سياسات أردوغان التي شوّهت مكانة تركيا وعلاقاتها

سياسات أردوغان التي شوّهت مكانة تركيا وعلاقاتها


12/06/2021

على مدار العقد الماضي أو نحو ذلك، أعادت تركيا، العضو المثير للجدل في الناتو والمرشحة التي كانت تطمح في السابق للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، تشكيل نفسها كقوة تتحدى علنًا ليس فقط جيرانها الإقليميين ولكن تتقاطع حتى مع مصالح حلفاء مهمين مثل فرنسا والولايات المتحدة.

حاليًا، يتواجد الجيش التركي بنشاط في عدد من الساحات، بما في ذلك سوريا والعراق وجنوب القوقاز وليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط​​، وهو يخوض في نزاعات في بعض الاحيان ويهدف لتوجيه نتيجة تلك النزاعات لصالحه أو لتغيير النظام الدولي السائد. يمثل هذا السلوك تغييراً جذرياً في مسار تركيا السابق على صعيد السياسة الخارجية حيث احتضنت تجنبت في الغالب المغامرات الخارجية.

يقود هذا السلوك التركي المثير للجدل الرئيس رجب طيب أردوغان، أولاً عندما كان رئيسا للوزراء، من 2003 حتى 2014، وثانيا عندما أصبح رئيسا.

في حين أن تحول السياسة الخارجية التركية تحت قيادته لم يتبع مسارًا خطيًا، فقد هيمنت عليه سمتان رئيسيتان: أولاً ، طموح أردوغان لدفع تركيا، وبالتالي نفسه، إلى دور قيادي عالمي؛ وهو طموح مبالغ فيه وأحلام غير واقعية تتقاطع مع حقائق الواقع.

وثانيًا، استخدام سياسة تركيا الخارجية النشيطة الجديدة كوسيلة لتعزيز الشرعية المحلية للنظام وضمان بقائه وبقاء السلطة في يد حزب العدالة والتنمية الى اطول مدة ممكنة.

تولى أردوغان وحزبه العدالة والتنمية السلطة لأول مرة في انتخابات عام 2002، وحصلا على 34 في المائة من الأصوات.

منذ البداية، واجهوا الشكوك، إن لم يكن العداء الصريح، من النخبة العلمانية في البلاد والقادة العسكريين المتشددين بسبب الميول الإسلامية لمؤسسي حزب العدالة والتنمية. وهكذا اتسمت السنوات الأولى للحزب في السلطة بجهد كبير لتحسين صورة تركيا في مجال حقوق الإنسان والحريات الصحافية مع تشجيع مجتمع مدني نابض بالحياة، وذلك لكسب القبول لدى الغرب، وخاصة أوروبا، كوسيلة لاحتواء وكسب النفوذ.

 المؤسسة العسكرية القوية في تركيا وفرت غطاءا على هذه الطفرة في الدمقرطة بما اوجد مزايا إضافية استثمرها اردوغان لصالحه ولتكريس مجده الشخصب.

إن المزج بين الديمقراطية والتقوى الإسلامية، يدل على أن الإسلام والديمقراطية يمكن أن يتعايشا، وهو الامر الذي استحوذ على خيال عدد لا يحصى من شعوب الشرق الأوسط، ومنح تركيا قدرًا من القوة الناعمة التي لم تتمتع بها من قبل وبذلك استطاعت التسلل الى عدد من الدول العربية ومستخدمة ذراع جماعة الاخوان المسلمين الاصولية.

ومع كل هذه المتغيرات والارتقاء بمجده الشخصي، كان أردوغان غالبًا ما ينتقد ما اعتبره نظامًا عالميًا غير عادل. وضع أحمد داود أوغلو، الذي كان المعلم الرئيسي للسياسة الخارجية لأردوغان لسنوات عديدة قبل أن ينفصل ويترك حزب العدالة والتنمية العام الماضي، رؤية لتركيا باعتبارها "قوة مركزية"، من المقرر أن تلعب دورًا مؤثرًا في منطقتها وخارجها.

 في نهاية المطاف، بلغت رؤية أردوغان ذروتها في شعاره أن "العالم أكبر من خمسة" ، في إشارة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي أراد أردوغان إصلاحه بحسب قناعاته الخاصة واعادة تقسيمة وان تكون تركيا لا عبا اساسيا في القرار.

لقد بدأت التغييرات الحقيقية في السياسة الخارجية التركية في حوالي عام 2010، بعد حوالي ثلاث سنوات من تحدي كبار الضباط العسكريين في البلاد لأردوغان من خلال محاولتهم، وفشلهم، في نقض صعود عبد الله غول من حزب العدالة والتنمية إلى الرئاسة - وهي محنة مذلة أجبرت الجيش على الانسحاب. سمح ذلك لأردوغان بتعزيز سلطته في الداخل من خلال إعادة تشكيل المؤسسات التركية، ووضعها في نهاية المطاف تحت سيطرته المباشرة، واستبدال النظام البرلماني بنظام رئاسي تتمركز فيه جميع السلطات بين يديه، وذلك بعد استفتاء عام 2017 المثير للجدل. تم نزع أحشاء المجتمع المدني، ثم التدخل في حرية  الصحافة وصولا الى التغلغل في قرارات الجامعات والجمعيات المستقلة.

بينما كان يُخضع المنتقدين العسكريين والمحليين لأشد اجواء الخوف والاعتقال والطرد من الوظيفة، تبلور إصرار أردوغان على صعيد  السياسة الخارجية.

في الآونة الأخيرة ، اتخذ سلوك أردوغان موقفًا أكثر تعقيدا من خلال التواجد في ليبيا، وحيث  الطائرات التركية بدون طيار والمستشارون العسكريون، ناهيك عن آلاف المقاتلين السوريين الذين جندتهم أنقرة للقتال كمرتزقة، في قلب دفة المعركة لصالح حكومة طرابلس.

ثم التحركات في جنوب القوقاز، لعبت تركيا دورًا أساسيًا في تخطيط ودعم هجوم أذربيجان على جيب ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه. كما هو الحال في ليبيا، لعبت الطائرات بدون طيار التركية والمرتزقة السوريين دورًا حاسمًا في الجولة الأخيرة من القتال بين أذربيجان وأرمينيا حول ناغورنو كاراباخ.

المشهد على صعيد السياسية الخارجية بالنسبة لأنقرة يفقتر الى المنهج والاستراتيجية وذلك سارت على طريق التقلبات السياسية وملء الفراغات مما استوجب استنفاد طاقات وموارد تركيا في مغامرات ما لبثت ان تراجعت تركيا عنها كما هو الحال مع سياساتها تجاه مصر على سبيل المثال.

عن "أحوال" تركية

الصفحة الرئيسية