عقوبات أوروبية مرتقبة على تركيا... هل يجني أردوغان ثمار "أعوام الفوضى"؟

عقوبات أوروبية مرتقبة على تركيا... هل يجني أردوغان ثمار "أعوام الفوضى"؟


02/12/2020

في أعقاب قمة الاتحاد الأوروبي التي عُقدت في 2 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لوّحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، باقتراب موعد إعلان العقوبات على أنقرة، وحذّرت من نشاطها المهدد لاستقرار أوروبا، خاصة في منطقة مياه البحر المتوسط، وتوسيع تحركاتها أحادية الجانب التي تمثل خطراً مباشراً على دول الجوار.

سياسي ألماني: أنقرة متورطة بشكل مباشر برعاية الإرهاب في أوروبا من خلال الدعم المالي والفكري للمؤسسات الإسلامية التي تعمل على نشر الفكر المتطرف

وقد عكس التصريح الذي جاء بعد مناقشات مطولة بين قادة الاتحاد الأوروبي نية واضحة وصريحة لدى زعماء أوروبا لوضع حدٍّ للتجاوزات التركية على المستويين؛ الدولي والإقليمي، خاصة أنّه يتزامن مع تصعيد غير مسبوق بين أنقرة ومجموعة الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، واتهامات توجهها كلٌّ من فرنسا وألمانيا للرئيس التركي رجب أردوغان بأنه يسير عكس التوجهات التي تحقق الصالح العام، وينتهج سياسة عدوانية تجاوزت كل الحدود، على حدّ وصف وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان.

ومارس الرئيس التركي أردوغان على مدار عدة عقود سياسة وُصفت مراراً بأنها "فوضوية"، خاصة فيما يتعلق بإدارة الملف الخارجي، وقد بدأت بمحاولة جادة لتسوية الخلافات وتوطيد العلاقات مع الدول في المحيط الدولي والإقليمي، وقد وصفها نائبه في ذلك الوقت أحمد داود أوغلو بأنها سياسة تهدف إلى (تصفير المشكلات)، لكنها اتجهت فيما بعد نحو مزيد من التعقيدات والتحدي الصارخ للقوانين الدولية، تارة في العدوان على دول مثل؛ سوريا وليبيا، وتارة بدعم تنظيمات الإرهاب والتطرف واحتضان عناصر إرهابية مطلوبة لدى بلادها، وأخرى بتنفيذ عمليات تنقيب في مياه دول الجوار في البحر المتوسط.

اقرأ أيضاً: تركيا وإيران: نظامان استبداديان يهددان استقرار العالم

وتدفع فرنسا، الدولة ذات الثقل الكبير داخل الاتحاد الأوروبي، نحو ضرورة فرض عقوبات على تركيا، خاصة بعد اشتعال الأزمة بين الرئيسين الفرنسي والتركي على خلفية التحركات التركية شرق المتوسط، من جهة، ومن جهة أخرى، تصاعد وتيرة الأحداث الإرهابية داخل فرنسا، وربطها بشكل مباشر بالخلاف بين الرئيسين، فضلاً عن تهجّم الرئيس التركي على نظيره الفرنسي، لدفاعه خلال تأبين المدرس الفرنسي صامويل باتي عن الحق في نشر صور كاريكاتيرية للنبي محمد، عليه السلام، فيما فُسّر بأنه تحريض علني عليه، وفقاً لوصف الصحافة الفرنسية.

اقرأ أيضاً: تركيا تدفع ثمن سياسة أردوغان للنمو بأزمة اقتصادية

ورغم زيادة التوتر وإطلاق تحذيرات عدة من جانب دول الاتحاد الأوروبي لتركيا، إلا أنّ الأخيرة لم تتوقف يوماً عن عمليات التنقيب (غير القانوني) في المياه الإقليمية بمنطقة شرق البحر المتوسط، كما أنها خرقت كافة قرارات حلف الناتو المتعلقة بتهريب السلاح إلى ليبيا، وضبطت القوات المكلفة بمراقبة السواحلة الليبية عدة سفن تركية، خلال فترات مختلفة على مدار الشهور الماضية، كانت محمّلة بالسلاح في طريقها إلى ليبيا، وهو ما زاد الأمور تعقيداً.

نتائج سياسة الاستفزاز

ويرى السياسي الألماني حسين خضر، رئيس مجلس اندماج وعضو مجلس محلي هيدنهاوزن - شمال الراين فيستفاليا، أنّ التحدي التركي لقرارات حلف الناتو، خاصة فيما يتعلق بالملف الليبي، أشعل فتيل الأزمة مع حلف الناتو، بينما تشعر الدول الأوروبية بشكل عام بحالة من الاستياء جرّاء التحركات التركية أحادية الجانب في شرق المتوسط، وهو ما يعرّض اليونان وقبرص لخطر شديد، خاصة أنّ أنقرة خارج كافة الاتفاقيات الدولية التي تمّت مؤخراً لترسيم مناطق التنقيب عن الغاز، والتي تشمل مصر واليونان وقبرص، كما أنها لا تملك أيّ إطار شرعي أو قانوني لتلك التحركات، التي لا يمكن وصفها إلا بأنها (استفزاز) واضح ومباشر للدول الأوروبية.

ويقول السياسي الألماني من أصل مصري، في تصريح لـ"حفريات": إنّ أنقرة متورطة بشكل مباشر برعاية الإرهاب في أوروبا، من خلال الدعم المالي والفكري للمؤسسات الإسلامية التي تعمل على نشر الفكر المتطرف، كما أنّ أصابع الاتهام في مختلف التحليلات السياسية تُشير إلى تورّط تركيا بدعم الهجمات الإرهابية التي وقعت في فرنسا على مدار الأشهر الماضية، بهدف إضعاف فرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الانتخابات المقبلة، عقاباً له على تصريحاته الناقدة لسياسات أردوغان العدوانية.

رئيس المركز الأوروبي للسلام: يجب اعتماد صرامة أشدّ من مجدر عقوبات اقتصادية على أردوغان لإيقاظه من حلم إحياء الدولة العثمانية على الحدود الأوروبية

ويرى خضر أنّ تركيا تسعى لتحقيق مصالحها، ولكن بشكل غير قانوني، من خلال تمديد أجل الصراع بين الفرقاء في ليبيا؛ لأنها الدولة الوحيد المستفيدة من ذلك، كما أنها خارج الاتفاقيات الدولية القانونية التي تتعلق بالتنقيب عن الغاز في مياه البحر المتوسط، وهو ما يجعلها تتحرك بشكل جنوني في هذا الملف بعيداً عن الشرعية الدولية، كما أنها فشلت في تحقيق أي تفاهمات تُذكر مع مصر أو اليونان.

أردوغان ولعبة المراهنات الخاسرة

ويقول الكاتب المغاربي محمد واموسي، رئيس المركز الأوروبي للسلام وحلّ النزاعات: إنّ العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بلغت مرحلة الحسم، أردوغان كان يراهن مراراً على حالة الانقسام بين الدول الأوروبية، واستفاد كثيراً من ذلك حين كان يتمايل ما بين واشنطن وموسكو، هذا الانقسام للأسف جعل أداء الاتحاد الأوروبي يتسم  بالعجز والمراوحة والتردد، بسبب ثقل الموقف الألماني الذي راهن دوماً على تسوية مع أردوغان بدل لي ذراعه، نحن في المركز الأوروبي للسلام وحلّ النزاعات قدّمنا، بمعيّة منظمات أوروبية أخرى في بروكسل، رسالة مشتركة لوزير خارجية الاتحاد الأوروبي نطالب من خلالها بعقوبات أوروبية صارمة ضد تركيا، ونريد أن تتغير  الصورة بدءاً من القمة الأوروبية في استباق لتمركز إدارة جو بايدن، التي يمكن أن تعمل على إعادة أنقرة إلى الحاضنة الأطلسية دون أخذ الهواجس الأوروبية بعين الاعتبار.

ويتابع واموسي في تصريح لـ"حفريات": إنّ الأوروبيين ما زالوا ينتظرون من أردوغان أفعالاً لا أقوالاً؛ لأنّ الأيام الماضية أظهرت بشكل واضح أنه بالرغم من تفضيل غالبية الدول الأعضاء، بما في ذلك ألمانيا، لعب ورقة التفاوض مع تركيا، يبدو أردوغان مصمماً أكثر فأكثر على المضي قُدماً في  طموحاته الإمبريالية، الجميع يعلم أنّ المياه في المنطقة المتنازع عليها مع قبرص هي مياه قبرصية؛ لأنّ ما يُسمّى جمهورية شمال قبرص التركية ليس لها وجود دولي، وانطلاقاً من ذلك وعلى مدار عامين وأكثر، أرسلت أنقرة سفناً للتنقيب عن الغاز ترافقها سفن حربية في بحر إيجه، تماماً مثلما لم تتردد في عبور جزيرة كريت للتوجه إلى ليبيا لتزويد حكومة الوفاق في طرابلس بالسلاح في تحدٍّ للحظر الدولي.

اقرأ أيضاً: خبراء: 4 أهداف وراء تحركات تركيا الأخيرة في ليبيا

ويرى الكاتب المغاربي أنّ الأمر يحتاج لأكثر من مجرّد عقوبات اقتصادية ضد تركيا بسبب سياسات أردوغان، ويجب اعتماد صرامة أشدّ "من خلال تقليم أظافر أردوغان   وإعادته الى حجمه، وإيقاظه من حلم إحياء الدولة العثمانية على الحدود الأوروبية"، كما عبّر عن اعتقاده بأنّ قمّة الـ10 من ديسمبر تمثل لحظة الحقيقة بالنسبة إلى السياسة الخارجية الأوروبية لناحية تماسكها وفعاليتها، وإذا تمّ السقوط في امتحان التعامل مع تركيا أردوغان، فسوف ينعكس ذلك على صورة أوروبا ونفوذها طويلاً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية