عمدة مقديشو لـ"حفريات": الأمن والتنمية على رأس أولوياتنا

عمدة مقديشو لـ"حفريات": الأمن والتنمية على رأس أولوياتنا

عمدة مقديشو لـ"حفريات": الأمن والتنمية على رأس أولوياتنا


06/12/2023

أجرى الحوار: محمود حسن 

مدينة مقديشو، عاصمة دولة الصومال الفيدرالية، هي القلب النابض للدولة التي تكافح في سبيل إرساء دعائم الدولة الحديثة، والاستقرار السياسي، والقضاء على خطر الإرهاب، وإحداث التنمية التي تحقق تطلعات شعب الصومال. كما أنّها المرآة التي تعكس التغير الذي تشهده البلاد، في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولهذا أجرت "حفريات" لقاءً مع عمدة العاصمة وحاكم إقليم بنادر. 

يشغل الشيخ حسين يوسف جمعالِه "مدالِه"، منصبي حاكم إقليم بنادر وعمدة العاصمة مقديشو، للمرة الثانية. كانت الأولى في أواخر الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الحالي حسن شيخ محمود، ومطلع ولاية الرئيس السابق، محمد عبد الله "فرماجو" بين (2015-2017)، وبدأ عهده الثاني بالمنصبين في أيلول (سبتمبر) 2022.

ينحدر السيد مداله من إقليم بنادر الذي يحتضن العاصمة، وأنهى دراسته المدرسية في أحد المعاهد الثانوية الأزهرية في القاهرة، وتلقى إجازة في الشريعة من الجامعة الأمريكية المفتوحة في العاصمة المصرية التي أقام فيها فترة من الزمن. 

هنا نصّ الحوار

أهم ما يشغل بال الجميع هو الوضع الأمني في الصومال بشكل عام، وفي مقديشو بشكل خاص. فما هو الوضع الأمني في مقديشو منذ تولي الرئيس حسن شيخ السلطة، وبعد إنشاء القوات البلدية لأمن العاصمة المعروفة باسم "حسِلِنتا"؟ 

عندما توليت منصبي، كان سكّان العاصمة تحت وطأة عبء أمني ثقيل، إلى درجة اضطرار المقيمين في المدينة لإبقاء هواتفهم الذكيّة في المنازل عند تجوّلهم في الشوارع خشية التعرض للسرقة. والمتسبب في ذلك كانت مجموعات من الفتيان الخارجين عن القانون، الذين كانوا يسطون على المارّة، ويتسببون بأثر سلبي كبير على المجتمع في العاصمة.

عمدة مقديشو: تبسط الدولة الفيدرالية سيادتها كل يوم على المزيد من الأراضي، وتحتاج المناطق المحرّرة من الإرهاب لكوادر قادرة على توفير الخدمات الحكومية

وقد بلغت مضايقتهم للسكّان إلى حدّ خلو بعض الأحياء من قاطنيها. تلك العصابات عُرفت باسم "عيال ويرو"، التي شجعت على السلوكيات المخالفة للآداب، وتهريب وترويج المخدرات بكثرة. بالإضافة إلى ذلك، عانت العاصمة من المشاكل الأمنيّة الخطيرة التي كان يسببها الخوارج "حركة الشباب"، ما جعلنا نشرع في تأسيس قوات أمن العاصمة "البلدية" المعروفة باسم "حسلنتا".

ما الذي تحقق من نتائج بعد تأسيس قوات "حسلنتا"؟

من خلال عمل قوّات أمن العاصمة مع إدارات مديريات العاصمة، أسسنا لتعاون ناجح، من خلال إشرافنا الوثيق على عملهم على مدار السّاعة. نجحنا في القضاء على عصابات "عيال ويرو"، وشددنا الحرب على تجارة المخدرات، فعادت الحياة الاجتماعية والسكان إلى الأحياء التي تم النزوح منها بسبب تلك الاضطرابات الأمنية التي تسببت بها تلك العصابات.

أما عن خطر الإرهاب، فشددنا من مطاردة الخوارج داخل العاصمة، واليوم يتم تتبّعهم إلى المناطق البعيدة التي فروا إليها، على أمل القضاء عليهم في أي مكان يتواجدون فيه. هاتان المهمتان كانتا على رأس أولويات قوّات أمن العاصمة البلدية، وتم تحقيق تقدم كبير فيهما.

ما الطبيعة الجغرافية والديمغرافية لإقليم بنادر، وموقع العاصمة مقديشو في الإقليم؟ 

 تقدر مساحة إقليم بنادر الآن بـ 550 كيلومتر مربع، ويقدر عدد السكان في المنطقة الحضرية لمقديشو الكبرى بـ 3.5 مليون نسمة، بالإضافة إلى 500 ألف نازح ولاجئ. نعمل على خدمة مواطنينا هؤلاء في مختلف القطاعات، ونبذل جهودنا لتلبية سائر احتياجاتهم حسب الموارد والإمكانيات المتوفرة والخطط الموضوعة.

ويعتبر إقليم بنادر واحداً من أهمّ الأقاليم في الصومال اقتصادياً، فهو يحتوي على مطار "آدن عدّي الدولي"، الذي يعتبر أكبر مطار دولي في البلاد، إضافة إلى ميناء مقديشو، الأنشط من حيث الحركة التجارية. كما يوجد به أكبر سوق تجاري في القرن الأفريقي وهو سوق "بكارا" الشهير، إضافة إلى كون إقليم بنادر ذا إنتاج زراعي معتبر، ومنتج كبير للصيد السمكي، وكذلك يعد سوقاً للمنتجات الزراعية الآتية من المحافظات والولايات المحيطة.

جمعاله: الأولوية للبنية التحتية والطرق تحديداً في المقام الأول، لتسهيل حركة السكّان، والمساعدة على النمو الاقتصادي وتحسين المنظر الجمالي للعاصمة

يشهد الإقليم نهضة عمرانية مركزها العاصمة، التي يصنّفها المراقبون كثاني أسرع مدن القارة الأفريقية نمواً، كما شهد الإقليم نمواً ملموساً في القطاع الصناعي.

هناك تطور ملحوظ في مشاريع البنية التحتية في العاصمة مقديشو، خصوصاً العمل على صيانة 14 طريقاً، فما إستراتيجية إعادة الإعمار لديكم؟

الإستراتيجية الأساسية هي أنني ملتزم بإعادة إعمار العاصمة، والأولوية للبنية التحتية والطرق تحديداً في المقام الأول، لتسهيل حركة السكّان، والمساعدة على النمو الاقتصادي وتحسين المنظر الجمالي للعاصمة. الأمر الذي سيجعل مقديشو تنافس نظيراتها في عواصم العالم الأخرى.

لا أخفي أننا ركّزنا على الحفاظ على مداخيل العاصمة، من خلال إحكام إدارة الضرائب المفروضة على الأعمال والمنشآت والمواطنين الصوماليين الذين يعيشون في إقليم بنادر.

عملنا على بناء ثقة بين السلطة والمجتمع، لتحفيز المشاركة المجتمعية في عملية إعادة الإعمار، وقمنا بإعادة تفعيل برنامج "ساهم ببناء بلدك بدولار واحد"

كما عملنا على بناء ثقة بين السلطة والمجتمع، لتحفيز المشاركة المجتمعية في عملية إعادة الإعمار، وقمنا بإعادة تفعيل برنامج "ساهم ببناء بلدك بدولار واحد"، ونتيجة للثقة القائمة على رؤية الإنجاز في العاصمة، من رصف وتعبيد الطرق، وأعمال التجميل والإضاءة، بات المجتمع شريكاً في إعادة الإعمار.

كيف هي أوضاع خدمات التعليم والصحة في بنادر بعد تسلم الإدارة المحليّة برئاستكم لهذه المسؤوليات؟

نقوم بإدارة ما تسلمناه مع بداية تولينا المسؤولية، وأضفنا إليها الملفّات المذكورة، لما لذلك من أهمّية في تخفيف العبء عن الحكومة الفيدراليّة من جهة، ومنح أبناء الإقليم المزيد من الثقّة، وإتاحة الفرصة لهم لاكتساب الكثير من الخبرات الضرورية في الإدارة والقيادة.

كذلك لكون الإدارة المحليّة على تماسّ مباشر مع السكان، فهي الأقدر على التعرّف على الاحتياجات الطارئة والملحّة، وكذلك الأقدر على وضع الخطط للتوسّع، وتقدير المتطلّبات الضرورية في المستقبل على المديين القريب والبعيد. وحتّى الآن تمكنت إدارة إقليم بنادر من إدارة 25 مدرسة، خلال عام واحد من وجودنا هنا، وقمنا بإضافة وتشغيل 17 مدرسة، ليبلغ إجمالي عدد المدارس التي نديرها الآن 42 مدرسة، والتي يستفيد منها 44722 طالباً. ونخطط للوصول إلى تقديم التعليم لنحو 65 ألف طالب.

بخصوص الخدمات الصحية، لدينا 69 مركزاً لصحة الأمومة والطفولة، ومستشفيان تستفيد منهما الأمهات والأطفال في إقليم بنادر، والقادمون من المحافظات الأخرى المحيطة، ونخطط لإنشاء أربعة مستشفيات في المديريات الأربع للعاصمة مقديشو.

يشكّل ملفّ الوضع الدستوري للعاصمة مقديشو وإقليم بنادر، المعروف بملفّ "مقام العاصمة"، موضوعاً مهماً على أجندة الحوار الوطني على المستويين الوطني؛ فيدرالياً ومحلياً. ويتفق أبناء الإقليم على ضرورة الحصول على تمثّيل نيابي، فما هي جهودكم بخصوص وضع العاصمة في الدستور الدائم الذي يعمل الرئيس على إنجازه؟

ملف مقام العاصمة حاضر بشدّة في الحوارات السياسية الرسمية وحتّى العابرة في الأماكن العامة، فكلّ مؤسسات الدولة الفيدرالية تقع ضمن العاصمة وإقليم بنادر. وليس مستغرباً أن يثير أبناء العاصمة هذه القضية مع المسؤولين الفيدراليين بشكل عفوي كلّما سنحت لهم الفرصة، ونحن ندرك أهميّة ذلك لأهلنا سكّان العاصمة التي نحن في خدمتهم.

وتلتزم إدارة إقليم بنادر على المستوى السياسي بتلبية المطالب السياسية لمجتمع الإقليم، ولهذا فإنّ لنا مشاركة دائمة في اجتماعات المجلس التشاوري الوطني إلى جانب الولايات الفيدرالية، لطرح وتمرير المتطلبات السياسة لإقليمنا وتوضيح تمثيل العاصمة مقديشو، وتعزيز مركزها ومقامها الوطني.

ما هي القضايا الأخرى التي تحتاج لتوضيح وتنظيم فيما يتعلق بوضع العاصمة في الدستور والقوانين؟

هناك العديد من المسائل المطروحة والمرتبطة بإقليمنا، لازالت في حاجة إلى سنّ القوانين واللوائح التي سيتم تقديمها إلى غرفتي البرلمان، وكذلك إلقاء الضوء عليها في دستور البلاد. كما تعلمون فالبرلمان حالياً في إجازته، وعند عودته للانعقاد فإنّ المطالب السياسية لإقليم بنادر والعاصمة ستكون من أهم البنود المطروحة أمامه، وعلى رأسها إيجاد الحلول ضمن دستور البلاد، فيما يخص التمثيل السياسي والمكانة الدستورية للعاصمة مقديشو.

حسين جمعاله: الإدارة المحليّة على تماسّ مباشر مع السكان، فهي الأقدر على التعرّف على الاحتياجات الطارئة والملحّة

وبين أيدينا الآن النظم اللازمة لتمكين شعب مقديشو وبنادر من انتخاب ممثليهم في مجالسهم المحلية وقادتهم الإداريين، ونعتبر أنّ النجاح في إجراء الانتخابات المحلية في إقليم بنادر سيزيل أي لبس حول حصول العاصمة على مكانتها الدستورية اللائقة بها، ونحن ملتزمون خلال فترة ولايتنا أن ننجز هذين الملفين بالصورة الأمثل.

تتكرّر الانتقادات لأجهزة الدولة عموماً حول التوسع في التوظيف وسط مخاوف من البطالة المقنّعة، فكيف تقاربون موضوع الكفاءة الإدارية في إقليم بنادر والعاصمة؟

أعتقد أنّ هذا التساؤل مشروع وإيجابي، وسبق أن تلقيّت مثل هذه الاستفسارات من المواطنين بشكل مباشر، ويسعدني الإجابة عنها. الظروف التي يمرّ بها الوطن تستوجب الاهتمام بتلك التفاصيل للحفاظ على الموارد وتحقيق أكثر مما تتيحه هذه الموارد، وفي الحقيقة فإنّ إقليم بنادر والحكومة المحلية للعاصمة مقديشو، تسعى لتحقيق توزان مدروس بين حجم الموظفين والإنتاجية. أي بين تجسيد الخط والبرامج الموضوعة وإتاحة الفرصة لأبناء الإقليم للعمل والحصول على الخبرات الضرورية ليساهموا مستقبلًا في بناء بلدهم بالمجمل، وليس العاصمة والإقليم فقط.

جمعاله: النجاح في إجراء الانتخابات المحلية في إقليم بنادر سيزيل أي لبس حول حصول العاصمة على مكانتها الدستورية اللائقة بها

من جانب آخر تبسط الدولة الفيدرالية سيادتها كل يوم على المزيد من الأراضي، وتحتاج المناطق المحرّرة من الإرهاب لكوادر قادرة على توفير الخدمات الحكومية بشتّى أنواعها. نحن مصممون على خلق فرص عمل للشباب الصومالي المتعلم حتى يطمئنّوا لإمكانية تحقيق طموحهم في وطنهم وليلمسوا منّا الثّقة بهم في خدمته. ولذلك لا يمكن أن نضع خططًا قد تؤدي إلى حرمان الشباب الصومالي المتعلم والقادر على الإنجاز من فرصه في العمل.

وما طبيعة علاقة الإدارة المحلية للعاصمة وإقليم بنادر مع البعثات الدبلوماسية للدول والمنظمات الدولية المتركزة في إقليم بنادر؟ وماذا عن التعاون بينكما؟

هي علاقات طيبة ومثمرة، ولدينا برامج تعاون متعددة، ويتولى التنسيق مكتب في إدارة العاصمة والإقليم، من خلال القنوات التي تتيحها الحكومة الفيدرالية مشكورة.

عمدة مقديشو: نسعى لتقديم اسم ومكانة مقديشو للعالم؛ كواجهة للصومال، وقلبه النابض سياسياً واقتصادياً وثقافياً وإنسانياً

في هذا السياق، أوجّه شكري لوزارة الخارجية لدورها في تسهيل تلك العلاقة، التي أثمرت عن تعاون لإنجاز العديد من المشاريع، على مستويات عديدة، الهدف منها تسريع إنجاز ما تحتاجه العاصمة والإقليم من أدوات ووسائل لتوفير الخدمات للمواطنين. تلك البرامج تشمل مشاريع خدمية، ودعم المتضررين من الأحداث الأمنية والواقع المناخي، وترقية نوعيّة الحياة في العاصمة.

تعددّت الزيارات الرسميّة الخارجية التي تقومون بها منذ توليتم المسؤولية، فما هي أهداف تلك الزيارات وما تم تحقيقه خلالها؟

في الواقع المسؤولية الملقاة على عاتقي لا تقتصر على العمل المحلّي، رغم أنّه الأساس، لكنّ هناك جانباً آخر يسهم في دعم الدور الأوّل، وهو تقديم اسم ومكانة مقديشو للعالم؛ كواجهة للصومال، وقلبه النابض سياسياً واقتصادياً وثقافياً وإنسانياً. وأسعى من خلال زياراتنا الرسمية والودية لتحقيق علاقات جيدة مع العديد من الأجهزة النظيرة لنا في الدول التي قمت بزيارتها، في سبيل التعارف المتبادل، والتشاور حول المشكلات المتشابهة، وتبادل الخبرات بخصوص حلّها وتجاوزها.

كذلك نهدف إلى تنظيم برامج التدريب والترقية لكوادرنا، والتعرّف على أفضل التقنيات والمواد والموارد، التي تمكن من رفع مستوى الخدمات عندنا، ومن ثمّ توثيق الصّلات مع المجتمعات المدنية النظيرة وتنفيذ مشاريع توأمة مع مدن مهمّة في العالم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية