دوامة تصفية "خلفاء" تنظيم داعش بين السياسي والأمني

دوامة تصفية "خلفاء" تنظيم داعش بين السياسي والأمني

دوامة تصفية "خلفاء" تنظيم داعش بين السياسي والأمني


03/05/2023

يطرح إعلان الرئيس التركي عن تصفية زعيم تنظيم داعش "أبو الحسين الحسيني الهاشمي القرشي" جملة تساؤلات حول مستقبل التنظيم وأثر هذه التصفية على عملياته في سوريا والعراق، بالإضافة إلى علاقة الأمني بالسياسي، وارتباط توقيت هذا الإعلان بسياقات تركية مرتبطة بالانتخابات الرئاسية التركية التي ستُجرى منتصف الشهر الجاري، ودلالات المكان وهو أنّ الخلفاء الـ (4) من قادة التنظيم تمّت تصفيتهم في "محافظة إدلب"، وهي المحافظة التي تسيطر عليها فصائل جهادية (جبهة تحرير الشام) الموالية لتركيا.

فعلى صعيد تداعيات فقدان التنظيم لخليفته "الرابع"، لا يستبعد أن يؤثر فقدان القرشي الرابع على فاعلية التنظيم بشكل محدود، ولكنّه لا يؤثر عملياً على قدرته الحقيقية على شنّ عمليات، أو قدرته على التكيف بتسمية خليفة جديد، لا سيّما أنّ التنظيم أصبحت لديه مقدرة على التكيف مع فقدان خليفته الأول؛ إذ من المتوقع أن يتم الإعلان عن اختيار مجلس شورى التنظيم لخليفة جديد، ومن المرجح أن يتم ذلك باعتماد الأسس نفسها التي تم بها اختيار خلفاء أبي بكر البغدادي، وعليه لا يستبعد أن يكون عراقياً، فقد أصبح ذلك معياراً من معايير اختيار الخليفة الجديد، وبمقاربة أحقية "المهاجرين" بالخلافة وحصرها فيهم.

 زعيم تنظيم داعش "أبو الحسين الحسيني الهاشمي القرشي"

ورغم ذلك، فإنّ قضية تسمية خليفة تبقى قضية شكلية في ظل تراجع قوة التنظيم وفاعليته في العراق وسوريا والساحات الخارجية، منذ الضربات القاصمة التي تعرّض لها في سوريا، قبل وبعد تصفية خليفته الأول البغدادي عام 2019، وتحوله إلى تنظيم "لا مركزي" بقدرات محدودة، من زاوية قدرة الخليفة على إدارة وتوجيه العمليات، وهو ما ثبت بتحول التنظيم إلى ما يشبه الكتائب والزمر في سوريا والعراق، والتوسع في مقاربات حرب العصابات، خلافاً لحروب الجيوش النظامية التي طبعت حروبه الأولى، وهو ما يرجح معه أن تتواصل عمليات التنظيم وفقاً لهذه المقاربة "حروب العصابات"، وتزداد أو تنقص تبعاً لسياقات التطورات السياسية في العراق وسوريا، والفاعلين في هذين الملفين.

لا يستبعد أن يؤثر فقدان القرشي الرابع على فاعلية التنظيم بشكل محدود، ولكنّه لا يؤثر عملياً على قدرته الحقيقية على شنّ عمليات، أو قدرته على التكيف بتسمية خليفة جديد

أمّا على صعيد ارتباط الإعلان عن هذه التصفية بمرجعية العلاقة بين السياسي والأمني، فإنّ مقتل الخلفاء الـ (4) للتنظيم منذ عام 2019، حيث قتل الخليفة الأول للتنظيم في شمال إدلب، فإنّ الخلفاء الـ (4) وهم: (أبو بكر البغدادي، أبو إبراهيم القرشي، أبو الحسن القرشي، أبو الحسين القرشي) قتلوا في مناطق تخضع فضاءاتها في المستويين الأمني والعسكري لسيطرة الاستخبارات التركية، لكنّ المفارقة في العملية الحالية أنّه إذا جاء مقتل الخلفاء الـ (3) الأُوَل، في سياق خدمات تركية قُدّمت للإدارتين "الجمهورية والديمقراطية" في عهدي الرئيسين "ترامب وبايدن"، وبما يخدم حملاتهما الانتخابية، فإنّ هذه العملية جاءت في خدمة القيادة التركية، إذ لا يمكن الفصل بين توقيت الإعلان عن العملية والانتخابات الرئاسية التركية التي ستُجرى بعد أيام، رغم أنّها لن تقدّم الكثير للرئيس أردوغان، إلا من زاوية الرد على اتهامات المعارضة التركية بتعاون حزب العدالة والتنمية مع الفصائل الإرهابية، وهي مقاربة ربما يكون لها تأثير في أوساط أمريكية وأوروبية، لكنّ تأثيرها في أوساط الناخبين الأتراك يتوقع أن يكون محدوداً جداً.

تصفية الخليفة الرابع للتنظيم تحولت إلى دوامة وحلقات تنتظم بمقاربات "الهدم والبناء وإعادة الإنتاج والتأطير والتوظيف"، فخلال الأسابيع القادمة سيعلن التنظيم عن "قرشي" جديد خليفة للتنظيم، بعد اجتماع لمجلس الشورى، الذي لن يتم الإعلان عن مكان وزمان انعقاده، ولا عن "أهل الحل والعقد" الذين بايعوا الخليفة الجديد، لكنّ ذلك لا يلغي حقيقة الشكوك الواسعة اليوم بقدرات التنظيم على شن عمليات نوعية وواسعة كما كان عليه في أعوام سابقة، بعد تفكيكه وهزيمته في شرق سوريا، دون أن يعني ذلك عدم استمرار خطورته، لكن ليس بالصورة التي تجري صناعتها بما فيها من تضخيم.

تصفية زعيم داعش أيّاً كان اسمه وشخصيته وخليفته الجديد لم يعد موضع اهتمام الغالبية العظمى من الرأي العام العربي والإسلامي

وبالتزامن، فمن المرجح في ظل انشغال العالمين العربي والإسلامي بهموم الفقر والبطالة والفساد والفشل العام في تحقيق التنمية من قبل الحكومات العربية، وأزمات مزمنة في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان، انضافت إليها أزمات جديدة في ليبيا وتونس والسودان، فإنّ تصفية زعيم داعش، أيّاً كان اسمه وشخصيته، وخليفته الجديد، لم يعد موضع اهتمام الغالبية العظمى من الرأي العام العربي والإسلامي، لا بل إنّ "دوامة" داعش ومستقبله تعزز كلما تم تسليط الأضواء عليها، مقاربات تجادل أنّ التنظيم ما هو إلا "بندقية للإيجار"، استناداً لمحطات تطوره التي أنتجت سرديات حوله، تتضمن تعاونه حيناً مع إيران وتقديم خدمات لاستراتيجياتها، وأحايين أخرى أظهرت سلوكيات التنظيم أنّه يقدم خدمات لأمريكا والغرب، وفي ثالثة ظهر التنظيم أنّه يقدم خدمات لحكومات عربية وإسلامية أخرى، لكن الأهم من كل ذلك أنّ هذه الخلافة لم تجب حتى اليوم عن سؤال حول عدم تنفيذها ولو عملية واحدة ضد إسرائيل أو مصالحها في الخارج، في الوقت الذي قتلت فيه من المسلمين أكثر ممّا قتلت من "الصليبيين".

مواضيع ذات صلة:

إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسر

هل تنجح محاصرة "داعش" أمنياً بإحباط مخططات العودة؟

قيادي داعشي يكشف شهادة خطيرة عن جماعة الإخوان... ماذا قال؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية