زعيم "داعش" وأبرز فقهائها يموت على طريقة الساموراي

زعيم "داعش" وأبرز فقهائها يموت على طريقة الساموراي


05/02/2022

لا يُعرف إلا النزر اليسير عن حياة أبي إبراهيم الهاشمي القرشي الذي قاد تنظيم "داعش" بعد مقتل زعيمه أبي بكر البغدادي في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019 عندما فجّر نفسه بعد أن حاصرته القوات الأمريكية في سوريا.

وكأنّ قدر زعيمي "داعش" أن يشهدا الميتة ذاتها؛ فكلاهما حوصر من القوات الأمريكية، وكلاهما رفض الاستسلام أو الوقوع في أسر القوات المهاجمة، وكلاهما أيضاً ظل متسربلاً بطرق تخفٍ أعجزت المطاردين، حتى كانت النهايات الدرامية المحتومة، فقضيا على طريقة الساموراي، ولكن بالمتفجرات وليس بالسيف "هارا كيري".

ضابط سابق في جيش صدام

ويُعتقد أنّ القرشي كان ضابطاً في الجيش العراقي إبان حكم الرئيس السابق صدام حسين قبل أن ينضم إلى جبهة قتال ضد الولايات المتحدة بعد عام 2003، في صفوف تنظيم القاعدة في البداية ثم انضم لاحقاً إلى تنظيم داعش.

على مدار 26 شهراً التي قضاها كزعيم لداعش، ظل أبو إبراهيم الهاشمي القرشي بعيداً عن الأنظار

وكانت الولايات المتحدة عرضت في وقت سابق مكافأة لمن يدلي بمعلومات عن القرشي، وقالت إنه "كان قائداً إرهابياً بارزاً في تنظيم القاعدة في العراق، قبل تنظيم الدولة الإسلامية، وترقى بشكل مطرد في الرتب إلى أن تولى دوراً قيادياً بارزاً، وهو نائب زعيم تنظيم الدولة الإسلامية".

وقالت الولايات المتحدة، كما ذكرت "بي بي سي" إنّ القرشي "كان من أبرز الأيديولوجيين (الفقهاء) في تنظيم الدولة الإسلامية" و"اشترك وساعد في توجيه وتبرير عمليات الاختطاف والذبح والنخاسة التي طالت الأقلية الدينية الإيزيدية في شمال غربي العراق، وتزّعم أيضاً بعض العمليات الإرهابية العالمية للتنظيم".

وأفادت تقارير صحفية أنّه على مدار 26 شهراً التي قضاها كزعيم لتنظيم داعش، ظل أبو إبراهيم الهاشمي القرشي بعيداً عن الأنظار، ولم يُصدر أي تصريحات أو مقاطع الفيديو مثل سلفه أبو بكر البغدادي وقادة الجماعات الإرهابية الأخرى، كما لم يجر أي اتصال عام مما جعل من الصعب تتبعه.

يعتقد أنّ القرشي كان ضابطاً في الجيش العراقي إبان حكم صدام حسين قبل أن ينضم إلى جبهة قتال ضد الولايات المتحدة بعد عام 2003، في صفوف "القاعدة" ثم "داعش"

لكن في الأسابيع الأخيرة كسر القرشي هذا الغطاء عندما أشرف على هجوم شنه "داعش" على سجن غويران في مدينة الحسكة شمال سوريا، لتحرير عناصر التنظيم، بحسب ما قاله مسؤولون أمنيون غربيون لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وذكر أحد المسؤولين الأمنيين أنّ عملاء مكافحة الإرهاب الغربيين تلقوا معلومات تفيد بأنه "متورط شخصياً في الهجوم على السجن".

اقرأ أيضاً: بعد غارة أمريكية ليلية على سوريا... بايدن يعلن مقتل "زعيم داعش"

وأكد المسؤول الأمني أنه في الوقت نفسه تقريباً، رصدت المخابرات العراقية، التي لديها مخبرون في معسكرات اعتقال عناصر داعش في سوريا، وجوده أثناء تحركه في محافظة إدلب السورية وأرسلت المعلومات إلى التحالف الدولي.

وأضاف المسؤول الأمني الذي اطلع على الجهود المبذولة لتعقبه، إنّ "الخوف من القتل أصاب القرشي بالإحباط وعدم القدرة على التحرك، لذلك أراد تحقيق إنجاز".

واعترف مسؤول عراقي رفيع، أول من أمس الخميس، بأنّ بلاده ساهمت في الجهد الاستخباري الذي قاد إلى مقتل القرشي.

العراق زوّد واشنطن بالمعلومات

وقال الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول في تغريدة إنّ عملية قتل زعيم التنظيم "نُفذت بعد أن زود جهاز المخابرات الوطني العراقي التحالف الدولي بمعلومات دقيقة، قادت إلى الوصول إلى مكانه وقتله".

وكان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أعلن مقتل القرشي خلال مداهمة نفذتها القوات الخاصة الأمريكية في محافظة إدلب بشمال غرب سوريا خلال الليل.

وقال بايدن في بيان "بفضل مهارة وشجاعة قواتنا المسلحة أزلنا من ساحة المعركة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم داعش". وقال إنّ جميع الأمريكيين المشاركين في العملية عادوا بسلام.

اقرأ أيضاً: للتخلص من أفكار داعش.. العراق يستعد لمعركة جديدة لتحرير العقول

وأفاد ضابط استخبارات أمريكي شارك في جهود تعقب قادة داعش في إدلب، إنّ القرشي أحاط نفسه بدائرة صغيرة من الحراس الشخصيين والنساء والأطفال الذين يمكن استخدامهم كدروع بشرية. وأضاف: "لقد حاولوا اقتياده حياً. لكنه فجر نفسه وأفراد عائلته".

وتزامنت عملية قتل القرشي مع محاولة "داعش" على ما يبدو العودة إلى ترتيب صفوفه بعد فشل جهوده لإقامة خلافة إسلامية عام 2019، بعد عدة سنوات من القتال في سوريا والعراق. وفي الأسابيع والأشهر الأخيرة، شن التنظيم سلسلة من الهجمات في المنطقة، بما فيها هجوم استمر 10 أيام أواخر الشهر الماضي للاستيلاء على سجن في شمال شرق سوريا.

اقرأ أيضاً: سجن غويران ومعضلة فلول داعش بشمال سوريا.. ما علاقة تركيا؟

ورأى معلقون أنّ عمليّة عملية مقتل القرشي تُثير العديد من علامات الاستِفهام بسبب غُموضها أوّلاً، والشّكوك التي تُحيط بنتائجها ثانياً، والأهداف الحقيقيّة وراء تنفيذها في هذا التّوقيت ثالثاً.

وقال رئيس تحرير موقع "رأي اليوم" عبد الباري عطوان إنّ "عمليّة الاغتِيال جاءت لتُقدّم الذّرائع لبقاء القوّات الأمريكيّة في شِمال وشَرق سورية، لإحكام السّيطرة على مناطق شرق الفُرات الخصبة والغنيّة بالنفط والغاز والمعادن الأُخرى، وتعزيز قُدرات نظام الحُكم الذّاتي الكُردي الانفصالي المُسيطر على تلك المناطق ويتّخذ من مدينة الحسكة عاصمة له، خاصَّةً بعد أن بدأت قوّاته تتضعضع لأسبابٍ عديدة، أبرزها عودة داعش بقوّة، وبدء المُقاومة الشعبيّة العربيّة السوريّة والعِراقيّة لمُكافحة الاحتِلال الأمريكي".

مقتل القرشي ونظرية المؤامرة

وامتثالاً لنظرية المؤامرة السائدة لدى بعض الكتاب والمحللين، شكك عطوان في العملية، وقال "هُناك عدّة نقاط جوهريّة، علاوةً على العديد من الأسئلة التي يُمكن طرحها حول ظُروف هذه العمليّة الأمريكيّة شِمال إدلب ومُلابساتها:

أوّلاً: لا يُوجد أيّ دليل مادي ملموس يؤكّد أنّ القوّات الأمريكيّة اغتالت زعيم تنظيم داعش الجديد القرشي، فلا تُوجد له أيّ صُورة شخصيّة، ولم يظهر علانيّة مُنذ أن تولّى قيادة التنظيم في تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 2019

.

ثانياً: البيان الأخير الذي صدر عن وزارة الدفاع الأمريكيّة (البنتاغون) قال إنّ القرشي فجّر نفسه بقُنبلةٍ كبيرة حوّلته إلى أشلاء انتشرت داخِل المبنى وخارجه، ومعه أشلاء 13 آخرين، بينهم أربع نساء وأربعة أطفال.

ثالثاً: هذا البيان يُريد تنصّل أمريكا من مسؤوليّة القتل له وللأطفال والنساء، وعدم تقديم أيّ أدلّة على أنّ القرشي كان من بين الضّحايا، الأمر الذي يُذكّرنا بسيناريو مقتل سلفه البغدادي، وقبلهما أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة ومُؤسّسها، فحتى هذه اللّحظة لم نر صُورةً واحدةً تُوَثِّق مقتلهما.

في وقت مبكر من كانون أول (ديسمبر)، كانت المخابرات الأمريكية قد أنشأت نموذجاً يحاكي مبنى اعتقدوا أنّ القرشي كان مختبئاً فيه. وتوقع المهندسون أنه سيفجر المتفجرات بدلاً من القبض عليه

رابعاً: توقيت تنفيذ هذه العمليّة الهُجوميّة (الغامضة) تأتي بعد أيّام معدودة مع رواية هُجوم تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) على سجن الحسكة ...

خامساً: بغضّ النظر عن مدى دقّة المعلومات الواردة في البيانات الأمريكيّة حول هذه العمليّة، وتفاصيلها، وضحاياها، لأنّها قادمة في مُعظمها من طرفٍ واحد فقط، أيّ الأمريكي، فإنّ الحقيقة التي تطل برأسها هي العودة القويّة لتنظيم (داعش) واستِئنافه لنشاطه في العِراق وشمال سورية وشرقها، والحُدود السوريّة العِراقيّة، وصحوة خلاياه النّائمة طِوال السّنوات الثّلاث الماضية، وعودتها للحِراك مجدداً، وبشَكلٍ قاتل".

مداهمة منتصف الليل

ورغم التشكيك "المؤامراتي" بالعملية، إلا أنّ تقريراً نشرته صحيفة "الإندبندنت" بقلم الكاتبين لبل ترو وريتشارد هول، بعنوان "داخل مداهمة منتصف الليل لقتل زعيم تنظيم الدولة"، كشف تفاصيل إضافية عن حيثيات مقتل القرشي.

يقول الكاتبان إنّ العملية "بدأت بعد منتصف الليل بقليل. استيقظ سكان بلدة أطمة السورية، الواقعة على الجانب الآخر من الحدود مع تركيا، على أصوات طائرات المروحية التي تصم الآذان بالقرب منهم. وكانت الطائرة تقل فريقاً من القوات الخاصة الأمريكية نزل وحاصر مبنى سكنياً. عبر مكبرات الصوت، نادى الجنود بالعربية من في الداخل بالاستسلام".

اقرأ أيضاً: مخاطر عودة داعش وسبل المكافحة

وينقل الكاتبان عن سيما (اسم مستعار) البالغة من العمر 22 عاماً، قولها "سمعنا صوتاً من مكبرات الصوت يقول إنّ النساء والأطفال يجب أن يخرجوا من المنزل المستهدف".

وأضافت متحدثة للإندبندنت "لم نكن نعرف أي منزل كان الهدف".

اقرأ أيضاً: "داعش".. معضلة أمنية وفكرية واجتماعية

ويقول تقرير الصحيفة إنه "على بعد آلاف الأميال، في غرفة العمليات بالبيت الأبيض، تابع الرئيس الأمريكي جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس وكبار الجنرالات العملية عن كثب. وقد استغرق التخطيط لمداهمة زعيم داعش، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، شهوراً. وكان بايدن قد أعطى الأمر النهائي للغارة يوم الثلاثاء".

ويوضح الكاتبان "كان الجيش الأمريكي يراقب المنزل الذي قتل فيه القرشي منذ شهور. قال المسؤولون إنهم يعرفون أنّ القرشي عاش هناك مع مرافق، وأنه لا يزال يشرف بشكل مباشر على أنشطة داعش في جميع أنحاء العراق وسوريا".

نموذح يحاكي مخبأ القرشي

"في وقت مبكر من كانون أول (ديسمبر)، كانت المخابرات الأمريكية قد أنشأت نموذجاً يحاكي مبنى اعتقدوا أنّ القرشي كان مختبئاً فيه. وفقاً لمسؤول رفيع في الإدارة"، بحسب تقرير الكاتبين اللذين لفتا إلى أنّ المهندسين "توقعوا أنه سيفجر المتفجرات بدلاً من القبض عليه، ودرسوا الهيكل لمعرفة ما إذا كان سينهار في مثل هذا الحدث. وقد فجر زعيم داعش ما يعتقد أنه حزام ناسف قوي في وقت مبكر من العملية. قال عمال الإنقاذ المحليون لصحيفة "إندبندنت" إنّ ما مجموعه 13 شخصاً قتلوا، من بينهم ستة أطفال وأربع نساء".

ويشير الكاتبان إلى أنه "غالباً ما تكون الروايات الأولية للعمليات العسكرية التي يقدمها المسؤولون الأمريكيون غير دقيقة وتتناقض لاحقاً مع الأدلة التي تظهر من مصادر على الأرض".

اقرأ أيضاً: بعد أحداث سجن غويران وعمليات داعش في العراق... من أين يأتي التنظيم بالأموال؟

ويردفا "لكن القتال لم ينته بموت زعيم داعش؛ إذ قام مرافق القرشي بتحصين نفسه وعائلته في غرفة بالطابق الثاني واشتبك مع القوات الخاصة الأمريكية. وسمعت سيما، التي تعيش في الجوار، المعركة من منزلها": "سمعنا أصوات اشتباكات. أولاً، الطائرة، ثم صوت القصف، ثم في الثانية صباحاً ما بدا وكأنه رشاشات من المروحية. وفي نهاية الأمر، قتل المرافق المنتمي لتنظيم داعش وزوجته".

ولكن خلال المهمة، "واجهت إحدى المروحيات مشكلة ميكانيكية أجبرتها على الهبوط". أما بعد الغارة، فقالت سيما إنّ "المبنى الذي استهدفته العملية دمر بالكامل الآن".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية