويدية، بقطع العلاقات الدبلوماسية معها وطرد السفيرة، ولوقف زخم الصدر وحرمانه من الحصول على منافع سياسية، واستغلال هذا الحدث حول من هو المدافع الأفضل عن الدين والقرآن.

ربما مثل هذا الإجراء يهدد العلاقة مع حكومة تسمح بتدنيس القرآن الكريم، وقد يكون منحدراً زلقاً له عواقب وخيمة على العلاقات الدولية العراقية، وربما تجد الحكومة صعوبة في التخلص منه، حيث يحتمل حصول أحداث مماثلة، في وقت ما في دول أوروبية أخرى أيضاً، وهذا الأمر سيضع السوداني في اختبار صعب، في الحد من تأثير السياسة الداخلية، ولاسيما المنافسة بين السياسيين الشيعة على أولويات السياسة الخارجية المتمثلة في إدارة العلاقات الإقليمية والدولية المتوازنة. كما أن رد الفعل العراقي يعتبر اختباراً أيضاً حول قدرة حكومته، وبالتحديد القوى الأمنية في الوفاء بالتزاماتها القانونية، لحماية البعثات الدبلوماسية على النحو المنصوص عليه في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية