رغم النفي.. شهادات حية: الإخوان يقاتلون في صفوف الجيش السوداني

رغم النفي.. شهادات حية: الإخوان يقاتلون في صفوف الجيش السوداني

رغم النفي.. شهادات حية: الإخوان يقاتلون في صفوف الجيش السوداني


03/10/2023

الكثير من علامات الاستفهام برزت  منذ بدء الاقتتال في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، عن علاقة جماعة الإخوان المسلمين، أو الكيزان، في الحرب ومشاركتهم الفعلية فيها.

وبدأت الضبابية حول حقيقة وجود أعضاء النظام السابق في عهد عمر البشير، يقاتلون إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، تنجلي منذ أشهر عندما أدلت مصادر عسكرية بتصريحات صحفية لوكالة "رويترز"، قالت فيها إنّ الآلاف ممّن عملوا في جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني في عهد الرئيس السابق عمر البشير يقاتلون إلى جانب الجيش.

ولم تتوقف الفضيحة التي عصفت بالجيش المتهم بإطلاق سراح الكثير من قيادات الكيزان، بل نشرت شبكة "بي بي سي" شهادات لمقاتلين من الجماعة الإسلامية شاركوا إلى جانب القوات المسلحة في الحرب الدائرة.

وبحسب الشهادات التي جمعتها "بي بي سي"، فقد انضم الآلاف من أبناء الحركة للجيش في الأسابيع الأخيرة، فيما تنفي القوات المسلحة أن يكون الإخوان طرفاً فاعلاً في القتال، كما يستنكر الجيش اتهام بعضهم له بالتحول إلى حاضنة للمقاتلين الإخوان. 

وقال الشاذلي عطا المنتمي للحركة الإسلامية السودانية (إخوانية): إنّه حتى الآن تدرب على استخدام (7) أنواع من الأسلحة في أحد معسكرات الجيش السوداني، مؤكداً انتظار دوره للانخراط في الحرب، ضد قوات الدعم السريع.

وأضاف الشاذلي: "بمجرد عودتي من عملي في وقت الظهيرة، أنضم يومياً للمعسكر كي أتدرب على استخدام الأسلحة والمهارات القتالية، أقضي باقي النهار هناك، وأعود إلى منزلي مع غروب الشمس".

الكثير من علامات الاستفهام برزت منذ بدء الاقتتال في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع

وقد انضم إلى معسكر السواقي الجنوبية في مدينة كسلا شرقي السودان، التي كانت واحدة من أول وأبرز المناطق التي شهدت استنفار مئات المتطوعين لمساندة الجيش.

ووفق عطا، فإنّ الكثير من زملائه انتقلوا إلى الخرطوم للقتال بجانب الجيش، وهو في انتظار دوره ليلحق بهم، لافتاً إلى أنّ نحو (17) ألف شخص عدد الدفعة الأولى من المتطوعين في ولاية كسلا الذين أرسلوا إلى الخرطوم.

ويعتقد الشاذلي أنّ من حق الإسلاميين أن يطمحوا للعودة إلى السلطة، إذا كان ذلك عبر صناديق الانتخاب. ويتساءل: لو قرر الشعب أنّه يريد الإسلاميين، ما المانع؟ الإسلاميون لديهم قواعد جماهيرية، ومن الممكن أن يفوزوا في أيّ انتخابات، لكننا لن نعود بالبندقية.

ويربط مراقبون بين هذا الاستنفار وبين تحركات تزعمتها قيادات في نظام الرئيس السابق عمر البشير، حيث حضر عطا أحد اللقاءات التي نظمها أبرز قيادات النظام السابق أحمد هارون، وهو أحد أكثر القيادات الإخوانية نشاطاً في حشد المقاتلين من شرقي السودان.

مصادر عسكرية تؤكد أنّ الآلاف ممّن عملوا في جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني، في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، يقاتلون إلى جانب الجيش

 

وأكدت شبكة "بي بي سي" أنّه في الهجوم الذي شنّته قوات الدعم السريع على مقر قوات شرطية تُسمّى الاحتياطي المركزي غربي العاصمة في بداية تموز (يوليو) الماضي، شارك المقاتلون الإخوان مع الجيش والشرطة في الدفاع عن المقر.

وتظهر مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي ظهور عدد من القيادات الإخوانية داخل معسكرات الجيش، حيث ألقوا خطباً تحث المقاتلين على مواصلة "الجهاد".

وتظهر المقاطع التي نُشرت بعد معركة الاحتياطي المركزي دوراً بارزاً لما تُسمّى كتيبة  (البراء بن مالك)، وهي إحدى كتائب الظل التابعة للإخوان المسلمين.

وقد تسلمت هذه المجموعة تسليحها منذ اليوم الأول للقتال، وتظهر مقاطع مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ووثقتها "بي بي سي"، استخدام الكتيبة طائرات مسيّرة عادة ما تكون بحوزة الجيوش.

تاريخياً، كانت الكتيبة جزءاً من قوات شبه مستقلة عُرفت باسم الدفاع الشعبي، وارتبطت تلك القوات بشكل وثيق بالحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المنحل، وقبل أيام أعلن عن تحويل الكتيبة إلى لواء، وقد تجاوز عدد مقاتليها (20) ألف مقاتل.

القوات المسلحة تنفي أن يكون الإخوان طرفاً فاعلاً في القتال، والجيش يستنكر اتهام بعضهم له بالتحول إلى حاضنة للمقاتلين الإخوان

 

في الأيام التالية لمعركة الاحتياطي المركزي، احتفى بعضهم بمشاركة مجموعة تُسمّى هيئة العمليات.

ولطالما اتهمت الهيئة بكونها الذراع الباطشة لجهاز الأمن والمخابرات في عهد البشير. وتمّ حلها عام 2020 إثر ما بدا تمرداً قاده بعض أفرادها ضد الجيش وقوات الدعم السريع.

أمّا هشام، وهو أحد أعضاء لجان المقاومة التي عرفت بدورها البارز في تنظيم التظاهرات ضد الحكم العسكري في السودان، فهو أيضاً مناهض لما يعتبره "انقلاباً" قام به الجيش عام 2021 على الحكومة المدنية الانتقالية آنذاك. 

وفي بداية الحرب، دأب هشام على التطوع لرعاية المرضى وقضاء حوائج كبار السن في منطقته، لكنّه انضم لاحقاً لصفوف القوات المسلحة.

ولا يرى هشام تناقضاً بين موقفه من الحكم العسكري وانضمامه لصفوف الجيش، قائلاً: "لم يكن لدينا مشكلة مع الجيش نفسه، مشكلتنا مع الحكم العسكري، ومطالبنا بإنهائه ما زالت مرفوعة. حتى لو متّ في هذه الحرب، فسيعود زملائي بعد انتهائها للمطالبة بإنهاء الحكم العسكري".

وأول مرة يعلن فيها عن وجود (كتائب الظل) التابعة لتنظيم الحركة الإسلامية السودانية، جاء إبّان اندلاع ثورة كانون الأول (ديسمبر) 2018، حين أعلن الأمين العام السابق للحركة علي عثمان محمد طه مقولته الشهيرة: "لدينا كتائب ظل تعرفونها". انحنت هذه الكتائب، والمجموعات المدنية المسلحة، والذراع المسلحة للتنظيم، التي كانت تقود فعلاً الجيش وقوات الدفاع الشعبي، لعاصفة الثورة، فأخفت وجودها العسكري، بيد أنّها استمرت في التواصل ولم تنقطع علاقاتها بعضها ببعض، وظلت تعمل على زعزعة الحكومة الانتقالية المدنية حتى انقلاب تشرين الأول (أكتوبر) 2021 حيث ظهرت للعلن مرة أخرى، وأعلنت تأييدها له.

وعندما اندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، أعلنوا عن أنفسهم وعن مشاركتهم في القتال إلى جانب الجيش ضد قوات الدعم السريع، وضد من يسمونهم "الخونة والعملاء"، وهم من المدنيين الذين أسهموا في إسقاط حكمهم، وخاصة تحالف (الحرية والتغيير) المدني، وأعلن بشكل مباشر عن كتيبة ظل تحمل اسم كتيبة (البراء بن مالك)، وفق صحيفة "الشرق الأوسط".

و(كتائب الظل) هي ميليشيات "إخوانية" كانت تقاتل إلى جانب الجيش في حروبه في جنوب السودان والنيل الأزرق وجنوب كردفان، إلى جانب لعب الأدوار الخفية في تصفية المتظاهرين والمعارضين السياسيين، وقد نشأت عن قوات الدفاع الشعبي، سيئة الصيت.

هذا، ويتهم كثيرون في السودان الحركة الإسلامية بالسعي للسيطرة على الجيش وتحويله من جيش وطني إلى "جيش تنظيم"، واتبعت في ذلك سلسلة حيل، بدأتها بإحالة آلاف الضباط الوطنيين إلى التقاعد، بل اغتالت أعداداً كبيرة منهم، ثم اتجهت إلى السيطرة على الدخول للكليّة الحربية، بجانب استقطاب الضباط عن طريق الإغراء والتهديد، وفي النهاية حين سقط نظام الرئيس السابق عمر البشير، ترك للسودان جيشاً تحكمه "إيديولوجيا الإخوان"، وتسيطر عليه "اللجنة الأمنية" المكونة من عناصرهم.

وفقاً للكاتب الإسلامي السابق أشرف عبد العزيز، فإنّ الأمين العام الحالي لـ "الحركة الإسلامية" علي أحمد كرتي، الذي صدرت بحقه عقوبات أمريكية أخيراً، منذ أن كان طالباً في الجامعة، كان مفرغاً للعمل وسط الضباط والجيش، هو وأحمد محمد علي الفششوية، والزبير أحمد الحسن، وكانوا يعرفون وقتها باسم "السواقين"، يقومون بالإشراف على تنظيم "الضباط الإخوان" داخل الجيش.

ومع احتفاظه بوظيفته بين "السواقين"، فإنّ كرتي عمل منسقاً لقوات الدفاع الشعبي، التي كانت تمثل ميليشيا "إخوانية"، تزعم أنّها مساندة للجيش، بما مكّنه من تمتين علاقته مع المنظومة العسكرية، من خلال علاقته بتنظيم "الضباط الإخوان"، أو قوات الدفاع الشعبي.

وقال عبد العزيز: "إنّ كرتي من خلال إشرافه على التنظيم العسكري لـ "الإخوان" أدخل كثيراً من أبناء منطقته في الجيش والأجهزة النظامية الأخرى، خاصة جهاز الأمن والمخابرات، ممّا وسّع نطاق سيطرته على العسكريين، فأصبح وحده الآمر الناهي في الشأن العسكري لـ "الإخوان".

(17) ألف شخص عدد الدفعة الأولى من المتطوعين الإخوان في ولاية كسلا، الذين أرسلوا إلى الخرطوم للقتال إلى جانب الجيش

 

وأوضح خبير في الجماعات الإسلامية، طلب عدم كشف اسمه، في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط‏ أنّ ‏الكتائب التي تقاتل الآن أقرب إلى حزب المؤتمر الشعبي من حزب المؤتمر الوطني، ‏وتحكمها إيديولوجيا "الإخوان"، وأميرهم الحالي المصباح أبو زيد طلحة، وقد قتل (4) من قادتها، أشهرهم محمد الفضل، وهو ابن شقيق وزير ‏الخارجية السابق مصطفى عثمان إسماعيل.

 وقال: "إنّ المجموعات الجهادية الإسلامية كانت ‏تقاتل مع الجيش في مصنع (اليرموك) الحربي، وبعد أن استولت عليه قوات الدعم السريع، ‏انتقلوا إلى قيادة المدرعات في الشجرة، وأضاف: "لا توجد إحصاءات عن أعدادهم، لكنّهم ‏في بداية الحرب كانوا حوالي (200)، وتزايدت أعدادهم من خلال الاستقطاب من الشباب ‏المستنفرين".‏

بعد تلك الشهادات، هل سيعترف الجيش بمشاركة كتائب تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين التي ثار عليها الشعب السوداني، وطالب بإقصائها من كل الحياة السياسية والعسكرية، أم سيبقى الأمر سرّاً حتى لا يخسر الشريحة التي تسانده ضد قوات الدعم السريع؟ 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية