تركيا وإيران: نظامان استبداديان يهددان استقرار العالم

تركيا وإيران: نظامان استبداديان يهددان استقرار العالم


كاتب ومترجم جزائري
02/12/2020

ترجمة: مدني قصري

تعاني تركيا وإيران من ضائقة اقتصاديّة وماليّة حادّة، تفاقمت بسبب وباء فيروس كورونا، ونظامهما الاستبدادي مكروهٌ من قبل السكّان الذين لا يجرؤون على التعبير عن أنفسهم بحرّية إلا من خلال المخاطرة، ويُظهر قادتُهم بوضوحٍ ميولَ الهيمنة.

صعّدت تركيا تدخّلها العسكريّ في ليبيا؛ بإرسال سفن بحريّة وطائرات محمّلة بالأسلحة والطائرات المسيّرة، وأرسلت مرتزقة أتراكاً وآلاف المقاتلين السوريين لدعم ميليشيات السرّاج

وأعلن رجب طيب أردوغان، عند توليه السلطة، عام 2002؛ أن "تركيا مسلمة بنسبة 99٪ وفوق كلّ شيء دينُنا هو الذي يربطنا ببعضنا البعض"، ثمّ "أيّها الأصدقاء، اِعلموا أننا سيطرنا على ثلاث قارات وسبعة بحار لمدة ستة قرون. سنُهيمِن عليها مرة أخرى... المآذن هي حرابنا، والقباب خوذُنا، والمساجد هي ثكناتنا، والمؤمنون جنودنا".

 خلال 18 عاماً تمّ استبدال جمهورية أتاتورك العلمانية، تدريجياً، بحكم استبداديّ إسلاميّ، مع رئيس مدى الحياة، يسعى إلى توسيع نفوذه أينما وَجد ثغرة.

من جمهورية مَالي إلى القوقاز، تُقدّم تركيا بيادقها في الشرق الأوسط وأفريقيا، في محاولة لإعادة تشكيل خلافة تحت سيطرتها.

- في سوريا والعراق؛ تسعى تركيا إلى تحييدِ، إنْ لم يكن القضاء، على إرادة الحكم الذاتي لأكرادها، واحتلال الأراضي الكردية السورية، وقصف كردستان العراق. في العراق؛ الهدف الرئيس لأردوغان هو التطهير العرقي للجماعات الكردية والإيزيدية والمسيحية. وفي سوريا، تساعد تركيا المتمردين السنّة في إدلب، وغيرهم من الإرهابيين من الدولة الإسلامية السابقة الذين سيشكّلون دعماً لإمبراطورية "عثمانية" في المستقبل.

اقرأ أيضاً: أكاذيب تركيا وإيران في الجهاد من أجل فلسطين

على الرغم من أنّ تركيا بدأت في شراء أسلحة روسية، بما في ذلك نظام الصواريخ المضادة للطائرات "S-400"، القادرة على إسقاط طائرات "F-35" الأمريكية، إلا أنّ المصالح التركية والروسية ما تزال في صراع في سوريا.

تركيا تسعى لإسقاط بشار الأسد واستبداله بجماعة الإخوان المسلمين، وتريد روسيا إبقاءَه في السلطة، ومحاربة الجهاديين السنّة، وإنقاذ قواعدها في سوريا.

اقرأ أيضاً: قرقاش ينتقد دور تركيا وإيران في المنطقة... ماذا قال؟

- وقّعت تركيا وليبيا مؤخراً اتفاقية في البحر الأبيض المتوسط​​، تنصّ على إنشاء منطقة اقتصادية خالصة (EEZ)، والوصول إلى احتياطيات النفط والغاز الهائلة التي تمتدّ بين قبرص وليبيا، قد تتمكن تركيا من إيقاف وتفتيش أيّة سفينة تمرّ عبر المنطقة المحددة.

وبالنسبة لليونان وقبرص ومصر، وكذلك بالنسبة لإسرائيل، التي تعتمد على البحر في التجارة؛ فإنّ هذه الاتفاقية غير مقبولة، وردّاً على ذلك، اقترح الرئيس المصريّ، خلال زيارة لقاعدة عسكريّة؛ أنّ مصر يمكن أن تتدخّل عسكرياً.

- من الجانب اليوناني؛ تعارض هذه الدولة التنقيب التركيّ في أكثر من 20 موقعاً في البحر الأبيض المتوسط، مدّعية أنّها جزء من أراضيها، لقد وقع اشتباك بين سفينة تابعة للبحرية اليونانية ومرافقة عسكريّة تركيّة، وشدّد وزير الدفاع اليوناني على "استعداد بلاده للصراع العسكري مع تركيا".

اقرأ أيضاً: تركيا وإيران تنظمان اقتسامهما لمناطق النفوذ من العراق إلى سوريا ولبنان

- في ليبيا؛ يمكن أن تخوض مصر وتركيا الحرب بسبب التدخّل التركي في الحرب الأهلية الليبية الجارية. يسيطر المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، بدعمٍ من برلمان طبرق (شرق)، على 70٪ من البلاد، إضافة إلى آبار النفط الرئيسة، ومنافِسُه، فايز السراج، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، المدعوم من قبل برلمان طرابلس، غير الشرعيّ، لكنّه المعترف به من قبل الأمم المتحدة، وما يزال في السلطة، بفضل أموال قطر، والدعم التركي، والميليشيات الإسلامية، ولا يسيطر إلا على 10٪ فقط من الأراضي الليبية.

تنفق طهران أكثر من مليار دولار سنوياً لزيادة قدرة الحوثيين على إطلاق صواريخ على السعودية، ونشر جنود حزب الله في سوريا، وقصف إسرائيل بصواريخ حماس

مصر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وروسيا، وفرنسا، وغيرها، تدعم الجنرال خليفة حفتر، بينما تدعم تركيا وقطر حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، وهذه الأخيرة عبارة عن كونفدرالية من مجموعات مختلفة، بعضها مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين.

 صعّدت تركيا تدخّلها العسكريّ في ليبيا؛ بإرسال سفن بحريّة وطائرات محمّلة بالأسلحة والطائرات المسيّرة والمرتزقة.

في ليبيا؛ لم ينجح هجوم المشير حفتر على طرابلس، لكنّه زاد من المشاركة المباشرة للعديد من الدّول الأجنبيّة في الحرب.

 عزّز الروس والسودانيون والتشاديون صفوفَ الجيش الوطني الليبي، التابع لحفتر، وأرسلت تركيا مرتزقة أتراكاً وآلاف المقاتلين السوريين لدعم الميليشيات الموالية لحكومة فايز السراج، إضافة إلى هؤلاء السوريين؛ هناك 200 يمني ينتمون إلى حزب الإصلاح، أقوى جناح مسلّح للإخوان المسلمين في اليمن. فهؤلاء المرتزقة، الذين أرسلتهم تركيا، وهم أكثر عدداً، ومزوّدون بأسلحة أكثر حداثة، غيّروا المعادلة على الأرض.

اقرأ أيضاً: على غرار الحسكة: هكذا تقايض تركيا وإيران العراقيين بالماء

الدولة التركية تحتقر القانون الدولي، ولم تعد الإدارة الأمريكية تؤمن بالخطاب الذي يستخدمه الرئيس أردوغان لتبرير توغّلاته العسكرية، لكن، في انتظار اتّخاذ خطوة إشكالية، تظلّ الولايات المتحدة مقيَّدة بقاعدة الصواريخ النووية في إنجرليك. على الجانب الأوروبي، يرتبط ابتزازُ أردوغان بفتح الحدود لملايين اللاجئين السوريين على أراضيه، استعداداً لغزو أوروبا.

وهذا ما يفسّر تأخّر طرد تركيا من حلف الناتو.

 لم يعترض أحدٌ في أوروبا على تحويل كنيسة القديسة صوفيا إلى مسجد، رجب طيب أردوغان: "إنّ تحويل آيا صوفيا إلى مسجد هو نتيجة إصرارنا العادل، لقد اتّخذنا هذا القرار آخذين بعين الاعتبار ما تريده أمّتنا، وكما فعلنا في سوريا وليبيا وأماكن أخرى، سنواصل السير في طريقنا الصحيح نحو بناء تركيا عظيمة وقوية، بإذن الله، سنواصل السيرَ في هذا الطريق المقدّس، دون توقّف أو تردّد، حتى نصل إلى وجهتنا النهائية".

وماذا عن إيران؟

استولى الملالي الشيعة على إيران من الشاه في ثورة قبل أكثر من نصف قرن، عام 1979، ومنذ ذلك التاريخ قاموا بإنشاء جيش "فيلق الحرس الثوري"، والشرطة "الباسيج"، بالتوازي مع الجيش والشرطة، القائمين أصلاً، والموالين لهم، وكذلك المؤسسات التي تسيطر على 80٪ من اقتصاد البلاد.

اقرأ أيضاً: أين حدود إسرائيل وتركيا وإيران؟

وتختلف ميول الملالي في الهيمنة عن ميول تركيا؛ لأنّهم مدفوعون بكراهيّتهم للإسلام السنّي الذي احتكر السلطة بعد موت النبيّ محمّد، على حساب نَسَب النبي وصهره عليّ وابنيه، الحسن والحسين، اللذين يُعتبَران شهيدَين مُكرَّمين عند الشيعة.

إنّ العقيدة الشيعيّة عقيدة تنبؤيّة، تنبئاً بعودة ظهور المرشد، المهدي ، الذي يخرج من البئر، ليُبشّر بالإيمان الحقيقيّ، ويغيّر العالم بعد دماره.

اقرأ أيضاً: حزب الإصلاح والمعارك الجانبية نيابة عن قطر وتركيا وإيران

وهكذا، يرتكز عملُ الملالي على ميليشيات تابعة لها، تهدف إلى بثّ الرعب والفوضى في العالم بقيادة "فيلق أجنبي"، يسمَّى "قوات القدس الإيرانية".

إيران حاضرة في لبنان، من خلال حزب سياسي وجيش مواز، حزب الله، وفي سوريا والعراق؛ من خلال القواعد العسكرية والميليشيات الشيعية، وفي اليمن؛ من خلال قبيلة شيعية تحتلّ العاصمة وجزءاً كبيراً من البلاد، الحوثيون.

تنفق طهران أكثر من مليار دولار سنوياً لتسليح الجماعات والميليشيات التابعة لها وتدريبها، لتكون في خدمة مصالحها، وساهمت هذه الأموال في زيادة قدرة الحوثيين على إطلاق صواريخ على أهداف مدنية في السعودية، وفي نشر آلاف جنود حزب الله في سوريا، وفي القصف المنتظم لجنوب إسرائيل بصواريخ حماس.

إضافة إلى ذلك؛ يشكّل المسلمون الشيعة، خاصة اللبنانيّين، المنتشرون في جميع أنحاء العالم، خلايا نائمة، مستعدّة لبثّ الرعب. والنظام الإيراني متورّط في اغتيالات ومؤامرات وهجمات إرهابية في أكثر من 40 دولة.

اقرأ أيضاً: تركيا وإيران.. الاستعلاء القومي بغطاء ديني

وتعمل إيران أيضاً على تطوير أسلحة نووية، لترسيخ سلطتها في العالم، ورغم الاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه مع دول مختلفة في أوروبا والولايات المتحدة، عام 2015، لوقف هذا التطوّر، مقابل رفع العقوبات المالية، فقد استمرت إيران في برنامجها النووي السرّي الذي كشفه الموساد. وفي عام 2018؛ شجبت إدارة ترامب الصفقة النهائية، وصعّدت العقوبات الاقتصادية والمالية، ودعت أوروبا إلى أن تحذو حذوها، دون جدوى.

اقرأ أيضاً: ماذا قال عريقات عن دور تركيا وإيران و"الإخوان" بالساحة الفلسطينية؟

تعمل إيران الشيعية، وتركيا السنيّة، على تنسيق سياساتهما بشكل متزايد في الشرق الأوسط، وتعملان معاً على عدة جبهات.

يعارض البَلدان دورَ الولايات المتحدة في سوريا، ويسعيان معاً للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، ومحاربة الجماعات الكردية المنشقة، ويمكن تسمية هذه العلاقات الجديدة بتنازلات ساخرة، لكن هناك، مع ذلك، وحدة في الرأي في دعمهما لحماس، وفي كراهيتهما المزعومة لإسرائيل، وهذا يمكن أن يُقرّب طهران وأنقرة، أكثر فأكثر، على جبهات مختلفة في الشرق الأوسط، من اليمن إلى سوريا.

اقرأ أيضاً: تركيا وإيران... الأصولية والطائفية

قامت إدارة ترامب بقياس الخطر، وفرضت عقوبات على إيران، وتأخرت في القيام بذلك بالنسبة إلى تركيا، وأنقذت أوروبا إيرانَ وسايرتها لفترة طويلة، لكنّها بطيئة في اتباع النموذج الأمريكي، بدافع المصلحة، أو الكياسة والمجاملة، لكنّها بدأت تتفاعل بخجلٍ فيما يتعلق بتركيا، هذه التأخيرات لا طائل من ورائها سوى تعزيز هذين النظامين الإسلاميين الاستبداديَّين، اللذين يهدّدان السلام الإقليميّ، وحتى العالميّ.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

ww.dreuz.info



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية