روسيا وأوكرانيا: طبول الحرب تقرع... وأمريكا وأوروبا تتوعدان

روسيا وأوكرانيا: طبول الحرب تقرع... وأمريكا وأوروبا تتوعدان


15/12/2021

تشهد العلاقات بين روسيا من جهة، وأوكرانيا والغرب من جهة ثانية، توترات غير مسبوقة، بلغت ذروتها منذ أسابيع، وسط اتهامات وتهديدات متبادلة.

استعراض موسكو قدراتها العسكرية ليس شيئاً جديداً، لكنّ تحركاتها مؤخراً تختلف كثيراً عن التدريبات العسكرية التي تقوم بها روسيا في العادة، وأهميتها اليوم تأتي في إطار توجيه رسالة إلى كييف بالدرجة الأولى، محذّرة من العمل العسكري ضد دونباس.

اقرأ أيضاً: ماذا تريد تركيا وروسيا مقابل الانسحاب من ليبيا؟

وبالنسبة إلى أوكرانيا، فمصالحها تكمن في استعادة وحدة أراضيها، وهي تعمل على استغلال زخم ومستوى جديد من دعم الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، كما أنّ هناك رغبة لدى كييف في إظهار نفسها لدى الإدارة الأمريكية الجديدة بأنّها تواجه روسيا، وذلك بهدف الحصول على مزيد من الدعم، وفي حال استطاعت كييف استدراج روسيا إلى شنّ هجوم داخل الأراضي الأوكرانية، فقد تنجح في إيقاف تشغيل مشروع "السيل الشمالي 2″، الذي سينهي دور أوكرانيا بوصفها دولة عبور للغاز الروسي إلى أوروبا.

استعراض موسكو قدراتها العسكرية ليس شيئاً جديداً، لكنّ تحركاتها مؤخراً تختلف كثيراً عن التدريبات العسكرية التي تقوم بها روسيا في العادة

لكن المؤكد اليوم أنّه ليس في مصلحة أوكرانيا تحويل النزاع المجمّد شرق البلاد إلى آخر ساخن؛ لأنّها ستكون الخاسرة حتماً، إلّا أنّ كييف تستخدم التسخين في هذا الملف بين الحين والآخر لتوجيه رسائل داخلية، وأخرى خارجية متعددة الاتجاهات، وسيبقى مأزق أزمة شرق أوكرانيا قائماً ما دامت موسكو لم تعزم بعد على خطوة جذرية بضمّ جمهوريتي دونباس؛ دونيتسك ولوغانسك (غير معترف بهما)، مثل ما فعلت مع شبه جزيرة القرم قبل (7) أعوام، وذلك خشية إلحاق مزيد من الضرر في علاقاتها مع الدول الغربية.

ورغم التصعيد الروسي والتصعيد الأمريكي الأوروبي المقابل والتهديدات، فإنّ سيناريو الحرب الشاملة يبدو مؤجلاً حالياً، ويبقى النزاع في إطار الحروب الصغيرة كسيناريو قره باغ، وسيناريو القرم، وسيناريو جورجيا، مع استمرار حروب الوكالة هنا وهناك على أكثر من صعيد وفي أكثر من جبهة، إقليمية ودولية.

 

رغم التصعيد الروسي، والتصعيد الأمريكي الأوروبي المقابل والتهديدات، فإنّ سيناريو الحرب الشاملة يبدو مؤجلاً حالياً، ويبقى النزاع في إطار حروب الوكالة.

 

وفي الوقت الذي يتزايد فيه قلق الغرب حول نوايا وخطط تشرع بها روسيا لغزو محتمل لأوكرانيا، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن الجمعة الماضية أنّه سيجعل من "الصعب جدّاً" بالنسبة إلى روسيا شنّ أي غزو على أوكرانيا، وفق وكالة "رويترز".

ومع تصاعد نُذر الحرب، قالت صحيفة "واشنطن بوست": "إنّ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" (CIA) خلصت إلى أنّ موسكو تخطط لهجوم متعدد الجبهات على أوكرانيا مطلع 2022".

اقرأ أيضاً: هل يرسل بايدن قوات أمريكية إلى أوكرانيا؟.. وماذا عن فرض عقوبات على روسيا؟

وأضافت الصحيفة أنّ تقديرات السي آي إيه تشير إلى مشاركة نحو (175) ألف جندي روسي في الهجوم على أوكرانيا.

وتتضمّن وثيقة للمخابرات، نشرت الصحيفة مضامينها، صوراً بالأقمار الاصطناعية لحشود من القوات الروسية في (4) مواقع قرب أوكرانيا.

جو بايدن يؤكد أنّه سيجعل من "الصعب جدّاً" بالنسبة إلى روسيا شنّ أي غزو على أوكرانيا

ووفقاً للمصدر نفسه، فقد نُشرت (50) مجموعة تكتيكية في الميدان، إلى جانب عدد من الدبابات ووحدات المدفعية.

وفي الإطار ذاته، طالب (3) نواب أمريكيون الثلاثاء إدارة بايدن بفرض عقوبات وقائية على موسكو، وإرسال مزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا؛ لردع روسيا عن غزو جارتها الغربية.

وقال النواب، وهم جمهوري وديمقراطيان، وثلاثتهم عسكريون سابقون، في أعقاب زيارة قاموا بها إلى أوكرانيا: "إنّهم مقتنعون بأنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان يفكّر جدّياً بغزو أوكرانيا عندما حشد عشرات آلاف العسكريين على الحدود مع جارته الغربية"، وفق وكالة "فرانس برس".

 

وكالة المخابرات المركزية الأمريكية خلصت إلى أنّ موسكو تخطط لهجوم متعدد الجبهات على أوكرانيا مطلع 2022

 

وقال النائب الديمقراطي سيث مولتون للصحفيين: "علينا أن ننشغل بردع بوتين أكثر من استفزازه".

وأضاف: "إذا قام بوتين بغزو (أوكرانيا)، أريده أن يعرف أنّه سيجد صعوبة في أن يشتري في الدقائق الـ5 التالية مشروباً غازياً من آلة بيع، وليس أنّ حلف شمال الأطلسي سيدعو لاجتماع لمناقشة ماذا سيفعل خلال الأسابيع التالية".

بدوره، قال النائب الجمهوي مايك والتز: "إنّه يجب على الولايات المتحدة أن تفرض عقوبات على روسيا بسبب زعزعتها استقرار المنطقة، مشدّداً على أنّ التهديد "بإجراءات صارمة (…) لن يكون مفيداً كثيراً في ميزان حسابات بوتين".

وحثّ والتز إدارة بايدن على تجاوز الإجراءات البيروقراطية والروتينية، وتزويد أوكرانيا فوراً بأسلحة، بما في ذلك صواريخ للدفاع الجوي.

موسكو تتهم أوكرانيا والولايات المتحدة بزعزعة الاستقرار، وتشير إلى أنّ كييف ربما تستعدّ لتنفيذ هجوم في شرق البلاد

وكان وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف قد قال في وقت سابق الجمعة الماضية أمام البرلمان -مستشهداً بتقارير للمخابرات-: "إنّ روسيا حشدت أكثر من (94) ألف جندي بالقرب من الحدود الأوكرانية، وربما تستعدّ لهجوم عسكري واسع النطاق في نهاية كانون الثاني (يناير) المقبل، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".

بالمقابل، تتهم موسكو بدورها أوكرانيا والولايات المتحدة بزعزعة الاستقرار، وتشير إلى أنّ كييف ربما تستعدّ لتنفيذ هجوم في شرق أوكرانيا، في حين حذّر وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف من "مغامرة عسكرية" أوكرانية، بعدما قالت وزارته: إنّ "كييف" نشرت قرابة (125) ألف جندي في الشرق، وهو ما تنفيه كييف، وفقاً لوكالة "سبوتنيك".

 

نواب أمريكيون يطالبون إدارة بايدن بفرض عقوبات وقائية على موسكو، وإرسال مزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا لردع روسيا

 

وكان بوتين قد دعا أمس إلى إجراء مفاوضات فورية مع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة حول الضمانات التي ينبغي تقديمها لروسيا بشأن أمنها، ولا سيّما لجهة "منع أيّ توسّع مستقبلي للحلف شرقاً، أو نشر منظومات أسلحة تهدّد روسيا في أوكرانيا أو في دول أخرى مجاورة".

وفي السياق، شكّلت (7) من أغنى دول العالم جبهة موحدة للتحذير من العواقب الوخيمة لأيّ خطوة مثل هذه، وحثت روسيا على العودة إلى طاولة التفاوض.

واستضافت بريطانيا اجتماعاً لوزراء خارجية المجموعة في مدينة ليفربول يوم السبت الماضي بشمال إنجلترا، بحضور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظرائه من فرنسا وإيطاليا وألمانيا واليابان وكندا.

اقرأ أيضاً: مكاسب اقتصادية أم أداة ضغط دولية؟ أزمة جديدة تلوح بالأفق بين روسيا وتركيا

وحثت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس مجموعة الـ7 في الجلسة الافتتاحية للمحادثات على التحدث بصوت واحد.

وقالت في بداية الاجتماع: "نحن بحاجة للدفاع عن أنفسنا أمام التهديدات المتزايدة من عناصر معادية، وعلينا أن نتحد بقوة للوقوف في وجه المعتدين الذين يسعون لتقييد أواصر الحرية والديمقراطية"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية.

وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك للصحفيين: "نحن بحاجة لاتخاذ كلّ ما من شأنه أن يعيدنا إلى الحوار"، وستتولى ألمانيا الرئاسة الدورية لمجموعة الـ7 من بريطانيا العام المقبل.

وتدعو بريطانيا، بصفتها الرئيس الحالي لمجموعة الـ7، أعضاءها إلى أن يبدوا قدراً أكبر من الصرامة في دفاعهم عمّا تسميه "العالم الحر"، وتركزت المناقشات على روسيا والصين وإيران.

هذا، وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين اليوم: "إنّ الاتحاد الأوروبي مستعد لتشديد عقوباته واتخاذ إجراءات غير مسبوقة ضد روسيا".

 

(7) من أغنى دول العالم تشكّل جبهة موحدة للتحذير من العواقب الوخيمة لأيّ خطوة مثل هذه، وتحثّ روسيا على العودة إلى طاولة التفاوض

 

وربطت المسؤولة الأوروبية فرض العقوبات على روسيا، بتصعيد "تصرفاتها العدائية ضد أوكرانيا".

وذكرت فون دير لاين أمام البرلمان الأوروبي أنّ التكتل عمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة لوضع خيارات يفوق تأثيرها العقوبات الحالية، التي تستهدف قطاعات المال والطاقة والدفاع والسلع ذات الاستخدام المزدوج في روسيا.

وقالت للمشرّعين الأوروبيين: "ردّنا على أيّ تجاوز آخر قد يأتي على شكل تصعيد قوي في منظومة العقوبات القائمة وتوسيع نطاقها".

وأردفت: "بالطبع نحن مستعدون لاتخاذ إجراءات إضافية غير مسبوقة ستكون لها عواقب وخيمة على روسيا".

فهل ستنتهي أزمة روسيا وأوكرانيا بحرب شاملة؟ أم ستنجح الجهود الأمريكية الأوروبية في ثني بوتين عن اتخاذ خطوات عسكرية تصعيدية ضدّ كييف؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية