"طالبان" بين التطرّف واستجداء الشّرعيّة

"طالبان" بين التطرّف واستجداء الشّرعيّة


02/10/2021

منير أديب

هل من السابق لأوانة الآن الحكم على حركة "طالبان" التي وصلت الى السلطة بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان؟ وعلى ماذا يراهن المجتمع الدولي في تغيّر الحركة؟ وما الاختلافات التي يمكن أن نقرأها بين النسختين "طالبان" 1996-2001 و"طالبان" 2021؟ في الحقيقة الإجابة عن هذه الأسئلة لا تحتاج سوى الى فهم طبيعة الحركة وطبيعة التكوين الأيديولوجي، فانعكاس ذلك بكل تأكيد يظهر في سلوكها العام، فضلاً عن السلوك السياسي والاجتماعي والاقتصادي أيضاً، والأمر يحتاج إلى مزيد من الفهم للسلوك الدولي المعقد في التعامل مع الحركة.

الرهان على تغيّر حركة "طالبان" يعود الى تصورين، أن أصحاب هذا الرهان يبحثون عن مساحات مشتركة مع الحركة، وبالتالي يعوّلون على تغيرها ومن ثم تطبيع العلاقات معها، وغالباً ما يكون أصحاب هذا التصور ممن وضعتهم الولايات المتحدة الأميركية أمام الأمر الواقع بانسحابها الفوضوي، دول الجوار الـ5 في مقدمة أصحاب هذا الرهان.

هناك من يريد الترويج لمشروع الإسلام السياسي، وهؤلاء يراهنون بلا شك على نجاح "طالبان"، فضلاً عن تغيرها بالصورة التي تنجح من خلالها في الحصول على الشرعية الدولية، هؤلاء يستغلون مدى رضا الولايات المتحدة عن الحركة وعدم ممانعتها الاعتراف بها، إضافة الى حلفائها في أوروبا الذين لا يمانعون مشاركة واشنطن هذا الاعتراف.

لا ننسى أن هناك دولاً ارتضت التعامل مع "طالبان"، ليس لأنها حركة معتدلة، ولكنها لا تريد أن تقع في الفخ الأميركي، وهنا نقصد الصين وروسيا، وكل منهما قد تكتوي بنار الحركة إذا ما دخلتا في صدام معها؛ التوافقات الدولية على التغاضي عن صعود "طالبان" الى السلطة في أفغانستان ستخلق حتماً أزمة حقيقية وتؤثر في جهود مكافحة الإرهاب، بخاصة أن مؤشرات كثيرة ذهبت إلى أن أفغانستان ستصبح ملاذاً آمناً لجماعات العنف والتطرف.

الولايات المتحدة الأميركية لديها مشكلة كبيرة مع الصعود السريع للصين، سواء اقتصادياً أم عسكرياً، وفشلت واشنطن في مواجهة الصين في ميداني الاقتصاد والتسلح، بل باتت كل المؤشرات تذهب إلى أن المستقبل للصين، وأنها ستسود العالم في غضون سنوات قليلة، بعد محاولتها إعادة فتح طريق "الحرير" عبر مبادرة "الحزام والطريق"، والتي يمكن الصين من خلالها الوصول ببضاعتها إلى كل قارات العالم، بل إلى كل دول العالم، وهو ما سوف يحقق لها الهدف المشار إليه سابقاً وبأسرع مما يتخيله البعض.

الصعود السريع للصين، الى مناوشات روسيا الدائمة مع واشنطن في إطار ما يمكن أن نطلق عليه الحرب الباردة بين البلدين، دفع واشنطن الى محاولة توريطها في أفغانستان بخروج فوضوي غير منظّم، وبإعطاء الشرعية لحركة "طالبان"، وواشنطن تعلم أكثر من غيرها أنها حركة متطرفة، ولكنها تريد خلافاً بينها وبين الصين، حتى يحدث تماس بين الحركة وتنظيم "القاعدة" والتنظيمات المتطرفة التي قد تستقر في أفغانستان ومسلمي الإيغور في الصين، فحدوث هذا كفيل بإشغال الصين ربما لخمسين عاماً مقبلة، وربما يقضي على حلمها في سيادة هذا العالم.

المحاولة الأميركية تُريد توريط الصين في ما نجحت فيه مع روسيا عندما تورطت في حرب طويلة داخل أفغانستان استمرت 9 سنوات كاملة، ساعدت أميركا فيها المقاتلين العرب أو المجاهدين العرب، الذين شكلوا بعد انتهاء الحرب تنظيم "قاعدة الجهاد"، وكانت المواجهة الأميركية في دعم هؤلاء المجاهدين أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي، وهذا هو الهدف الأميركي من توريط الصين وفي مواجهة مناوشات روسيا بهجماتها السيبرانية على واشنطن.

الصين وروسيا وحلفاؤهما يُدركون حجم التحدي وما تريده واشنطن، ولذلك أسرعوا الى دعم حركة "طالبان" والدفاع عنها، وقد نتفاجأ بمنطق الخلاف الدولي ونيات المواجهة واستخدام "طالبان" وبعض جماعات العنف والتطرف، أن تُصبح أفغانستان في ظل سيطرة "طالبان" على الحكم عضواً في الأمم المتحدة.

أزمة المجتمع الدولي هي في عدم وجود استراتيجية لمواجهة الإرهاب والتطرف، يتم الاتفاق عليها ومناقشتها دائماً، بحيث تقوم كل دولة بدورها في المواجهة، وهنا نضمن عدم السماح باستخدام جماعات العنف والتطرف في الصراع السياسي بين الدول، هذا الأمر في غاية الأهمية، ولا يقل عن محاربة استخدام المرتزقة في الحروب أو استخدام الأطفال في المعارك العسكرية، من دون ذلك سوف يظل الإرهاب المعولم العابر للحدود والقارات يطل برأسه على العالم من دون مواجهة حقيقية تقضي عليه أو تحدّ من قدراته.

حركة "طالبان" تبحث عن شرعية دولية، ولكنها في الوقت نفسه تستفيد من شرعية الخلاف الدولي؛ فكل من الدول الكبرى تستخدم جماعات العنف والتطرف في مواجهة الدول الأخرى، وهي لا تعجز عن إيجاد مبرر لهذا الاستخدام، الشرعية المتوقع أن تحصل عليها "طالبان" منقوصة بكل تأكيد، فإذا جاز لنا أن نسميها فهي شرعية الصراع السياسي بين الدول الكبرى أو شرعية الاستثمار في جماعات العنف والتطرف.

نحكم على حركة "طالبان" من واقع ملفات عدة، بحكم أنها وصلت الى السلطة وباتت أمراً واقعاً، ولكن الاعتراف بها ليس أمراً واقعاً ويخضع لمواقف الحركة وسلوكياتها التي تنزع إلى التطرف في ملفات المرأة والأقليات وحقوق الإنسان والحريات العامة؛ فمنذ أن وصلت الى السلطة وهي تضطهد المرأة وتمارس عليها الأدوار التسلّطية نفسها التي كانت تمارسها في التسعينات من القرن الماضي عندما وصلت إلى رأس السلطة.

تغيّرت تصريحات الحركة تجاه المرأة، والتي امتازت بالوردية في الأيام الأولى لوصولها للحكم، والتي وصلت إلى احترام المرأة ودعوتها للمشاركة في هذه السلطة والسماح بتعليمها ومشاركتها في كل مناحي الحياة. تبددت هذه التصريحات في الهواء، فأول ما منعت الحركة المرأة من العمل واستثنت من ذلك الأعمال التي لا يكون لها بديل من الرجال.

ثم اتجهت إلى منع وصول الفتيات الى مدارسهن، ليس هذا فحسب، بل منعت المعلمات من تأدية وظائفهن، وادّعت أن لديها خططاً مستقبلية لفتح مدارس للبنات، ويضاف الى ذلك منع المرأة الأفغانية من مزاولة عملها في الإعلام، اشترطت عليها الحجاب ثم منعتها من الظهور تماماً على الشاشة، كما أحبت "طالبان" إغلاق الملف نهائياً بتحويلها وزارة شؤون المرأة إلى وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فـ"طالبان" لا تريد للمرأة أي وجود، كما لا تريد وجوداً لأي مؤسسة تدافع عنها.

صرحت قيادات الحركة في وقت سابق بأن حكومة "طالبان" سوف تحتوي على تنوع جنسي، بحيث تكون المرأة حاضرة في هذه الحكومة، وعلى تنوع عرقي، فلن تقتصر الحكومة على عرق الباشتون الذي تنتمي إليه قيادات "طالبان"، وهي ما خالفته تماماَ. فما عاد هناك وجود للمرأة في الحياة الأفغانية، وليس في الحياة السياسية فقط أو في تشكيل الحكومة. أما بخصوص الحكومة فأغلب تشكيلها من القيادات العسكرية والموضوعة على قوائم الإرهاب، مثال، الملا سراج الدين حقاني نجل جلال الدين حقاني، زعيم شبكة حقاني، والملا محمد يعقوب، نجل الملا محمد عمر، أول زعيم لحركة "طالبان"، وهنا الحديث ليس عن تنوع عرقي في تشكيل الحكومة بل في سيطرة صقور "طالبان" على هذه الحكومة.

يمكن الحكم على اعتدال "طالبان" من عدمه من ملف احترام الحريات وحقوق الإنسان، فهذان الملفان غابا مع حضور "طالبان" كما غاب ملفا المرأة والأقليات، غابت كل هذه الملفات بينما تتجه دول العالم لإعطاء الشرعية لحركة "طالبان"، تناقض يقوّض فرص مواجهة الإرهاب ويعطي مساحة جديدة للجماعات والتنظيمات المتطرفة، مساحة من الأرض والوجود المعنوي، الأزمة ليست في استجداء "طالبان" الشرعية، ولكن في تطبيع دول كثيرة معها رغم تطرفها. 

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية