ليبيا: انتخابات رئاسية تحت رحمة الميليشيات المسلّحة

ليبيا: انتخابات رئاسية تحت رحمة الميليشيات المسلّحة


كاتب ومترجم جزائري
08/12/2021

ترجمة: مدني قصري

تحت الضغط الغربي تسعى الأمم المتحدة أن تجري الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الليبية المقررة في 24 كانون الأول (ديسمبر)، على الرغم من العديد من العقبات؛ أهمها خطر تعرّض الحملة الانتخابية للتهديد ومصادرة التصويت من قبل الجماعات المسلحة

في انتظار موعد الانتقال إلى مكاتبهم، يقيم الدبلوماسيون القادمون إلى طرابلس في غالب الأحيان في "بالم سيتي" Palm City (مدينة النخيل)، وهو سكن سياحي على شاطئ البحر، غرب العاصمة الليبية.

اقرأ أيضاً: ليبيا: اتهامات تلاحق مفوضية الانتخابات والغرياني يحرمها ووليامز تعود إلى الواجهة

هناك في هذا المسكن يناقش السفراء والمستشارون، بشكل رسمي أو غير رسمي، التقدّم الذي تمّ إحرازه في عملية تنظيم الانتخابات الرئاسية، تحت حماية حرّاسهم ورجال فرسان جنزور. الحقيقة اللافتة هنا: هذه الهيئة المسلحة معادية للانتخابات.

هل يمكن أن تنقلب هذه الهيئة المسلحة على ضيوفها؟ ربما لا، لكن الحكاية تكشف عن حقيقة أساسية: تعتمد كفاءة الانتخابات على تصويت عادل. ومع ذلك لن يكون هذا هو الحال في ليبيا، أو على الأقل لن يتمكن أحد من الحكم على شفافية هذا التصويت.

 

اقرأ أيضاً: رهانات الإخوان في ليبيا: بين معطيات الإيديولوجيا وتمثلات المأزق السياسي

إذا كانت البلاد مقسّمة فإنّ هناك حقيقة قائمة في زوارة، وهي مدينة أمازيغية على الحدود التونسية، وفي طبرق بالقرب من مصر، وفي مصراتة وهي بلدة ساحلية غنية، وفي مرزوق وهي مدينة في الصحراء تقطنها قبائل التُبو (1) : في شوارع هذه المناطق  الجماعات المسلحة هي التي تسهر على الأمن، وبالتالي على حماية الحملة الانتخابية وعلى عملية التصويت.

إنّ تأجيل الانتخابات على المدى الطويل، أو حتى إلغاءها، من شأنه أن يؤدي، بالإضافة إلى الاشتباكات المحتملة بين الجماعات المسلحة، إلى أزمة ثقة كبيرة بين المواطنين والقادة السياسيين

سواء أطلقت هذه الجماعات على نفسها اسم الجيش الوطني الليبي ANL  (بقيادة خليفة حفتر)، أو جهاز دعم الاستقرار في طرابلس (القريب من فتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق والمرشح للانتخابات الرئاسية)، أو حتى الردع RADA (السلفيون المدخليون، المؤيدون لـعبد الحميد دبيبة، رئيس الوزراء المرشح للانتخابات الرئاسية)، ستعمل هذه الجماعات جميعًا لفائدة مُفضّليها من المرشحين، تحت العيون السلبية لفلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، الإستراتيجيَّين البارعَين جداً في نشر قوّاتهما في ليبيا للتأثير على النتيجة.

ضغوط

"إنهم يتبخترون في فندق فخم وهم يردّدون "انتخابات 24 كانون الأول ( ديسمبر)". ليسوا هُم الذين سيضعون ورقة الاقتراع في الصندوق، تحت رحمة رجال مسلحين حول مراكز الاقتراع. ما دام الأمن في أيدي الميليشيات فلن تستطيع دفع البلاد إلى الأمام"، هكذا سخِر صحفي ليبي بمرارة في 21 تشرين الأوّل (أكتوبر) خلال مؤتمر حول الاستقرار في ليبيا، جمع قادة من أكثر من 30  دولة في فندق كورينثيا في طرابلس.

بلغة أكثر وضوحاً يعني هذا: "الصراعات السياسية العسكرية المستمرّة واستمرار حالة انعدام الأمن في ليبيا لا تفضي إلى انتخابات حرّة ونزيهة. بالإضافة إلى ذلك، ليس هناك ما يضمن أنّ الجهات الفاعلة الرئيسية، والتي من المتوقع أن يترشح البعض منها للرئاسة، ستسمح بإجراء هذه الانتخابات إذا اعتقدت أنها ستخسر أو سيتم تهميشها"، كما ورد في مقتطف من تقرير" الانتخابات الليبية 2021 : سيناريوهات وعواقب" للشركة الاستشارية للمخاطر السياسية والتنمية COAR Global.

في عام 2012 سارت الحملة والاقتراع بشكل جيد بشكل عام، على الرغم من أنّ بعض المناطق لم تتمكن من تنظيم التصويت بسبب ضغوط محلية أو نقص في العتاد الانتخابي.

 

اقرأ أيضاً: سلاح التلويح بالعقوبات هل يردع الإخوان في ليبيا؟

"ومع ذلك، بعد مرور بضعة أسابيع تم غزو المؤتمر الوطني العام من قبل" السكان"، حتى لا نقول ميليشيات، من الزاوية (50 كم غرب طرابلس) لأنهم رأوا أنّ مدينتهم غير ممثلة بما فيه الكفاية في الحكومة التي كان لابد من المصادقة عليها من قبل النواب! "، هذا ما قاله لـِ ميدل إيست آي يونس وهو نفسه من الزاوية.

"غير أنه إذا صدّقنا الأمريكيين والأوروبيين فسيتم كل شيء على ما يرام. وسيقبل سيف الإسلام باحتمال هزيمته (في وقت كتابة هذا التقرير لم يكن ترشيحه قد رفض من قبل السلطة الانتخابية في البلاد)، وسيصافح حفتر خصمَه سواء فاز أو خسر بصدر رحب، وسيتوقف دبيبة عن رشوة الجميع ...

النغمة ساخرة والقول جاد للغاية

سيف الإسلام القذافي الذي قدّم ترشيحه في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، ووفقاً لمقابلة  مع صحيفة نيويورك تايمز خلال هذا الصيف فهو لا ينفي الكثير عن الجماهيرية (ليبيا تحت حكم والده معمر القذافي).

خليفة حفتر متّهم بارتكاب جرائم حرب من قبل قادة طرابلس (المنطقة الغربية من البلاد).

أمّا رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد دبيبة، المقرّب من تركيا، فهو يغذي شعبيته المتزايدة بفضل آلاف الدنانير (اتهمت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة عائلة دبيبة بـ "دفع أموال لأعضاء منتدى الحوار السياسي الليبي الذي انتخب عبد الحميد دبيبة لمنصبه).

هل سيقبلون بحكم اقتراعٍ مشكوك في نزاهته

"لم يحظَ أي من المرشحين المفضلين بالدعم في كل ليبيا، المنقسمة إقليمياً وسياسياً. فإذا أجريت الانتخابات فمن المرجح أن ينضم الخاسرون إلى أولئك الذين عارضوا التصويت والطعن في النتائج"، كما توقع الباحثان ولفرام لاتشر وعماد الدين بادي في مقال نُشر في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) في صحيفة واشنطن بوست.

 

اقرأ أيضاً: ليبيا والاستحقاق الأهم

فلا حاجة حتى للطعن في النتائج: خلال الانتخابات التشريعية لعام 2014 أدت شروط انتقال السلطة بين المجلسين إلى معركة طرابلس الثانية وانقسام البلاد فعلياً إلى قسمين.

الانتخابات يمكن أن تشعل الانفجار

"نعم، لكن ذلك كان قبل عشر سنوات. الليبيون والقادة السياسيون تعلموا الكثير منذ ذلك الحين. أنا نفسي، إذا أنشأت الحزب الديمقراطي فذاك حتى أبتعد عن أكثر الشخصيات راديكالية في حزب العدالة والبناء [JCP] "، كما قال لموقع MEE في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) محمد صوان، الرئيس السابق لهذا الحزب التابع للإخوان المسلمين. لكن الحقائق لا تعمل لصالحه.

أدت معركة طرابلس الثالثة (نيسان (أبريل) 2019 – حزيران (يونيو) 2020)، إلى إحداث صدع بين الشرق والغرب لم يسبق له مثيل وأصبحت طرابلس أكثر تجزّؤاً ممّا كانت عليه.  

لقد سمح القتال بين فصائل طرابلس المختلفة بالتحالف حول العدو المشترك، خليفة حفتر، والتمتع ببعض التساهلات السخية من جانب السكان.

ليس هناك ما يضمن أنّ الجهات الفاعلة الرئيسية، والتي من المتوقع أن يترشح البعض منها للرئاسة، ستسمح بإجراء هذه الانتخابات إذا اعتقدت أنها ستخسر أو سيتم تهميشها

مع الانتصار تَصاعد التوتر بين المدنيين والمسلحين. العاصمة الليبية محاطة بالقوات المحلية، وكذلك مجموعات من مصراتة والزنتان.

"قادة هذه الجماعات هم قبل كل شيء لاعبون سياسيون وعسكريون. بصرف النظر عن صدّام حفتر ولوائه 106 الذي سيكون دائماً خلف والده خليفة حفتر، لا يوجد تحالف نهائي بين المرشحين والقوات المسلحة"، كما يحذر جليل حرشاوي، الباحث في منظمة المبادرات العالمية، وهي منظمة تحارب الجريمة المنظمة، الذي اتصلت به MEE.

اقرأ أيضاً: المشهد الليبي قبيل الانتخابات الرئاسيّة.. رؤية تحليليّة

"والفئتان المعنيتان الآن هما أولئك الذين يؤيدون انتخابات 24 كانون الأول (ديسمبر) وأولئك الذين يعارضونها.

في الأولى، نجد على وجه الخصوص جهاز دعم الاستقرار في طرابلس لعبد الغني الككلي المعروف بـ غنيوة، وعلي بوزريبة أمير الحرب من الزاوية.

وفي الثانية نجد قوات الردع الخاصة التابعة لعبد الرؤوف كارة، المتواجدة بقوة في طرابلس، وهي بمثابة حماية مباشرة لرئيس الوزراء عبد الحميد دبيبة.

ما انفك غنيوة، بطل حي أبو سليم وكارة الممثل الفخور لسوق الجمعة، يتحالفان أو يشتبكان من أجل السيطرة على طرابلس منذ عقد من الزمن.

كما بدأت المناورات الكبيرة خارج العاصمة. شكّل لواء مصراتة 166  الذي يدعم فتحي باشاغا، ولواءُ طارق بن زياد التابع للجيش الوطني العربي الليبي بقيادة حفتر، قوّةً مشتركة لنشرها جنوب طرابلس، لا سيما في مدينتي بني وليد وترهونة الحساستين.

اقرأ أيضاً: أمريكا والأمم المتحدة تقطعان الطريق على محاولات عرقلة الانتخابات في ليبيا.. ما الجديد؟

وقال جليل حرشاوي في تحليله "من الممكن أن تكون هذه الإستراتيجية هي إثارة الشعور بمحاصرة اللواء 444 الموالي للدبيبة المتواجد بقوة في المنطقة".

وفي  25 تشرين الثاني (نوفمبر) قامت نفس كتيبة طارق بن زياد بتطويق المحكمة في سبها عاصمة فزان بمنطقة جنوب ليبيا، لمنع القضاة من الحكم في استئناف سيف الإسلام القذافي الذي طعن في إقصائه من السباق إلى الرئاسيات من قبل المفوضية الانتخابية بعد حكم الإعدام الصادر ضدّه من قبل محكمة طرابلس في صيف 2015.

إعادة الإدماج في القطاع الاقتصادي الخاص

نعود إلى كلام الصحفي الليبي: "طالما أنّ الأمن في أيدي الميليشيات فلن تكون قادراً على دفع البلاد إلى الأمام".

قام كلينجينديل، المعهد الهولندي للعلاقات الدولية بإحصاء ما بين عام 2011 وعام 2018 اثني عشر برنامجاً تتضمن على الأقل جزئياً "ملف تسريح" بهدف تفكيك الميليشيات وإنشاء قوات أمن وطني (الشرطة والجيش وما إلى ذلك).

لكن كل البرامج فشلت لأنّ القادة السياسيين كانوا قبل كل شيء بحاجة إلى الشرعية الثورية التي تتمتع بها هذه الجماعات لتأسيس سلطتهم.

باتخاذ وجهة نظر معاكسة لهذه السياسات أطلقت منظمة سوبر نوفا  Super Novae غير الحكومية التي تموّلها فرنسا والاتحاد الأوروبي، مشروعاً في نيسان (أبريل) يهدف إلى استهداف المقاتلين لمنحهم فرصاً لإعادة إدماجهم في القطاع الاقتصادي الخاص في البلاد.

"إرادتنا وإرادة المانحين هي نزع سلاح السكان، لا سيما في سياق الانتخابات"، هكذا وضح لموقع MEE ألكسندر شاتيلون، المؤسس المشارك في المنظمة غير الحكومية Super Novae. "لا شيء يثبت أنهم لن يرفعوا السلاح مرّة أخرى، لكننا نمنحهم كل الأسباب لعدم القيام بذلك. هذه الأسباب هي المستقبل الذي يتعيّن عليهم بناؤه".

اقرأ أيضاً: رياح العنف تهب على الانتخابات الليبية غرباً... هل تعرقل الاستحقاق المُنتظر؟

من دون مقاتلين ومن دون جماعات مسلحة يصبح الاستقرار ممكناً، لأنّ السياسيين في ليبيا ليسوا هم الذين يحركون الميليشيات، ولكن هذه الأخيرة نفسها هي التي تتحالف مؤقتاً مع هذه الشخصية أو تلك.

شريط فيديو ترشح سيف الإسلام للرئاسة في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) في سبها، والذي طاف العالم خيرُ مثال على ذلك. ويلاحِظ ولفرام لاتشرْ أنه في خلفية الفيديو نرى رجلاً يرتدي زيّاً موحداً وهو يبتسم: محمد بشر. كان هذا الأخير القائد السابق لحملة الهجرة غير الشرعية، التي اتخذت من طرابلس مقراً لها، قبل أن ينضم إلى خليفة حفتر الذي عيّنه قائداً للشرطة في سبها. واليوم أصدر الجيش الوطني العربي الليبي مذكرة توقيف بحقه.

كما ذكر الباحث جلال حرشاوي أيضاً "تواطؤ" مبروك سحبان قائد اللواء 12 المتمركز في سبها: ساعدت هذه الشخصية الموالية السابقة للجماهيرية في وصول ابن القذافي إلى سبها.

وهذا يدل على أنه حتى القوات التي يتألف منها معسكر حفتر الذي يُفترَض أنه أكثر تجانساً من منافسه في الغرب، معرّضة للانشقاقات والخيانات.

ربما تطلب الأمر عدة انشقاقات وخيانات حتى يتاح لـ "ابن..." قطع مسافة الـ 800 كيلومتر التي تفصل الزنتان، حيث كان سجينًا في سجن لكبار الشخصيات VIP منذ 2011 عن عاصمة فزان.

اقرأ أيضاً: تهديدات بالعنف.. هل ينجح الإخوان المسلمون في عرقلة الانتخابات الليبية؟

كانت رد الفعل سريعاً. مباشرة بعد إضفاء الطابع الرسمي على ترشيح سيف الإسلام، أغلِقت عدّة مكاتب انتخابية - حيث يستلم الليبيون بطاقات ناخبيهم - في الغرب، بما في ذلك الزاوية، على يد مجموعات معارضة لانتخابات 24 كانون الأوّل (ديسمبر).

تفاؤل الليبيين بالانتخابات

ومع ذلك يبدو أنّ الليبيين يؤمنون بالتأثير الإيجابي لهذه الانتخابات الرئاسية، وهي الأولى من نوعها: تم تسجيل 2,8 مليون ناخب، وهو ما يعادل أوّل انتخابات حرة جرت في عام 2012 وأكثر بكثير من 1,5   مليون في انتخابات عام 2014 .

إنّ تأجيل الانتخابات على المدى الطويل، أو حتى إلغاءها، من شأنه أن يؤدي، بالإضافة إلى الاشتباكات المحتملة بين الجماعات المسلحة، إلى أزمة ثقة كبيرة بين المواطنين والقادة السياسيين الليبيين والمجتمع الدولي الذي دفع تحت الضغط الغربي إلى إجراء التصويت.

انتخابات متحيّزة وبالتالي وجود انعدام ثقة متزايد بين المواطنين والهيئات السياسية، وخطر حدوث اشتباكات والبلد لا يزال منقسماً، أو لا انتخابات، وبالتالي ... انعدام الثقة المتزايد بين المواطنين والهيئات السياسية.


الهامش:

التُبو مجموعة إثنية من الرُعاة الرُحّل وشِبه الرُحّل، يَستوطنون في الوقت الراهن الجزء الأوسط من الصحراء الكبرى الأفريقية، على امتداد الجزء الجنوبي من دولة ليبيا، وفي أجزاء الشمالية والوسط والغربية من تشاد، وفي شمال شرقي جمهورية النيجر والجزء الأقصى من شمال غرب السودان.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.middleeasteye.net/fr




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية