رحم الجيش السوداني: ولادة متعثرة لميليشيات متمردة.. ما علاقة الإخوان؟

رحم الجيش السوداني... ولادة متعثرة لميليشيات متمردة

رحم الجيش السوداني: ولادة متعثرة لميليشيات متمردة.. ما علاقة الإخوان؟


21/08/2023

"قوات الدعم السريع ولدت من رحم الجيش"؛ ظلت هذه هي العبارة الأثيرة لقادة الجيش السوداني، على رأسهم عبد الفتّاح البرهان، يستخدمونها كل ما تعرضوا للنقد وطولبوا بضرورة دمجها في الجيش القومي، قبل أن تشتعل الحرب ويرتدون على أعقابهم إلى النقيض تماماً.

عبر تاريخه، حبل الجيش السوداني بالكثير من الميليشيات غير الشرعية، فعدا قوات الدعم السريع التي تم تقنينها منذ البداية بإلحاقها بجهاز الأمن والمخابرات؛ ثم برئاسة الجمهورية، قبل أن تشرّع لها حكومة عمر البشير المنصرمة قانوناً تمّت إجازته بالإجماع في البرلمان، ثم وجدت اعترافاً سياسياً عندما شارك قائدها في الإطاحة بالبشير، ومن ثم ساهم في المرحلة الانتقالية واتفاقية السلام مع الحركات المتمردة التي تم التوقيع عليها بجوبا، عاصمة جنوب السودان، في تشرين الأول (أكتوبر) 2020.

عدا ذلك، فإنّ الميليشيات الأخرى التي ظلت تصنعها الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش، وفقاً لروايات متطابقة، احتفظت بنوع من الاستقلالية، وإن كانت تحت جناح ورعاية قيادة الجيش.

"تمازج" غير منضبط

تساءل كثيرون، عندما أعلنت الجبهة الثالثة (تمازج) الأسبوع المنصرم 17 آب (أغسطس) انضمامها إلى قوات الدعم السريع في حربها التي تقودها ضد الجيش السوداني، متهمة عناصر النظام السابق باختطاف القوات المسلحة، فما هي (تمازج)؟ وكيف تشكلت؟ ومن يقف وراءها؟

المرحلة الأكثر إنتاجاً للميليشيات كانت حقبة حكم الإخوان المسلمين، فقد أنتجوا ميليشياتهم الخاصة بالتنظيم، بجانب ميليشيات تابعة للجيش، الذي أصبح هو نفسه تابعاً للتنظيم الإخواني لاحقاً، فقد أُفرغ من كوادره المهنية، لتستبدل بضابط ينتمون للتنظيم ويأتمرون بأمره

ظلت الجبهة الثالثة مثار جدل كبير، عندما برزت فجأة بين الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام 2020 مع الحكومة الانتقالية السابقة، وقد اتسم أداؤها داخل العاصمة الخرطوم، وفي مدن السودان الأخرى التي توجد بها؛ بالتفلت وعدم الانضباط، حتى أنّ القوى السياسية والحركات المسلحة الأخرى وصفتها بأنّها الاستخبارات العسكرية بغرض تخريب اتفاق السلام وتعطيل برتوكول الترتيبات الأمنية.

المرحلة الأكثر إنتاجاً للميليشيات كانت حقبة حكم الإخوان المسلمين،

وكان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قد اتهم 2020 الجبهة الثالثة بإثارة الصراعات القبلية في مدينة الجنينة أقصى غرب السودان.

وكان أحمد قُجّة، قائد العمليات الحربية بـ (تمازج) قد التحق بقوات الدعم السريع  مبكراً مع بداية الحرب، قبل أن تعلن الحركة في بيان صادر عن قائدها محمد علي قرشي انضمامها التام لقوات الدعم السريع والقتال بجانبها، بعد أن اتضح لها أنّ القوات المسلحة أصبحت مطيّة للعناصر الإخوانية؛ بغية الوصول إلى السلطة وإعادة إنتاج النظام الشمولي القمعي، وأنّ التحركات العلنية لرموز نظام الإنقاذ تؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ هناك طرفاً ثالثاً يدير هذه الحرب، وأنّ هذه الحرب جاءت بقرار سياسي تقف خلفه رموز النظام السابق، ممّا يستوجب الحسم الفوري بكافة السبل والوسائل، وفقاً للبيان نفسه.

درع السودان

قبل إعلان (تمازج) بأسبوع فقط، انضمت قوات (درع السودان) بقيادة أبوعاقلة كيكل، وهو ضابط سابق في الجيش ـ يتمتع بشعبية واسعة في وسط السودان ـ إلى قوات الدعم السريع.

وكان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يدعم هذه القوات ويتبنّاها، وفقاً لمراقبين، خصوصاً أنّ تأسيسها عام 2022 بوساطة الاستخبارات العسكرية معروف للجميع.

الأمر المثير للاستغراب أن تنضم هذه الميليشيا المقربة من قائد الجيش، والتي وجّه قائدها وما يزال انتقادات حادة إلى اتفاق جوبا للسلام الذي تؤيده قوات الدعم السريع.

لكن بدأ موقف قائد ميليشيا درع السودان يتغير رويداً مع انتقاده للحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 نسيان (أبريل)، واتهامه جماعة الإخوان بتأجيجها.

عادة قديمة

الأمر غير المُطّلعٌ عليه، على نطاق واسع في هذا الصدد، هو أنّ فكرة إنشاء ميليشيات موازية له، قديمة لدى الجيش السوداني، وهي في الغالب مرتبطة، وفقاً لمحللين، بانشغالاته عن وظائفه الأساسية بالحكم والتجارة، فمنذ أول انقلاب نفذه بقيادة الفريق إبراهيم عبود 1958 بدأت فكرة تأسيس ميليشيات تتبلور في الفكر العسكري للجيش السوداني، لكنّها بلغت ذروتها في حقبة الإخوان المسلمين (1989- 2019)، بيد أنّ جعفر النميري (1969 ـ 1985) أطلق ميليشيات قبلية موالية له في حربه بجنوب السودان، وسمّاها (القوات الصديقة).

أنشأ الإخوان بداية ما يُسمّى بميليشيات المجاهدين، قبل أن يعهدوا لأحد قادتهم المتطرفين وهو (علي كرتي) الذي تتهمه قوات الدعم السريع بقيادة العمليات العسكرية والسيطرة على قيادة الجيش حالياً، بتأسيس القوات الشعبية في تشرين الثاني 1989

ليس ذلك فحسب، فالحكومة المدنية التي تولت السلطة عقب سقوط نظام النميري، مضت في الاتجاه نفسه، فالصادق المهدي رئيس الوزراء ووزير دفاعه رئيس حزب الأمّة الحالي، اللواء فضل الله بُرمة، سلّحا قبائل رعوية عربية لمواجهة الحركة الشعبية بتحرير السودان بقيادة جون قرنق في منطقة بحر العرب بين إقليم جنوب كردفان وجنوب السودان الحالي، حيث رأت ميليشيات المراحيل سيئة السمعة النور عام 1986.

كبار منتجي الميليشيات

إلا أنّ المرحلة الأكثر إنتاجاً للميليشيات كانت حقبة حكم الإخوان المسلمين، فقد أنتجوا ميليشياتهم الخاصة بالتنظيم، بجانب ميليشيات تابعة للجيش، الذي أصبح هو نفسه تابعاً للتنظيم الإخواني لاحقاً، فقد أُفرغ من كوادره المهنية، لتستبدل بضابط ينتمون للتنظيم ويأتمرون بأمره، وسيطروا على مفاصل القوات المسلحة سيطرة تامة حتى الآن.

أنشأ الإخوان بداية ما يُسمّى بميليشيات المجاهدين، قبل أن يعهدوا لأحد قادتهم المتطرفين وهو (علي كرتي) الذي تتهمه قوات الدعم السريع بقيادة العمليات العسكرية والسيطرة على قيادة الجيش حالياً، بتأسيس القوات الشعبية في تشرين الثاني (نوفمبر) 1989، ليصل عدد مجنديها بعد أعوام إلى نحو (100) ألف مقاتل، شاركوا في الحروب الأهلية بجنوب السودان وغربه وشرقه وجنوب النيل الأزرق، وقد كانوا ينقلون أطيافاً ممّا يطلقون عليها (جهادهم) في الحروب على شاشة تلفزيون السودان في برنامج (ساحات الفداء) المخصص للدعاية الحربية والجهادية.

ميليشيات إضافية

أسس الإخوان أيضاً ميليشيات نسائية تحت عنوان (أخوات نُسيبة)، وقد نلن تدريبات عسكرية وعملن في التطبيب وتحفيز المجاهدين ورفع روحهم المعنوية.

وقد أوكل الرئيس المخلوع البشير إلى المطلوب إلى محكمة الجنايات الدولية أحمد هارون تأسيس ميليشيات الأمن الشعبي لتكون بديلاً إخوانياً عن الاستخبارات العسكرية، بجانب ميليشيات الجنجويد في دارفور، والتي أوكلت رئاستها لشخص يدعى علي كوشيب ـ سلّم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية ـ ويحاكم حالياً في  لاهاي، قبل أن يحلّ مكانه زعيم قبيلة المحاميد العربية الشيخ موسى هلال، وهو من أرومة قائد الدعم السريع (حميدتي) الذي كان وقتها تاجر إبل، قبل أن ينضم إلى حرس الحدود، وهي النسخة المطورة من ميليشيات الجنجويد.

أسس الإخوان أيضاً ميليشيات نسائية تحت عنوان (أخوات نُسيبة)، وقد نلن تدريبات عسكرية وعملن في التطبيب وتحفيز المجاهدين ورفع روحهم المعنوية

في الواقع ـ يعتقد خبراء ومراقبون ـ أنّ قوات الدعم السريع نشأت بمعزل عن ميليشيات الجنجويد وحرس الحدود، وإن كان قائدها جندياً في الأخيرة لفترة قصيرة، قبل أن يوكل إليه الرئيس المخلوع عمر البشير تأسيس ميليشيات خاصة به يتم تمويلها وتدريبها من قبل الدولة من أجل محاربة التمرد نيابة عن الجيش، لكنّ حميدتي لم يشأ ذلك، وطلب من الرئيس تقنين مقاتليه وشرعنتهم في إطار القوات النظامية، فكان له ما أراد، وبالتالي يبدو مصطلح ميليشيات لتوصيف قوات الدعم السريع غير مناسب وغير دقيق.

لم تتوقف صناعة الميليشيات عند هذا الحد، فشرطة الاحتياطي المركزي ـ تعتبر ميليشيات أيضاً، وكذلك هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات المحلولين؛ وهما اللتان طوّر منهما الإخوان في الحرب الراهنة ميليشيات جديدة أطلقوا عليها قوات العمل الخاص، فضلاً عن كتيبة البراء بن مالك التي قتل معظم مقاتليها في حرب الخرطوم الماثلة، أو أخرجوا من مسرح العمليات.

مواضيع ذات صلة:

بعد ممانعة وتشدد... لماذا طلب الجيش السوداني العودة إلى منبر جدة؟.. وما موقف الإخوان؟

ما الذي حملته قمة القاهرة لدول جوار السودان؟

"السودان يعاني فراغاً في القيادة"... رواه آبي أحمد وأخرجته إيغاد



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية