مسارات التدخل التركي الإيراني.. هل انفرط عقد اللاعبين الدوليين في الشرق الأوسط؟

مسارات التدخل التركي الإيراني.. هل انفرط عقد اللاعبين الدوليين في الشرق الأوسط؟


16/08/2020

تمثل منطقة الشرق الأوسط واحدة من أبرز نقاط الجغرافيا التي تتشكّل عليها موازين القوى الدولية والإقليمية، الكبرى منها والصغرى، المركزية منها والوظيفية، وذلك عبر رؤى استراتيجية، تصيغ جملة من التحركات التكتيكية ذات الطابع البراغماتي، والتي تبدو أحياناً في صورة خشنة، تتجلى في مواقف وتوجهات الدول التي تتصارع وتتنافس، من أجل بلورة أجنداتها، وتفعيل نفوذها على المستوى الإقليمي أو الدولي.

اقرأ أيضاً: ما هي آخر تطورات التدخل التركي في ليبيا؟

تعكس تلك التحركات التكتيكية، والرؤى الاستراتيجية، المقاربة الخاصة لكلّ دولة لمفهوم الأمن القومي الخاص بها؛ إذ تتجه رؤية الدول المركزية لأمنها القومي نحو مواصلة الحركة، وسبر أغوار الأزمات، والتفاعل مع كافة المتغيرات، داخل أيّ نقطة جغرافية تتماس، أو تتفاعل مع سياساتها، أو تقترب من مصالحها وتتشابك معها.

مفهوم الصراع وتجلياته على خطوط التنافس السياسي

وعلى خلفية ذلك، نستطيع أن نقرأ خريطة التفاعلات وتناقضاتها بين كافة الدول؛ كنتيجة حتمية ومباشرة لتعقد أحوال السياسة، وتبدل حالها من الطبيعة الأولية والمباشرة، إلى الوضع المركّب والمعقد الذي تبدو عليه خلال العقود الأخيرة، وتداعيات ذلك داخل مسرح أحداث الشرق الأوسط، وما يتصل بمواقف القوى الدولية من تطورها، في ضوء انحيازاتها ومدى اصطفافها في خانة مصالحها، وإلى أيّ حد، ونحو أيّ درجة.

تتجه رؤية الدول المركزية لأمنها القومي نحو مواصلة الحركة، وسبر أغوار الأزمات، والتفاعل مع كافة المتغيرات

ويُعدّ مفهوم "الصراع" الذي خبرته جغرافيا الشرق الأوسط مراراً، وصبغت ماء أنهاره وبحاره، وصفاً دقيقاً لأحوال السياسة في المنطقة، بيد أنّ الشرق الأوسط، ومنذ أفول كابوس الإمبراطورية العثمانية منذ نحو قرن من الزمان، لم يعرف مثل تلك الأجواء من الاضطرابات والصراعات، وتصدع جدار أمنه الإقليمي، وتداعي قواعد استقراره؛ نتيجة تفجر الصراعات الداخلية في سوريا والعراق واليمن وليبيا، إثر انفجار تناقضات النسخ المتباينة لقوى الإسلام السياسي، وما تمثله من مصالح عدة دول في المنطقة، حيث دفعت الدوحة وأنقرة وطهران بالجماعات الإسلاموية إلى السطح، ما ساعد على إرباك المشهد السياسي في الشرق الأوسط، لصالح صياغة وضع إقليمي يتماهى مع مصالح تلك الدول، وتحقيق أهدافها ومصالحها الجيوسياسية والاقتصادية.

"الربيع العربي" يبعثر أوراق الأجندات السياسية

لا يمكن الحديث عن تنمية التناقضات على أطراف الشرق الأوسط، ونمو الديناميكيات التي تحافظ على إطالة أمد الاشتعال في ملفاته، دون الإشارة إلى عوامل ألقت بظلها على هذا الواقع، بدت واضحة مع تشكّل ثورات "الربيع العربي"، عبر مواقع جغرافية واضحة ومقصودة، فضلاً عن تأثيرها الواضح والمباشر على قوى تقليدية، وأخرى طامعة في حصد مقاعد النفوذ والتأثير.

اقرأ أيضاً: الجزائر إذ تقطع الطريق على التدخلات التركية في ليبيا

طالت ثورات العام 2011 اليمن المتاخم للحدود السعودية، والذي أضحى منطقة نفوذ وتأثير لإيران عبر جماعة الحوثيين، بالإضافة إلى حزب الله في لبنان، فضلاً عن الفوضى والحرب الأهلية في سوريا وليبيا، وأثر ذلك الواضح والمباشر على القاهرة، التي انخرطت في ثورة 25 كانون الثاني (يناير) العام 2011، وما نتج عنها من صعود نفوذ الإخوان المسلمين، مع استدعاء النموذج التركي، في ضوء التماسّ المباشر جغرافياً وسياسياً مع أنقرة، وحالة السيولة السياسية المصحوبة باضطرابات عارمة في بغداد، وتدفق السلاح والمقاتلين من كل صوب على المشهد السوري.

التناقضات كانت العنوان الأكثر بروزاً بين تحركات كافة الكتل والقوى المحتشدة، سواء كانت في صورة تحالف أو صراع فيما بينها

ولا نستطيع قراءة مسارات التدخل التركي والإيراني في الشرق الأوسط، ومساحات التوافق والاختلاف فيما بينهما، دون مطالعة جغرافيا ثورات "الربيع العربي"، ومدى امتدادها إلى نقاط حيوية على الممرات المائية، وما يخفيه البحر المتوسط من ثروات في قاعه.

وعلى خلفية ذلك بدا واضحاً للجميع أنّ التنافس على نقاط التأثير، تجري أحداثه مباشرة على خط النزاعات في تلك الدول، إذ تواصل تركيا تحركاتها السياسية عبر الجغرافيا الليبية ميدانياً، والمتاخمة للحدود المصرية، مع دعمها لحركة النهضة في تونس المتاخمة للحدود الليبية من ناحية أخرى، وجميعها ضمن دول "الربيع العربي".

تناقضات الراهن السياسي تدفع نحو استمرار الصراع

ورغم أنّ البراغماتية تُعدّ إطاراً رئيسياً لتلك التحركات، غير أنّ التناقضات كانت العنوان الأكثر بروزاً بين تحركات كافة الكتل والقوى المحتشدة، سواء كانت في صورة تحالف أو صراع فيما بينها، حول محدّدات التوازن الأمني الإقليمي الجديد، وصياغة مفرداته الرئيسية، في ظلّ تهديدات واضحة ومباشرة، من جانب الدوحة وأنقرة وطهران، ووكلائهم في المنطقة، من ناحية الأنظمة التابعة مرّة، ومن ناحية جماعات الإسلام السياسي مرّات عديدة.

اقرأ أيضاً: الكاظمي من إيران: نرفض التدخل في شؤوننا الداخلية.. كيف ردّ خامنئي؟

ومع تعدّد وتباين الأدوار السياسية التي بلورت أُطرها الدوائر الأمنية والاستراتيجية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأعوام الأخيرة، وفي ظلّ سعي روسيا إلى استعادة ما كان من أثر لنفوذ الإمبراطورية السوفييتية، بات الشرق الأوسط يموج بالحمم فوق مرجل متأجج، وقد فتحت أطماع أنقرة وطهران بوابات العالم العربي التي أصبحت بلا حراسة، لتتساقط قلاع المقاومة، واحدة تلو الأخرى، ما أشعل عدداً من الملفات، وفجّر جملة من الأزمات الطاحنة.

انفرط عقد اللاعبين الدوليين والإقليميين في ملفات الشرق الأوسط، ما أدّى إلى تفاقم أزمات المنطقة

على تخوم الصراع، تتجلّى مقاومة عدد من القوى الرئيسية في المنطقة العربية لتلك الأطماع، إذ تواجه القاهرة انخراط أنقرة في الداخل الليبي، عبر أكثر من مستوى، بدأ بمرحلة الردع، عندما طرحت القاهرة مسارها السياسي في "إعلان القاهرة"، وتحذير الرئيس المصري من تجاوز خط سرت والجفرة، باعتباره خطاً أحمر، ثم بلغ مسار الردع منسوباً أعلى، بتوقيع اتفاق القاهرة/أثينا لترسيم الحدود البحرية، ما صنع جداراً سميكاً أمام الأطماع التركية في شرق المتوسط، ما دفع أنقرة إلى الحديث بلهجة مختلفة، بدت واضحة على لسان، رجب طيب أردوغان، حين تحدّث عن الروابط المشتركة مع القاهرة، وتوصيته وزير الخارجية التركي، تشاويش أوغلو، بالتواصل مع وزير الخارجية السعودي، سعياً نحو تجاوز أطر الخلافات فيما بينهما.

على خلفية تلك التناقضات، انفرط عقد اللاعبين الدوليين والإقليميين في ملفات الشرق الأوسط، ما أدّى إلى تفاقم أزمات المنطقة، وتعقد أطر الحلول الناجزة لتلك الأزمات، فكلّ ملف محتدم في الشرق الأوسط، يواجه عدداً من الفاعلين ووكلائهم في الداخل، الذين ينخرطون في سياق تحقيق المصالح الخاصة والضيقة، بعيداً عن الرؤى والأهداف الخاصة بأوطانهم، كما هو الحال مع الجماعات الإيديولوجية التي تؤجّج الصراعات الطائفية والسياسية، في تونس وليبيا واليمن وسوريا والعراق، الأمر الذي يبدو معه الشرق الأوسط مفتوحاً على المجهول، في منطقة باتت كأنها أرض الخوف. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية