ماذا تريد تركيا وروسيا مقابل الانسحاب من ليبيا؟

ماذا تريد تركيا وروسيا مقابل الانسحاب من ليبيا؟


12/12/2021

رغم أنّ القوات الأجنبية التي تساند طرفي الصراع في ليبيا دخلت البلاد بموافقة من المتصارعين، إلا أنّ خروج هذه القوات ليس بيدهم؛ لأنّ الدولتين اللتين تدخلتا عسكرياً بشكل مباشر وغير مباشر؛ تركيا وروسيا، لديهما مصالح في الداخل الليبي، تفوق صداقتهما وعلاقتهما بأطراف الصراع.

ولهذا فلن تخرج القوات والمرتزقة الأجانب بغير صفقات تضمن مصالح تركيا وروسيا، أو تقدم ترضيات وتعويضات كافية مقابل الانسحاب من ليبيا. وبغض النظر عن محاولات الإخوان المسلمين تبرير ومنح شرعية للوجود التركي، فروسيا وتركيا كانت لديهما نوايا للتدخل العسكري لتأمين مناطق نفوذ حتى قبل إقدام أي طرف على طلب ذلك منهما.

اقرأ أيضاً: لا شيء يقلق تركيا في ليبيا أكثر من مصالحها ومرتزقتها

ويزيد من صعوبة إخراج هذه القوات الأجنبية، أنّ روسيا وتركيا، صاحبتا الوجود الأجنبي، لديهما تفاهمات على تحقيق مصالحهما في ليبيا، وإدارة عملية الانسحاب بعد تحقيق وضمان هذه المصالح، حتى ولو كان ذلك على حساب الشعب الليبي ذاته.

خريطة القوات الأجنبية

وهناك ثلاث فئات من القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا، وتسعى اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) بمساعدة بعثة الأمم المتحدة، والدول الغربية والجوار الإقليمي إلى إخراجهم من البلاد، وهم: قوات فاجنر الروسية، والقوات التركية والمرتزقة السوريين، والمجموعات المسلحة من دول أفريقية.

أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة

ويرتبط وجود قوات فاجنر بالقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية، برئاسة المشير حفتر، وترتبط تركيا والسوريين بحكومة الوفاق الوطني السابقة، ثم جماعة الإخوان المسلمين وعدد من الفاعلين السياسيين والميليشياويين في طرابلس، وينقسم وجود المرتزقة والجماعات المسلحة الأفريقية بين طرفي الصراع، ووجود مستقل.

اقرأ أيضاً: ليبيا: انتخابات رئاسية تحت رحمة الميليشيات المسلّحة

ولكل من طرفي الصراع تبريرات تتلمس الشرعية حول وجود القوات الأجنبية في مناطقه، فالقيادة العامة قد تقول إنّ القوات الروسية جاءت كفنيين لتقديم أعمال الصيانة والتأهيل للأسلحة الروسية التي تكوّنت منها ترسانة الجيش الليبي السابق، إبان عهد الرئيس الراحل، معمر القذافي، بينما يقول الإخوان وداعمو تركيا من حكومة الوحدة الوطنية وغيرهم إنّ القوات التركية جاءت بناء على اتفاق التعاون الأمني الذي وقعته حكومة الوفاق السابقة، برئاسة فائز السراج مع تركيا في العام 2019.

مقارنةً بالوجود الروسي والتركي، يبدو وجود الميليشيات الأفريقية أيسر في المعالجة، وتبقى العقبة في تخوف بعض الدول من عودة مواطنيها المسلحين، بسبب معاداتهم لأنظمة الحكم

وبالنسبة للمجموعات المسلحة الأفريقية، كان لها وجود سابق على بدء النزاع بين القيادة العامة والميليشيات في طرابلس؛ إذ يعود وجود بعضها إلى ما قبل إطاحة القذافي؛ حيث دعم نظامه العديد من الحركات المسلحة المتمردة في تشاد والسودان والنيجر، وبعضها استغل الفراغ الأمني بعد تفكك الجيش الليبي وانتشر في الجنوب الليبي، كملاذ آمن يشنّ منه عملياته ضدّ الأنظمة الحاكمة التي يعارضها، ومن المؤكد أنّ هذه الجماعات عقدت تحالفات مع طرفي الصراع، وتدخلت بشكل مباشر في الحرب التي دارت بينهما في العام 2019 و2020.

من يدعم بقاء القوات الأجنبية؟

وبعد مرور أكثر من عام على توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، وإطلاق العملية السياسية برعاية بعثة الأمم المتحدة؛ ملتقى الحوار السياسي الليبي، والذي وضع خارطة طريق، تشكلت بموجبها السلطة التنفيذية الانتقالية: المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، كخطوة تمهيدية للوصول للانتخابات العامّة؛ الرئاسية والبرلمانية، المُحدد موعدها في 24 من شهر كانون الأول (ديسمبر) الجاري، شهد الموقف من الوجود الأجنبي تغيراً ملحوظاً، لدى أحد أطراف الصراع، وهي القيادة العامة برئاسة المشير حفتر.

المحلل بو أسعيدة: هناك قطيعة بين المشير حفتر والروس

وحدث التغير بفعل عدّة عوامل، وهي؛ أنّ القيادة العامة لم تكن تريد أكثر من دور استشاري وتقني لقوات فاجنر الروسية، وأنّها لا تريد أن تكون محسوبة على طرف دولي واحد، بل تريد علاقات متوازنة مع الغرب والروس، وكذلك لأنّها تمكنت منذ وقف إطلاق النار من تحقيق قفزات كمية ونوعية على مستوى التدريب والتجنيد وتشغيل السلاح، وهو ما كشفته العروض العسكرية الكبيرة التي نظمتها القيادة العامة، كما في العرض العسكري بمناسبة الذكرى السابعة لانطلاق عملية الكرامة، في أيار (مايو) الماضي.

اقرأ أيضاً: ليبيا: ما حقيقة اقتحام مقر مفوضية الانتخابات بطرابلس؟ هل يصعد الإخوان؟

ويقول المحلل السياسي الليبي، عمر بو أسعيدة: "هناك قطيعة بين المشير حفتر والروس، بسبب رفض الأول طلب الروس إقامة قاعدة عسكرية بحرية، تعيد لهم نفوذهم السابق".

وأكد بو أسعيدة لـ"حفريات" على أنّ "الهدف من استقدام الدعم الروسي كان لتقديم خدمات فنية وأمنية، نظراً للارتباط التسليحي السابق معها، وما يؤمن به المشير هو مصلحة ليبيا، وسيادتها الكاملة، وهو ما لم يرض الروس به، ولهذا يعملون على تأمين مصالحهم مع أطراف أخرى".

اقرأ أيضاً: ليبيا: اتهامات تلاحق مفوضية الانتخابات والغرياني يحرمها ووليامز تعود إلى الواجهة

ومن ناحية أخرى، تدعم جماعة الإخوان المسلمين، وعبر المجلس الأعلى للدولة، برئاسة الإخواني، خالد المشري، ومفتى ليبيا السابق، الصادق الغرياني، بقاء القوات التركية والمرتزقة في البلاد، بحجة أنّها دخلت بطلب من السلطة الشرعية، في إشارة إلى حكومة الوفاق السابقة، وكذلك دعم رئيس الحكومة الانتقالية الحالية، عبد الحميد الدبيبة، وقيادات عسكرية وميليشاوية في طرابلس الوجود التركي، نظراً لأنّهم يعلمون ألا طاقة لهم بمواجهة الجيش الوطني إذا ما تجدد الصراع، وكذلك سيحتاجون لهذه القوات لتعزيز موقفهم حال لم تأت نتيجة الانتخابات المقبلة في مصلحتهم، وهو الأمر المرجح بقوة.

أمريكا: ورقة الضغط القوية

ويعتبر الضغط الخارجي هو الأكثر تأثيراً في ملف خروج القوات الأجنبية؛ النظامية والمرتزقة، وعلى رأس ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت في عهد الإدارة السابقة هي من أعطت الأتراك الضوء الأخضر لموازنة الروس ودعم ميليشيات طرابلس.

اجتماع للجنة المشتركة في القاهرة

ومع إدارة بايدن، تريد واشنطن عودة الاستقرار إلى ليبيا، عبر وجود قيادة مُنتخبة، تقضي على فوضى الشرعيات السياسية والعسكرية، وتدفع نحو خروج القوات الأجنبية كافةً، بما يحقق لها تأمين الخاصرة الجنوبية لحلفائها الأوروبيين، وضبط الحدود الجنوبية للبلاد التي تؤثر سلباً على الاستقرار في أفريقيا. وإلى جانب واشنطن، تدعم دول الجوار الليبي وأوروبا والأمم المتحدة خروج الوجود الأجنبي كافة، وعقد الانتخابات العامة في موعدها.

اقرأ أيضاً: رهانات الإخوان في ليبيا: بين معطيات الإيديولوجيا وتمثلات المأزق السياسي

وكان الاتفاق السياسي الأخير في ليبيا، نصّ على خروج القوات والمرتزقة الأجانب، ودعمّ مجلس الأمن الدولي ذلك بقراراته، بالنصّ على "احترام سيادة ليبيا، وسلامة أراضيها"، مع الإشادة بنتائج مؤتمر برلين والاتفاق السياسي وعمل اللجنة العسكرية المشتركة، والتي تدعو صراحةً إلى خروج القوات الأجنبية.

الناشط السياسي رجب أبريك لـ "حفريات": لن تنسحب تركيا بسهولة من بلدٍ وجدت فيه فرصةً لنهب خيراته، وبسط نفوذها واستعادة مجدها، كما قال رئيسها أردوغان

وربما لا تملك واشنطن الضغط على الروس مباشرةً، ولكن بإمكانها عبر العقوبات الاقتصادية منع الروس والأتراك من الاستفادة من الاستثمار في قطاع النفط وإعادة الإعمار في ليبيا، وكذلك صفقات التسليح مستقبلاً حال تشكيل سلطة مُنتخبة، إلى جانب فرض عقوبات على أي طرف ليبي يعرقل خروج الوجود الأجنبي والاستقرار. وكانت القيادة الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" عقدت عدّة لقاءات مع لجنة 5+5 في طرابلس لبحث ملف المرتزقة والقوات الأجنبية والوضع الأمني.

ماذا تريد روسيا وتركيا؟

وفي ضوء ذلك، فإنّ خروج القوات الروسية والتركية مرتبط بتحقيق مصالح هذه الدول في ليبيا مباشرةً، وتحقيق مصالح أخرى مع أطراف مرتبطة بالملف الليبي؛ كما في حالة تركيا وعلاقتها بمصر.

اقرأ أيضاً: سلاح التلويح بالعقوبات هل يردع الإخوان في ليبيا؟

وكانت لجنة 5+5 عقدت العديد من الاجتماعات داخل وخارج ليبيا، لبحث ملف خروج المرتزقة والقوات الأجنبية، وأعلنت بتاريخ 14 آب (أغسطس) الماضي، عن الاتفاق على خطة لإخراج القوات الأجنبية، دون أن تعلن عن تفاصيلها وجدولها الزمني، ومنذ الشهر الماضي شرعت في عقد اجتماعات مع الدول الأفريقية التي تنتسب إليها قوات عاملة في ليبيا.

مطلع الشهر الماضي عقدت اجتماعاً في القاهرة مع ممثلي دول: مصر والسودان والنيجر وتشاد، للتنسيق حول استقبال الدول الثلاث الأخيرة لمواطنيها المنخرطين في الصراع في ليبيا.

اقرأ أيضاً: ليبيا والاستحقاق الأهم

وبدايةً من الشهر الجاري، عقدت اللجنة اجتماعاً مع عسكريين أتراك في أنقرة، لبحث سحب القوات العسكرية التركية والمرتزقة المرتبطين بها، وكذلك سافرت اللجنة إلى موسكو للغرض ذاته، وشددت أنقرة على ضرورة الخروج المتزامن للقوات الأجنبية.

الناشط أبريك: الخطورة تبقى من تيار الإخوان الذي يعمل على إفساد الانتخابات

وحول الترضيات التي تريدها تركيا، يقول الناشط السياسي والمدون الليبي، رجب أبريك: "لن تنسحب تركيا بسهولة من بلدٍ وجدت فيه فرصةً لنهب خيراته، وبسط نفوذها واستعادة مجدها، كما قال رئيسها أردوغان في أكثر من مناسبةٍ، وسيخرجون بالقوة. ورغبة الليبيين في ذلك، وبمساعدة موقف أمريكي حازم، وإلى جانب ذلك ستخرج تركيا مقابل ضمان مصالحها".

وأضاف أبريك لـ"حفريات": "روسيا على نهج تركيا نفسه، لكنّ تركيا أكثر توسعاً، والاثنان والعالم بأسره يبحث عن المصالح الاقتصادية، ولهذا ستكون الترضية بتوقيع اتفاقيات اقتصادية، وخصوصاً في مجال النفط".

اقرأ أيضاً: ليبيا تنتخب رئيسها للمرة الأولى

وأشار إلى أنّ "تأثير وجود القوات الأجنبية لا يعتبر خطيراً على العملية الانتخابية إذا توحدت الإرادة الليبية، والخطورة تبقى من تيار الإخوان الذي يعمل على إفساد الانتخابات، التي لا حظوظ له فيها، ويستعين على ذلك بالوجود التركي".

ومقارنةً بالوجود الروسي والتركي، يبدو وجود الميليشيات الأفريقية أيسر في المعالجة، خصوصاً مع تجاوب الدول المعنية من السودان وتشاد والنيجر، وتبقى العقبة في تخوف هذه الدول من عودة مواطنيها المسلحين، بسبب معاداتهم لأنظمة الحكم.

اقرأ أيضاً: ليبيا.. إصلاح الحاضر بأدوات الماضي

وفي وقت سابق أعلنت اللجنة العسكرية المشتركة عن خروج 300 مقاتل أجنبي، بعد التنسيق مع الدول المنخرطة في الصراع، وتضم اللجنة خمسة عسكريين تابعين للقيادة العامة، وخمسة آخرين من العسكريين النظاميين من طرابلس.

وكان البرلمان الليبي والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطنية السابقة، وقعا اتفاق وقف إطلاق النار في 24 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وسبقه بعدّة أشهر انسحاب الجيش الوطني من أطراف طرابلس، إلى خط سرت - الجفرة، الذي بات فاصلاً بين الطرفين، بعد إعلانه خطاً أحمر من طرف مصر، وشهدت البلاد تهدئة واسعة منذ التوقيع الرسمي على وقف إطلاق النار.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية