رسالة الاحتجاجات الإيرانية إلى الولي الفقيه: "انتهت اللعبة"

رسالة الاحتجاجات الإيرانية إلى الولي الفقيه: "انتهت اللعبة"


17/08/2020

تعكس الاحتجاجات العمالية والفئوية بإيران، سواء الاجتماعية أو الحقوقية أو السياسية، وجود بيئة مواتية لاستمرار هذا الوضع المنفلت وتجدّده، في ظلّ التشوّه المؤسسي المتفاقم، والفساد الذي يسيطر على النظام الإيراني، من ناحية، وعدم وجود قوى تعبّر عن التناقضات السياسية والاجتماعية التي تبعث بتوترات في المجتمع، من ناحية أخرى، ما جعل التعبئة الاجتماعية ضدّ مظاهر القمع والاضطهاد، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية، تأخذ طابعاً سريعاً وموسعاً، لا سيما أنّ معدلات التنمية، واتساع مستوى الفقر، وكذا البطالة بين الشباب، ترتفع بوتيرة هائلة.

الفساد المؤسسي في إيران

وبحسب الإحصائيات الحكومية الرسمية، في إيران؛ فإنّ حوالي 30 إلى 40% من الإيرانيين يعيشون تحت خطّ الفقر، كما أنّ معدلات التضخم تجاوزت نحو 42%، نهاية العام الماضي، ما ترتب عليه فقدان 400 ألف مواطن إيراني للدّعم النقدي الذي يحصلون عليه من الحكومة؛ إذ كشف موقع "إنترناشونال"، مقرّه لندن؛ أنّ الحكومة في طهران ألغت الإعانات النقدية لنحو 162 ألف أسرة إيرانية، تضمّ 700 ألف شخص تقريباً.

وضع الطبقة العاملة في إيران سيئ للغاية؛ حيث يعمل 70 في المئة من العاملين في صناعة النفط لصالح المقاولين والوكلاء، فيما تعرف بالمناطق الاقتصادية الخاصة، أو "المناطق الحرة"

ويضاف إلى ذلك، تصدّر إيران، في ظلّ نظام الولي الفقيه، قائمة الدول التي ينتشر فيها الفساد والمحسوبية، بصورة كبيرة، سواء بسبب تدفّق أموالها في مشاريع سياسية وإقليمية، ودعم ميلشيات وصناعة ولاءات بالخارج، كما هو الحال في لبنان وسوريا والعراق واليمن، ما تسبّب في ظهور أشكال من الفساد، تورّط فيها قياديون في الحرس الثوري الإيراني، وعدد آخر من النخبة السياسية والدينية، أو بسبب وجود مسؤولين وجهات لا يخضعون للمساءلة الحكومية أو البرلمانية، إنّما يتبعون، بصورة مباشرة، للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية.

وبحسب تقرير الشفافية الدولية، عام 2019، تراجعت إيران 8 درجات، في تقرير الفساد المالي بالقطاع الحكومي حول العالم، بينما احتلت المرتبة 146 عالمياً، ضمن مؤشر مدركات الفساد، المسؤول عن تحديد وقياس حجم الفساد السائد بين المسؤولين الحكوميين والسياسيين، على حدّ سواء.

كما جاء ترتيبها الخامس بين الدول، من حيث انتشار الفساد الاقتصادي، بحسب التقرير الدولي، وذلك بعد أن تراجع اقتصادها، العام الماضي.

اقرأ أيضاً: مسارات التدخل التركي الإيراني.. هل انفرط عقد اللاعبين الدوليين في الشرق الأوسط؟

وتشهد عدة محافظات في جنوب طهران، موجة إضرابات واحتجاجات عمالية في قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات، منذ مطلع الشهر الحالي آب (أغسطس)، وصفها مراقبون سياسيون بأنّها "الأكبر"، منذ قرابة أربعة عقود؛ حيث شملت نحو 10 آلاف عامل، في الشركات التابعة لمجموعة وزارة النفط بقطاعات النفط والغاز.

احتجاجات في طهران

ويطالب المحتجون في قطاع النفط والبترول، والبالغ عددها نحو 29 قطاعاً تابعاً لمصافي البتروكيماويات، بتعديل أوضاعهم الوظيفية، والحصول على حقوقهم المهدرة، والتي من بينها؛ إنهاء عقود العمل المؤقتة، والتي لا تتحقق أياً من بنودها، كما لا تلتزم بشروطها الشركات، وقد وصفوا تلك العقود في هتافاتهم بـ "العقود البيضاء"، فضلاً عن عدم دفع أجور متأخرة منذ شهور، والمطالبة بزيادة مستوياتها، وتحسين المرافق السكنية والصحية، وترخيص قائمة تأمين تتناسب وأجورهم.

اقرأ أيضاً: حزب الله يستقوي على اللبنانيين بسلاحه ودعم إيران.. ما علاقة قطر؟

وفي مجمع بتروكيماويات "رازي"، في مدينة معشور، جنوب إقليم الأهواز، ذكر العمال في احتجاجاتهم، وعددهم نحو 500، أنّهم معرضون للإصابة بأمراض رئوية، بحسب وكالة العمل الإيرانية، وذلك دون وجود أيّ حقوق أو التزامات من جانب جهة العمل، تتصل بدفع تكاليف علاجهم، ناهيك عن توقف أجورهم لعدة أشهر، وكذا عدم تجديد العقود المؤقتة الموقعة معهم، كما قام عمال شركة "هبكو" لصناعة الآليات في مدينة أراك، شمال الأهواز، بتنظيم إضراب عن العمل للأسباب ذاتها؛ حيث امتدت الدائرة الاحتجاجية إلى عدة قطاعات حيوية، لا سيما بين المعلمين، والقطاع الصحي والعلاجي، بما فيه من طواقم طبية وإدارية.

وفي ظلّ التعاطي الأمني مع الاحتجاجات، وجمود خطاب السلطة السياسي، وكذا عدم وجود قوى سياسية فاعلة، وقادرة على أداء دور الوسيط بين الجماهير والنظام؛ فإنّ تصاعد الغضب، الذي شمل عدة قطاعات وفئات متفاوتة، منذ نهاية العام 2017، لا يتزايد فحسب؛ إنما يتخطى الجانب الفئوي والاجتماعي إلى السياسي، واتجه إلى المطالبة بإسقاط النظام؛ حيث تردّدت هتافات من بينها: "يسقط خامنئي مع روحاني"، و"لا نريد دولة يحكمها رجال الدين.. كلّهم خونة"، و"إصلاحيون متشددون.. انتهت اللعبة".

مآلات الغضب الإيراني

بشكل عام، فإنّ وضع الطبقة العاملة في إيران سيئ للغاية؛ حيث يعمل 70 في المئة من العاملين في صناعة النفط لصالح المقاولين والوكلاء، فيما تعرف بالمناطق الاقتصادية الخاصة، أو "المناطق الحرة"، بحسب الكاتب والصحفي، محمد الحسيني، المتخصص في الشأن الإيراني، وهو ما يؤدي إلى استثناء هؤلاء العمال من قوانين العمل، ويضعهم تحت رحمة أصحاب العمل والمقاولين، كما أنّ النقابات المستقلة للعمال محظورة، بينما النقابات القانونية ليست سوى هيئات حكومية لا تمثل مصالح العمال.

المحلل السياسي محمد الحسيني لـ"حفريات": مخاوف النظام الإيراني تشتدّ حين تتحوّل المطالب الاقتصادية إلى مطالب سياسية، خاصة في ظلّ التضامن الكبير مع العمال من مختلف الطبقات

ويضيف الحسيني لـ "حفريات": "يعاني العمال في قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات في ايران من ظروف عمل لا تحتمل؛ حيث يعملون في أجواء شديدة الحرارة، وظروف معيشية صعبة للغاية، والأكثر أهمية أنّ هؤلاء العمال لا يتمتعون بأيّ أمان وظيفي؛ لأنّهم أجبروا على توقيع عقود مؤقتة، وهذه العقود لا توفر لهم أيّ تأمين صحي حقيقي، ولا تضمن لهم رواتب تقاعدية، ومن ثم، يمكن لأصحاب العمل طردهم في أيّ وقت، وإضافة إلى ذلك؛ فإنّ الأجور التي يتقاضونها تضعهم في مستويات طبقية دنيا، وحتى هذه الأجور الهزيلة لم تدفع لهم، منذ عدة أشهر".

تعدّ الإضرابات الحالية أقوى وأعنف حركة احتجاجية عمالية منظمة، في إيران، طوال فترة حكم الجمهورية الإسلامية، حسبما يوضح الكاتب والصحفي المتخصص في الشأن الإيراني؛ إذ هدّد العمال بمواصلة احتجاجاتهم وإضرابهم في ظلّ استمرار عدم دفع رواتبهم، إضافة إلى رفضهم القوانين المعادية للعمل النقابي التي يتبناها النظام الإيراني.

بيد أنّ مخاوف النظام الإيراني تشتدّ حين تتحوّل المطالب الاقتصادية إلى مطالب سياسية، بحسب المصدر ذاته، خاصة في ظلّ التضامن الكبير مع العمال من مختلف الطبقات والمجالات الاجتماعية؛ حيث أصدرت أكثر من 14 جهة مستقلة بياناً، لدعم إضراب عمال النفط والغاز والبتروكيماويات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية