علي كرتي يقود إخوان السودان... هل تعود الجماعة إلى الحكم؟

علي كرتي يقود إخوان السودان... هل تعود الجماعة إلى الحكم؟


08/08/2022

حالة من الضعف طغت على الساحة السياسية في السودان، وشكّلت فرصة لجماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية في بعض الدول، لإعادة تنظيم صفوفها بشكل منهجي ومهيكل مع رهان على مساعدة فلولها من نظام عمر البشير البائد، فقد عكفت الجماعة، على مدار الأعوام القليلة الماضية، على البحث عن حلول تمكّنها من خلع عباءة البشير للانخراط مجدداً في الحياة السياسية في السودان.

ومن بين تلك الحلول التي تم التوصل إليها تدشين التيار الإسلامي العريض في نيسان (أبريل) الماضي، ولم يمر شهر على إطلاق هذا التيار، حتى أطلقت السلطات سراح رئيس حزب المؤتمر الوطني بالإنابة، إبراهيم غندور، وقادة الصف الأول من الحزب الحاكم السابق، ثم سمحت لعلي كرتي، وزير الخارجية السابق، الأمين العام المكلف للحركة الإسلامية السودانية، الذي ظل مختبئاً منذ سقوط نظام البشير، بالظهور على شاشة فضائية "طيبة" المملوكة للقيادي الإخواني البارز عبد الحي يوسف، الذي هرب إلى تركيا حيث يقيم الآن، وتبث فضائيته من هناك، إلا أنّها بعثت موفداً خاصاً إلى الخرطوم لإجراء حوار مع كرتي، الأمر الذي عدّه مراقبون "إعلاناً صريحاً" لعودة الإخوان إلى الواجهة، من خلال صفقة مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وفقاً لموقع "كيوبوست".

 ظهور مفاجئ

ظهور علي كرتي أثار جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية السودانية، فضلاً عن المحاور الإقليمية والمجتمع الدولي؛ فالجماعة التي حكمت السودان مدّة (3) عقود بالحديد والنار، ومزقت السودان إلى دولتين، وأشعلت الحرب في كلّ أنحاء البلاد، ودمّرت الاقتصاد، وعزلت الدولة عن المجتمع الدولي، بعد أن تم تصنيف السودان دولة راعية للإرهاب، لا أحد يرغب بعودتها إلى الواجهة مجدداً، غير "المكوّن العسكري" بقيادة رئيس المجلس الانتقالي اللواء عبد الفتاح البرهان، الذي يرجح كثيرون انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين، ولا سيّما أنّه كان قيادياً في الحزب الحاكم، وأعاد كوادر الجماعة من الصف الثاني إلى الحكومة بعد قرارات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وفتح المجال السياسي والاقتصادي أمام التنظيم المحظور عن العمل السياسي لـ10 أعوام، على حدّ قول "كيوبوست".

القيادي الإخواني البارز عبد الحي يوسف، الذي هرب إلى تركيا حيث يقيم الآن

ومنذ تشرين الأول (أكتوبر) 2021 حتى الآن، عاد الإخوان المسلمون إلى الساحة السياسية بقوة عبر واجهات جديدة، أهمّها "التيار الإسلامي العريض"، الذي يضم نحو (10) فصائل، ينتمي معظمها إلى تيار الإخوان، بينما يدين بعضها بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

ومنذ الإطاحة بعمر البشير وحزبه الإخواني "المؤتمر الوطني" في 2019، دأبت جماعة الإخوان المسلمين على البحث عن تمكّنها من خلع عباءة نظام البشير، تارة عبر تأسيس حزب سياسي جديد، وأخرى عبر "التيار الإسلامي العريض". 

حالة من الضعف طغت على الساحة السياسية في السودان وشكلت فرصة لجماعة الإخوان لإعادة تنظيم صفوفها بشكل منهجي ومهيكل

وتحاول الجماعة التعتيم على أعمال عنف سابقة تورط فيها أعضاؤها بالتعاون مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، وهدفت إلى خلق فوضى في الشارع لإزاحة حكومة عبد الله حمدوك وتيارات مدنية كانت داعمة له.

ومن بين التنظيمات المنضوية تحت "التيار الإسلامي العريض" التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الإخوان المسلمين فرع السودان، ومنبر السلام العادل، والحركة الإسلامية السودانية، وهي إحدى واجهات المؤتمر الوطني المنحل، فضلاً عن تيار النهضة، وضمّ الحلف الجديد أيضاً حزب دولة القانون والتنمية الذي يرأسه المتشدد محمد علي الجزولي، المعروف بولائه لتنظيم "داعش"، وأفرج عنه مؤخراً، وحركة الإصلاح الآن، وحزب التحرير والعدالة، وفقاً لـ"سودان تريبيون".

 عرّاب عودة الإخوان

توقيت ظهور علي كرتي مجدداً يحمل في طياته العديد من الدلالات، وفقاً لما نقلته "كيوبوست" عن الصحفي والمحلل السياسي محمد عبد الباقي فضل السيد، الذي قال: "كان واضحاً منذ البداية أنّ انقلاب البرهان تم بالتشاور مع الحركة الإسلامية، وعلى رأسها الأمين العام المكلف، ويبدو أنّه كان أحد صناع الأحداث الجسيمة التي أضعفت حكومة عبد الله حمدوك، وعلى رأسها أحداث شرق السودان، من إغلاق للموانئ والطرق الرئيسية، وانفلات أمني واسع النطاق، وضائقة معيشية غير مسبوقة".

ظهور علي كرتي أثار جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية السودانية فضلاً عن المحاور الإقليمية والمجتمع الدولي

ونبّه إلى أنّ "ما يدلل على أنّ كرتي هو أحد عرّابي انقلاب البرهان قوله في مقابلة تلفزيونية: "نحن في الطريق، إن شاء الله، إلى تطبيع الأوضاع عامة، لنخرج من هذه الحالة الاستثنائية"، فما معنى هذا غير عودة الإخوان إلى الحكم مجدداً؟ خاصة أنّ كرتي وصف الفترة منذ إطاحة البشير إلى أيلول (سبتمبر) 2020، أي قبل انقلاب 25 تشرين الأول (أكتوبر)، بفترة انهيار الدولة، واختطافها بوساطة مجموعة صغيرة، يقصد قوى إعلان الحرية والتغيير التي شكلت حكومة عبد الله حمدوك، واستثنى الشركاء الآخرين ممثلين في الجيش وقوات الدعم السريع، والحركات المتمردة السابقة التي وقّعت على اتفاق جوبا للسلام، أي شركاء الانقلاب، بما يعني أنّه أخلى مسؤوليتهم عمّا سمّاه بالانهيار واختطاف الدولة".

عكفت الجماعة، على مدار أعوام، على البحث عن حلول تمكنها من خلع عباءة البشير للانخراط مجدداً في الحياة السياسية

وأكد المحلل السوداني أنّ إعادة الإسلاميين إلى السلطة "شبه مستحيل"، مضيفاً: "فالشعب قال كلمته الفصل إزاءهم، وسوف تنتهي محاولات البرهان المتتالية في هذا الخصوص بالفشل، كما حدث في مرات كثيرة سابقة، خاصة أنّ الاحتجاجات الرافضة للحكم العسكري، ولعودة الإخوان، ما تزال جارية على الأرض، كما أنّ المحيط الإقليمي، ما عدا قلة، والمجتمع الدولي برمّته، ضد الانقلاب وضد عودة النظام السابق، لذلك فإنّ أمام الانقلاب خيارين لا ثالث لهما، إمّا إعادة الأمور بأسرع ما يمكن إلى ما كانت عليه قبل 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، وإمّا مواجهة الرفض الشعبي المتزايد بالعنف، وهذا خيار عالي الكلفة".

 ورقة ضغط

في حين يُنظر إلى ظهور علي كرتي على أنّه مؤشر على عودة الإخوان، رأى الصحفي والمحلل السياسي الجميل الفاضل، في تصريحات نقلتها "كيوبوست"، أنّه "ربما كان الأمر محض ورقة ضغط يستخدمها البرهان والإخوان لتخويف قوى الثورة الفاعلة بأنّ البديل هو الحركة الإسلامية إذا لم يقبلوا بالتسوية مجدداً، والعودة إلى الحكومة وفق رؤية المكوّن العسكري، مع غضّ النظر عن التحقيق في مذبحة فض الاعتصام، وما تلا ذلك من أعمال قتل مستمرة حتى هذه اللحظة".

المحلل السياسي محمد عبد الباقي: كان واضحاً منذ البداية أنّ انقلاب البرهان تم بالتشاور مع الحركة الإسلامية

 وأشار الفاضل إلى أنّ "هذا يتطلب بالضرورة إفشال مساعي فولكر بيرتس، رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى السودان، نحو إيجاد صفقة سياسية وصيغة توافقية بين الأطراف السياسية، وتشكيل حكومة مدنية جديدة، لذلك فإنّ التيار الإسلامي يعمل ليل نهار على الإطاحة بجهود فولكر، وتحريض المكوّن العسكري على طرده من السودان، وتنظيم بعض التظاهرات ضد الوجود الأممي في البلاد، حيث يعتقد الإسلاميون أنّ عودتهم إلى السلطة مرهونة بالتخلص من البعثة الأممية"

ورجّح أن يحدث ذلك "في الأيام المقبلة، إذ توقع أن يتواصل الضغط ضد رئيس البعثة، وأن يتم تجنيد بعض الإعلاميين لتشويه سمعته، وتحريض الإدارات الأهلية (شيوخ القبائل) ضده؛ تمهيداً لاستصدار قرار بإبعاده عن البلاد وإلغاء مهمة البعثة، إلا أنّ هذا السيناريو، إن حدث، فستكون تكلفته باهظة؛ إذ يعني ذلك ببساطة عودة البلاد إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفرض حظر اقتصادي ودبلوماسي عليها مجدداً".

مواضيع ذات صلة:

مباحثات غير رسمية بين العسكريين والمدنيين: هل تُخرج السودان من أزمته؟

الإخفاق السياسي يطارد السودانيين: حوار الآلية الثلاثية مثالاً

تحذيرات من عودة الإخوان للسلطة في السودان



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية