على غرار الحسكة: هكذا تقايض تركيا وإيران العراقيين بالماء

على غرار الحسكة: هكذا تقايض تركيا وإيران العراقيين بالماء


01/09/2020

يعيش الشعب العراقي أزمات متتالية، تبدأ من الكهرباء شبه المنعدمة في المدينة، في ظلّ درجات حرارة تتعدى الـ 50 درجة مئوية، إلى الماء الذي تحاول تركيا أن تقايض العراقيين عليه بالبترول، وإيران التي تقايضهم عليه بالغذاء.

اقرأ أيضاً: شبع إيران بجوع العراق.. والمياه جزء من سرقة إيرانية موصوفة

لكنّ العطش الذي يعاني منه السوريون على أيدي النظام التركي، منذ أكثر من شهر، أعاد الحديث عن السدود التي تبنيها إيران وتركيا، منذ ثمانينيات القرن الماضي، والتي منعت أكثر من ثلث حصة الماء عن العراق.

شحّ موارد أم مقايضة؟

حذّر المستشار العسكري الأعلى للمرشد، يحيي رحيم صفوي، عام 2018، من أنّ شُحّ المياه في إيران قد يؤدي لبعض التوترات الإقليمية مع الدول المجاورة، وهو ما يراه الباحث في الشؤون الإيرانية، أحمد محمد فاروق، غير صحيح؛ إذ إنّ إيران تفتقر بشكل عام لسياسة ودبلوماسية فعّالة لإدارة الخلافات المائية مع العراق؛ كما أنّها تتشارك المياه مع 15 دولة مجاورة لها، إذ تنظر إيران للمياه وشحّها في البلاد كمهدّد لأمنها القومي، لذلك فتعاملها مع الموضوع ومع العراق يقوم على هذا الأمر، ومن الممكن الإشارة هنا أيضاً إلى استغلال المياه كسلاح لتطويع ما يهدّد أمنها القومي؛ فمثلاً في استفتاء كردستان، ألمح البعض إلى أنّ سيطرتها على مياه نهر الزاب الصغير للضغط على الزعيم الكردي مسعود برزاني، أيضاً بالإمكان الإشارة إلى الاحتجاجات على شحّ المياه في المناطق الغربية المتاخمة للعراق، تحديداً محافظة خوزستان، وتحوّل تلك الاحتجاجات إلى قضية أمنية كبيرة كدليل على مدى تهديد شحّ المياه على السلم المجتمعي في إيران.

يتابع فاروق، في حديثه لـ "حفريات": "كان مساعد وزير الخارجية، عباس عراقتشي، قد طرح فكرة تعتمد على تبادل المياه مقابل المحاصيل الزراعية مع العراق، كمبادرة دبلوماسية بإمكانها منع الحروب والتشجيع على التعاون، بدلاً من الصراع، هذا إضافة إلى أنّ أنماط الإنتاج التي تعتمد على كثافة المياه في إيران والعراق، لم تساعد الجانبَين في حلّ خلافاتهما، أيضاً أشار عراقتشي إلى فكرة عدم الإصرار على الاكتفاء الذاتي الزراعي لاستنفاذه موارد إيران المائية، ما سيشكل تحديات أمنية كبيرة، وربما من الطرائف أنّه في الوقت الذي تظهر خلافات بين العراق وإيران في ملف المياه هذا، كلاهما متضرّر من استمرار بناء تركيا للسدود".

كشف رئيس المركز القومي للجفاف وإدارة الأزمة في هيئة الأرصاد الجوية الإيرانية، صادق ضيائيان، عن تأثر 97% من سكّان إيران بدرجات مختلفة من الجفاف

ودمّر مشروع سدّ "غونيدوغو أناضول" التركي السياحة في محافظة تشهار محال وبختياري الخصبتين في إيران، ولما لهذا السدّ من تبعات بيئية سيئة على جودة الأراضي، حذّر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، منها، ودان تركيا لاستمرارها في بناء هذا السد تحديداً، كما أنّ غالبية الدراسات الإيرانية حول موضوع المياه وأزمتها في إيران، استنتجت أنّ أوضاع المياه متأزمة وعواقبها على الصعيد الاجتماعي فادحة، وأخطر عواقبها هي الهجرات الداخلية وتزايدها داخل إيران، فسابقاً؛ أعلن مسؤول في محافظة جلستان، شمال إيران، زيادة عدد السكّان داخل المحافظة وأيضاً في محافظة مازندرا.

تركيا تعبث بـ "إيران والعراق"

كشف رئيس المركز القومي للجفاف وإدارة الأزمة في هيئة الأرصاد الجوية الإيرانية، صادق ضيائيان، عن تأثر 97% من سكّان إيران بدرجات مختلفة من الجفاف؛ هناك 4.4% من عدد السكّان تأثرهم خفيف بالجفاف، و25.5% تأثرهم متوسط، و49.6% تأثرهم شديد، و18.4% متأثرين بشدة من الجفاف في إيران.

وبحسب مهندس الطاقة، والمحلل السياسي وعضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي، عبد القادر أحمد؛ يوجد 22 سداً على نهر فرات منذ عام 1989 داخل تركيا، أكبر هذه السدود هو سدّ أتاتورك؛ إذ قطع عن العراق 30% من نهر الفرات، تركيا تقول إنّها دولة منبع الأنهار، ويحقّ لها التحكم بمياه النهر، ضاربة عرض الحائط بمبدأ تقاسم مياه النهر بين الدول (التشاطؤ)، الذي يقسم مياه النهر بين دول المنبع ودول المجرى ودول المصب.

مهندس الطاقة عبد القادر أحمد لـ "حفريات": تركيا بصدد الانتهاء من سد "أليسو" على نهر دجلة الذي سيتسبب في حرمان العراق من 11 بليون متر مكعب سنوياً

يستطرد أحمد، في حديثه لـ "حفريات": "تركيا الآن بصدد الانتهاء من سد "أليسو" على نهر دجلة الذي سيتسبب في حرمان العراق من 11 بليون متر مكعب سنوياً، وهذا أكثر من نصف المياه (21 بليون متر مكعب) التي تدخل العراق،  وفي التسعينيات حوّلت إيران مجرى روافد نهر الكارون بحجة حاجتها إليها في ريّ بعض مناطق غرب إيران، وفي الحقيقة كان الغرض إنشاء محطات كهرومائية وليس الريّ،  وبعدها عرضت على دول الخليج بيعهم مياه نهر الكارون بمبلغ يقارب 15 مليار دولار، ما ينفي حاجتها إلى هذه المياه، أمّا نهر الوند مع نهر سيروان الرافدين الأساسيين لـ 30% من مياه دجلة، وسط وجنوب العراق،  ويستفيد منه العراق بريّ 50 ألف دونم في بلدة خانقين العراقية وحدها، ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي وإيران تحول مجراه عبر قنوات مختلفة،  أمّا في الستينيات من القرن الماضي نشأت أزمة بين العراق وإيران بسبب انخفاض كمية المياه التي تصبّ في الجانب العراقي من 58 متراً مكعباً في الثانية، إلى أقل من 3 متر مكعب في الثانية".

السياسة تهدّد كلّ أشكال الحياة

كلّ هذه السدود، التي تحجب عن العراقيين حقّهم في المياه، تستمرّ كلّ من تركيا وإيران في بنائها، لكن ّالأخطر والأكثر تهديداً لوجود العراق بأكمله هو سدّ أدريان على نهر سيروان (ديالى)، والذي بدأ العمل به منذ 2011، وتمّ الانتهاء منه عام 2018، والذي، بحسب ما يرى"أحمد"، يهدف إلى تحويل الجزء الأعظم من النهر من خلال قناة بطول 48 كم عبر نفق (نوسود)، لتتحول إلى الجنوب الغربي من إيران مع توليد طاقة كهربائية هائلة، تبيعها للعراق بأسعار باهظة.

سد "أليسو" التركي على نهر دجلة

ووفق بحث نشره أكاديميون في هندسة السدود بجامعة "سالفورد" البريطانية، قبل عامين؛ فإنّ إقامة هذا السدّ ستؤدي إلى قطع المياه بمقدار 60% ما سيؤثر على حياة مئات الآف في منطقة النهر وتلوث مياه الشرب، ويؤدي كذلك إلى انعدام الزراعة في حوض النهر، وسيزيد من ملوحة وتلوث مياه دجلة، وما يصحب ذلك من موت للأسماك وأشكال الحياة البيئية، كما أنّه يهدّد مساحات زراعية شاسعة تزيد على المليون ونصف مليون فدان يتمّ ريّها على حوض نهر ديالى.

اقرأ أيضاً: العراق يحذر تركيا.. تفاصيل

ولا تجد تركيا حرجاً في الاستمرار ببناء سدودها المزعومة، بحجة الأمن المائي، وأنّها دولة المصبّ، ولا تتراجع عن تصريحاتها حول مقايضتها للعراق (البترول مقابل الماء)، وكما فعلت سابقاً في سوريا، عام 2015؛ إذ قايضت تنظيم داعش الإرهابي البترول مقابل الأسلحة، وتعاود الكرة لتقايض شعباً بأكمله البترول مقابل مياه هي من حقّه بموجب القانون الدولي.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية