زايد واستراتيجية العمل العربي

زايد واستراتيجية العمل العربي

زايد واستراتيجية العمل العربي


10/04/2023

فاطمة الصايغ

يصادف التاسع عشر من رمضان هذا العام الذكرى التاسعة عشرة لرحيل مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فالوالد المؤسس ترك إرثاً خالداً سواء الإرث القيمي أو الإرث السياسي، حيث يمثل إرث زايد اليوم إرثاً تاريخياً واستراتيجياً ملهماً. فما هي ملامح الاستراتيجية القومية في النهج السياسي لزايد؟ وكيف وظف الأبناء المؤسسون هذا الإرث؟ وكيف تدرجت الإمارات التي بناها زايد من دولة صغيرة ناشئة إلى لاعب مؤثر على الساحتين العربية والدولية؟

لقد استطاع زايد بلورة استراتيجية عربية قومية ذات رؤية خاصة وربما مختلفة. لقد أدرك الوالد المؤسس، رحمه الله، بوعي عميق واقع العالم العربي والمتغيرات التي كانت تجوب فيه، وتلمس بشكل واقعي وعقلاني مسيرة الأحداث فيه. وانطلاقاً من أصالة عروبته مد زايد يده لجواره العربي، حيث عايش أحلام الوحدة العربية وكان إيمانه بوحدة عربية حقيقية نابعاً من القلب.

وعلى الرغم من أن الظروف في العالم العربي قد تكون معاكسة لتلك الأحلام الكبرى إلا أن زايد لم ييأس أبداً من وحدة عربية تبدأ صغيرة وتصبح كبيرة. وقد صرح يوماً قائلاً: «إننا نحن العرب أمة واحدة والروابط بيننا روابط الأسرة الواحدة والأمم تتجه نحو توحيد صفوفها والتعاون بينها...من أجل مصالحها واستقرار شعوبها». لقد تلمس الشيخ زايد، رحمه الله، سبل التضامن العربي كأساس لمواجهة تحديات المستقبل وعمل طوال حياته من أجل الأهداف التي آمن بها.

عرف الشيخ زايد، رحمه الله، بحكمة سياسة القوى العظمى التي ترتكز في الكثير من الأحيان على المصالح دون النظر للأعراف والقيم أو حقوق الآخرين. وكان يسعى دوماً لأن يجنب بلده والبلدان العربية الانخراط في سياسيات أو مواقف لا تخدم مصالحها القومية. كما تميز نهج زايد بالحيادية والالتزام بالقيم والأعراف الدولية.

وتفاعل بحكمة وإيجابية مع قضايا عصره المصيرية حتى لقب بـ «حكيم العرب». ولم يتوانَ زايد من التصريح دوماً خاصة أثناء لقائه بالصحفيين الأجانب بأن قضية العرب المصيرية هي قضية فلسطين، وأن إيجاد الحلول التي تضمن مصالح كل طرف هو الحل الوحيد لحلحلة تلك القضية من خلال الوقوف إلى جانب الحق والعدل.

ارتبط زايد بالوطن الصغير والكبير ارتباطاً كبيراً. فقد كان حريصاً على ترسيخ جذور العمل الإنساني محلياً كوسيلة مهمة لنشر ثقافة العطاء والخير والإنسانية. وعلى المستوى العربي فقد مد يده بالخير إلى البلدان المحتاجة يزرع ويبني ويعمر. فكان له في كل بلد بصمة قوية وتأثير بعيد المدى. لقد كانت مشاعره العربية القومية هي الدافع نحو تنمية الواقع العربي والعمل من أجل البناء والتعمير.

فلا شيء أقوى من إحداث التغير غير التغير نفسه. بالإضافة إلى ذلك فقد بارك زايد دوماً جهود التسوية والحوار بين البلدان العربية سواء من خلال الجهود الدبلوماسية أو المنظمات الدولية وتحمل هو شخصياً في بعض الأحيان تكاليف وأعباء تلك التسويات مادياً ومعنوياً.

آمن الشيخ زايد، بوحدة المصير العربي المشترك وكان إيمانه وقناعاته بأهمية العمل العربي المشترك العامل الرئيس لنجاح الجهود والوساطات التي قام بها. فقد كان يصرح دوماً بأن مصير الأمة العربية هو مصير واحد ومشترك ولا نجاح لدولة على حساب غيرها. فقد كانت رؤيته شمولية وواسعة بحيث يرى مستقبل العالم العربي كله ودور كل دولة في إنجاح مساعي السلام والأمن. فقد استمد تلك الرؤية من التاريخ ومن مسيرة الأحداث العالمية. لقد تمتع زايد بحدس كبير أهّله أن يستشرف مسيرة الأحداث، وأن يعمل جاهداً لتجنب الكثير من المطبات السياسية. لذا كان بصر زايد وبصيرته النهج الذي سار عليه الأبناء المؤسسون بعد رحيل زايد.

لقد ترك الشيخ زايد، رحمه الله، إرثاً قيمياً كبيراً متمثلاً في العطاء والتسامح والتفاعل الإيجابي مع الآخرين ونبذ العنف والعنصرية وتقبل الآخر المختلف. وقد وظف الأبناء هذا الإرث في صورة قيم إنسانية وإدارية وضعت الإمارات في مراكز متقدمة بين دول العالم. كما وظفت الدولة نهج زايد السياسي في صورة مبادرات عالمية وجهود دبلوماسية وسياسية ساهمت في نشر الأمن والأمان والخير والعطاء في العالم. فلا غرو أن تصبح الإمارات اليوم مجتمعاً مثالياً تهفو قلوب الملايين للعيش والعمل فيه. ولسوف يظل إرث زايد منهاجاً للعمل الإنساني والسياسي للدولة.

عن "البيان" الإماراتية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية