عراقيون في ذكرى تشرين: حان وقت التغيير والكشف عن القتلة

عراقيون في ذكرى تشرين: حان وقت التغيير والكشف عن القتلة


27/10/2020

اكتظّت ساحات الاحتجاج البغدادية، وسط العاصمة العراقية، صباح أول من أمس، الأحد، بآلاف المشاركين بسنوية الذكرى الأولى لانطلاق تظاهرات تشرين المطالبة بإصلاح النظام السياسي في العراق، ورفع المتظاهرون، الذين توافدوا من مختلف المحافظات لساحة التحرير، شعارات مناهضة للتدخّل الأجنبي بشؤون البلاد الداخلية، والتنديد بالدورَين الإيراني والأمريكي معاً.


مسار الاحتجاج في الموسم الماضي يتحوّل في ذكراه الأولى إلى كرنفال بـ "شهداء الثورة وتخليدهم"، والكاظمي يقول: وظيفة الحاكم الاستماع لشعبه والشهداء نحتوا طريق المستقبل

 

وحاولت الحكومة العراقية امتصاص نقمة الشارع المحلي، بالتزامن مع الذكرى الاحتجاجية الأولى لتشرين، بإصدار عدة قرارات أمنية صبت في صالح الأمن العام مع استشعار المحتجين باختلاف الأداء الأمني، في ظلّ الحكومة الانتقالية، عمّا كان عليه زمن الحكومة السابقة، التي وصفت بـ "حكومة القنّاصين".
 وطالبت الاحتجاجات البغدادية، التي وصفت بأنّها "كرنفال تشريني" أكثر مما هي مسيرات غاضبة، بالكشف عن نتائج التحقيق فيما يتعلق بقتلة متظاهري احتجاجات العام الماضي، التي وعدت حكومة مصطفى الكاظمي بكشفها للرأي العام منذ تشكيلها، في شهر أيار (مايو) الماضي.

رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي
وكان محتجون عراقيون، قد خرجوا، في 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، في مدن جنوب ووسط البلاد، للمطالبة بتغيير الأوضاع الاقتصادية والخدمية وإصلاح النظام السياسي، ما أدّى إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي. وسقط في تلك الاحتجاجات نحو 500 قتيل و23 ألف جريح، جراء اشتباكات عنيفة من عناصر أمنية وميليشيات مسلحة ضدّ المحتجين. 
الكاظمي : شهداء تشرين نحتوا الطريق للمستقبل

قبيل ساعات من موعد التظاهرات؛ خرج رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، بكلمة متلفزة، أكّد فيها أنّ "وظيفة الحاكم الاستماع لشعبه".

وقال الكاظمي، في كلمته التي تباين العراقيون حولها "نستعيد ذكرى ثورة تشرين لنذكّر أنفسنا بأنّ للشعب حقوقاً أصيلة وصوتاً واضحاً وموقفاً شجاعاً"، مبيناً أنّ "شهداء ثورة تشرين نحتوا الطريق نحو المستقبل".

وأضاف: "الحراك الاجتماعي العراقي وضع خارطة طريق أقرَ بها الجميع ونحن ماضون بها"، مشيراً إلى أنّ "الحكومة تشكّلت لتعبّر عن إرادة الشعب ووضعت منهاجاً أساسه إقامة انتخابات نزيهة وعادلة".

اقرأ أيضاً: العراق: في ذكرى انتفاضة تشرين.. اعتقالات وإصابات بين المتظاهرين ورجال الأمن

وتابع رئيس الحكومة قوله: "متمسكون بموعد 6 حزيران لإقامة الانتخابات المبكرة وننتظر من البرلمان إكمال آليات قانون الانتخابات"، لافتاً إلى أنّ "إرادة التغيير السياسي تعبّر عنها صناديق الاقتراع، وهي من تمنح الشرعية".

وأردف: "الحكومة ستتكفل بحماية صناديق الاقتراع من التزوير والسلاح المنفلت وسنعتمد النظام البايومتري"، مضيفاً: "وعدنا بإطلاق نظام لتقصي الحقائق بأحداث ثورة تشرين رغم التشكيك، وشكّلنا فريقاً من قضاة مشهود له بالنزاهة".

انتشار أمني غير مسلّح
وفي محاولة الحكومة لمنع أيّ تصادمٍ أمني مع المحتجين، أمرت قواتها الأمنية بعدم حمل السلاح نهائياً في مناطق تواجدها، بالقرب من ساحات الاحتجاج، بينما شهد أحد الجسور سقوط عدد من الجرحى بين المحتجين والأمنيين في وقتٍ واحد.

هناك مراقبة جوية وأرضية لعموم مناطق التظاهرات في عموم البلاد

المتحدث باسم القيادة المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، قال: إنّ "هناك مراقبة جوية وأرضية لعموم مناطق التظاهرات في عموم البلاد"، مؤكداً أنّ "القوات الأمنية لا تحمل سلاحاً، لكن في حال وجود أيّ استهداف لمواقع حيوية للدولة، أو أيّ محاولة للإضرار بالاقتصاد، فإنّ الأجهزة الأمنية ستتعامل معه".

وكشف الخفاجي "اعتقال الأجهزة الأمنية لأشخاص يحملون آلات حادّة وزجاجات حارقة"، مبيناً أنّ "هؤلاء الأشخاص قدموا للأجهزة المختصة من أجل التحقيق معهم".

اقرأ أيضاً: الانتخابات العراقية المبكرة قد لا تغير قواعد اللعبة

لكنّ اللواء يحيى رسول، الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلحة، أعلن "اعتقال حدث (من مواليد 2004) كان يحمل 61 قنينة معدّة لتكون مولوتوف حارق، كان يروم إدخالها إلى ساحة التحرير لغرض استهداف القوات الأمنية وخلق فجوة بين المتظاهرين وقواتنا".

محتجون: تشرين غيّرت المعادلة السياسية
في ساحة التحرير، وسط العاصمة بغداد، يقف لطيف رستم، مستذكراً شهداء الانتفاضة التشرينية، الذين يصفهم بـ "أيقونات الثورة"، ويعرب الناشط البغدادي عن أمله بـ "إصلاح جذري" لواقع بلادهِ السياسي.

محمد الحمادي، متظاهر يقف بالقرب من نصب ساحة التحرير، يمارس هواية الرسم، سألته "حفريات" عمّا يفعل، فأجاب: أرسمُ صورة شهداء الثورة الذين قتلوا برصاص القنّاصين

 

وأبلغ رستم ـ "حفريات" بأنّ "احتجاجات تشرين أحدثت هزّة كبيرة في نظام ما بعد 2003؛ لأنّها انفجرت بإرادة شعبية خالصة، وتمكّنت من إرعاب الفاسدين في السلطة"، مبيناً أنّ "ذكراها الأولى التي نحتفي بها اليوم هي خير تأكيد على ذلك".

وأكّد الناشط، الذي يشارك في الاحتجاجات منذ العام الماضي، أنّ "الحركة غيّرت معادلة العملية السياسية الحالية، ورسمت خريطة طريق جديدة كي لا تستطيع الأحزاب المتنفذة العودة للسلطة مرة أخرى"، مؤكداً أنّ "وعي الجماهير، الذي حرّكته الاحتجاجات، لن يقبل بمن تسبّب بضياع ثروات العراق وسرقة خيراته من الحكم مرة ثانية".

احتجاجات تشرين أحدثت هزّة كبيرة

وأشار إلى أنّ "احتجاجات تشرين، فضحت الأحزاب السياسية ومواقفها من المحتجين، إذ راحت تخوِّنهم وتصفهم بالعملاء، عبر وسائل إعلامها المعروفة"، مبيناً أنّ "المشاركين اليوم يطالبون بالكشف عن قتلة المتظاهرين ومحاسبة الفاسدين وسارقي المال العراقي العام، وعدم التدخّل الخارجي، سواء من إيران أو أمريكا أو باقي دول الجوار، بشؤون عراقنا". 
يوم كرنفالي

وصِف إحياء ذكرى الـ 25 من تشرين الحالي، بالـ "كرنفالي"، أكثر مما هو احتجاجي غاضب، كما جرى في تشرين العام الماضي؛ فقد حضرت الأغاني الوطنية والهتافات التبجيلية بذكرى الانتفاضة الأولى.

محمد الحمادي، متظاهر يقف بالقرب من نصب ساحة التحرير، يمارس هواية الرسم، سألته "حفريات" عمّا يرسم، فأجاب: "أرسمُ صورة شهداء الثورة الذين قتلوا برصاص القنّاصين والقتلة في الحكومة السابقة، أستذكرهم، وهذا جزء من أخلاقياتي تجاه تشرين والمؤمنين بها".

اقرأ أيضاً: في الذكرى الأولى لانتفاضة تشرين.. العراقيون يعودون إلى الشوارع

وقال: "كلّ ما نفعلهُ لا يعدّ جزءاً مما قدمته تلك الدماء الطاهرة لصالح حياة أفضل لكلّ عراقي شريف"، مؤكداً أنّه "سيواصل، مع بقية المتظاهرين، الاحتجاج إلى حين تحقيق الأهداف، التي بمقدّمتها تفكيك نظام المحاصصة الطائفية".

أما هادي الناصر، وهو عازف موسيقي عزفَ النشيد الوطني وسط جمهرة المتظاهرين، فقد أكّد أنّ "الفنّ في ساحة التحرير هو عملية احتجاجية ضدّ السلطة التي تستثمر الدين لصالحها"، لافتاً إلى أنّ "كلّ قوى الإسلام السياسي وحلفائها، من السنّة والكرد، بعيدة عن الدّين وقيمهِ السمحاء".

ويؤكد لـ "حفريات"؛ أنّه يشارك "في الذكرى الأولى بما أمتلكه من مواهب موسيقية لخدمة الاحتجاج الذي يدافع عني وعن حرّياتي وعن كلّ العراقيين".
مدن عراقية أخرى

وشاركت مدن عراقية أخرى، وسط العراق وجنوبه، الذكرى الأولى لاحتجاج تشرين، علماً بأنّ الاحتجاج المركزي كانت قد شهدتهُ العاصمة بغداد، مع توافد محتجين عدة من بقية المحافظات إليها، لكنّ ساحات الاحتجاج في المحافظات لم تكن خالية من الاحتفاء التشريني أيضاً.

وقد شهدت محافظات النجف وكربلاء وبابل والبصرة وواسط والديوانية وميسان والمثنى حضوراً لافتاً في ساحاتها من قبل فئة الشباب، مع حضور نسائي وطلابي، بمسيرات بسيطة ورفع اللافتات المطالبة بالتغيير.

كما لم تخلُ تلك الساحات من رفع صور ضحايا الاحتجاجات في تلك المدن؛ فقد كان لكلّ مدينة شهيدها، الذي اغتالتهُ الجماعات المسلحة، أو سقط برصاص القوات الأمنية في عهد حكومة عادل عبد المهدي.

ومرّت التظاهرات في المدن الجنوبية من العراق، دون حدوث خروقات أمنية، عدا محافظة كربلاء (107 كم جنوب بغداد) التي شهدت مواجهة بين شباب محتجّين والقوات الأمنية قرب مبنى الحكومة المحلية وسط المحافظة.

ولم تؤدِّ هذه المواجهة إلى خسائر بشرية، إنّما انتهت بحرق أجزاء من المبنى الحكومي لمجلس محافظة كربلاء، بعد أن أضرمت فيه النيران عن طريق رمي المولوتوف.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية